- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- ☑ الإخوان وحكومة إسماعيل صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
جاء صدقي رئيسًا للوزارة للمرة الأولي في عهد الملك فؤاد في 20 يونيو 1930، وتولى منصب وزير الداخلية بالإضافة لرئاسة الحكومة، وفي بعض الإضرابات الطلابية، أمر صدقي البوليس فاقتحم المدارس وضرب الطلاب بالرصاص في الفصول في سابقة لم تحدث من قبل، وأستمر صدقي في معاداته للشعب، فقام بتغيير الدستور المصري في 22 أكتوبر سنة 1930 بعد أن أُلغى دستور 1923 في تحدى حقيقي لإرادة الشعب، حتى أن الملك فؤاد لم يكن يتصور أن ينضم الأمراء والنبلاء لمقاومة دستور صدقي باشا، وزاد الأمر سوءًا بعد أن وقع هؤلاء الأمراء على قرارات المؤتمر الوطني الذي دعا إليه حزب الوفد والأحرار الدستوريين، ورفعوا هذه القرارات للملك الذي فوجئ بتوقيع الأمراء عليها، فقام الملك بدوره بحذف أسمائهم من كشوف الأمراء والنبلاء، وكما لم يسلم الأمراء من بطش الملك فؤاد، لم تسلم النساء كذلك من البطش بهن، ووصل الأمر إلى حد اعتقال عدد منهن في سابقة هي الأولى من نوعها في ذلك الوقت.
وبعد اعتقال النساء، خرج الطلبة في ثورة ضد الحكومة ورئيسها المستبد ووزرائها الجهلاء، ولأول مرة تم إنشاء جماعة حقوق الإنسان لمعارضة الحكومة، وامتدت المعارضة لسياسات صدقي الاستبدادية إلى خارج البلاد ووصلت إلى سويسرا وفرنسا، وهو الأمر الذي أدهش صدقي باشا كثيرًا، حتى القضاء والقضاة نالوا نصيبهم من اضطهاد صدقي باشا، وتم التنكيل بهم، واتخذ هذا التنكيل عشرات الأشكال حيث تم إصدار قرارات لانتدابات مصحوبة بتهديدات في بعض الأوقات والإغراءات في أوقات أخرى، كما تم نقل بعض القضاة، وتخفيض معاشات، والتدخل في أحكام القضايا، كما تم إحالة العديد من القضاة إلى المعاش لإصدارهم أحكامًا في قضايا سياسية اعتبرتها الحكومة مخالفة لسياستها، واستمر الحال كذلك حتى تم إلغاء دستور 1930 عام 1935 وعاد العمل بدستور 1923.
جاءت وزرارة إسماعيل صدقي الثانية خلفًا للنقراشي في 16 فبراير 1946، متزامنة مع القلاقل والاضطرابات والموقف المعادي الذي اتخذه طلبة الجامعة من فاروق، فلم يجد فاروق مفر من اللجوء للإخوان مرة أخرة لإنقاذ الموقف، وبات واضحًا للجميع أنهم عائدون إلى أحضان القصر من جديد، وبدا ذلك مؤكدًا عندما وقع اختيار الملك فاروق على إسماعيل صدقي لتولى رئاسة الحكومة، فبعث فاروق برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق، فقد سر المرشد العام أن ملك مصر أصبح يستشيره في أمور السياسة العليا، ووافق موافقة تامة على الاختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة ذهب إسماعيل صدقي في زيارة إلى المركز العام للإخوان ورد له حسن البنا الزيارة، ووقف زعيم الإخوان في الجامعة مصطفى مؤمن يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد.
حاولت قوى المعارضة الوطنية بمختلف فصائلها أن توحد صفوف الجامعة باتجاه وطني، وكانت البداية دعوة لمؤتمر بكلية الطب في 7 أكتوبر 1945، وفي محاولة لإفشال هذا المؤتمر سارع الإخوان المسلمين بعقد مؤتمر خاص بهم قالوا أنه قد حضره 6000 طالب ووجهوا باسم هذا المؤتمر رسالة إلى رئيس الوزراء قالوا أنها تعبر عن أرض مصر الخضراء، ثم حضروا إلى اللجنة التحضيرية لمؤتمر 7 أكتوبر مطالبين الجميع بالموافقة على مقررات مؤتمرهم، فلما رفض الحاضرون، وجد الإخوان في ذلك حجة كافية للانسحاب، وأستمر الحلف الوطني يبلور نفسه في الجامعة في إطار اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلاب، والتي مثلت الطلاب من الوفديين والشيوعيين وغيرهم، بينما بقي الإخوان المسلمون خارج إطارها يحاولون العمل في خط مناوئ كعادتهم.
وشهدت الجامعة تحركين؛ تحرك القوى الوطنية في اللجنة الوطنية للطلاب، وتحرك الإخوان المسلمين في اتجاه مضاد، وخلال الإعداد المكثف ليوم الإضراب العام في 21 فبراير 1946، أوفدت اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التي تعبر عن تحالف القوى الطلابية والعمالية الوطنية مندوبين لمقابلة البنا لدعوته للاشتراك في هذا اليوم والإعداد له، لكن البنا راوغهم في البداية، ثم رفض في حسم بحجة أن الإخوان غير جاهزين”
، مع أن الإخوان كانوا جاهزين تمامًا قبلها بعشرة أيام وتحديدًا في 11 فبراير، عندما سيروا مظاهرة ضخمة، قادها زعيم طلبة الإخوان في الجامعة “مصطفى مؤمن” لتتجه في حراسة البوليس نحو قصر عابدين وتردد شعارات موالية للملك.
أيضًا كان الإخوان جاهزين تمامًا بعدها للاحتفال بعيد جلوس الملك في مايو 1946 باحتفالات مبالغ فيها إلى حد كبير، ففي هذا العام الذي سجلت فيه الجماهير الشعبية بدمائها وشهدائها رفضها للاحتلال ولعملائه في القصر الملكي ومجلس الوزراء، أقام الإخوان مهرجانات كثيفة في مختلف أنحاء القطر المصري احتفالًا بجلوس الملك، وشارك البنا وأعضاء مكتب الإرشاد العام في هذه الاحتفالات المتحدية لمشاعر المصريين جميعًا، ونشرت جريدة الإخوان خبرًا يقول؛ جاءنا من المحلة الكبرى أن استعراضًا جميلًا مؤلفًا من خمسمائة وألف من جوالة الإخوان المسلمين هناك، أقيم بعد ظهر الأمس ابتهاجًا بهذه المناسبة السعيدة
، وفوق ذلك حاول البنا صرف الأنظار بعيدًا عن القضايا الوطنية، معلنًا أن القضية الأساسية هي استعادة الخلافة الضائعة، ولعله بذلك كان يغرى الملك إذ يقدم له وعدًا بعمامة الخلافة.
بدأ إسماعيل صدقي يخطب ود الإخوان، وقام إبراهيم رشيد [زوج ابنة صدقي] باشا بالوساطة بين صدقي والمرشد العام، وطلب علانية الصفح عن ماضي صدقي الملقب بـجلاد الشعب
مقابل الكثير من العطايا التي سال لعاب البنا لها، وفي إبريل 1946 كتب حسن البنا في مجلة الإخوان المسلمين، كلمة عنوانها؛ الرجال السبعة
، يطالب فيها رموز الحياة السياسية المصرية بمساندة حكومة صدقي في مفاوضاتها، وكان يقصد بهؤلاء السبعة مصطفي النحاس، علي ماهر، محمود النقراشي، الدكتور محمد حسين هيكل، مكرم عبيد، حافظ رمضان، وعبد الرحمن الرافعي.
وفي المقابل، أجزل جلاد الشعب
المنح للجماعة، فألغي تدابير الحكومة السابقة بمنع اجتماعات الإخوان المسلمين، وأعطاهم ترخيص لإصدار صحيفة رسمية يومية في مايو 1946، وامتيازات في شراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية التي تقل عن أسعار السوق بنسبة تتراوح بين %20 إلى 30%، وتسهيلات خاصة بالجوالة تتمثل في تخفيض سعر زيها الرسمي، وحرية الحركة واستخدام معسكرات الحكومة، ومنح الإخوان قطع من الأرض لإقامة المباني والمشاريع الخاصة بهم، كما قدمت لهم إعانات مالية من وزارتي المعارف والشئون الاجتماعية، كما ضمت الحكومة محمد حسن العشماوي كوزير للمعارف وهو معروف بميوله الدينية، حتى أن صدقي عرض على البنا تعيينه وزيرًا للأوقاف لكن البنا رفض خشية أن ينتهي به الحال مجرد وزير سابق لا قائد للإخوان.
وكذلك تمتعت الجماعة ببعض المساعدات غير المباشرة من وزارتي التعليم والشئون الاجتماعية، وكلف حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية من جانب صدقي باشا بتنفيذ هذه السياسة، حتى أن المفوضية الأمريكية فقد كتبت إلى واشنطن تقول؛ يتزايد تنظيم الإخوان كل يوم كقوة سياسية، وبالذات منذ تولى صدقي باشا السلطة، وقد رفع رئيس الوزراء الحظر الذي فرضه النقراشي باشا على اجتماعات الإخوان وهو يجامل الإخوان، ربما بدعم مالي بأمل فصل ارتباطهم بحزب الوفد.
وكان ذلك حقيقي تمامًا، فما من مظاهرة خرجت وعارضت وزارة إسماعيل صدقي إلا وتصدى شباب الإخوان المسلمين لها بالسكاكين والعصي، حتى أتي يومًا دخل فيه طلاب الإخوان المسلمين إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة الملك فؤاد [جامعة القاهرة] بعد أن كسروا الأبواب وعقدوا مؤتمرًا كبيرًا لتأييد إسماعيل صدقي، افتتحه وخطب فيه زعيم الإخوان بالجامعة وطالب الهندسة؛ مصطفى مؤمن، مثنيًا على وعود إسماعيل صدقي في المفاوضة، مستشهدًا بالآية القرآنية؛ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولًا نبيًا
اتهمت صحف الوفد الجماعة بامتصاص الحركة الوطنية، وأنهم تقاضوا الثمن من إسماعيل صدقي مقابل إجهاض الحركة الوطنية ضد جلاد الشعب، ولعب رئيس الديوان الملكي الجديد القيادي السعدي إبراهيم عبد الهادي دورًا بارزًا في تدعيم الروابط والعلاقات بين الملك ومرشد الإخوان مرة أخرى، من منطلق العداء المشترك للوفد من ناحية، وللحد من تغلغل انتشار الشيوعية من ناحية أخري، والجدير بالذكر أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، وأصبح صدقي مع حكومته مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة، حتى إن حسن البنا في فبراير1947 دعي إلى إحدى ولائم قصر عابدين، لكنه اعتذر لان الحضور لابد أن يكون بـ “الردنجوت” وهو لا يملك المال الذي يشتريه به حسبما قال.
وينقل عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر 1948، أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإخوان لأنهم التنظيم الديماجوجي الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروق من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة الوفد للحكم، وبالطبع توترت العلاقة بين الوفد والإخوان وتبادلا الهجوم الحاد، ووصل الصراع إلي ذروته في يوليو 1946 وقت زيارة للمرشد لمدينة بورسعيد المعروفة بولائها التقليدي للوفد، حيث تجمع أعضاء الجماعة ليقيموا زفة بلدي
ترحيبًا بالمرشد، واستقبلوه في المحطة استقبال الملوك، فحدثت مناوشات بين الوفديين والإخوان انقلبت في الحال إلي العنف، وألقي أنصار الإخوان ثلاث قنابل حطمت واجهات الكثير من المحلات، ثم أخذوا يطلقون الرصاص من مسدسات يحملونها واستلوا خناجرهم وأعملوها في أجسام الناس كأنهم أعلنوا الحرب، مما أسفر عن مقتل أحد الوفديين وإصابة العشرات وحوصر المرشد العام حسن البنا، حتي أفلت بصعوبة من أيدى الجماهير الغاضبة وسط تغاضى الجميع ملكًا ورئيس حكومة عن تصرفاتهم، وانتقامًا مما حدث؛ تجمع الوفديين في ثورة غضب مضاد، وحاولوا إحراق دار الإخوان المسلمون في منفلوط، والنادي الرياضي، واطلقوا النار ليلًا على محمد حامد أبو النصر المرشد الرابع للجماعة فيما بعد، وألقى الشباب الوفدي الغاضب الحجارة على مؤتمر الإخوان المقام في مسجد أبو النصر في منفلوط.
بدعم إخواني، بدأ صدقي مفاوضاته الفاشلة لاستقلال مصر مع الإنجليز، تلك المفاوضات التي قوبلت برفض شديد من الشارع المصري، ورفض الشعب مشروع اتفاق صدقي – بيڤن
برمته، ونشطت المظاهرات أكثر وأكثر ضد صدقي بسبب تلك المفاوضات، وقوبلت التظاهرات بالقمع والاعتقال وتعقب الطلبة ونشطاء الحركة الوطنية، في نفس الوقت الذي طالبت فيه الجماعة أعضائها بالوقوف خلف صدقي لنجاح المفاوضات، وتوهم صدقي أن للإخوان قاعدة شعبية ذات وزن، لدرجة أنه استدعى المرشد بعد عودته من لندن بساعتين وأطلعه على مشروع اتفاقية صدقي – بيڤن
، وحصل على موافقته على المشروع قبل أن يطلع عليه النقراشي وهيكل المشاركين في المفاوضات، وعندما تصاعدت المظاهرات الشعبية ضد هذه الاتفاقية، طلب صدقي باشا من المرشد أن يركب سيارة سليم زكي باشا، مساعد الحكمدار، المكشوفة ليعمل على تهدئة الجماهير، واستجاب المرشد لطلب صدقي باشا فعلًا.
مرت الأيام، وبدأ البنا يتدارك الأمر ويضعف أمام رفض الشارع لصدقي ومشروع اتفاقيته، وبدأت شعبية الإخوان في الشارع وقدرتهم على استمالة الجماهير تضمحل، وبما أنهم قد استفادوا من صدقي وما عادوا في حاجة إليه الآن خصوصًا أنه في طريقه لفقدان منصبه كرئيس للحكومة، بدأ الإخوان في مهاجمته وانقلبوا عليه، وأعلنت الجماعة رفضها التام للمفاوضات واعتبرتها وسيلة الضعفاء! ودعت الجماعة إلى عرض القضية على مجلس الأمن!! ولما عاد صدقي من لندن بعد توقيع المعاهدة بالأحرف الأولى، هاجمه الإخوان هجومًا شديدًا ونسوا أنه؛ صادق الوعد
!
واشتدت المظاهرات العنيفة من قبل الأخوان ضده يوم 2 ديسمبر، وأحرقوا الكثير من محلات الأجانب وألقوا القنابل في وقت واحد على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة، وألقيت قنبلة يوم 3 ديسمبر على منزل الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس الشيوخ الذي عرف بعدائه للجماعة ومعارضته لهم، ورصدت الحكومة مكافأة 3000 جنيه لمن يرشد عن المتهم وهو مبلغ كان يعد ثروة في هذا الوقت.
تفجير القنابل تم في جميع أقسام البوليس في القاهرة يوم 3/12/ 1946 م بعد العاشرة مساء، وقد روعي أن تكون هذه القنابل الصوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط، دون أن يترتب على انفجارها خسائر في الأرواح، وقد بلغت دقة العملية أنها تمت بعد العاشرة مساء في جميع أقسام البوليس، ومنها أقسام بوليس الموسكي والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة، ولم يُضبط الفاعل في أي من هذه الحوادث، فاشتد رعب الحكومة من غضبة الشعب وفكرت كثيرًا قبل إبرام ما عزمت عليه، ثم توالى إلقاء القنابل على أقسام بوليس عابدين والخليفة ومركز إمبابة وعلى المعسكرات البريطانية، وعمد النظام الخاص إلى إرهاب الحزبين الذين منحا صدقي باشا الأغلبية البرلمانية للسير قدمًا في تضييع حقوق مصر دون أن تقع خسائر في الأرواح، وذلك بإلقاء قنابل حارقة على سيارات كل من؛ هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين، والنقراشي باشا رئيس حزب السعديين في وقت واحد، وقد نفذ عملية هيكل باشا الإخوان: أحمد البساطي ومحمد مالك، أما عملية قنبلة النقراشي باشا فلم تنفذ لعدم العثور على سيارته في ذلك اليوم، ولقد زادت هذه العملية من رعب الحكومة وأعوانها خاصة أن كل فئات الشعب كانت ثائرة ضد ما اعتزمت الحكومة أن تقدم عليه، فأضرب المحامون واشتدت المظاهرات، حتى اضطر صدقي باشا إلى النزول على إرادة الأمة، وتقديم استقالته في 9 ديسمبر سنة 1946 ولم يكن أمام القصر بد من قبولها.
هاجمت جريدة صوت الأمة الجماعة قائلة أن “الإخوان أسوأ مثال للأدب والأخلاق، وقد بليت البلاد بهذه الشرذمة الفاسدة التي تتكون من مجموعة ميكروبات يجب استئصالها حرصًا على المجتمع وعلى سلامة الدعوة الدينية الإسلامية.(محمود السيد خليل الصباغ، عضو التنظيم الخاص، في كتابه؛ حقيقة التنظيم الخاص)
الإخوان المسلمين والحركة العمالية
الحقيقة إن موجة العداء التي تصاعدت ضد الإخوان وسط صفوف العمال لم تكن فقط بسبب الممارسات السياسية المعادية للمشاعر الوطنية، والتي وقفت بالإخوان في صف رئيس الوزراء الطاغية إسماعيل صدقي، وضد حركة الجماهير الشعبية المعادية للاستعمار بقيادة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، وإنما كانت بسبب ممارسات محددة ضد مصالح العمال المباشرة، وأشهر الوقائع كان إضراب شبرا الخيمة الشهير.
ففي سبتمبر 1945 قاد العمال إضرابًا شاملًا وناجحًا في منطقة شبرا الخيمة، حيث توقفت كل مصانع تلك المنطقة عن العمل، وتشكلت قيادة سرية للإضراب عجز البوليس عن الوصول إليها، وفي البداية، أيدت جماعة الإخوان الإضراب، لكنها ما لبثت أن انسحبت منه وبدأت حملتها ضده، بل أرسلت وفودًا من دعاتها إلى المنطقة لإقناع العمال بالعدول عن الإضراب بحجة أن الدين يحرم الإضراب، لأن فيه خسارة لأصحاب المصانع من المسلمين
، وانتهي الإضراب بالفعل فترة مؤقتة، وما لبث أن عاد عمال شبرا الخيمة إلى الإضراب من جديد في إضراب أكثر شمولًا وأكثر تنظيمًا استمر طوال شهري مايو ويوليو 1946.
وقف الإخوان ضد الإضراب، واتهم قادة الإضراب أعضاء جماعة الإخوان بأنهم؛ سلموا البوليس قوائم بأسماء وعناوين القادة السريين للإضراب، ونتيجة لهذه المعلومات ألقي القبض على أكثر من مائة من القادة العماليين
، لكن الإضراب استمر بالرغْم ذلك، وصمم أصحاب المصانع على عدم السماح للعمال بالعودة للعمل إلا إذا تعهدوا كتابة بعدم العودة للإضراب، وأيدت جريدة الإخوان ذلك، ودعت العمال إلى؛ إنهاء الإضراب، والتوقيع على التعهد الذي طلبه منهم أصحاب المصانع ومكتب العمل بعدم اللجوء إلى سلاح الإضراب في المستقبل
، وقالت الجريدة أنها: تؤمل بعد عودة العمال للعمل وتوقيعهم على التعهد المطلوب أن تعمل الحكومة على حل مشاكل العمال
كما أن جريدة الجماعة تواطأت مع السلطات في محاولة تخريب الإضراب، فنشرت خبرًا غير صحيح يستهدف تصفية الإضراب قالت فيه؛ وفدًا من عمال شبرا الخيمة أعلن اعتزام العمال إنهاء الإضراب
، وردت عليها إحدى صحف حزب الوفد ببيان لقيادة الإضراب نفت فيه هذه الواقعة، وأكدت أن الإخوان يتجسسون في صفوف العمال لحساب البوليس، في نفس الوقت الذي واصلت فيه صحيفة الجماعة الدفاع عن موقف معلن وصريح يستهدف تصفية الإضراب، وأكدت أن منظمي الإضراب مُهيِجون محترفون
وكمكافأة للإخوان عقب إسهامهم في إفشال الإضراب الكبير عام 1946، بدأ أصحاب المصانع في تعيين العديد من الإخوان كرؤساء للعمال ليضمنوا خصومته لأي توجه يساري وسط العمال، وقد مكّن ذلك الجماعة من استقطاب عدد محدود من العمال، وإن كان قد أكسبها كراهية ونفورًا وسط الجموع العمالية، ولعل أحد الأدلة الهامة على ضعف النشاط العمالي للجماعة أن المذكرة التفسيرية للأمر العسكري الصادر بحل الجماعة في عام 1948 تتحدث عن نشاط الجماعة تفصيلًا من خلال ثلاثة عشر بندًا تتضمنها المذكرة، فتشير إلى نشاطها وسط الطلبة والموظفين والفلاحين بدون إشارة واحدة للنشاط وسط العمال، ويفسر البعض ذلك بأن نشاط الجماعة وسط العمال كان دومًا في خدمة أجهزة الأمن وبالتنسيق معها.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤