- ☑ مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [١]
- مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٢]
- مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٣]
- مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٤]
معنى مصطلح ”مونارخية“:
مصطلح ”مونارخية“ هو مصطلح يونانيّ يتكوَّن من مقطعين هما: مونو μονο وهي كلمة يونانية معناها واحد وحيد، و άρχή وهي كلمة يونانية معناها رأس، أو أصل، أو بداية، أو مصدر.
مفهوم ”مونارخية الآب“
مفهوم ”مونارخية الآب“ كما شرحه آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا هو أن أقنوم الآب هو الرأس، أو الأصل، أو العلة، أو الينبوع، أو المصدر الوحيد لأقنومي الابن والروح القدس في الثالوث القدوس. وهكذا يُؤكِّد آباء الكنيسة على ولادة الابن من الآب كرأس ومصدر قبل كل الدهور أزليًا وبلا بداية زمنية، كما يُؤكِّدون على انبثاق الروح القدس من الآب فقط كأصل ومصدر قبل كل الدهور أزليًا وبلا بداية زمنية.
لمحة سريعة عن مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة الجامعة
سوف نستعرض بإيجازٍ شديد عقيدة ”مونارخية الآب“ في كتابات آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، لنُؤكِّد على أن هذه العقيدة هي عقيدة راسخة ومتغلغلة في فكر ووجدان الكنيسة الأولى منذ نشأتها وإلى الآن.
مونارخية الآب عند الآباء السكندريين
يُشِير العلامة كليمندس الإسكندريّ إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، حيث يرى أن الآب هو علة كل شيء جيد، وأنه ملك الكل، وأن الابن هو الثاني، وكل شيء به كان حسب إرادة الآب، والروح القدس هو الثالث، وكل شيء به كان وفقًا لإرادة الآب قائلًا: [1]
حتى أنه عندما يقول: 'حول [الآب] ملك الكل، كل شيء يوجد، وبسببه كل شيء. وهو علة كل الأشياء الجيدة. وحول الثاني الأشياء الثانية في الترتيب، وحول الثالث الثالثة‘. فإنني لا أفهم شيئًا آخر سوى أن المقصود هو الثالوث القدوس، لأن الثاني هو الابن الذي به كان كل شيء وفقًا لإرادة الآب، والثالث الروح القدس، الذي به كان كل شيء وفقًا لإرادة الآب.(كليمندس السكندري، المتفرقات)
ويشير العلامة أوريجينوس الإسكندريّ إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، مُؤكِّدًا على أن الآب هو بداية الابن في الأزلية، وذلك في سياق تفسيره لآية [2] في البَدْء كان الكلمة
كالتالي: [3]
يمكن للمرء أن يفترض بالاستناد على نقطة أن الله نفسه هو بداية كافة الأشياء، أن الآب هو بداية الابن. وهكذا إن الفساد هو بداية أعمال السخط، فبكلمةٍ واحدةٍ، [الله] هو بمثابة البداية لكل ما هو موجودٌ. هذا الرأي مدعوم من قبلنا [في القول المقدَّس]في البدءكان الكلمة. ففي لفظة [الكلمة] يمكن للمرء أن يرى الابن، ولأن [الابن] كان في الآب، فمن هنا يمكن بالمثل أن يُقَال إنه، أي الابن، كان أيضًا في البدء [الآب].(أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1)
يُشِير ق. ديونيسيوس الإسكندريّ في إشارة واضحة إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث القدوس، حيث يُؤكِّد على وحدة مشيئة الآب والابن في تدبير الآلام الخلاصية، وهكذا يُكرِّم الابن الآب كرأسٍ له قائلًا: [4]
قطعًا ويقينًا إن إرادة الابن ليست شيئًا آخر غير إرادة الآب، لأنَّ مَن يريد ما يريده الآب تكون له نفس مشيئة الآب. هذا بشكلٍ هندسيّ، لذلك فعندما يقول: 'لا إرادتي بل إرادتك‘، فليس معناها أنه يرغب أن تنزاح عنه الكأس، بل إنه يشير إلى أن إرادة الآب هي في أن يتألم، وهكذا يُكرِّم الآب كرأسٍ άρχήν، لأنه إذَا لقَّب الآباء إرادة شخص بأنها مُجرَّد رأي [أو علامة رمزية أو شكلية]، وإنْ كانت مثل هذه الإرادة ترتبط بما هو خفيّ وله غاية كامنة، فكيف يقول البعض إن الربَّ الذي هو فوق كل هذه الأشياء له إرادة شكلية؟ إن هذا واردٌ فقط إذَا كان لدينا خلَّل في الفكر.(ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي)
يُوضِّح العلامة الإسكندريّ ديديموس الضرير، في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث، أن الروح القدس يخرج من الآب مثلما يخرج الابن أو المخلِّص نفسه من الله، ويشير إلى أن الروح القدس يُقَال عنه أنه ينبثق من عند الآب
[5]، وفق خاصة الآب المتفردة، ووفق مفهوم الأبوة، أي المصدرية. وبالرغم من أن المسيح قال إنه قد خرج من قِبَل الله، لكنه لم ينسب لنفسه خاصية الانبثاق عند حديثه عن علاقته بالآب، لأن خاصية الانبثاق هي خاصة بالروح القدس فقط كالتالي: [6]
فعلينا أن ندرك أن الروح القدس يخرج من الآب مثلما يخرج المخلِّص نفسه من الله، وهو ما شهد له [المخلِّص] بقوله:لأني خرجت من قِبَل الله وأتيت[7] […] وهكذا فعلينا أن نُؤمن بالإقرارات التالية التي استخدمت كلمات لا يُنطَق بها وهي مُدرَكة بالإيمان وحده عن أن المخلِّصخرج من عند الآب[8]، وروح الحق الذي من عند الآب ينبثق[9]، والآب نفسه الذي قال:الروح الذي يخرج مني[10]. وبالحقيقة قد قيل حسنًا بالنص:روح الحق الذي من عند الآب ينبثق[11]. وكان من الممكن أن يقول: 'من الله‘، أو 'من الربّ‘، أو 'من ضابط الكل‘، ولكنه لم يستعمل أيًا من هذه. بل عوضًا قال:من الآب، وهذا مردَّه لا لأن الآب مُختلِف عن الله ضابط الكل -فإن مُجرَّد التفكير في هذا يُعدّ جرمًا- بل بالحري أن روح الحق يُقَال عنهينبثق من الآب[12]، وفق خاصة الآب المتفرِدة، ووفق مفهوم الأبوة. وبالرغم من أن المسيح قال في مواقفٍ عديدةٍ إنه قد خرج من قِبَل الله، لكنه لم ينسب لنفسه المزيَّة [أي الخاصية الأقنومية] التي ناقشناها لتونا [أي الانبثاق]، عند حديثه عن علاقته بالآب، بل عندما يتحدَّث عنها يقول:أنا في الآب والآب فيَّ[13]، وفي موضع آخر:أنا والآب واحدٌ[14]. والقارئ الحصيف سيجد في الإنجيل فقرات أخرى عديدة مُشابهة لهذه.(ديديموس الضرير، الروح القدس)
يصف ق. أثناسيوس الإسكندريّ الآب بأنه البَدْء والينبوع في الثالوث القدوس، مُميِّزًا بينه وأقنومي الكلمة والروح القدس كالتالي: [15]
وهكذا يُكرَز بإلهٍ واحدٍ في الكنيسة:الذي على الكل وبالكل وفي الكل[16].على الكلأي كأب وكبدءٍ وكينبوع، وبالكلأي بالكلمة، وفي الكلأي في الروح القدس. هو ثالوث ليس فقط بالاسم وصيغة الكلام، بل بالحق والوجود الفعليّ.(أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون)
يشير ق. كيرلس الإسكندريّ إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، في سياق رده على ادعاء الآريوسيين الهراطقة بأن الآب هو علة وجود الابن المخلوق، مُؤكِّدًا على أن الآب هو علة وجود الابن كوالدٍ حسب الطبيعة، وليس كخالق، قائلًا: [17]
بأية طريقة، يا مُحارِبي المسيح، تزعمون أن الآب صار علة وجود الابن؟ حسنًا. إذَا كُنتم تظنون أنه مخلوق، فإنه عندئذٍ يكون مخلوقًا وليس ابنًا، مُحارِبين بوضوحٍ الآب الذي يقول للذي ولده:ولدتك من بطني قبل يوسيفوروس[كوكب الصبح] [18]. أمَّا لو اعترفتم بأنه -حقًا- هو الابن وآمنتم بأنه هكذا يكون، عندئذٍ يتحتم عليكم ألا تقولوا إن الآب علة الابن كخالق، بل كوالدٍ بحسب الطبيعة. ولن يُعِيقكم عن ذلك شيءٌ؛ لأن الذي يأتي من آخر بحسب الطبيعة، يتحتم أن يكون من نفس جوهره، حتى لو كان ذاك هو علة وجوده.(كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث)
مونارخية الآب عند آباء فلسطين
يرى ق. كيرلس الأورشليميّ في تأكيده على ”مونارخية الآب“ أن الآب هو رأس الابن، وأن الابن ليس له مبدأن، بل له مبدأ وحيد هو الآب قائلًا: [19]
ولكن كما أن الآب أزليّ، فقد ولده منذ الأزل، وبكيفية لا تُوصَف، ابنًا وحيدًا ليس له أخوة. وكذلك ليس له مبدآن، ولكن رأس الابن هو الآب، المبدأ الوحيد (1كو 11: 3). لأن الآب ولد ابنه، وهو إلهٌ حق، يُدعَى عمانوئيل (إش 7: 14) الذي تفسيره: الله معنا (مت 1: 23).(كيرلس الأورشليمي، العظات)
ويُوضِّح ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن قول المسيح عن الآب إنه ”الإله الحقيقيّ وحده“، فإنه يقودنا إلى وحدة الرأس أو المبدأ، أي ”مونارخية الآب“، قائلًا: [20]
لذا ففي قولهالإله الحقيقيّ وحدك، قد قادنا إلى 'وحدة الرأس/المبدأ‘، لكي لا نكونخاضعين تحت أركان العالم[21] فيما بعد، […] إذًا، فإن الآب هو الله الواحد والإله الحقيقيّ وحده، والابن الوحيد هو الله. لذا فهو ليس غريبًا عن الله وعن الوحدة. لكن بما أن الابن من الآب، لذا فهو الإله الحقيقيّ وحده. […] لكنه الإله الحقيقيّ وحده، لأن الابن الوحيد هو وحده من الوحيد، والروح القدس وحده [من الوحيد]. فإنه هناك ثالوث في وحدة، وإله واحد، آب وابن وروح قدس.(إبيفانيوس أسقف سلاميس، أنكوراتوس “المثبَّت بالمرساة”)
مونارخية الآب عند الآباء الأنطاكيين
يُؤكِّد ق. ثيؤفيلوس الأنطاكيّ على ”مونارخية الآب“ في الثالوث، مُشِيرًا إلى أن الآب هو مصدر كل شيء قائلًا: [22]
وإذَا دعوته الآب، فأنا أتحدَّث عنه كمصدر كل شيء.(ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس)
يتحدَّث ق. يوحنا ذهبي الفم عن وحدة المبدأ الأبويّ في الثالوث، أو مونارخية الآب في الثالوث، وينفي فكرة وجود علتين أو أصلين في الثالوث، حيث يقول كالتالي: [23]
وإنْ كان لشخص ما أن يسأل: لماذا لم يذكر العلة الأولى [أي الآب]، بل هو يحدَّثنا في الحال عن العلة الثانية [أي الابن]؟ إننا نستعفي من الحديث عن العلة الأولى والثانية، لأن الألوهة فائقة على الأعداد الحسابية وتتابُّع الزمن. لذا تحاشينا استعمال هذه التعابير، ونُؤكِّد على أن الآب غير مولود، والابن مولود من الآب […] إنه يعلم أن البشر يُكرِّمون جدًا العلة الأولى [أي الآب] وأنه ليس له بداية واعتبروه الله.(يوحنا ذهبي الفم، تفسير إنجيل يوحنا ج1)
يُشِير ق. ساويروس الأنطاكيّ إلى ”مونارخية الآب“، مُؤكِّدًا على أن الآب هو جذر ومصدر الابن والروح القدس قائلًا: [24]
وهذا يُوضِّح أننا بدورنا نؤمن بإلهٍ واحدٍ وفي جوهر [أوسيا] واحد، وهو موجود ويُعرَف في ثلاثة أقانيم. إذ إن الابن قد وُلِدَ من الآب، والروح مُنبثِق من الآب، بالرغم من أن ذلك منذ الأزل وبغير زمن، وأن رجوعهما هو إليه كما إلى جذر ومصدر، وأنهما منه، إلا أنهما ليسا بعده. ولهذا السبب، بينما نعترف بثلاثة أقانيم، لا نُؤمن بثلاثة أسباب [علل] أولية، ولكن بسبب [بعلة] أوليّ واحد، وملك واحد.(ساويروس الأنطاكي، رسائل القديس ساويروس الأنطاكي “الرسائل 1-52”)
مونارخية الآب عند آباء آسيا الصغرى
يُشِير ق. غريغوريوس العجائبيّ، أسقف قيصرية الجديدة بآسيا الصغرى (تركيا حاليًا)، إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، حيث يرى أن الآب هو العلة الأولى الصانعة لجميع الأشياء بواسطة الابن قائلًا: [25]
أمَّا من جهتنا نحن البشر، فوسيلتنا الوحيدة لإظهار العرفان بالجميل والورع، تجاه كل الخيرات التي نتلقاها من الآب، لن تكون إلا بواسطة الابن الذي من خلاله، نُقدِّم عرفان الجميل بحسب إمكانيتنا مُعترِفين أن السبيل الوحيد لإظهار التقوى إنما يكمن بالتذكُّر الدائم للعلة الأولى الصانعة جميع الأشياء بواسطة الابن.(غريغوريوس العجائبي، خطاب إلى المعلم أوريجينوس)
يتحدَّث ق. باسيليوس الكبير بوضوحٍ عن ”مونارخية الآب“، مُشِيرًا إلى أن الآب هو العلة والمصدر في الثالوث القدوس قائلًا: [26]
لأنه كما أن الابن بحسب الترتيب، هو الثاني في علاقته بالآب، لأنه آتى منه، وبحسب رتبة البنوة، هو الثاني، لأن الآب هو المصدر والعلة، طالما أنه أبو الابن، ولأنه عن طريقه، قد آتى الابن وعاد إلى الله الآب، لكنه بحسب الطبيعة، ليس ثانٍ، لأن الألوهية واحدة في كليهما.(باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس)
يُؤكِّد ق. غريغوريوس اللاهوتيّ على ”مونارخية الآب“، وذلك في سياق شرحه لموضوع العلة في الثالوث القدوس، وتشديده على أن الآب هو مبدأ وعلة الألوهة للابن والروح القدس أزليًا، أي من دون سابق زمنيّ في الثالوث. حيث إن مفهوم العلية كما جاء في الفلسفات اليونانية وبالأخص الفلسفة الأرسطية، مبني على وجود فاصل زمنيّ بين العلة الأولى، أي الله، وبين الخليقة المعلولة له، ولكن لا ينطبق هذا المفهوم على الحال في الثالوث، لأنه في الأزلية خارج الزمن لا يوجد سابق ولاحق، بل العلة في اللازمكان، علة مُختلِفة تمامًا عن العلة في الزمكان كالتالي: [27]
فكيف لا يكونان مع الآب بدون مبدأ إذَّا كانا معه أزليين؟ فما لا مبدأ له أزليّ، ولكن ما هو أزليّ ليس بالضرورة بلا مبدأ، ما دام ذلك يتعلق بالآب الذي هو المبدأ. فليسا بلا مبدأ من حيث العلة، ولكنه من الظاهر أن هذه العلة لا تسبق مَنْ كانا معلولين لها مثلما لا تكون الشمس سابقة لنورها. فهما بدون مبدأ من حيث الزمن. بالرغم من فزَّاعتك التي تعمل بها على ترويع السذج، إذ لا يخضع للزمن مَنْ يصدر عنهم الزمن.(غريغوريوس النزينزي، الخطب 27-31 اللاهوتية)
يُشدِّد ق. غريغوريوس النيسيّ على ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: [28]
بالنسبة للثالوث القدوس لا ينطبق هذا: أن الأقنوم الواحد نفسه هو بالتحديد: أقنوم الآب، الذي يُولَد الابن منه، الذي ينبثق الروح القدس منه [29]. ولذلك ندعوه بحزمٍ دون ارتياب الأصل مع مَنْ يصدر منه الإله الواحد، لأن له نفس الوجود معهما. فأقانيم الألوهية غير مُنفصِلين عن بعضهم البعض في الزمان، ولا في المكان، ولا في الإرادة، ولا في العمل، ولا في الطاقات، ولا في شيء مما يحدث منهم، ولا في هذه الأمور التي توجد عند البشر؛ إلا في واحدة فقط، أن الآب آب وليس ابنًا، والابن ابن وليس آبًا، وبالمثل فإن الروح القدس ليس الآب ولا الابن. ولذلك لا نُضلِّل أنفسنا بأيّ استنتاج منطقيّ لندعو الأقانيم الثلاثة، ثلاث آلهة.(غريغوريوس النيسي، خطاب إلى اليونانيين 'عن الاصطلاحات العامة‘)
مونارخية الآب في الكنيسة الغربية
يُؤكِّد ق. إيرينيؤس -أسقف ليون بفرنسا، والملقَّب بـ ”أبي التقليد الكنسيّ“، الذي كان تلميذًا للقديس بوليكاربوس أسقف سميرنا (حاليًا أزمير بتركيا)، الذي كان بدوره تلميذًا للقديس يوحنا الرسول- على أن الآب هو رأس المسيح في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: [30]
وهكذا يُعلِن إله واحد، الله الآب، الذي فوق الكل، وخلال الكل، وفي الكل. فالآب هو حقًا فوق الكل، وهو رأس المسيح، أمَّا الكلمة فهو خلال كل الأشياء، وهو نفسه رأس الكنيسة، بينما الروح هو فينا جميعًا، وهو الماء الحيّ [31]، الذي يمنحه الربُّ للمؤمنين به باستقامةٍ ويحبونه، والذين يعرفون أنه يوجد آب واحد الذيعلى الكل، وبالكل، وفينا كُلنا[32].(إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج2)
يُشِير العلامة ترتليان الأفريقيّ إلى ”مونارخية الآب“، مُؤكِّدًا على أن كلمة مونارخية لا تعني أي شيء آخر سوى مبدأ الشخص الواحد المفرد، ولكن لا تمنع هذه المونارخية من أن يكون لهذا الشخص ابنًا في إشارة واضحة إلى شخص الآب كرأس ومبدأ واحد في الثالوث قائلًا: [33]
فأنا مُتأكِّد أن كلمة مونارخية ليس لها معنى آخر سوى مبدأ الشخص الواحد المفرد، لكن رغم هذا، إن هذه المونارخية ولأنها تعني رئاسة شخص، لا تمنع هذا الشخص الذي له [المونارخية] من أن يكون له ابنٌ، أو أن يجعل لنفسه ابنًا، أو أن يُدبِّر مونارخيته [رئاسته] الخاصة من خلال مَن يريد. بل بالأكثر، فأنا أؤكد أنه لا توجد مونارخية لواحدٍ وحيد، فهل سيكون رأسًا لنفسه مُنعزِلاً لهذا الحدّ؟ فهل تكون هذه مونارخية، تلك التي لا تُدبَّر من خلال أشخاص آخرين مُقرَّبين إليها؟ ولكن إذَا كان هناك ابن لصاحب المونارخية [الرئاسة]، فإن هذا لا يجعله منقسمًا، ولا تتوقف مونارخيته، حتى لو افترضنا أن الابن شريكٌ فيها، فهي ستبقى دائمًا لهذا الذي تنتقل منه إلى الابن، وطالما كانت له، فستبقى دائمًا مونارخية هي التي تُقَام بالاثنين، وتجعلهما مُتَّحِدين معًا.(ترتليان الإفريقي، ضد براكسياس أو عن الثالوث القدوس)
ويُؤكِّد نوفاتيان الإفريقيّ على ”مونارخية الآب“، حيث يشير إلى أن الابن يُقدِّم نفسه للآب مُطِيعًا في كل شيء، برغم من أنه هو الله أيضًا، إلا أنه بإطاعته يُظهِر أن الآب الذي يستمد منه أصله هو الله الواحد قائلًا: [34]
وبينما يُقدِّم [الابن] نفسه إلى الآب مُطِيعًا في كل شيء، برغم من أنه هو الله أيضًا، إلا أنه بإطاعته يُظهِر أن الآب الذي يستمد منه أصله هو الله الواحد. ونتيجةً لذلك، لا يستطيع [الابن] أبدًا أن يُشكِّل إلهًا ثانيًا؛ لأنه لا يُشكِّل أصلًا ثانيًا، بقدر ما يحصل على مصدر ولادته قبل كل الأزمنة من ذاك الذي هو بلا بداية. ولأن ما هو غير مولود، مثل الله الآب وحده، الذي يسمو عن أيّ أصل، الذي منه مَن هو مولود، هو أصل كل الأشياء الأخرى، فإن مَن هو مولود منه يأتي بحقٍ ممَّن هو بلا أصل. هذا يثبت أن [الآب] غير المولود هو الأصل الذي منه الابن ذاته. وحتى برغم أن المولود هو الله، إلا أنه يُظهِر أن الله واحدٌ، لأن المولود أكَّد أنه [أي الآب] هو بلا أصل.(نوفاتيان الإفريقي، عن الثالوث)
يُشدِّد ق. أمبروسيوس أسقف ميلان على أن الآب هو ينبوع وأصل كينونة الابن في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: [35]
لأنه هو الابن المولود من الآب، إنه يحيا بالآب لأنه من جوهر واحد معه، بالآب لأنه هو الكلمة الذي يُولَد من قلب الآب [36]، لأنه جاء من الآب لأنه مولود منأحشاء الآب [من البطن ولدتك][37]، لأن الآب هو ينبوع وأصل كينونة الابن(أمبروسيوس أسقف ميلان، شرح الإيمان المسيحي)
ويُؤكِّد ق. هيلاري أسقف بواتييه، والملقَّب بـ”أثناسيوس الغرب“ على ”مونارخية الآب“، مُشِيرًا إلى أن الآب هو المصدر الفريد للابن، لأن الابن هو المولود الوحيد منه كالتالي: [38]
الآب في الابن، لأن الابن منه؛ الابن في الآب، لأن الآب هو مصدره الفريد؛ المولود الوحيد هو في غير المولود، لأنه المولود الوحيد من غير المولود.(هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- الرهبنة.. اقتراب من أزمتها ضبط حياة الراهب والتزاماته ونذوره الرهبانية التقليدية (البتولية والعفة، العزلة، الفقر الاختياري، عدم القنية، الطاعة) هي القضية التي شغلت الكنيسة المعاصرة، وكانت عودة الرهبان المقيمين خارج الأديرة إلى أديرتهم القرار الأول أو الرئيسي الذي أصدره الآباء البطاركة؛ البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث والبابا تواضروس الثاني، وشهد هذا الأمر مع ثلاثتهم صورا كثيرة للتحايل عليه......