المقال رقم 5 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

رن موبايل سامي، ويظهر اسم أبونا يوناثان، فيرد سامي مسرعًا:

– حقك عليا يا أبونا، أنا السبب في كل اللي حصل ده.

يقاطعه أبونا يوناثان: هو أنتو عملتو إيه؟!!

– عكينا الدنيا ونيّلناها، فسيدنا اتنرفز مننا واتصل بقدسك.

– لأ أنا مقصدش على كده، أنا أقصد بعد ما سيدنا قفل السكة معايا وسمعني ما لذ وطاب، اتصل بيا تاني وقال لي إنه عايزكم بكرة تحضروا معاه القداس، وأكد عليا إنكم لازم تيجوا، وقفل السكة ومفهمتش حاجة.

وقف سامي العربية على جنب من كتر الذهول و فتح السبيكر علشان سارة تشركه ذهوله:

– أيوة يا أبونا هيعوزنا في إيه تاني؟!

– مش عارف يا ابني صدقني، هو قال لي الكلمتين دول وقفل، أه وحاجة كمان غريبة، طيب خاطري وقال لي حقك عليا يا أبونا، متزعلش من كلامي وقفل السكة.

– يعني عاوزنا تاني علشان يكمل تهزيقنا، ولا حس إنه غلط في حقنا فهيعتذر لنا، ولا إيه مش فاهم.

– بص يا أبني، سيدنا من أيام ما كان وكنا مع بعض زمايل في الإكليريكية مش بيعتذر، لو حس إنه غلطان أوي يصالحك و يطيب خاطرك بطريقة غير مباشرة، من غير اعتذار، بس ما اعتقدش إنه حتى ناوي على كده، لأن شكلكم عكيتو الدنيا جامد، عمومًا بكرة روحوا وهتعرفوا وابقوا طمنوني عليكم.

انتهت المكالمة، واستكمل سامي وسارة رحلتهما إلى المنزل، ومرت الليلة طويلة وكأنها لا تنتهي، وعندنا أشرقت شمس الصباح ارتديا ملابسهما، واتجهوا إلى المطرانية لحضور القداس،
كأن قداسًا سريعًا يحضره عدد قليل معظمهم من كبار السن، وبعدما انتهى القداس اقترب شماس من دكتور سامي و قال له: سيدنا بيقولكم اطلعوا فوق في مكان إمبارح إستنوه.

صعد سامي وسارة، ولم يغب عنهما الأسقف طويلًا، وعندما دخل، وقف سامي ومعه سارة في صمت لم يقطعه سوى الأسقف موجهًا كلامه لسامي:

– هو مش الدكتور كان بيقول إمبارح إنه شماس أغنسطس؟

– أه يا سيدنا، إترسمت وأنا صغير.

– طب و ينفع يا دكتور أغنسطس تحضر قداس وما تخدمش بوزنتك؟

– ماهو مش هينفع يا سيدنا.

– وإيه بقى اللي مش هينفعه؟

– أصل أنا زيّ ما قلت لنيافتك، أنا على قدي خالص في موضوع المردّات والألحان، ونيافتك شديد حبتين ولسه مبستفنا إمبارح، فبصراحة خفت إن البستفة تبقى على المشاع في القداس، فخدتها من قصيرها وقلت أصلي وسط الناس.

– خفت؟! هو أنا بعبع بخوف؟!

وراح رن جرس بجواره، فدخل شاب من خدام المطرانية:

– صباح الخير يا سيدنا

– صباح النور يا ابني، عاوزك تعملنا فطار لينا إحنا الثلاثة و شوفهم يشربوا إيه.

نظرت سارة لسامي دون أن تنطق ببنت شفة، أما سامي فنظر للأسقف قائلًا:

– ربنا يخليك يا سيدنا، كتر خيرك إحنا، مش عاوزين نتقل على نيافتك، ولا نعطلك.

– حضرنا قداس وهنفطر مع بعض، خلاص الموضوع انتهى مش عاوز رغي كتير.

ثم التفت للخادم: روح انت يا ابني جهز الفطار ومتتأخرش.

واستطرد موجهًا كلامه لسامي وسارة: طبعًا اللي عملتوه إمبارح ده ما يصحش، وطريقتكم معجبتنيش، وتستاهلوا إللي أنا عملته فيكم، بس ما علينا، أنا قبلت اعتذاركم.

برقت سارة جدًا ونظرت لسامي، ولسه هتفتح بوقها فأشار لها الأسقف لتصمت:

– بس يا بنت ياللي مسحوبة من لسانك إنتي، مش عاوز كلام، إنتي لسه متناولة وعاوزك تاخدي طول القاعدة ديه تدريب صمت، بلاش العرق الصعيدي الحامي ده، هو إنتي صح أصلا منين؟

نظرت سارة في عينيه نظرة عميقة:

– أجاوب يا سيدنا و لا أكمل تدريب الصمت.

مردش عليها الأسقف واكتفى بالنظر لها علامة على أن تستطرد في حديثها، وصب قليلًا من الماء في كوب وشربه، فاستكملت سارة حديثها:

– أنا مولودة في القاهرة يا سيدنا، بس بابا وماما من الصعيد، من أسيوط.

نظر الأسقف لسامي وكأنه يحاول أن يمازحه: شكلها قوية و مفترية، بس إنت الغلطان، هو في حد غلبان من البحيرة يتزوج ساحرة أسيوط الشريرة.

رد سامي وقال: صدقني يا سيدنا مفيش في الدنيا كلها أطيب وﻻ أحن من سارة علىَّ، ولو لفيت العالم كله، مش هلاقي جوهرة زيها أزين بيها حياتي.

في اللحظة ديه، طُرق الباب ثم دخل الخادم بمجموعة من الأطباق التي تحوى على ساندوتشات مختلفة، وضعها أمامهم مع أكواب من الشاي بلبن، وخرج:

وقف الأسقف وهو يبتسم: كان لازم أجيبكم في يوم صيام مش فطار، علشان ما تاكلوش معايا الحاجات الحلوة ديه، كام معلقة سكر يا دكتورة؟

نظرت له سارة وعلامات التعجب والذهول على وجهها، ولكنها سيطرت على تعجبها ووقفت قائلة: عنك انت يا سيدنا هظبط أنا الدنيا.

– مش إنتي إمبارح كنتي عاوزة تشوفي الأسقف الأب؟ أنا جايبكم النهاردة علشان تعرفوا إنه موجود، بس إنتو وغيركم اللي مش مصدقين إنه موجود، أو مش عاوزين تشوفوه، كام معلقة سكر؟

أشارت بأصابعها وهي لا تزال واقفة وقالت: معلقة ونصف، وسامي كمان زيي.

وضع الأسقف السكر في أكواب الشاي بلبن، ووضع كل كوب أمام صاحبه، وكذلك وزّع أطباق الساندويتشات ثم عاد إلى مجلسه، واستطرد في الحديث دون توقّف:

قبل ما أروح الدير، أنا كنت من هنا، إتولدت وعشت وخدمت وأنا بقميص وبنطلون، ودخلت الإكليريكية وبالمناسبة أبونا يوناثان كان زميلي، بس أنا كنت أشطر، وكنت دايما الأوّل، ولما خلّصت الكلية، روحت إترهبنت في الدير، وفضلت فيه طول السنين ديه، مخدمتش براه أبدًا،
وطبعا زي ما إنتو عارفين، بعد نياحة الأنبا دميان أسقف الإيبارشية السابق، فضلت إيبارشيتنا طول ثمان سنوات بدون أسقف، لأسباب كتيرة يطول شرحها، أو مش مهم شرحها،
سيدنا البطريرك لما إتزكيت قدامه قال لي جملة مش ممكن أنساها، قال لي: إنت راح تبقى أسقف على ٧٨ أسقف،
كل كاهن في كنيسته هو كبير العيلة وإشراف البطريركية كان صوري مهما كان، وكل كنيسة ماشية بنظام غير الكنيسة جارتها اللي في أخر الشارع، حاجات كتيرة كانت لازم تتظبط، ومفيش ريس يحب يبقى فوقه ريس،
أصلا مهما كان القائد حليم وكويس وقديس وملاك، مش هتلاقي الناس تتفق عليه،
عندكم مثلا صموئيل النبي، عمل إيه وحش للشعب علشان يصرخوا في وشه ويقولوله مش عايزينك، إحنا عاوزين ملك زي الأمم؟
موسى النبي مثلا، وقف في وش فرعون واستحمل صعوبات ياما، علشان خاطر شعب بني اسرائيل، وعدى بيهم البحر وبعصاته شق الجبل ونزلهم مياه يشربوا ومن وسلوى وسحابة وعامود نور ونهار وليل وفي كل مرة يحن الشعب لعبودية فرعون، وينكر الخير اللي عمله موسى،
السيد المسيح نفسه له كل الكرامة والمجد، بعد ما شفاهم وقوّم موتاهم وشبّع بطونهم وعقولهم، وقالوا عليه يعظ بسلطان وليس كالكتبة والفريسيين، وقف نفس الشعب ده مع الكتبة والفريسيين لينادوا بإطلاق اللص وصلب يسوع البار.
مفيش رئيس أو قائد أو أسقف أو حتى بطريرك كل الناس هتوافق عليه، إما هيكونوا ضده علشان هو واقف في طريق مصلحتهم، أو حيهادنوه وينافقوه علشان يأخذوا مصلحتهم برضه، المحايدين والحقانيين لو إتوجدوا قليلين أو صوتهم ضعيف، ومع الوقت إما بينضغط عليهم علشان ينضموا لفريق من الإثنين: فريق المعارضة و فريق النفاق، إما مش بيتسمع ليهم صوت، وبيفضلوا ساكتين كافيين خيرهم شرهم علشان مايتحسبوش لفريق حد على حساب الفريق الثاني.
ياما ناس وقفوا في كنايسهم واستخدموا اسمي في إرهاب الناس، ويقولوا سيدنا أمر و سيدنا منع، وأنا ولا بيا ولا عليا في الموضوع ده، ولا أمرت ولا منعت، وناس تثور وناس تعترض وأطلع أنا اللي وحش وقوي ومفتري ومش أب،
وطول ما أنا بتشتم فالدنيا تمام وزي الفل، يجي واحد يقف في صفي ويدافع عني، يقولوله بتطبل وبتهادن وبتنافق وراسم على الكهنوت علشان كده بتمسح جوخ الأسقف،
أجي إجيب فلان اللي طلع إشاعة ده وقولني كلام مقولتهوش، يعتذر و حاللني يا سيدنا والناس اللي فهمت غلط وأنا هقول إن مش نيافتك اللي قلت، بس خلاص النار مسكت في القش، والمياه مش بيكون ليها تأثير.
أما بالنسبة للناس، فالناس بتصدق اللي عاوزة تصدقه، مش اللي حاصل فعلا،
أنا راجل عمري معدي الستين، لو حد شدني شدة غلط أو اتزقيت في زحمة واتخبطت أو وقعت، مش هتبقى مجرد خبطة أو وقعة، أنا راجل عجوز و الناس مش مدركة حكم السن، ليهم بس الظاهر!
عاوز أقولكم حاجة اسمعوها كويس،
وانت بالذات يا سامي يا ابني حطها حلقة في ودانك،
مفيش حد بيكون عليه مسئولية قدام ربنا، ويتعمد يفسدها،
بالعكس في لحظة أخذان القرار، وحسب المعطيات اللي قدامه، شايف إن القرار ده الأمثل والأنسب،
مفيش حد بيخون وزنته اللي استلمها من إيد ربنا، بس أنا مش هنزل ألم معلومات بنفسي طول الوقت،
لكن يفترض في اللي قدامي الأمانة والصدق في نقل المعلومات اللي محتاجها علشان أخد قرار،
وبيحصل أحيانا إن المعلومة توصلني غلط، نتيجة عدم دقة بقى أو سرعة أو حتى عن عمد،
لكن بكون خدت القرار نتيجة المعلومات اللي وصلتني ده، اللي القرار كمل الدنيا هتبوظ، ولو مكملش ووقف بيتقال إن الأسقف كل شوية برأي وكلمة توديه وكلمة تجيبه، وبرضه الدنيا بتبوظ،
مش بقول إني مثالي، بس قدام ضميري وقدام ربنا، أنا بخدم بكل طاقتي وحسب رؤيتي اللي ممكن تكون صح وممكن تكون غلط، بس يكفي الضمير الصالح واللي ربنا هيحاسبني عليه حتى لو مكونتش عاجبكم.
نقطة كمان مهمة،
أنا لما بجيب واحد مرشح للكهنوت يقعد قدامي هو و مراته، بفحص نقاط كتيرة، بس ما ينفعش أقوله إنت ما تنفعش علشان إنت راجل شخصيتك ضعيفة، إزاي تقود كنيسة و شعب،
أو يكون باين إن بينهم مصانع الحداد، فأختاره، فتزيد بينهم المشاكل، ويبقوا سبب عثرة للكنيسة والشعب،
وأسباب ثانية كتير، ما ينفعش تتقال حتى لصاحبها، علشان ما ييأسش من نفسه،
لكن لما يتقال انه إترفض علشان القبطي أو الألحان، هتلزق فيا أنا، وأنا معنديش مانع كأب يتلزق فيا كلام مش حلو علشان خاطر ولاده.

ثم قام معتدلًا وقال:

أنا كان في نيتي إني أفطركم بس، أتفصلوا مع السلامة، أخذتم أكتر من وقتكم،
وانت يا دكتور أقعد مع أبونا يوناثان هيقولك الأوراق والخطوات المطلوبة منك،
وتيجي ورشة الملابس علشان ياخدوا مقاساتك، هرسمك أوّل أسبوع في الصيام.

وقف سامي وسارة الإثنين مع بعض وفي صوت واحد: إيه؟!!

– ولا كلمة، وطبعا يا ست سارة مش هاينفع اسميهولك إبراهيم علشان عندنا أبونا ابراهيم، لكن ليه عندي اسم لايق أوي على شخصيته المندفعة المسحوبة من لسانه هو ومراته.

– يا سيدنا، أنا منفعش خالص، صدقني، بأمانة ما تواضع، أنا خاطي ووحش وخايب ومليش في حاجة، أنا منفعش.

– ربنا بيحب يشتغل باللي مابينفعوش علشان في الأخر بيطلعوا ينفعوا،
أتفصلوا بقى مع السلامة وكملوا عياطكم مع أبونا يوناثان، مع السلامة.

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [٤] دكتورة سارة[الجزء التالي] 🠼 [٦] دكتور سامي (٢)
مايكل جميل
‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎