المقال رقم 10 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

مر حوالي عشرين يومًا منذ رسامة أبونا بطرس، كان قضاؤه فترة الأربعين في دير السيدة العذراء البراموس من الأشياء الجميلة جدًا بالنسبة له، وفي يوم، وهو عائد من المغارة بعدما قضى فترة خلوته اليومية، وجد في الطريق أبونا يوئيل البراموسي، وهو راهب عجوز بلحية بيضاء طويلة وملابسه الرهبانية كانت بسيطة جدًا بشكل ملحوظ فجرى نحوه مناديًا:
أبونا يوئيل، أبونا يوئيل!

توقف الراهب العجوز لينظر من ينادي عليه.
– على مهلك يا أبونا، خير.

– أغابي يا أبونا، أنا بس لسه مرسوم جديد وسمعت عنك كتير من الآباء الرهبان اللي في الدير، ووروني صورتك ففرحت أول ما شوفتك، ونفسي أقعد معاك أخد كلمة منفعة.

– يا أبونا الدير مليان رهبان قديسين كتار، سبت القفص كله ونقيت الطمطماية الوحيدة العفشة.

– العفو يا أبونا، قدسك كلك بركة، وابنك محتاج يسمع من الروح القدس على لسانك كلمة منفعة تسنده لما أروح كنيستي.

– ماشي يا أبونا، روح دلوقتي على المبيت بتاعك أو شوف جدولك فيه إيه، وأنا هعدي عليك بالليل بعد العشية.

– شاكر محبتك يا أبونا، هنتظر قدسك، إبنك اسمه بطرس علشان لما تيجي المبيت تسأل عليا.

– بالجري اللي انت جريته ورايا ده، وبالمنادية بتاعتك، وبعينك اللي كلها لامعة وطاقة وذكاء ونشاط، أكيد كان لازم يسموك بطرس.

سلموا على بعض وكل واحد كمل في طريقه،
ومن بعد العشية، أبونا بطرس كان كل شوية يبص ناحية باب المبيت في انتظار أبونا يوئيل، وطلع لحد الباب يبص على الطريق الموصل للكنيسة، وكل شوية يبص في ساعته، لحد ما فجأة لقى حد بيخبط على كتفه من ورا وهو بيقول له:
هو قدسك منتظرني كده.. صح؟!

أبونا بطرس إتخض واتنفض وقال لأبونا يوئيل:
هو قدسك دخلت هنا أزاي؟

– إيه يا أبونا أفلام القديسين اللي بتتفرجوا عليها في العالم ديه بوظت عقولكم، متخافش مجتش طيرانا ولا ظهرت فجأة، دخلت من الباب الخلفي للمبيت، ديري بقى اللي عايش فيه طول عمري فعارف إن فيه باب خلفي وشكل قدسك محدش قالك عليه، بس شكلك كان تحفة لما إتخضيت.

ضحك أبونا بطرس من روح أبونا يوئيل وأداءه المرح رغم كبر سنه،

أبونا يوئيل مسك أبونا بطرس من ايده كأنه ابنه أو صاحبه اللي يعرفه من زمان، وكان في مظلة متغطية بالزرع، وتحتها رخام للجلوس عليه، فقعدوا عليه جنب بعض.

– قول لي يا أبونا بطرس، استلمت الذبيحة ولا لسه؟

– أه يا أبونا استلمت أمبارح.

– عال عال، مبروك عليك النعمة يا أبونا، الكهنوت ده وزنة وعطية عظيمة، كل يوم عندك فرصة تمسك المسيح بيدك، وتشاركه معاك كل أفراحك وكمان أتعابك، هتفهم كلامي ده بعدين، بس مش هتلاقي أحن عليك من المذبح ذات نفسه، تقف على المذبح قدام المسيح وتحط عليه كل همومك ومشاكلك.

– أبونا أنا خايف معرفش أكون راع صالح، أو أعثر الناس في الكهنوت.

– المسنود على نعمة ربنا يا أبونا مايخافش، طول ما عينك على المسيح، حاطط السما وخلاص نفسك هدف قدامك، ماتخافش، ربنا يا أبونا بيسند المحتاج، ومهما جالك مجد رجعه لصاحبه، صاحب المجد، مهما أتعلمت متقعدش في صفوف المعلمين، خليك تلميذ صغير في مدرسة المسيح،
أوعاك يا أبونا من التحزبات، أوعي في يوم تكون مع فريق أبونا فلان ضد أبونا علان، أو مع أبونا علان ضد أبونا ترتان، خليك ملاك خفيف، قدم محبة للكل والوحيد اللي تبقى في الفريق بتاعه هو المسيح، لأن مفيش يا أبونا حاجة معثرة لشعب المسيح أكتر من عثرة الانقسامات والتحزبات، وفي الآخر تلاقي إن الآباء خسروا بعض وخسروا أبديتهم وضيعوا شعبهم علشان حاجات ولا تسوى، صدقني مفيش حاجة تستاهل إنك تخسر أبديتك أو أخوك عشان مجد باطل،
أخوك اللي في يوم من الأيام يشبط في خدمة ناجحة بتاعتك اديهاله، صدقني ممكن يكون نفسيًا من جوة شيطان صغر النفس مبهدله ومحسسه إنه مش ناجح ومش محبوب وكل أفعاله الصغيرة اللي بيعملها ديه تخليه يصعب عليك ويخليك تصليله مش تزعل منه،
حاجة كمان يا أبونا مهمة، أوع الخدمة تسرقك من خدمة بيتك وأولادك، لو ربيت أولادك كويس وإهتميت بيهم وطلعوا ولاد ربنا وماشيين في مخافته، هيكون سبب بركة في خدمتك وكنيستك، أما لو الخدمة سرقتك من بيتك وأولادك طلعوا تالفين أو شايفين نفسهم ولاد كاهن الكنيسة، هيكونوا سبب عثرة الشعب وفساد إكليلك، وافتكر إن خطية إنه ساب أولاده يسرقوا مجد الله لنفسهم ويعثروا الشعب، زوجتك كمان يا أبونا، لازم تنال رعايتك وحبك زي قبل الكهنوت وزيادة، أوع تجوع بيتك يا أبونا للحب واسقي دايما زرعة الحب والاهتمام في بيتك عشان كل ما هترويها هتنبت ثمر يديك،
انت نفسك قوة على الخدمة، وخلي بالك جدًا من إن محبة المال أصل كل الشرور، أوع يا أبونا في يوم المادة تتسلط عليك، أوع تكون محب لجمع المال، أوع تخلي غني كاسر عينك بعطاياه، اخدم الفقراء أكتر من الأغنياء، والغني اللي فاكر إنه بيدفع عشوره أو نذوره علشان يكسر عين الكنيسة، بلاها فلوسه خالص، وصدقني لما يعرفوا إن مالكش ثمن ولا ليك ثغرة احترامهم ليك بيزيد، أما لو عرفوا ديتك مش هتعرف تسد قدام طلباتهم، ابعد عن النار يا ابني، محدش كبير على الخطية، وكلنا بنكمل حياتنا بالنعمة وستر ربنا، في اللحظة اللي هتفتكر نفسك قوي ومش هتقع في ساعتها هتقع فوق رقبتك وهتتكسر،
آخر حاجة يا أبونا، على قد ما تقدر أبعد عن المطبخ، مطبخ القرارات والأحكام والقصص والروايات، لما تخش مطعم شيك من برة، نفسك تبقى مفتوحة، لكن كل ما هتقرب من المطبخ هتشوف حاجات مكنش نفسك تشوفها، وهتسمع قصص هتندم كل يوم إنك سمعتها وهتسقط قدامك أقنعة من على وشوش ناس كنت راسمهم في خيالك قديسين من ذهب، وافتكر دايما يا أبونا خلاص نفسك وأبديتك، انت أترسمت كاهن علشان تأخد إكليل ومجد، مش علشان اسمك يتمحي من سفر الحياة،
معلش يا أبونا، ما تخش المضيفة كده وهات لنا مياه وحاجة نشربها.

– حاللني يا أبونا، أخطيت، القاعدة الحلوة معاك نسيتني أعزم عليك بحاجة تشربها، حالا، هعمل لقدسك حاجة نشربها سوا.

رجع أبونا بطرس بكوبايتين الشاي وزجاجة المياه، بس كان أبونا يوئيل مشي، وحاول يقابله طوال الأيام الباقية في فترة الأربعين، ومعرفش، كأنه كان فص ملح وداب.

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [٩] أبونا ديڤيد[الجزء التالي] 🠼 [١١] أبونا أنجيلوس (٣)
مايكل جميل