Search
Close this search box.
المقال رقم 4 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

قام سامي وسارة واتجهوا ناحية باب المكتب للمغادرة، ولم يتحرك الأسقف ولم تفارق علامات الغضب وجهه..
وعندما وصلا إلى باب المكتب ومسك سامي مِقْبَض الباب..

– استنى أنت وهي..!

لف سامي وسارة لمواجهة الأسقف، ولكنه أمسك تليفونه المحمول ووضعه على أذنه وهو يرمقهم بغضب، ولكن سريعًا رد الشخص الذي يتصل به الأسقف وهو مشغل الإسبيكر (مكبر الصوت) ليكتشفوا أنه أبونا يوناثان:

– أيوة يا أبونا، إيه اللي قدسك باعتهم لي دول؟
هما دول الصفوة وخيرة الشباب اللي في كنيستك اللي هنرسمه كاهن، ٣٠ سنة يا أبونا خدمة وكهنوت وتبقى ثمرتك بالشكل ده، ثمرة بايظة ومحدش علمهم يكلموا الأسقف ازاي؟
البيه ومراته جايين لحد عندي وبدل ما يبصوا طول الوقت في الأرض، عينيهم في عيني، وكلمة قصاد كلمة، البيه جاي يعلمني أعمل إيه ومعملش إيه؟!
أنا يقول لي القبطي والألحان مش معيار؟!! بدل ما يتكسف على دمه إنه مرسوم أغنسطس من وهو عيل والعيال اللي بيخدمهم في حافظين ألحان أكتر منه، يقول لي مش معيار ؟!!
البيه جاي يقول لي إني ما بفهمش ومخترتش ناس كويسين، لو ديه الثمرة بتاعتك يا أبونا، يبقى أحب أقولك إن خدمتك فاشلة،
خدمة ٣٠ سنة كهنوت اللي متعلمش العيال تكلم الأسقف باحترام وأدب إزاي؟!!! تبقى مش خدمة أصلا،
أنا مش هرسم حد من عندك في كنيستك، أنا هجيب واحد من برة على مزاجي وأرسمه عندك،
ولحد ما ده يحصل ما تتصلش بيا، وتصلي كل يوم حد القداس في كنيسة أرض أبو بطاطا متصليش في كنيستك.

وراح قفل السكة…

ساد صمت رهيب لمدة دقائق، وكانت ملامح الذهول على وجه سامي لأنه متوقعش من الأسقف يعمل كده، أو على الأقل ما يعملش كده قدامهم ويستنى لما يمشوا.

كانت سارة دموعها غرقت عينيها، ليقطع الصمت صوت الأسقف وهو يقول: خلاص كده تقدروا تمشوا.

مسك سامي ايد سارة علشان يمشي، بس هي نتشت أيديها من أيده، والتفتت للأسقف:

– ليه؟ ليه كده؟! ليه نيافتك من ساعة ما جيت المطرانية واحنا حاسين باليُتم.

حاول سامي أن يجذبها علشان متكملش كلام، والأسقف زعق في وشها وقال: المقابلة انتهت، اتفضلوا امشوا!

لكن هي فضلت مكملة كلام: ١٢ سنة وإيبارشيتنا مستنية أب، يروي عطشنا ويشبع جوعنا، أب نفرح لوجودنا معاه ولوجوده وسطينا، نقعد تحت رجليه ونشوف فيه المسيح، لكن نيافتك من ساعة ما جيت وأنت شايفنا أغبياء ومبنفهمش ومش مؤدبين ومش متربيين ومبنعرفش نتصرف..
دكاترة ومهندسين ومحاسبين ومحامين وحملة ماچستير ودكتوراه كلهم ما بيفهموش أو فاهمين غلط، ونيافتك اللي فاهم صح؟!
على فكرة بقى، نيافتك خسران كتير أوي بتطفيشك لناس كتيرة كنت هتاخد عيونهم لو كنت حسستهم إنك بتحبهم،
من ساعة ما نيافتك جيت، والمطرانية فضيت، وقداساتك فاضية علشان الناس بتخاف منك ومن ك اللي بيجرح قلوبهم،
ممنوع اللمس، ممنوع الاقتراب، ممنوع التصوير، ليه كل ده! علشان إيه؟!
ده المسيح لمسته واحدة خاطية ومعملش كده، لمسته واحدة نازفة دَم: اتحنن عليها،
ذنبه إيه أبونا يوناثان الراجل الطيب اللي عمره كله فناه في الخدمة علشان تبستفه قدام ولاده عن عمد علشان تكسر عينه وعنينا،
صدقني أنا بحبك وسامي بيحبك علشان أنت أبونا، بس نيافتك مجوّعنا للحب ومجوّعنا للأبوة، ومجوّعنا ليك،
أنا عارفة إنه ﻻ يليق وﻻ يصح إني أقولك كده، بس اعتبرني بنتك الخاطية اللي سمعها الأنبا أنطونيوس أب الرهبان فدخل للبرية، أو اعتبرني دميانة العفيفة اللي كانت خايفة على أبوها.

صمتت سارة، ونظرت في عيني الأسقف نظرة ترجي وتوسل، لكنه لم يخرج عن صمته لبضع دقائق، بعدها أشار بيده ناحية الباب وقال بهدوء وحزم:

– اتفضلوا اطلعوا برة، وما أشوفش وش حد فيكم تاني.

خرجت سارة مع زوجها، واتجها ناحية سيارتهم في صمت لمدة طويلة، وكانت سارة متأثرة جدًا، ليقطع سامي هذا الصمت قائلًا: بصي يا دكتورة، هو واضح إنه كان فيه اتفاق بينا إننا نقنعه إني منفعش للكهنوت، بس بعد مقابلة النهاردة ديه، أعتقد إنه هيصدر فرمان مش بس يمنعنا من دخول الكنيسة، لكن مش بعيد يحط حراسة على بيتنا ويمنعنا من الدخول.

– هو أنا عكيت الدنيا أوي كده يا سمسم.

– طينتيها خالص يا حياتي.

ضحكت وسط دموعها، وضحك معاها، وربت على كتفها واستكملا طريقهما إلى المنزل.

رن موبايل سامي، ويظهر اسم أبونا يوناثان، فيرد سامي مسرعًا:

– حقك عليا يا أبونا، أنا السبب في كل اللي حصل ده.

يقاطعه أبونا يوناثان: هو أنتو عملتو إيه؟!!

– عكينا الدنيا ونيّلناها، فسيدنا اتنرفز مننا واتصل بقدسك.

– لأ أنا مقصدش على كده، أنا أقصد بعد ما سيدنا قفل السكة معايا وسمعني ما لذ وطاب، اتصل بيا تاني وقال لي إنه عايزكم بكرة تحضروا معاه القداس، وأكد عليا إنكم لازم تيجوا، وقفل السكة ومفهمتش حاجة.

يتبع..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [٣] نيافة الأسقف[الجزء التالي] 🠼 [٥] نيافة الأسقف (٢)
مايكل جميل
[ + مقالات ]