المقال رقم 12 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

مر أسبوعان على عشية استقبال أبونا بطرس في كنيسته، واليوم هو الثلاثاء الأول الشهر، وهو موعد اللقاء الشهري لكهنة الإيبارشية مع الأسقف في المطرانية، وهو اجتماع دوري روتيني، أحيانًا تكون فيه كلمة روحية ومعظم الوقت لا يكون فيه أي شيئ سوى تعليمات وقرارات يعلمها الجميع بشكل مسبق، ولكن على الجميع الحضور إلا من استطاع تقديم عذر، وبما أنه الاجتماع الأول لأبونا بطرس بعد الرسامة كان لزامًا عليه الحضور.

ذهب أبونا بطرس مع أبونا يوناثان وأبونا إيلاريون، أما أبونا أنجيلوس فقد اعتذر منهم بحجة أن عنده مشوار مهم وسيلحقهم فيما بعد.

امتلأ الاجتماع بالآباء الكهنة على غير المعتاد واقترب أبونا إيلاريون من أذن أبونا بطرس قائلًا :
ما تتعودش على زحمة النهاردة، في معظم الأوقات الكل بيقدم اعتذارات.

أبونا بطرس مندهشًا : أمال إيه؟! الكل جاي عشان يسلموا على الآباء المرسومين جداد ولا إيه؟!

ابتسم أبونا يوناثان ولم يعلق، وضحك أبونا إيلاريون قائلًا:
طبعا يا أبونا هو محدش يستغنى عن بركة الآباء الجدد، بس هما مش جايين علشان كده، إستنى وانت تسمع أجندة الأعمال.

هنا التفت أبونا يوناثان تجاه أبونا بطرس وارتسمت علامات الجدية على وجهه وهو يقول:
نسمع وإحنا ساكتين، مش هنعلق على أي حاجة تتقال، خلوا اليوم يعدي، مش عاوزين مشاكل ولا صداع، هو شوية قرارات هتتقال ولا تعليقنا هيغير ولا اعتراضنا هيغير، نسمع من سكات.

فهم أبونا بطرس إن الكلام موجه ليه، فأومأ برأسه علامة الطاعة، ودخل الأسقف بلحن إكإزمارؤوت، ووقف الكهنة وصلى الأسقف وأنهى صلاته سريعًا وجلس في مكانه في مواجهة الكهنة و جلس الآباء في أماكنهم وتنحنح الأسقف في المايك وقال بصوته المعهود:
فضولي أول ديسك.

فقام الآباء الجالسين فيه ليبحثوا عن أماكن أخرى وعلى الرغم من استجابتهم السريعة، إلا أنهم سمعوا الأسقف وصوته يعلو:
يلا بسرعة خلصونا يومنا لسه طويل، عاوز الآباء المرسومين جداد يطلعوا لي هنا في الأول.

أبونا بطرس همس وهو يقوم من بين أبونا يوناثان وأبونا إيلاريون:
إيه يا جماعة هو هيضرب المرسومين جداد ولا إيه؟!

أبونا إيلاريون لم يتمالك نفسه فضحك فغمس رأسه بين كفيه على ظهر المقعد الذي أمامه لكيلا يلحظه أحد أنه يضحك و خصوصًا الأسقف.

قام الثلاثة أباء الجدد الذين رسموا مع أبونا بطرس وذهبوا أربعتهم للمقعد الأول، وجلسوا، لكن الأسقف أشار إليهم بيده لكي لا يجلسوا ويظلوا واقفين، وأشار إليهم ليستديروا ويقفوا في مواجهة مجمع الآباء.

أبونا إيلاريون في منتصف الكنيسة همس في أذن أبونا يوناثان:
صدقني يا أبي أبونا الأسقف ده هيطلع في آخر الفيلم كان يا مدرس دراسات، يا أمين شرطة.

ولم يعلق أبونا يوناثان للمرة الثانية، وقطع الحديث صوت الأسقف في المايك موجهًا حديثه للكهنة الجدد:
لفوا ناحية باقي الآباء،
طبعًا النهاردة بنرحب بالآباء الجدد وبانضمامهم لمجمعنا، مجمع إيبارشيتنا وبنقولهم مبروك عليكم نعمة الكهنوت، وطبعا لازم تبقوا عارفين إن اجتماعنا ده شهري والحضور فيه إلزامي وكل اللي بيتقال فيه سري للغاية ممنوع يخرج برة اللي قاعدين من بعد ما بنخلص، وطبعًا ممنوع منعًا باتًا الغياب أو الاعتذارات عشان اللي مش بيلتزم بحطه في المفرمة،

ثم ضحك والتفت برأسه و كأنه أعطى الإشارة لبعضهم أنه قال مزحة أو نكتة، ليضحك الجلوس في الصفوف الأولى بمشهد هزلي وكأن معلم الفصل يمسك في يديه دفتر درجات أعمال السنة وقال مزحه سخيفة فجامله بعض الطلبة المنافقين طمعًا في الحصول على أعمال السنة.

وبعدما انتهى الجميع من الضحك أشار للكهنة الجدد ليجلسوا، فجلسوا في المقعد الأول الذي كانوا يقفون أمامه ليجدوا الأسقف يقول:
لأ متقعدوش قدامي، كل واحد يرجع مكانه خلاص.

فعادوا إلى أماكنهم السابقة ولم يفهم أحد لماذا طلب من الجلوس أن يتركوا الصف الأول.

عاد أبونا بطرس بجوار أبونا يوناثان وأبونا إيلاريون ليجد أن أبونا أنجيلوس قد وصل، سلم عليه وجلس وأبونا إيلاريون يهمس قائلًا:
الحمد لله عدت على خير.

ليهز أبونا يوناثان رأسه بجدية:
لسه مفيش حاجة عدت.

ليسمع الجميع صوت الأسقف: نبدأ اجتماعنا بقى،
يا أبونا فين كشوفات الخدام بتوع اللي طلبتها من الاجتماع اللي فات.

ليرد أبونا باسيليوس:
يا سيدنا أنا بلغت كل الآباء المسئولين عن الخدمة ووصل بس الكشوفات اللي قدام نيافتك.

فنظر إليها الأسقف و رفع حاجبيه و رفع صوته في المايك:
خمس كنايس بس من ٢٤ كنيسة في الإيبارشية؟! ده تسيب..! ده إهمال..!! ده استهتار…!!!

رفع أبونا يما يده طالبا الإذن بالكلام، فأشار له الأسقف بالموافقة، فوقف وقال:
يا سيدنا إحنا الكشوفات ديه بتطلب مننا كل شهرين ثلاثة من أكتر من ١٢ سنة وإحنا سلمناها أكتر من مرة، مش إحنَا بس يا سيدنا، كل الكنايس قدمت الكشوفات أكتر من مرة، فأنا حقيقي مش فاهم هل هيَّ بتضيع فبيطلب بدالها، ولا هيَّ بتطلب ليه مع إن مفيش حاجة حصلت فنقول مثلا تحديث بيانات، أنا قدمت الكشوفات ديه مطبوعة ومكتوبة وsoft copy على فلاشة وبعتهم على الإيميل لأبونا أكتر من مرة، وأعتقد إن كل كنيسة عملت كده فأنا بصراحة فكرت إنه ملهاش لازمة إني أقدمها ثاني.

قاطعه الأسقف ضاربًا براحة يده على الكتب أمامه:
إيه؟! فكرت ؟!! لأ يا أبونا متفكرش، أنا اللي بقول عليه يتنفذ وخلاص، أنا عندي رؤية أنتم مش شايفينها ولا فاهمينها،
وبعدين تعالى هنا يا أبونا، هو أنا مش قلت ممنوع الاجتماعات المختلطة، أزاي يا أبونا تعملوا اجتماع ثانوي مشترك، مش أنا قلت بيوت صلاة، بيت طهارة، بيوت بركة، أنا كلامي مش بيتسمع ليه يا أبونا؟!!

– يا سيدنا إحنَا فاصلين اجتماع ثانوي من ساعة ما نيافتك قلت وبنعمل لقاءات دورية مشتركة كل كام شهر بندعي فيها متكلم متخصص، وبعدين نيافتك عارف الموضوع ده، وديه مش أول مرة.

– يعني كمان بتعترف إنك مش أول مرة تكسر كلامي، عال عال، لأ وبتقول عادي كده وسط الناس، وبعدين إيه المواضيع المقرفة اللي بتكلموا فيها العيال دول.

– يا سيدنا مش بنكلمهم في مواضيع مقرفة، إحنا بنوعيهم، ولو الكنيسة مش هيَّ اللي قامت بتوعية ولادها المجتمع مش هايسبهم في حالهم.

– و حبكت بقى توعوهم في لقاء مشترك يا أبونا.

– يا سيدنا الموضوع كان عام جدًا ومفيهوش أي حاجة، إحنا كنا بنكلمهم على إدمانات مواقع السوشيال ميديا.

– ما أنا عارف يا أبونا، هو قدسك فاكرني قاعد في المطرانية هنا نايم على وداني، أنا دبة النملة في كنيستك بتوصلني، أنا عارف كل واحد بيقول ايه، وبيعمل إيه وبيكتب إيه.

أبونا بطرس تعجب وسأل أبونا يوناثان:
إيه ده! هو سيدنا عنده حساب على السوشيال ميديا!؟

أبونا يوناثان رد هامسًا: لأ معندهوش

– أمال بيعرف منين الكلام ده!!؟

أبونا إيلاريون قال: العصافير بتوصل سكرينات وفويسات دورية.

امتعض أبونا أنجيلوس من طريقة رد أبونا إيلاريون، واندهش جدًا أبونا بطرس وهو يتسأل متعجبًا:
سكرينات!!!؟ هو حتى هنا فيه عصافير!!؟

مهتمش أبونا إيلاريون بطريقة اعتراض أبونا أنجيلوس الصامتة على كلامه وأكمل موجهًا كلامه لأبونا بطرس:
يووووه عصافير، وصقور، وديابة، وضباع، كل اللي برة هتلاقي زيه جوة.

قاطعه أبونا يوناثان بحزم:
في كل مكان يا أبونا فيه يهوذا اللي بيسلم وبيخون وفيه يوحنا اللي بيكمل لحد الصليب، ده مجتمع كامل زي أي مجتمع مش مثالي، بس ده مش معناه إن مفيهوش مثاليين.

أبونا بطرس سأل أبونا يوناثان: طب هو ليه سيدنا بيناقش أبونا زوسيما في موضوعات خاصة تخص كنيسته وخدمته في الاجتماع العام، ما يبقى يناقشه لوحده.

هنا رد أبونا أنجيلوس: عشان ده مش موضوع خاص، بس هو أبونا زوسيما اللي الحماسة خدته واعترض، ماهو لو كل واحد يقعد ساكت ويسمع من سكات ويتعلم مش كل حاجة يعترض عليها ويبان أن مُصلح الكون، محدش هيتحط في موقف بايخ.

قاطعهم صوت الأسقف:
الآباء اللي قاعدين ورا ومش معانا، بتتكلموا في إيه؟!
قوم يا أبونا أنجيلوس قوللي سايبين كلامنا المهم وبتقولوا إيه؟!

أبونا أنجيلوس وقف، والمجمع كله التفت ناحيته وقال:
حاللني يا سيدنا، أنا كنت بقول للآباء إن نيافتك معاك حق، ولازم نسمع كلام نيافتك حتى نيافتك هتلاقي قدامك ٣ كشوفات بأسماء خدام كنيستنا زي ما نيافتك طلبت، ومعايا نسخة رابعة أهيه جاهز بيها علشان لو نيافتك طلبت نسخة زيادة نكون جاهزين بيها ومنعطلش، اللي نيافتك عاوز تعمله في الإيبارشية.

– الله عليك يا أبونا أنجيلوس، أنا عاوزكم تتعلموا من أبونا الالتزام والطاعة والنشاط، أقعد يا أبونا عفارم عليك، هاه يا أبونا زوسيما ياللي فكرت، قوللي بقى اجتماع جامعة طلع رحلة ليه الشهر اللي فات؟ رغم إني مانع الرحلات ..

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [١١] أبونا أنجيلوس (٣)[الجزء التالي] 🠼 [١٣] أبونا زوسيما
مايكل جميل
[ + مقالات ]