عنوان المقال بمثابة سؤال مثل بالنسبة لي لفترة طويلة كل معاني السذاجة، بالبلدي -هو ده سؤال؟!- هل في مريض مش عاوز يخف؟

عشت سنين طويلة أبحث عن إجابة السؤال لأني مؤمنة أن المسيح لا يمكن أن يطرح أسئلة ساذجة وبعد مشوار كبير في الحياة بدأت أفهم أن هذا السؤال ليس فقط أهم سؤال ممكن يواجهنا كبشر عمومًا، لكن أيضًا هذا السؤال هو الإجابة لأسئلة كثيرة حيرت ومازالت تحيّر الإنسانية عن الخير والشر والظلم وأحيانًا حتى عن الكوارث الطبيعية، إجابة حتى لأسئلة الأنبياء مثل حين قال:

يارب لماذا…؟

كثر الذين يحزنونني (مزمور 3)

تختفي في أزمنة الضيق (مزمور 10)

تركتنى (مزمور 22)

… وغيرها

 

أتريد أن تبرأ؟

سؤال نحتاج أن نجاوب عليه، أوقات شخصيًا وأوقات عن أحباءنا الذين نتمنى أن يشفوا، وطبعًا الحديث هنا عن الشفاء الروحي والنفسي قبل الشفاء الجسدي، وإن كان الارتباط بينهم أصبح لا يحتاج إثبات، وهنا أحب أن أؤكد على الرابطة التي وضحها المسيح وأكد عليها في تعاليمه ومعجزاته ومواقفه بين الأمراض الجسدية والنفسية والروحية، ويمكن العودة تقريبًا لكل معجزاته وتعاليمه، ونبحث عن هذا الرابط وسنكتشفه ببساطة.

للإجابة على سؤال: أتريد أن تبرأ؟ لابد أن نفهم أن هذا السؤال فيه مفتاح خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، لذلك اختار الله ألا يصنع له دمى (عرايس لعبة) تتحرك وتعيش لكي تنفذ أوامره وبرمجته لها، لكنه اختار أن يخلق بشرًا أحرارًا أولادًا لله، لهم كل الحرية لاختيار الطريقة التي يعيشون بها، ومن ضمن وأهم هذه الاختيارات، علاقتهم، والرابطة بينهم وخالقهم وصانعهم من ناحيتهم، بمعنى أن محبة الله وعطاؤه للبشر ثابت من جهة الله كلي المحبة وكلي العطاء وكلي العدل لجميع البشر دون أي استثناء، ولكن كل إنسان له الحق أن يختار ما يأخذ وما يرفض من هذه العطايا الإلهية أو حتى يرفضها كلها ويرفض الله نفسه.

بالتالي يستطيع أيضًا أن يختار إذا كان يريد أن يشفى أم لا، ويمكن الخطوة التي قبلها ومرتبطة بها إذا كان يدرك أنه مريض أم لا؟ وهنا يكمن المفتاح الأول والأهم للشفاء، وهذا أيضًا الأصعب، وهناك كثيرين لا يرفضون فقط أن يروا أنفسهم مرضى، ويحاولون أن يخدعوا من حولهم بمظاهر الصحة المزيفة، لكن أيضًا يخدعون أنفسهم ويقنعونها بأنهم أكثر الناس صحة.

وقبل أن يبحث كل شخص منا على الآخرين من حوله، صديقه أو شريكه أو النرجسي الذي في حياته! غالبا كلنا وأنا أولًا، أو على الأقل في مرحلة من مراحل الحياة مرت علينا فترة خداع النفس هذه، والدليل إننا طوال الوقت نقول لبعض: “هي الدنيا جرى لها إيه؟ والناس بقت وحشه كده ليه؟” وكل شخص منا يلقي بهذا على كل من حوله، كأنه هو الوحيد المثالي مع أن لو كان هكذا فعلًا لصرنا نعيش في مجتمعات مثالية.

الخطوة الأولى هي اكتشاف المرض، وهي ليست خطوة سهلة لأنها تحتاج لتركيز شديد من النفس ومراقبة لها، وهذا ما أكد عليه السيد المسيح بعمق في مثل القذى والخشبة:

يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ!

(إنجيل متى 7: 5)

وهذا بالمناسبة ما فعله لما رد على سؤال المسيح: أتريد أن تبرأ؟ بأنه ليس لي أحد يلقيني في البركة، انصب تركيزه على الناس الذين تركوه ولم يهتموا به، لكن لم يركز في سؤال المسيح نفسه.

صدق الإنسان مع نفسه ليس سهلًا ورؤية الإنسان لنفسه من الداخل من أصعب الأمور التي يمكن أن يفعلها، خاصة أن النفس خادعة جدًا وهذا ما بدأنا نقرأ ونسمع عنه كثيرًا عن العقل اللا واعي وكيف أنه يتحكم كثيرًا في تصرفاتنا حتى ونحن لسنا مدركين هذا جيدًا. وهذا ما أشار إليه المسيح حين قال: وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. (إنجيل متى 10: 36)

لذا مهم أولًا قَبُول أن كلنا مرضى، وكلنا نحتاج لطبيب، والطبيب لم يأت من أجل الأصحاء، ولكن من أجل المرضى، ونعرف بالضبط نوع المرض الذي نعانيه.

الختام والهدف الأساسي لهذا المقال هي فكرة طرح السؤال، وقالها القديس بمنتهى الجرأة “الله [كلّي القدرة] الذي خلقك، لا يقدر أن يخلصك بدونك” وأنا أضفت ما بين القوسين لأنها تعيد المعنى لأصله، لأنه طبعا يقدر يخلصك لكنه اختار أن يخلقك لا كلعبة، بل اختار  أن يمنحك حريتك كاملة، ومعها مسؤوليتها كاملة، وإذا كان ربنا بنفسه لن يخلصك دون أن تريد فأنت أيضًا لن تقدر على تغيير أحد، لا يريد أن يغير نفسه مهما كنت تحبه، لن تحبه أكثر من الله الذي يحبنا جميعًا، ولكن القانون واضح التغيير والخلاص بإرادتنا.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

إيريني إستمالك
[ + مقالات ]