إلى نيافة الجليل ، سكرتير ،
تحية امتنان وتقدير، نلتمس معها مبارك صلواتكم عنا،

ما بين الدهشة والغضب، تابعنا مجريات الساحة الكنسية حول سيمينار مجمع الأساقفة المقرر عقده في نوفمبر المقبل، وقيام بعض ال بتشويه اسمين من أراخنة شعبنا واغتيالهما معنويًا. فالمُشار إليهما بعدم استقامتهما هما من القامات ال الأكاديمية التي لا تتكرر كثيرًا، وإسهاماتهما في الشأن الكنسي لا مجال لإنكارها، وكلاهما مارس ويمارس التعليم في معاهدنا الكنسية منذ فترة ليست بالقصيرة.

ومع اعتيادنا على توقع الزوابع وشغب العاصين في شهر نوفمبر وعند كل دورة انعقاد للسيمينار، ومع اعتيادنا التسريبات الأسقفية غير المسؤولة، إلا أن هذه المرة مختلفة؛ فنحن لا نراها شأنًا أسقفيًا يُحل داخليًا في مناقشات مجمع الأساقفة، بل تطال شخوصًا علمانية من خارج المجمع، ولا تهدف إلا للحط من شأنهما، دون أدنى احترام لمكانتهما العلمية والأكاديمية، ومركزهما الاجتماعي، بل وأسرهما وما يشكلانه عند الطلبة والدارسين والمتابعين في الداخل والخارج.

توجيه اتهامات بالتعليم غير المستقيم لا يعني كنسيًا وعمليًا سوى الاتهام بالهرطقة، وهو منزلق أصولي وعِر لا نعرف كيف انزلق إليه بعض الأساقفة الذين يُفترض فيهم المسؤولية والعلم بأنه في حالة فشل هكذا اتهام، فهو يرتد على صاحب الاتهام فورًا. فإذا بنا نجد بيننا أساقفة عموم وإيبارشيات يطرحون الاتهامات الضميرية المهينة والخطيرة على أنها “رأي”، وأن من حقهم التعبير عن هذا الرأي! ويفترضون أن مخاطبة غبطة البابا بهكذا إفصاح هو “قناة شرعية” ينبغي أن تُدار بسرية ودون معرفة الشعب! وما تكون المؤامرات إلا هكذا.

الاتهام يبدو مريبًا وشديد التنظيم، ولا يستقيم مع كون الشخصين يقومان بالتدريس في معاهدنا الكنسية وفي قلب درة إكليريكيتنا العريقة دون أدنى غضاضة. وقد تعاقب على وكالة هذه المعاهد عدد من الأحبار الأجلاء المعاصرين والمتنيحين. فهل يطولهم لمز التكفير واتهام الهرطقة أيضًا؟ وماذا عن الباباوات السابق والحالي، ورئاسة المعاهد الدينية تقع تحت إشرافهم المباشر؟ وماذا عن الأساقفة خارج المعاهد من المعترضين؟ كيف لنا أن نتهاون في تقصيرهم وسكوتهم عن تعليم خاطئ؟ ولماذا الفزعة في الاتهام جاءت الآن؟ هل إلقاء محاضرة في سيمينار أكثر أهمية من التدريس المستمر لكهنة المستقبل، ونقل الإيمان المعيب إليهم؟!!

المُصدرون لهذا الخطاب لا يعرفون مسارات كنسيّة لهذا المأزق الذي وضعنا فيه بعض الإكليروس سوى طريقين لا ثالث لهما:

– إما توجيه الاتهام بصورة مباشرة إلى شخصيهما وإجراء جلسات استماع مُذاعة علنًا لتقرير أرثوذكسية تعليمهما من عدمه.
– وإما محاسبة كل من ورد اسمه في هذه الوريقة المشبوهة دون إبطاء، وتقديم اعتراف وتوبة إلى الله واعتذار للمطعونين في إيمانهما، آملين في تسامح ومحبة كليهما.

تجاهل هذا المأزق هو الطريق الثالث الذي لا يمكن قبوله، لأن هناك افتئاتًا غير مقبولًا على الكنيسة وحرية البحث العلمي واللاهوتي بها. ولا نستطيع اعتباره موجهًا إليهما فقط، بل هو موجّه لكل أكاديمي، ولكل دارس، ولكل طالب لاهوت، ولكل علماني من الشعب. كما أن رفض الأساقفة التعلم من الأكاديميين المتخصصين يُعد استكبارًا غير مقبول ممن يُفترض أنهم خدام الشعب، خاصةً أن تعليم البعض الذي ورد اسمه من الإكليروس يُثير الكثير من التساؤلات التي قد تصل إلى حد الهرطقات، وقد أُثيرت هذه التساؤلات بالفعل في السابق.

الصمت هو تأصيل لفكرة أن “الحقوق” لا مكان لها في كنيستنا، وأنه مهما كانت أخطاء الإكليروس وتعدياتهم فلا ساكن يتحرك. ونحن نحذر بشدة أن يسفر هذا الخذلان والإهمال المتكرر عن شيوع الإحباط بين صفوف الداعمين، وترسيخ الشعور بالغربة وعدم الانتماء بين كثير من الفئات.

بكتابنا هذا، نتوجه إلى نيافتكم موضحين خطورة الموقف الذي وضعنا به البعض بطفولية وعدم مسؤولية، آملين سرعة تصحيحه.

الكنيسة هي الملجأ والأم الرؤوم، وموطن الحق ونبع النبالة. فإن حاول البعض تحويلها إلى وكْر للدسائس والمؤامرات وإلقاء التهم الجزافية، فيجب أن يتصدى له الجميع: رئاستهم الدينية أولًا ثم الشعب. ونحن نثق بأننا نضع الأمر بين أيدٍ مباركة وعقول متفهمة لمسؤوليات الجميع.

وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

[ + مقالات ]
كاتب ومفكر قبطي في التيار العلماني المصري  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨

[ + مقالات ]
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي ومتابع للشأن الكنسي وشئون الأقليات

[ + مقالات ]
[ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]
[ + مقالات ]