المقال رقم 19 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

همس أبونا بطرس قائلًا :
– يا سيدنا أنا مش دفتر تبرعات، أنا إنسان

تجاهل الأسقف تعليق أبونا بطرس الذي قاله بصوت منخفض هامسًا وتظاهر أنه لم يسمع ما قاله أبونا بطرس ونظر لأبونا قائلًا:
وإيه بقى إن شاء الله موضوع أم كيرلس ؟!! هو قدسك بتكسر تعليماتي وبتتصرف من دماغك وعاوز تعمل نظام لوحدك لإخوة الرب في الإيبارشية، ولا كأن فيه كبير نسمع كلامه؟!

تفاجأ أبونا كيرلس من معرفة الأسقف لموضوع أم كيرلس، ولم يكن يتوقع إطلاقًا معرفة الأسقف لهذا الموضوع وتلعثم في الكلام وكان ما يشغله كيف عرف الأسقف هذا الأمر؟..

أعاد الأسقف جملته الأخيرة مرة ثانية بصوت أعلى وأكثر صرامة: إيه يا أبونا هو قدسك مرسوم كاهن ولا مرسوم أسقف وبتتصرف من دماغك وأنا معرفش!

– حاللني يا سيدنا، أنا معملتش حاجة غلط، شفت واحدة محتاجة فساعدتها بعيدًا عن الرسميات وبصورة شخصية ومكنتش عاوز حد يعرف، ومستغرب أصلًا إن نيافتك عرفت!! هو نيافتك بتراقبني يا سيدنا؟!!

– هو ده اللي فارق معاك؟! عرفت ازاي!! مش فارق معاك إنك عندك بر ذاتي زيادة، وشايف نفسك أحسن من كل اللي حواليك، مش فارق معاك إنك بتكسر تعليماتي وأوامري وأنت لسه اسمك بالقلم الرصاص؟ مش فارق معاك إنك بأفعالك ديه بتزرع بايدك خصومة وعداوة مع اخواتك الكهنة وبتصغرهم قدام الشعب.

– أنا يا سيدنا بس كنت…..

قاطعه الأسقف ضاربا بالصليب على المكتب وبصوت مرتفع أكثر

– إنت يا أبونا كلك على بعضك غلط ، فاكر نفسك بتخدم في عزبة مش في مؤسسة كبيرة ليها كيان إداري وتنظيم، أنت بنفسك لما قبلت الكهنوت أعلنت خضوعك وطاعتك ليه، فيه ناس أكبر منك لازم تسمع كلامهم وتنفذه حتى لو مكنش عاجبك، تطيع وتنفذ من سكات ومن غير مناقشة ولا حتى تفكير.

شعر أبونا بطرس بالإهانة الشديدة نتيجة التعنيف المستمر، ولم يحتمل أكثر من ذلك، وقام معتدلًا واقترب أكثر من الأسقف..
– ليه يا سيدنا كل ده؟!! علشان إيه؟!! نيافتك حتى مش عاوز تسمع!! واحدة غلبانة وجوزها بيموت ومحتاجة فلوس وهي وجوزها وبيتها مسؤولين من الكنيسة، والكنيسة مش نافع تساعدها نتيجة روتين احنا اللي بايدينا اللي حاطينه، ولا هي عارفة هي تبع كنيستها القديمة اللي نيافتك خرجت شارعهم في التقسيم الجديد ولا الكنيسة اللي متعرفش حد فيها ولا هما يعرفوها وبيقوللها استني لحد لما جوزك يموت نكون جمعنا عنكم بيانات، ولا كأنهم خدوا الحالات بملفاتها القديمة، لمجرد إن نيافتك أصدرت فرمان إنهم يبحثوا الحالات من جديد.

– وقدسك مالك بكل ده؟!! إيه اللي دخلك فيه؟!!

– أنا مليش دعوة يا سيدنا.. نيافتك معاك حق جدا، أنا مليش دعوة بكل الروتين ده، أنا اتصرفت تصرف شخصي بعيدًا عن نيافتك وعن أبونا أنجيلوس وعن أي حد، اعتبرني قابلتها في الشارع وأديتها احتياجها، فين المشكلة ؟!! اعتبرني واحد بقميص وبنطلون وشاف حد غلبان في الشارع بيعبد الشمس وقلبه حن عليه وساعده، إيه اللي في كده يعثر اخواتي الكهنة؟! إيه اللي يزعل المنظومة اللي نيافتك بتديرها؟!! إيه اللي يزعل نيافتك في كده أصلا ويخليك تعاملني من الصبح زي التلميذ الخيبان اللي معملش الواجب أو ساقط في امتحان الشهر؟!!

– ك ده دليل أكبر على إنك مش فاهم ولا حاجة، وإن محدش علمك ألف باء كهنوت، العيب مش عندك، العيب الأكبر عند أبونا يوناثان.

– وماله أبونا يوناثان بس؟!!

– لما تعمل حاجة بقميص وبنطلون يا أبونا أنت مسؤول عن نفسك وبتمثل نفسك، لكن لما بتعمل نفس الحاجة وأنت كاهن، أنت بتمثل الكهنوت، بتمثل المنظومة اللي أنا رئيسها، اللي ما ينفعش اتنين بينتموا لنفس الكيان يعملوا الحاجة وعكسها في نفس الوقت، يدوا المنع والحّل على نفس الحاجة في نفس الوقت ونفس الظروف، وحتى وأنت بالفراجية ومش بقميص وبنطلون جوة الكنيسة مع شعب الكنيسة إنتم مش أربعة كهنة في الكنيسة كل واحد يعمل اللي على مزاجه، إنتم كلكم جوة الكنيسة مع الشعب مش بتتنافسوا على مين أطيب، ومين أشطر، وكل واحد يحاول يستقطب مجموعة من الجمهور على حساب الخدمة و الكنيسة.

– أنا مش بعمل كده يا سيدنا!

– عملت كده لما كنت في الكنيسة والمكتب والحوار كله حصل قدامك، واتقال بالنص قدامك إن القرار مش قرار أبونا أنجيلوس لكن قراري أنا، وقدسك ضربت بكل ده عرض الحائط وعملت فيها أبو قلب حنين.

– يعني أسيبها تمشي معثرة في الكنيسة والخدمة اللي هي وجوزها لما كانوا بصحتهم خدموها بعمرهم، مش يمكن النظام فيه خلل ومرعاش الأحداث اللي ممكن تحصل في فترة انتقال بيانات إخوة الرب بيّن الكنيستين.

عقد الأسقف حاجبيه في غضب وهو يقول بصوت خفيض ونبرة عميقة:
– قدسك بتقول إن النظام اللي أنا وافقت عليه وأقريته فيه غلط؟!!

– مش قصدي كده يا سيدنا، نيافتك بس متحامل عليا واللي بلغ نيافتك مسخنك عليا بزيادة

– كمان!! أنا متحامل على قدسك؟!! يعني أنا ظالم؟!! بدل ما تعتذر عن الغلط والعك اللي بتعمله بقيت أنا متحامل وظالم، لأ وكمان طلعت عيل صغير معنديش عقل بيضحكوا عليا و بيسخنوني عليك، وأنا بقى كلمة تجبني وكلمة توديني ومعنديش شخصية ومستنيهم يسخنوني عليك؟!!

– ايه ده يا سيدنا؟!! هو إزاي كلامي بيتحول كده؟!! هو نيافتك بتعمل معايا كده ليه؟!! هو مش أنااإبنك زي ما أبونا أنجيلوس ابنك ولا إيه؟!

– شيل أبونا أنجيلوس من دماغك يا أبونا، ياريتك تبقوا كلكم زي أبونا أنجيلوس، فاهم حجمه ودوره كويس، عارف اللي ليه واللي عليه، عارف حدوده ومش بيتجاوزها زي قدسك، بص يا أبونا في الحالات اللي زيك ديه، أنا بقعدهم في البيت ومش بنزلهم الكنيسة، علشان محدش يشوفهم ودفاترهم تفضل فاضية معاهم ولما الجوع يقرصهم هما وبيوتهم يتعلموا الأدب، لكن في حالة قدسك كده كده دفترك فيه إيصال بـ 50 جنيه قدسك عملته على استحياء يا حرام فمش عارف أعمل معاك إيه؟  بس على أي حال برضه مش هتروح كنيستك وهاتيجي كل يوم الصبح المطرانية عندي هنا.

– أجي أعمل إيه؟!!

– متسألش، قدسك تنفذ من سكات، مش مهم هتعمل إيه، أه و حاجة كمان أي اجتماعات طقسية وأي اجتماعات عليك أو وعظات أو أي حاجة خارجية الغيها ولو داخليه اعملي بيها تقرير علشان أوزعها على غيرك.

– ليه كل ده؟! طب نيافتك أنا محتاج إجازة، هروح الدير أخد خلوة.

– واضح إن قدسك مش فاهم كلامي، مش مهم أديك موجود في المطرانية لحد ما تتعلم، عمومًا مفيش إجازات ولا سفر ولا خلوات وتقدر تروح بيتك دلوقتي، وتكون عندي الصبح.

استدار أبونا بطرس وكل علامات الإحباط وخيبات الآلم مرسومة على وجهه، كل ما كان يشعر به أنه يعاقب لأنه عمل خيرًا ووشى به أحدهم عند الأسقف الذي لم ير في القصة كلها سوى كاهن ضرب بتعليماته عُرْضَ الحائط، وعندما هم بفتح الباب سمع الأسقف وهو يقول:

– اه بالمناسبة يا أبونا، وقدسك نازل عدي على عماد هتلاقي PlayStation، هدية عيد ميلاد ابنك، بدل اللي قدسك مجبتهاش

– ده اللي هو إزاي يعني؟!!

– إيه هو آللي إزاي؟!

– إزاي تجلد واحد مربوط بمنتهى القسوة بسوط الجلاد بايديك اليمين، وبعد ما يفرفر في ايديك ويموت تديله البلسم، كنت أتمنى مكالمة امبارح ديه أحس فيها أكتر بأبوتك ونيافتك بتعيد عليا وعلى ابني وتجيبنا النهاردة بدل ما تغسلني كده، كنت خدتنا في حضنك وأديت ابني هديته بايدك، كان الموقف ده هيفرق معانا طول العمر، بس أنا آسف يا سيدنا حاللني مش هاخد حاجة.

– براحتك يا أبونا، اعمل اللي أنت عاوزه، اتفضل مع السلامة..

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [١٨] دفتر تبرّعات[الجزء التالي] 🠼 [٢٠] درس للأسقف
مايكل جميل
[ + مقالات ]