- [١] القراءة التقليدية: تفكيك وبناء
- ☑ [٢] نشأة الحكم الملكي
- [٣] مملكة داود وهيكل سليمان
- [٤] مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل
- [٥] التقليدان: اليهوي والإيلوهي
- [٦] التقليد الكهنوتي: صراع موسى وهارون
- [٧] التقليد الكهنوتي: طوفان نوح
- [٨] انهيار مملكة يهوذا
- [٩] أسفار التأريخ التثنوي
- [١٠] الإصدار التثنوي الأول [Dtr1]
- [١١] الإصدار التثنوي الثاني [Dtr2]
- [١٢] المفارقة الكبرى والمحرر الأخير
في مُحاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفيّ عام، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن تكتب تاريخًا بحتًا. كانت عناصر السياسة واللاهوت لا تنفصل عن عملية التأريخ، وما نقوم به حاليًا من فصل بين ما هو تاريخ وما هو سياسة وما هو لاهوت، لم يكن موجودًا في العصور التي كُتب فيها العهد القديم. في الكتاب الذي تقرأ فيه التأريخ، أنت تقرأ في نفس الوقت أسطورة، وفي الوقت الذي تقرأ فيه اللاهوت، أنت تقرأ في نفس الوقت سياسة.
بحسب النظرة العبرانية، بدأ بعد موت النبي موسى ويشوع بن نون عصرًا جديدًا يسمى بعصر القُضاة، والكتاب الذي يتكلم عن هذا العصر في العهد القديم هو كتاب بنفس الاسم: “سفر القُضاة”، لكنه يأتي من زمن متأخر عن الفترة التي يسجلها.
آخر القُضاة كان نبيًا اسمه صموئيل، قصته مذكورة في العهد القديم في كتاب يحمل اسمه: سفر صموئيل [1]. في هذه الفترة، طلب الشعب أن يكون لهم ملكًا كغيرهم من الأمم بدلًا من القضاة، فمُسِح أول ملك لإسرائيل وهو الملك شاول. [“طالوت” في القصص القرآني]
الكتب التي تصف الأحداث التي يبدأ فيها نشأة الحُكم الملكي هي أسفار صموئيل، والملوك، وأخبار الأيام [2].
يُعتقد أن كاتب سفري صموئيل والملوك هو كاتب واحد (سنعود لمسألة الكاتب فيما بعد)، أما سفر الأخبار فيُعتقد أنه كُتب في فترة مُتأخرة عن الأحداث التي يصفها، تقريبًا في القرن الرابع قبل الميلاد.
يُقسِّم الباحثون سفر الملوك إلى طبقتين: الطبقة الأولى تنتهي عند حكم الملك يوشيا، والطبقة الثانية أُضيفَت إلى السفر فيما بعد وتحتوي على نهاية سفر الملوك الثاني. تصف الأجزاء الأخيرة في الطبقة الثانية الأحداث التي وقعت بعد انتهاء حكم الملك يوشيا بحوالي 30 سنة أو أقل. ولا يُشترط افتراض أن الطبقة الثانية قد كُتبت من كاتب يُختلف عن كاتب الطبقة الأولى، ولكن المهم هو أن الكتاب يتضمن طبقتين. الطبقة الأولى تنتهي عند حكم الملك يوشيا في أواخر القرن السابع قبل الميلاد.
هذا يعني أن الكاتب عاش في فترة متأخرة عن زمن النبي صموئيل والملك شاول، بل وكل من داود وسليمان أيضًا، لكنها المصادر الوحيدة بين أيدينا التي تتكلم عن هذه الفترة، إذ لا توجد أدلة أركيولوجية من خارج الكتاب المقدس تأتي من أزمنة مبكرة عن هذه الفترة وتتكلم عن نفس الأحداث المذكورة فيه. وعلى هذا، علينا أن نتعامل مع هذه الكتب بجدية وحذر ونحن نقرأها ونحاول منها معرفة بداية نشأة الحكم الملكي عند الشعب العبراني.
نلاحظ أن أرض سبط يهوذا في الجنوب هي الأكبر، ومساحتها تكاد تكون مساوية لمساحة أراضي بقية أسباط بني إسرائيل في الشمال مجتمعةً. ونلاحظ أيضًا أن سبط لاوي ليس له أرض خاصة لأنه يعيش بين بقية الأسباط للخدمة الدينية (خدمة الكهنوت).
السردية التاريخية والسياسية
مصدرنا الوحيد لهذه السردية هو الكتاب المقدس، لذا لا يستطيع المؤرخون اعتمادها كأحداث مؤكدة لعدم وجود مصادر خارجية تدعمها. لكننا سنسردها لتوضيح أمور في مقالات تالية بهذه السلسلة تتعلق برؤية المجتمع الذي أنتج تقليدين من التوراة، وهما التقليد اليهوي (J)، والتقليد الإيلوهي (E).
كان شاؤل أول ملوك إسرائيل، وكان من سبط بنيامين، ومسحه النبي صموئيل ملكًا على إسرائيل. وبالرغم من انتهاء عصر القضاة، إلا أن دور رجال الدين [الكهنة والأنبياء] كان مستمرًا.
قوة المملكة كانت تستمد من دعم رؤساء الأسباط ورؤساء الكهنة والأنبياء. الملك يحتاج إلى دعم رؤساء الأسباط لأن الجيش كان يتكون من كتائب الأسباط، ومن دون دعم رؤساء الأسباط لن يكون هناك جيش. وكان الملك يحتاج إلى دعم الكهنة والأنبياء لأن الدين وقتئذٍ لا ينفصل عن الحياة العامة كأداة حكم وتنظيم لمصالح الشعب ونزاعاتهم، مما كان السبب في تنصيب الملك داود من بعد الملك شاول.
اختلف شاول مع صموئيل النبي والكاهن الذي مسحه ملكًا، وكانت النهاية أن مسح صموئيل ملكًا آخر، هذه المرة من سبط يهوذا، وهو الملك داود.
كان داود أحد أعضاء حاشية الملك شاول، وكان زوجًا لابنته ميكال. رأى شاول أن داود يهدد ملكه، فحاول أن يقتل جميع الكهنة المؤيدين لداود. وكان الكهنة الذين حصل داود على تأييدهم هم كهنة شيلوه [3]. واستطاع الملك شاول أن يقتل جميع كهنة شيلوه عدا أبياثار الكاهن، الذي هرب إلى أرض يهوذا واستطاع الوصول إلى داود.
ظل شاول ملكًا إلى أن مات في معركة ضد الفلسطينيين [4]. وبعده انقسمت المملكة بين داود الذي حكم نصف المملكة الجنوبي [مملكة يهوذا]، وبين إيشبوشت [إشبعل] ابن شاول الذي حكم نصف المملكة الشمالي [مملكة إسرائيل]. فيما بعد، اغتيل إشبعل وهو نائم [5]، وتم تنصيب داود ملكًا على كل شعب إسرائيل في مملكة واحدة عاصمتها أورشليم [مملكة إسرائيل الكبرى، والمختلف تاريخيًا على وجودها].
نُكرر للتأكيد مرة أخرى: السردية التاريخية والسياسية التي سردناها الآن ليست مدوّنةً إلا في مصادر متأخرة عن زمن الأحداث نفسها بحوالي ثلاث إلى أربع قرون، ومستقاةً من مصدر واحد، عبراني، وعلى هذا فنحن أمام وجهة نظر الشعب العبراني في تاريخه، أو ربما في لاهوته أو آماله أو تطلعاته، بأكثر مما نحن أمام وقائع محققة تاريخيًا، أو ماضٍ موثّق بالشكل الأكاديمي للتوثيق التاريخي.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- لماذا ﻻ نقول بوراثة الخطية مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ (رسالة بولس إلى رومية 5: 12) واضح أن آدم هو الذي أخطأ وليس ذريته ولذلك قال الوحي ”إنسانٍ واحدٍ“ والخطية تؤدي إلى الموت لأنها انفصال عن حياة الله وقداسته ”وبالخطية الموت“. “وهكذا اجتاز الموت......