Search
Close this search box.
المقال رقم 16 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

مضى حوالي أسبوعان على الاجتماع الشهرى، وفي يوم الأحد وبعد انتهاء القداس، كان أبونا أنجيلوس وأبونا بطرس كل يجلس على مكتبه في حجرة آباء الكنيسة.

كان أبونا أنجيلوس يراجع بعض المستندات والملفات الخاصة بإخوة الرب، ويطابقها بالنسخ الموجودة على اللابتوب الخاص به، وأبونا بطرس مشغولًا بعدة كتب أمامه وأكثر من ملف و صفحة على الإنترنت، يبدو أنه كان منهمكًا بتحضير محاضرة أو عظة.

نظر له أبونا أنجيلوس قائلًا:
عارف يا أبونا، الناس عاوزة التعليم البسيط، ما قل و دل، الناس معندهاش استعداد تحضر قداس العظة لوحدها فيه أكتر من ساعة إلا ربع، الناس وراها أشغالها وارتباطاتها.

أبونا بطرس رفع عينه وبص لأبونا أنجيلوس، ومعلقش..

أبونا أنجيليوس كمل كلام عادي:
فكرك حد بيفهم حاجة من الكلام الكبير والكتير اللي اتقال ده؟ أنا عارف إن حماسة البدايات لسه واخداك، بس راعي إنك بتوعظ في قداس، مش كلية شنغاهاي اللاهوتية!

– حاللني يا أبويا، بس زي ما بنعود المعدة على نوع وكمية الأكل اللي بناكله، فهيّ بتشتغل وبتقدر تهضم أكلات كتيرة مصرية، لو حد أجنبي جه زار مصر ميقدرش يأكلها، ولو بس جربوا ياكلوها مش بعيد يدخلوا المستشفى، العقل كمان نقدر نمرنه، وعلى حسب ما نعلمه وتعوده هيتعود، اللي أتعود يشرب لبن ومتفطمش عمره مهيقدر يأكل طعام البالغين، لكن اللي يعود نفسه على طعام البالغين: اللبن ميشبعوش.

– وقدسك بقى شايف إن الشعب اللي قدامك يقدر يفهم طعام البالغين.

– الرك دائمًا على المُعلم، اللي يقدر يقدم محتوى جيد بطريقة سهلة و بسيطة.

– أنا واثق إن محدش قاعد فاهم حاجة، يا أبونا خلي اللاهوت والعقيدة و و كيرلس للاجتماعات المتخصصة، خليك مع الشعب في البسيط، الله محبة، كلمهم عن التوبة، عن العشور، عن الصلاة، خش قلوبهم وبلاش كلكعة.

– لما تكون تعاليم أثناسيوس وكيرلس كلكعة، وإحنا في القرن ال ٢١ مش قادرين نقدم تعاليم قالوها وعلموا بيها الآباء من القرن الثاني للخامس يبقى تعليمنا فيه مشكلة، وتبقى رؤيتنا للتعليم الكنسي محتاجة إعادة منظور.

قاطع حديثهما طرقات المكتب، ليدخل أستاذ منير موجهًا حديثه لأبونا أنجيلوس:
فيه واحدة ست غلبانه اسمها أم كيرلس مصممة تقابل قدسك و بتقول إن جوزها عيان وبيموت.

أبونا أنجيلوس:
أه عارفها أم كيرلس، اللي ساكنة في شارع علي بدرخان، جوزها عيان وعنده القلب وعاوز عملية، بس قولها إن شارعهم خرج في التقسيم الجديد من إشراف كنيستنا، قولها تروح لأبونا حزقيال في كنيسته هيَّ دلوقتي تبعه.

– غلبت يا أبونا معاها أفهمها، إنها تفهم، مبتفهمش، مصممة تقابل قدسك.

– خلاص خليها تدخل، لما نشوف أخرتها.

خرج منير لينادي على أم كيرلس، ونظر أبونا أنجيلوس لأبونا بطرس قائلا:
وأدي الكنايس اللي حوالينا، عمالين يبعتولنا الناس بتوعهم، إحنا أصلا مش ملاحقين على أخوة الرب المسجلين عندنا، نجيب منين؟!!

دخلت أم كيرلس، وكانت ملامحها وملابسها بسيطة جدًا، ويبدو عليها التعب والإجهاد، وذهبت وقبلت ايدين أبونا بطرس الذي سحبها مباشرة، ثم توجهت لأبونا أنجيلوس و قبلت يديه.

– أقعدي يا أم كيرلس، خير؟!

– أرجوك يا أبونا أنا واقعة في عرضك، أبو كيرلس تعبان جدًا وفلوسنا كلها خلصت، والدكتور طالب أشعّة وتحاليل ومش عارفة إيه رنين وحاجات كتيرة أوي، كل ده غير العلاج.

– طب مش انتي يا أم كيرلس عارفة إن سيدنا أما عمل تقسيم الشوارع، بقى الشارع بتاعكم مش تبعنا.

– يا أبونا بس إحنا طول عمرنا بنصلي هنا وبنحضر قداسات هنا، والأبهات هنا هما اللي نعرفهم ويعرفونا، الأبهات هناك ميعرفوناش.

– هيفتقدوكم ويعرفوكم يا أم كيرلس.

– عبال ما ده يحصل، يكون أبو العيال راح مني ومات!

– ربنا يديه الصحة يا أم كيرلس، بصي إحنا سلمنا ملفاتكم، وديه تعليمات الأسقف، ومينفعش نكسر كلامه، شارعكم مبقاش تبع كنيستنا، روحي لأبونا حزقيال وهو يشوف طلباتك.

– ماهو أنا روحت له، وقال لي هيدرس الحالة بتاعتنا، عشان هو عنده حالات كتيرة من زمان، أنا تعبت يا أبونا، وجوزي بيموت، أنا مالي أنا بخريطة المنطقة وبيتنا اللي كان تبعكم الأسقف خلاه مش تبعكم، مين يقف جنبينا، أشتكي لمين بس يا ربي، جوزي بيموت، مش ده ابنكم برضه ولا إيه، مش لما كان بصحته وكان شغال على توكتوك كنت تناديه قدسك ميقولش لأ، ابنك بيموت يا أبونا وعاوز فلوس علشان الإشاعات، أمال لما أقولكم على فلوس المستشفى هتعملوا فيّا إيه؟

– يا أم كيرلس، أنا مليش دعوة، روحي اشتكي للأسقف هو اللي قال إن شارعكم مش تبعنا، روحي قولي له رحت لأبونا حزقيال ومرضيش يساعدني.

– روحت، هو أنا كنت مستنية؟!! روحت، بس مرضيوش يطلعوني ليه، قالوا لي مش بيقابل حد، روحي كنيستك خدي منها.

– خلاص يا أم كيرلس، اسمعي الكلام، وروحي كنيستك، وخدي منها.

– ما هيّ دي كنيستي يا أبونا!

– أقصد الكنيسة التابعة ليها كمربع سكني.

قاطع حديثهما أبونا بطرس:
حاللني يا أبي، هأسيب قدسك وهنزل أنا أعمل حاجات في الكنيسة اللي تحت.

نظرت ليه أم كيرلس:
ما تحضرنا يا أبونا بطرس، قول حاجة، انت شكلك طيب وإبن حلال وهتقف جنبي، الراجل بيضيع مني يا ولاد!

رد أبونا أنجيلوس:
ماشي يا أبونا بطرس، أتفضل قدسك وعاوزين نكمل موضوعنا اللي فتحناه النهاردة.

– بإذن الله يا أبونا. ثم نظر لأن كيرلس قائلًا:
ربنا يساعدك يا أم كيرلس، و يسدد احتياجاتك، و يقوم لك أبو كيرلس بالسلامة.

ثم خرج وانصرف وأغلق الباب خلفه، لتنظر أم كيرلس بعيون دامعة نحو الباب المغلق للتو وهى تقول:
خلاص كده هو ده اللي قدرت تقوله، راجلي هروح البيت الاقيه خف بعد الكلمتين دول؟!

قاطعها أبونا أنجيلوس:
يلا يا أم كيرلس، هنا مش هنقدر نساعدك، منقدرش نكسر تعليمات سيدنا، زي ما قولت لك محدش هيقدر يساعدك غير الكنيسة اللي بقيتي تابعة ليها حسب تخطيط المربع السكني الجديد.

قامت أم كيرلس وظن أبونا أنجيلوس إنها اقتنعت وسوف تتركه وتنصرف، ليفاجأ بها تهبط على ركبها إلى الأرض:
أحب على يدك يا قدس أبونا، أبوس رجلك أقف جنبي وساعدنا، لو عاوزين حتى تصورونا وتطلعونا في التليفزيون إننا غلابة ونصعب على الناس وتلموا فلوس وتدوني تمن العلاج والتحاليل والأشعة وتاخدوا الباقي، أنا موافقة.

زعق فيها أبونا أنجيلوس وهو بيقولها:
اللي بتعمليه ده غلط، أنا عندي حالات قد كده وانتي مبقتيش تبعنا، أعملك إيه؟ مبتفهميش عربي؟!

– مبقتش تبعكم؟! بقيت تبع إيه أمال؟!! الشارع؟!! ألف وأشحت في الشوارع؟!! أشتكي لمين يا رب؟!! روح يا أبونا الله يسامحك، لينا رب أبو اليتامى وقاضي المحتاجين.

– بصي علشان بس متقوليش إنك جيتي الكنيسة والمسيح روحك بيتك وأيديك فاضية خدي ال ١٠٠ جنيه ديه خليها معاكي.

– يااااه ١٠٠ جنيه بحالهم، بقول لقدسك أدوية وإشاعات وتحاليل بتتعمل في مستشفى الكنيسة الخيري بألوفات، تعمل إيه ال ١٠٠ جنيه دول ما يكفوش الراجل لو مات في دفنته، ويا عالم لو مات هتصلوا عليه وتدفنوه ولا هتسيبوه لكلاب الشوارع عشان مش في المربع اللي حداكم.

– خديهم يساعدوكي في أي حاجة، دول أصلا مش من الكنيسة، دول من جيبي الخاص، مينفعش أطلع لك من الكنيسة عشان أنتي مش تبعنا.

– كتر خيرك يا أبونا، أنا عرفت خلاص إني مش تبعكم، بس يا خسارة عرفت ده بعد فوات الأوان.

غادرت أم كيرلس من مكتب الآباء الكهنة في الدور الثاني، وأغلقت الباب وراءها، لتجد باب الكنيسة على يمين باب الكهنة، وكانت الكنيسة مفتوحة ولكن لا يوجد بها أحد، ومدت نظرها حتى ستر الهيكل دون أن تدخل لتنظر أيقونة المسيح نور العالم.

رفعت سبابتها مقابل سبابة المسيح قائلة:
أنا شكياهم ليك يارب! شاكية قساوة قلوبهم وتجبرهم على الغلابة والمحتاجين، شاكية النظام اللي يخلينا نفضل فقراء ومحتاجين، شاكية كل حد قوي بينام مرتاح على مخدته وإحنا دموعنا مغرقة بيوتنا ومبتفارقش سرايرنا، شاكية كل حد بيلم فلوس أخواتك الفقراء ويصرفها على الأراضي والزخارف والطوب والمشاريع بدون حساب، وإحنًا بيحاسبونا على كل مليم ألف حساب.

ونزلت أم كيرلس على سلالم الكنيسة لتنزل إلى حوش الكنيسة متجهة إلى باب الشارع لتفاجئ بحد بيشد ايديها بقوة وهو يقول:
عمال أنادي عليكي وأبسبس لك من الصبح، وانتي ولا هنا.

وإذ بأبونا بطرس هو من يشدها من يديها، ويتابع:
– خدي الظرف ده، فيه مبلغ صغير، اعملي التحاليل والرنين اللي انتي محتاجاهم، وبكرة تعدي على الصيدلية ديه هتلاقي دكتورة هناك اسمها سارة ولو ملقتيهاش تسألي عليها وتديها الروشتة هتديكي اللي انتي عاوزاه.

– روح يا أبونا الله يبارك لك، إلهي يعمر بيتك، ويفتح قدامك كل البيبان المتقفلة، ربنا يسهلك حياتك ويخلي لك عيالك وتفرح بولادهم وأولاد ولادهم.

– بس بس، يلا شوفي كنتي رايحة فين، ومتجبيش سيرة إني ساعدتك.

– حاضر يا أبونا يا إبن الناس الأمراء، يا حنين على الغلابة يا رب يحنن قلوب الناس عليك زي ما قلبك حنين.

انصرفت أم كيرلس وانصرف أبونا بطرس ليلحق بزوجته التي كانت تنتظره في سيارتهم.

– إيه يا أبونا تأخرنا على عيد ميلاد الأولاد ولسه عاوزين نشتري التورتة والبلايستيشن اللي واعدهم بيه.

– معلش يا سارة هنجيب تورتة بس، العيال مش هتموت لو مجبنلهمش بلايستيشن.

– هو مش قدسك خدت الفلوس الصبح من الدولاب اللي بقالنا ٣ شهور بنحوشهم علشان نجيبلهم البلايستيشن زي ما وعدناهم؟

– مظبوط.

– طب طالما مظبوط، إيه المشكلة؟!

– المشكلة إن مبقاش معايا الفلوس، راحت.

– راحت فين؟!!

– راحت لصاحب نصيبهم يا سارة.

صمت الاثنان وهما متجهان لشراء تورتة ، وفي نفس الوقت كان منير يجري مسرعًا صاعدًا لمكتب الآباء الكهنة ليبلغ أبونا أنجيلوس عما رأه في حوش الكنيسة، ليثور أبونا أنجيلوس غاضبا:
ده غلط، غلط، غلط، غلط، نكسر كلام سيدنا غلط، نعمل نفسنا كبار ونتصرف من دماغنا غلط، نبين إن إحنا ملايكة والباقي شياطين غلط، نكسر النظام غلط، نكسر كلام الأكبر مننا غلط، غلط، غلط، غلط، أنا مش هسكت، أنا مش هعدي الموقف ده بالساهل، أنا عديت كتير، بس كده بقى زيادة، كده غلط، غلط، غلط.

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [١٥] أبونا يوناثان (٢)[الجزء التالي] 🠼 [١٧] تجمّع عائلي
مايكل جميل
[ + مقالات ]