نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من مُختلف الجامعات والمدارس اللاهوتية، سواء المدرسة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الأمريكية، أو اليونانية، أو القبطية، بل ومن مُختلف الكنائس والطوائف المسيحية، سواء، الأرثوذكسية، أو الكاثوليكية، أو البروتستانية. للوقوف على أفضل تصوُّر للمونارخية، أو وحدة الرأس، أو الأصل، أو المصدر، أو الينبوع، أو العلة في الثالوث القدوس. وسوف نبحث شروحات هؤلاء الأساتذة والباحثين المرموقين على مستوى العالم لفكر آباء الكنيسة والمجامع المقدَّسة حول مونارخية الآب في الثالوث القدوس.
رينهولد سيبرج
شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوك
يُشِير البروفيسور الألمانيّ اللوثريّ رينهولد سيبرج، أستاذ اللاهوت في جامعة برلين بألمانيا، إلى الاختلاف في شروحات الثالوث بين ق. أثناسيوس والآباء الكبادوك كالتالي: [1]
إن التعديل الذي تمَّ إجراؤه هنا على عقيدة نيقية القديمة واضحٌ جدًا. لقد علَّم أثناسيوس [وماركيليوس الأنقريّ] بالإله الواحد، الذي يعيش حياة أقنومية [شخصانية] ثالوثية، الذي يكشف عن نفسه على هذا النحو. بينما يُفكِّر الكبادوكيون في ثلاثة أقانيم إلهية، تُظهِر نفس النشاط، ويُعترَف بأنها تمتلك طبيعة واحدة ولها نفس الكرامة. سرّ السابقين يكمن في الثالوث؛ وسرّ الأخيرين يكمن في الوحدة. وهكذا يحفظ الأخيرون أنفسهم بالكاد وبصعوبةٍ من تعدُّد الآلهة. ولكن بهذه الطريقة فقط تحرَّرت العقائد النيقية، بالنسبة للشرقيين، من وصمة السابيلية، وبدت أقنومية [شخصانية] اللوغوس مُؤكَّدةً بما فيه الكفاية. لقد فسَّر الكبادوكيون عقيدة أثناسيوس وفقًا للمفاهيم والمبادئ الأساسية لخريستولوچية اللوغوس عند أوريجينوس. ولكنهم دفعوا ثمنًا باهظًا مُقابل إنجازهم، لم يُدرِكوا حجمه: أي فكرة الإله الشخصيّ [الشخصانيّ]. والنتيجة هي ثلاثة أشخاص [أقانيم] وجوهر مُجرَّد وغير شخصانيّ [متأقنم]. بهذا الشكل تكون الأوسيا [الجوهر] والطبيعة عبءً ثقيلًا على العقيدة الخاصة بالله؛ لأنهما يتعارضان مع شخصانية [أقنومية] الله. لقد كان تصحيحًا جزئيًا لهذا، أنهم، بعد كل شيء -بشكلٍ غير مُتسقٍ- عرَّفوا الألوهة بالآب، الذي كان مرةً أخرى من بقايا التراتبية السابقة. الآب هو الألوهة كمصدر يصدر منه الابن والروح [القدس]:الطبيعة واحدةٌ في الثلاثة، أي الله؛ لكن الاتحاد هو الآب، الذي منه وإليه يُشَار إليهما بدورهما[2]. وعلى وجه الخصوص:لأنه من أقنوم الآب نفسه يُولَد الابن وينبثق الروح القدس. وهكذا بالتأكيد أيضًا الواحد، الذي هو علة الأشياء، التي تحدث بواسطته، تدعوه أنتَ إلهًا واحدًا، لأنه أيضًا فيهم[3]. وهكذا، حلَّت عقيدة الإله الثالوثيّ المشابه في الطبيعة محل تصوُّر إله ثالوثيّ ذي طبيعة واحدة. لقد كان أثناسيوس قادرًا على تحمُّل الأخير، دون أن يدعمه بحماسةٍ، أو يدين ماركيليوس، لأنه يمكن أن يُفهَم مماسبق أنه قد تمَّ حثه على القيام بذلك [4]. كان هذا هو تعليم الرجال الذين اَعتبروا أنفسهم ورثة قانون الإيمان النيقاويّ [5].لقد أعتقدوا بأن الله الذي نعبده باعتباره فوق الملائكة يجب فهمه بدقةٍ فيما يتعلق بهذه الصيغ[6]، لأنهفيما يتعلق بالتعليم عن الله، فإن الاستخدام المختلف للمصطلحات لم يعدّ غير ضار، لأن ما كان شيئًا صغيرًا آنذاك، لم يعد شيئًا صغيرًا[7]. لقد أنتجت صراعات العصر والتلاعُّب بالصيغ مفهومًا مُرهِقًا عن الأرثوذكسية. لقد صاغ هؤلاء الآباء -بالتحالف مع العالم- أرثوذكسيةً في القالب اليونانيّ.(Reinhold Seeberg, Text-Book of The History of Doctrines)
كارل رانر
وحدة الألوهة في أقنوم الآب
يُشِير اللاهوتيّ الألمانيّ الكاثوليكي الشهير كارل رانر إلى ”مونارخية الآب“ في عقيدة الرسل وكتابات الآباء اليونانيين قائلًا: [8]
وإذَا كنا نقصد أن لفظ الجلالة 'الله‘ في الكتاب المقدس وكتابات الآباء اليونانية يعني في المقام الأول الآب [لا أن ندع الكلمة ببساطة تفترض أنه الآب]، عندئذٍ، نجد أن البنية الثالوثية لعقيدة الرسل، التي تتناغم مع اللاهوت اليونانيّ للثالوث، ستؤدي بنا إلى أن نتعامل أولاً مع الآب، وأن نأخذ في اعتبارنا أيضًا، في هذا القسم الأول من عقيدة الله، 'جوهر‘ الله، أي ألوهية الآب.(كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص)
ويُؤكِّد كارل رانر على الحقيقة السابقة في موضع آخر قائلًا: [9]
تعترف الكنيسة في إيمانها بإلهٍ واحدٍ قادرٍ على كل شيء، يظهر لها باعتباره الربَّ العامل في تاريخ الخلاص، وخالق كل الحقائق المحدودة، وتؤمن به باعتباره 'الآب‘. وهكذا تبدأ صيغة اعتراف الإيمان: 'نؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قديرٍ‘. بالطبع، كان يمكننا أن نبدأ أيضًا بالاعتراف بالثالوث. على أيّ حال، يجب ألا يعني هذا أنه يوجد نوع من الألوهة بشكلٍ ما -فيما وراء الأقانيم الثلاثة- وأنها مقصودةٌ بشكلٍ كاملٍ من خلال الاعتراف، التي، من ثمَّ، تُفضِي إلى الشخصة الثلاثية. فالاعتراف الإيمانيّ والممارسات الدينية يُقصَد بهما الحفاظ على سلامة الحقيقة الخلاصية. لكن الثالوث، على هذا النحو 'ثلاثية‘، بالتالي، يُعدّ مفهوم الوحدة، مفهومًا لاحقًا، بما أنه يجمع 'الثلاثة‘ معًا في وحدةٍ فيما يتعلق تحديدًا بذاك [أي الأقنوم] الذي من خلاله هم متمايزون بشكل تامٍ. وهذا كله يُفسِّر السبب في أنه من المشروع تمامًا، حتى في تنظيم منهجيّ لعقيدة الكنيسة، أن نبدأ كما في العقائد القديمة بالاعتراف الإيمانيّ بالآب.(كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص)
شرح الثالوث بين الشرق والغرب
يُشِير كارل رانر إلى اختلاف شرح الثالوث بين الشرق والغرب، حيث كانت نقطة انطلاق الكتاب المقدَّس والآباء اليونانيين هي الإله الواحد القائم بذاته، الذي هو آبٌ بالفعل، ولكن نقطة البداية اللاتينية تبدأ من وحدانية الجوهر الإلهيّ وصولًا إلى تمايُّز الأقانيم كالتالي: [10]
لا شك في أن مزيدًا من الاهتمام قد خُصِّصَ، ويجب أن يُخصَّص، عندئذٍ، حتى لا يُنظَر إلى هذا 'الجوهر‘ الإلهيّ نفسه على أنه حقيقة 'رابعة‘ سابقة الوجود في الأقانيم الثلاثة. وبالنسبة للكتاب المقدَّس والآباء اليونانيين فسيجعلون نقطة الإله الواحد القائم بذاته، الذي هو آبٌ بالفعل حتى من دون معرفة أي شيء بعد عن الولادة والانبثاق. فهو يُعرَف بأنه الأقنوم الواحد القائم بذاته الذي لا يمكن إدراكه 'فعليًا‘ باعتباره 'مطلقًا‘، حتى قبل أن يُعرَف بوضوحٍ بكونه نسبيًا [علائقيًا]. لكن نقطة البداية 'اللاتينية‘ المرتبطة بالعصور الوسطى جاءت مُختلفةً. وهكذا، قد يؤمن المرء بأن اللاهوت المسيحيّ أيضًا ربما، بل ويجب عليه أن يضع البحث في 'الإله الواحد‘ قبل البحث في 'الإله الثالوثيّ‘. ولكن بالنظر إلى أن هذا المنهج تُبرِّره وحدانية الجوهر الإلهيّ، فإن البحث الوحيد الذي يُكتَب، أو من الممكن كتابته، هو 'عن الإله الواحد‘. ونتيجةً لذلك، يصبح المبحث فلسفيًا ومُجرَّدًا بالكامل، ولا يشير على الإطلاق إلى تاريخ الخلاص.(كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص)
سر مونارخية الآب ووحدة السمو الإلهي
يُشِير كارل رانر إلى سر مونارخية الآب ووحدة السمو الإلهيّ كالتالي: [11]
وتمشيًا مع هذه الفكرة، بوسعنا أن نشير إلى أن وحدة السمو الإلهيّ الأساسية هي سر لا يُسبَر غوره، التي تظلّ غامضةً إلى الأبد عبر التاريخ، ووحدة سمو التاريخ تحمل أعماقها النهائية وجذورها الأكثر عمقًا في الثالوث، الذي فيه الآب هو الأصل الذي لا يُستقصَى والوحدة الأصلية، و'الكلمة‘ [اللوغوس] هو نطقه في التاريخ، و'الروح القدس‘ انفتاح التاريخ على أصله الأبويّ الوثيق وغايته. وعلى وجه الدقة، فإن ثالوث تاريخ الخلاص هذا، على النحو الذي به يُعلِن ذاته لنا بالأعمال هو الثالوث في جوهره [المحايث].(كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص)
جوهانس كواستن
الآب هو الينبوع والمصدر عند ق. أثناسيوس
يُشِير عالم الآبائيات الكاثوليكيّ الألمانيّ الشهير چوهانس كواستن إلى تفسير ق. أثناسيوس لأية أبي أعظم مني
في سياق ثيؤلوجيّ وليس إيكونوميّ، بمعنى أن الآب هو المصدر والينبوع، مع رفض ق. أثناسيوس لتعليم التراتبية Subordinationism في الثالوث قائلًا: [12]
ولا يوجد هناك أيّ مجال لأن يكون الابن أقل من الآب Subordinationism في التعليم عن اللوغوس. وإذَا قال الابن: 'أبي أعظم مني‘، فإن هذا يعني أن الآب هو المصدر والينبوع، والابن مولودٌ منه (Or. Arian. 3, 3; 4 EP 760/776). والابن مولودٌ أزليًا من جوهر الآب έκ τής ούσίας τοϋ πατρός، وهو واحدٌ في ذات الجوهر مع الآب όμοούσιος. وقد استخدم مجمع نيقية المصطلحين، ويَعتبرهما ق. أثناسيوس جوهرين بشكلٍ مطلقٍ، بينما تجاهل مصطلح 'مُشابِه‘ όμοιος لأنه غير مُرضٍ.(چوهانس كواستن، علم الآبائيات ”باترولوچيا‘)
مونارخية الآب في الدراسات القبطية الحديثة
نستعرض في هذا الجزء من بحثنا رأي اثنين من أفضل الباحثين الأقباط في الآونة الأخيرة وهما: المتنيح د. چورچ عوض، والمتنيح د. سعيد حكيم، اللذان كانا باحثين بالمركز الأرثوذكسيّ للدراسات الآبائية بالقاهرة والأستاذين لعلم الآباء ”الباترولوچي“ في الكلية الإكليريكية والمعاهد التعليمية.
يتحدَّث الباحثان القبطيان عن ”مونارخية الآب“ في الثالوث وفي تعاليم آباء الكنيسة، وذلك ردًا على الادعاءات الواهية بأن مونارخية الآب هي الهرطقة الآريوسية، وهذا كلام عارٍ تمامًا عن الصحة، ونابع عن جهل وعدم وعي بتعاليم آباء الكنيسة بمونارخية الآب في الثالوث، بل ويتهم آباء الكنيسة ضمنيًا بالهرطقة الآريوسية لأنهم ينادون بمونارخية الآب، وهذا محض عبث وهراء.
جورج عوض إبراهيم
مونارخية الآب عند ق. كيرلس السكندري
يتحدَّث المتنيح د. چورچ عوض إبراهيم، ردًا على الذين يقولون إن آباء كنيسة الإسكندرية لا يعرفون شيء اسمه مونارخية، بأن التعليم باعتبار الآب هو بداءة اللا بداءة للابن والروح القدس يُمثِّل واحدًا من التعاليم الأساسية عن الثالوث عند ق. كيرلس السكندريّ، قائلًا: [13]
إن الرأي العقيديّ بخصوص اعتبار الآب هو بداءة اللا بداءة للابن والروح القدس يُمثِّل واحدًا من التعاليم الأساسية عن الثالوث عند ق. كيرلس الإسكندريّ في شرحه للعلاقة الأزلية بين الآب والابن والروح القدس.(كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث)
ويستطرد د. چورچ عوض في نفس السياق مُؤكِّدًا على أن التعبير عن الآب بأنه بداية اللا بداية للابن هو تعبير يصف العلاقة السببية الأزلية بين الآب والابن، أي العلاقة السببية التي توجد بين الآب كعلةٍ أزليةٍ والابن كنتيجةٍ أزليةٍ لهذه العلة كالتالي: [14]
التعبير عن الآب بأنه بداية اللا بداية للابن هو تعبير يصف العلاقة السببية الأزلية بين الآب والابن، أي العلاقة السببية التي توجد بين الآب كعلةٍ أزليةٍ، والابن كنتيجةٍ أزليةٍ لهذه العلة، وبذلك فهو يخص المفهوم اللاهوتيّ للولادة الأزلية للابن من الآب.(كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث)
المفهوم الأرثوذكسي لمونارخية الآب
ويُؤكِّد د. چورچ عوض في موضع آخر على أن الآب هو البداية الازلية، والمصدر الأزلي للألوهية. الحقيقة الوجودية الأكثر عمقًا في الله هو أنه شخصٌ، ولا يوجد بأيّ طريقة أخرى إلا فقط بكونه شخص، فالآب هو علة الوجود الإلهيّ، بل اسمه هو اسم شركة قائلًا: [15]
الآب هو البداية η αρχή الأزلية، والمصدر πηγή الأزليّ للألوهية. إذًا، الله هو واحدٌ، لأنه واحدٌ هو الآب الذي يلد أزليًا الابن وينبثق منه الروح القدس أيضًا. هكذا أشخاص الثالوث القدوس هم من نفس الجوهر مع الآب، لكن الابن والروح القدس لهما علتهما الأزلية في شخص الآب. الحقيقة الأنطولوچية (الوجودية) الأكثر عمقًا في الله هو أنه شخصٌ، ولا يوجد بأيّ طريقة أخرى إلا فقط بكونه شخص. الآب هو علة الوجود الإلهيّ، بل اسمه هو اسم شركة.(چورچ عوض، المعرفة الإلهية بين الثيؤلوجيا والايكونوميا)
سعيد حكيم أيوب
شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوك
يرى المتنيح د. سعيد حكيم أن ق. أثناسيوس تفرد بتقديم رؤية مختلفة عن الآباء الذين علموا بأن الآب هو المبدأ الأقنوميّ لأقنومي الابن والروح القدس مثل العلامة ديديموس الضرير، وق. باسيليوس الكبير، وق. غريغوريوس النيسيّ، وق. غريغوريوس النزينزيّ كالتالي: [16]
القديس أثناسيوس تفرد بتقديم رؤية مختلفة عن الآباء الذين علَّموا بأن الآب هو المبدأ الأقنوميّ لأقنومي الابن والروح القدس، مثل العلامة ديديموس الضرير، وق. باسيليوس، وق. غريغوريوس النيسيّ، وق. غريغوريوس النزينزيّ، فعندما تناول الآباء موضوع μοναρχία المونارخية، أي وحدة المبدأ، كان للقديس أثناسيوس رأيًا خاصًا فقد أقر في خطابه للأنطاكيين بالاعتراف بثالوث قدوس، لكن لاهوت واحد ومبدأ واحد αρχή، وبأن الابن له ذات الجوهر الواحد مع الآب، كما أن الروح القدس غير منفصل عن جوهر الآب والابن. إلا أن قبوله بصيغة جوهر واحد وثلاثة أقانيم μία ούσία τρείς ύποστάσεις، لم يمنعه من رفض الرأي المنادي بوحدة المبدأ μοναρχία الذي تعتمد فيه وحدانية الله على شخص الآب. فحين يُشَار إلى أن الآب هو العلة αίτιος والمبدأ αρχή للابن، فإن المقصود هو التعبير عن حقيقة ثابتة ومطلقة، وهو أن الآب هو أبو الابن، وإن الابن هو ابن الآب.(سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة)
مونارخية الآب في تعليم الآباء الشرقيين
ويُؤكِّد د. سعيد حكيم على أن الآباء الشرقيين قد نادوا بأن الآب هو المصدر والعلة في الثالوث، وأن الابن والروح القدس هما واحدٌ مع الله الآب في الجوهر قائلًا: [17]
لقد تمسك الآباء الشرقيون بمصطلحات العهد الجديد، فالإشارة إلى كلمة الله تتضمن الله الآب وابنه يسوع المسيح، كما جاء في (رو ٢: ٦؛ ٢كو ١١: ٣١؛ أف ١: ٣). فالله الآب هو خالق السماء والأرض، وهو بداية الوحدة الكونية لهذا العالم، الذي هو بالطبيعة خارج نطاق الألوهية، وهو المصدر والعلة، وأن الابن والروح القدس هما واحدٌ مع الله الآب في الجوهر.(سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة)
ويُؤكِّد د. سعيد حكيم في نفس السياق على أن التعليم اللاهوتيَّ عن الوحدة والتمايُّز في الثالوث القدوس، الذي أرسى مبادئه ق. إيرينيؤس، قد بدأ تقليد امتد إلى العصور اللاحقة، ووجد التعبير الكامل عنه من خلال الآباء الكبادوك، والذي يُقرّ ويعترف بأنه في شخص الله الآب تكمن الوحدة في الله، هذه الوحدة تحمل طابعًا خاصًا وتستند إلى أن الآب هو المصدر والأصل، وليست طبيعة إلهية مجهولة ليس لها كيانًا كالتالي: [18]
وهكذا من خلال هذا التعليم اللاهوتيّ عن الوحدة والتمايُّز في الثالوث القدوس، الذي أرسى مبادئه ق. إيرينيؤس، قد بدأ تقليد امتد إلى العصور اللاحقة، ووجد التعبير الكامل عنه من خلال الآباء الكبادوك، الذي يُقرّ ويعترف بأنه في شخص الآب، تكمن الوحدة في الله. هذه الوحدة تحمل طابعًا خاصًا وتستند إلى أن الآب هو المصدر أو الأصل، وليست طبيعةً إلهيةً مجهولةً ليس لها كيانًا.(سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة)
نستخلص مما سبق عرضه في كتابات د. چورچ عوض ود. سعيد حكيم النتائج التالية:
1) علَّم آباء الكنيسة الجامعة منذ ق. إيرينيؤس وحتى ق. كيرلس الإسكندريّ بمونارخية الآب.
2) علَّم آباء كنيسة الإسكندرية مثل ق. كيرلس الإسكندري والعلامة ديديموس الضرير الإسكندريّ بمونارخية الآب في الثالوث، وليس كما يدَّعي البعض بأن آباء كنيسة الإسكندرية لم يُعلِّموا بشيء اسمه مونارخية من الأساس.
3) القديس أثناسيوس حالة خاصة دون باقي آباء كنيسة الإسكندرية والآباء الكبادوك الذي نادى بمونارخية ثالوثية، وإنْ كان لم يرفض رفضًا تامًا مونارخية الآب، بل فسَّرها في ضوء الولادة الأزلية للابن من الآب.
4) مونارخية الآب ليس تعليمًا آريوسيًا، كما يدَّعي البعض عن جهل وعدم وعي، بل هو تعليمٌ أرثوذكسيّ سليم راسخ وثابت في كتابات آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا وفي تقاليد كنسية مختلفة، سواء، إسكندريّ، أنطاكيّ، كبادوكيّ، غربيّ لاتينيّ قبل أوغسطينوس وتوما الأكوينيّ والعصر الوسيط.
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]