المقال رقم 21 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

لم تمض الساعة وكان الجميع مجتمعين في حضرة الأسقف، أبونا يوناثان وأبونا أنجيلوس، وأبونا إيلاريون وأبونا بطرس.

– أنا جمعتكم النهاردة عشان أقولكم كذا خبر مهم، الأول أبونا بطرس هيرجع معاكم ويصلي وسطيكم في كنيسته وأكيد مش هيعمل حاجة غير لما يرجع لي، الخبر الثاني بكرة الصبح هنرقي أبونا أنجيلوس ونديله القمصية لأن أبونا يوناثان كان بيقول لي على حكمته وقدراته الإدارية شعر، الخبر الثالث إن إدارة كنيستكم هتبقى تحت إشراف أبونا أنجيلوس وده بطلب من أبونا يوناثان نفسه، يعني كده أبونا أنجيلوس بقى هو المسؤول عن الكنيسة قدامي، وتحت إشرافي..

ظل الجميع لعدة ثوان يحدق في وجه الأسقف إلى أن قطع الصمت أبونا بطرس وهو يصيح مستنكرًا:
– ده اللي هو إزاي ده؟! الكلام ده ما ينفعش، الكلام ده هيخرب الكنيسة ويقسم الشعب فرق، أكتر ما هما متقسمين، وبعدين…

قاطعه الأسقف بحزم:
– ولا بعدين ولا قبلين، أنا مش عارف أنا أصلا صابر عليك أزاي؟! ولا صابر عليك ليه يا أبونا؟!! أنا من ساعة ما جيت أسقف على الإيبارشية هنا ومسمحتش لحد إنه يعترض أصلًا، يعترضوا بينهم وبين بعضهم ممكن، يعملوا جروبات واتس أب ويصيحوا فيها بينهم و بين بعضهم وفاكرين إني معرفش حاجة مع إن سكرينات حوارتهم وڤويساتهم كاملة عندي، مش مهم بقول خليهم يتسلوا، طول ما محدش بيرفع صوته واللي بيحاول، مجرد محاولة بفرمه.

ثم أشار بسبابته تجاه وجه أبونا بطرس محذرًا:
– أبونا أنت شكلك عجبتك الفترة اللي قضيتها معايا في المطرانية، بس مش كل مرة هيبقى نفس الوضع، أنت لسه صغير، وعندك عيلتك وبيتك وزوجتك وعيالك، وشعبنا بسيط وغلبان وبلاش نسبب له عثرة ، كلامي واضح يا أبونا؟!! فاهمني ولا لأ ؟!! عاوز تعترض يبقى بينك وبين نفسك لكن اعتراضك يطلع من جوه فكرك ويتحول لكلام ده مش مسموح أبدًا.

ثم ضرب على سطح المكتب بقوة قائلًا:
– أنا هنا الأسقف، واللي أقوله يتسمع بالحرف الواحد بدون اعتراض، ولا حتى نقاش.. مفهوم؟!!

صمت الجميع ورفع أبونا أنجيلوس راحة يده طالبا الإذن بالكلام، و فكر أبونا إيلاريون في عقله بينه وبين نفسه:
– صح كده، عفارم عليك يا أبونا أنجيلوس، المأزق ده ما ينفعش نخرج منه غير من خلالك، هو دلوقتي هيعتذر للأسقف ويقوله ما ينفعش أبقى الكبير وأنا كنت بقميص وبنطلون وقت ما كان أبونا يوناثان قمص، كلنا أولاده وهو كبيرنا يا سيدنا.

قطع صوت الأسقف حبل أفكار أبونا إيلاريون وهو يقول:
– أتفضل يا أبونا أنجيلوس عاوز تقول إيه؟

فوضع أبونا أنجيلوس ذراعه على كتف أبونا بطرس وهو يقول:
متزعلش يا سيدنا من أبونا بطرس هو لسه صغير ومتسرع زي ما نيافتك عارف، وكمان معندوش خبرة، بس أنا الفترة اللي جاية هتبناه وأخد باللي منه، وهدي نيافتك تقرير يومي عن الكنيسة كلها كمان.

نظر أبونا يوناثان باسمًا باستهجان ناحية أبونا أنجيلوس ثم ناحية الأسقف ولم ينبث ببنت شِفَة، وفغر أبونا إيلاريون فاه على آخره متعجبًا، ولم يتحمل أبونا بطرس السكوت فوجه كلامه إلى أبونا أنجيلوس:
– إيه؟!! هي الدنيا عادي كده مع قدسك؟!! مش هتعترض؟!! هتوافق عادي إنك تبقى الكبير عادي وأبونا الكبير موجود؟!! هي على فكرة مش كرسي إدارة في شركة كنت قلت لقدسك إنها مش بتدوم لحد، ده أبونا يوناثان اللي ربانا كلنا وربى أهالينا وكلنا عرفنا يعني إيه كنيسة وخدمة من خلاله قدسك واخد بالك!!

حول أبونا أنجيلوس وجهه وهو يقول:
– أنا مليش إني أوافق أو اعترض، اللي يقوله سيدنا يتنفذ بالحرف الواحد ولو على رقبتنا كلنا، وأبونا يوناثان كبير وهيفضل كبير ومقامه محفوظ، أنا مليش دعوة يا أبهات، أنا بنفذ وهنفذ اللي يتقال لي.

بسخرية شديدة رد أبونا بطرس:
– يا سلاااااااام

نظر إليه الأسقف بغضب شديد وحذره قائلًا:
– لو أتكلمت تاني يا أبونا بدون إذن أنا هخرجك بره!

ثم التفت موجهًا كلامه لأبونا أنجيلوس:
– بكرة الصبح يا أبونا هرقيك قمص، في قداس بكرة بإذن الله.

تفاجأ أبونا أنجيلوس وقال:
– بكرة الصبح على طول كده يا سيدنا، أنا كده مش هلحق أقول لحد من أهلي وأقاربي عشان يجوا يشاركوني المناسبة المفرحة ديه، الواحد مش بيترسم قمص كل يوم، ديه مرة واحدة في العمر يا سيدنا، وأنا نصف أقاربي في المنيا فعلشان أبلغهم ويحجزوا القطر وييجو من السفر الصبح ده مستحيل، ماينفعش نأجلها كام يوم بس يا سيدنا لو سمحت؟!

– أنا قلت بكرة الصبح يعني بكرة الصبح خلاص انتهى، وترجع تقعد مع أبونا يوناثان يسلمك كل حاجة مفهوم؟!

– اللي تشوفه يا سيدنا، بس حاللني عندي طلب كمان عاوز أخد رأي نيافتك في كام نقطة والأبهات قاعدين عشان بس محدش يقول إني بتصرف من دماغي وأهو تبقى الشورة شورة نيافتك، و الأمر في الأخر يبقى أمرك يا سيدنا..

– اتفضل

– حاللني يا سيدنا، نيافتك عارف إن الناس بقى مشاغلها كبيرة، و ساعات عندنا جدول خدمة طويل عريض بعد القداس، والناس بتزهق وتمل، فياريت الآباء بعد إذن نيافتك ما يطولوش في العظة عن عشر دقائق، ويبسطوا على الناس بلاش كلام وعظات فلسفية صعبة على الشعب البسيط عشان الناس ما تعثرش لأنهم بيزهقوا من التطويل في القداس.

حاول أبونا بطرس أن يهمس في سره ولكن صوته ظهر واضحًا و مسموعًا للجميع وهو يقول:
– بيزهقوا من العظة و بالنسبة للقسمة اللي بتاخد ساعة إلا ربع كلها عياط وشحتفة من غير دموع ده اللي عادي!!

لم يتمالك الجميع أنفسهم فضحك أبونا إيلاريون وأبونا يوناثان بصوت عالي لم يسكتهم غير صوت الأسقف وهو يقول:
– بس، مش عاوز نفس، معاك حق يا أبونا أنجيلوس العظة متزيدش عن ١٠ دقائق، ولو قدسك شايف إن قداس القراءات طول، ممكن نلغي عظة القداس اليوم ده وتكملوا القداس من غير عظة والعظات والمحاضرات تبقى في الاجتماعات والعشيات كفاية.

– تمام يا سيدنا اللي نيافتك تشوفه، حاجة كمان بمناسبة الاجتماعات بقى، ياريت نيافتك تنبه بلاش ازدواجية الاجتماعات يعني مثلًا أنا بعمل درس كتاب في العشية بتاعتي، ما ينفعش يجي أبونا فلان أو علان بدون ذكر أسامي يعني، ويروح عامل اجتماع موازي ويخطف الشباب والشعب مني، لا مؤاخذة يعني يا أبونا بطرس.

– أخطف شباب إيه أو شعب إيه يا أبونا، قدسك الكاهن الوحيد اللي في الإيبارشية اللي بتعمل طمبلة أسبوعية فيها هدايا خلاطات وبوتجازات بالألفات، والناس بتحضر عشان الهدايا، فهاجي إيه أنا جنب قدسك أنا ولا بعمل سحب و لا جوايز، الشوية اللي قدسك بتشوفهم بيحضروا معايا دول ناس جاية تسمع وتتعلم وعارفة أن مفيش هدايا ولا حافز غير العظة اللي هيروحوا بيها، يا أبونا قدسك سايب كل القطيع اللي عندك ومستخسر فيّ المعزة اللي معايا.

قاطعه الأسقف موجهًا كلامه لأبونا أنجيلوس:
– مفيش مشكلة يا أبونا، أنا كده كده متفق مع أبونا بطرس، إنه مش هيعلم ولا يوعظ لحد ما أنا أقول، وكده كده هو لسه مش بياخد اعترافات، فممكن ميعاد العشية بتاعته ياخده أبونا إيلاريون يصلي فيه وأبونا بطرس يصلي معاك العشية بتاعتك.

– لو أبونا بطرس هيتضايق من الحضور معايا العشية بتاعتي يا سيدنا ممكن يصلي مع أبونا يوناثان أو أبونا إيلاريون، وبرضك يا سيدنا اللي نيافتك تشوفه أوامر علينا كلنا.

– لأ، ده أمر بينكم وبين بعضيكم، اعمل أنت يا أبونا أنجيلوس جدول القداسات والعشيات والخدمة عمومًا و بلغ بيه باقي الآباء.

– حاجة أخيرة يا سيدنا بعد إذن نيافتك..

– اتفضل.

– أبونا إيلاريون ماسك خدمة المرضى وديه بيحصل فيها تضارب كبير مع خدمة إخوة الرب، فبدل ازدواجية القرارات ممكن نضم الخدمتين مع بعض وأمسكهم أنا مع بعض، وطبعا برضه اللي تشوفه نيافتك يا سيدنا.

– ماشي مفيش مشكلة، ضم الخدمتين، وعاوز تقرير يومي مفصل يكون عندي، أنت المسؤول قدامي، وهحاسب قدسك على كل حاجة..

– متقلقش يا سيدنا، هتشوف كنيستنا في حتة تانية خالص الفترة الجاية، ومفيش مجال لأي نوع من العشوائية من هنا ورايح..

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [٢٠] درس للأسقف[الجزء التالي] 🠼 [٢٢] حكمة الكاهن الكبير
مايكل جميل
[ + مقالات ]