- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة إسماعيل صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- ☑ الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
سجلت محاضر الشرطة أول أحداث عنف حقيقية من الجماعة بإلقاء قنبلة على النادي البريطاني في ليلة عيد الميلاد 1942م، وتطور نشاط الجماعة بداية من نوفمبر 1944م، إلى الحد الذي دفع “صالح أبو رقيق” الذي أصبح فيما بعد من كبار قادة الجماعة، إلى التبرع بمهر عروسته للتنظيم الخاص لشراء سيارة تحتاج الجماعة إليها فيما سُمي بالعمليات الفدائية ضد الإنجليز، وتكررت عمليات ذلك الجهاز عام 1945م، واستمرت الاعتداءات، لكن لم يتم القبض على أحد بسبب نقص الأدلة.
حصل الإخوان بتوسط من الجامعة العربية والهيئة العربية العليا لدى وزارة النقراشي، على تصريح بجمع السلاح من صحراء مصر الغربية، حيث كانت بقايا معارك الحرب العالمية الثانية ما زالت متناثرة حيث دارت، وكان التصريح لاثنتين من سيارات جريدة الإخوان عليهما اسم الجريدة وشارة الإخوان، غير أن النقراشي ما لبث أن سحب التصريح، ولم يكن بوسع الإخوان إذ سُحب التصريح أن يمتنعوا عن جمع السلاح، بعد أن صار لهم ألفان من المتطوعين لهم وجودهم الفعلي في الميدان ويفنون فيه أكبر الفناء في معاونة الجيوش النظامية، بل ونجدتها كلما تورطت أو وقعت في شرك… فكان يلزمهم السلاح والذخيرة… واستمرت حركة الجمع، وكان إخواننا الذين يجوبون الصحراء وراء السلاح يشاهدون اليهود يفعلون نفس الشيء من صحرائنا، وفى مصر أنشأنا بعض الترسانات المجهزة بالعدد والأدوات لترميم ذلك السلاح وفحص الذخيرة والمفرقعات وكافة أدوات الحرب التي نحصل عليها بعد أن بقيت بالعراء ما بين ثلاث سنوات إلى سبع.(أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف)
ووقعت هجمات على أعداد كبيرة من البريطانيين المدنيين في سينما ميامي يوم 10 مارس عام 1946م، وقذفت إحدى السيارات قنبلة خارج مبنى جمعية الشبان المسيحين يوم 5 مايو من نفس العام فأصيب 16 من أفراد القوات المسلحة البريطانية وسيدتان بريطانيتان، وألقيت قنبلة أخرى خارج ثكنات الجيش البريطاني بالعباسية فأصيبت سيدتان مصريتان تلك المرة، ودمرت أجزاء من سينما مترو في القاهرة بالقنابل في 6 مايو 1947م، ونسفت دور سينما ميامي وسينما كوزموس وسينما متروبول، وأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها عشرة ألآف جنيهًا لمن يرشد على الفاعل. وقد اتهم د. محمد حسين هيكل في مذكراته الإخوان بإلقاء القنابل، لكن صلاح شادي، رئيس قسم الوحدات بالجماعة، ألقى التهمة على رابطة الشباب الوفدية.
وتتابع إلقاء القنابل على سينما الامباير كلوب الصيفية في 7 يونيو 1946م، وأخرى على كوبري قصر النيل في 10 يوليو 1946م، وارتكبت في 4 يوليو 1946م حوادث تفجير ضد السيارات والأندية الليلية للقوات البريطانية، وأعلن الإخوان عن “يوم الحريق” وهو يوم غير معلن موعده تحرق فيه الجرائد والمجلات والكتب الإنجليزية كرمز لمقاطعة الإنجليز وإعلامهم وثقافتهم، وتم ذلك فجأة في ليل 25 نوفمبر 1946م في أماكن عديدة من القاهرة والأقاليم، وقد شاركت في إحراق بعض أجولة في تقاطع شارع الملك [شارع مصر والسودان الآن] وشارع الملكة نازلي [شارع رمسيس الآن] وقد تم ذلك عن طريق شعب الإخوان وكانت هذه لشعبة حدائق القبة، إضافة إلى القنابل التي أُلقيت على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة في 26 نوفمبر 1946 ضد مشروع معاهدة صدقي – بيفن.(أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف)
وألقى أعضاء النظام القنابل على نادي الاتحاد المصري الإنجليزي ليلة عيد الميلاد للمسيحين الغربيين 24 ديسمبر عام 1946م، فأصيب 3 من المصريين ولم يصب بريطاني واحد، وقبض على ثلاثة من الجماعة، ووُجدت مع أحدهم قنبلة يدوية، وحدث تفجيرًا آخر في فندق الملك جورج في نفس العام، وحاول أومباشي مصري منتمي للجماعة نسف فندق بالإسماعيلية يوم 17 يناير 1947م، بحجة أنه يقيم فيه جنود بريطانيون.
كلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام بهذه العملية، بأن يحمل دوسيه به مادة ناسفة يشعلها ثم يتركها في ردهة الفندق إلى جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة، ثم ينهض بعد ذلك ويمضي خارج الفندق، وجرى التنفيذ على أحسن وجه، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد رجال المخابرات من الحراس الإنجليز الذي آثار شكوكه هذا الدوسيه المتروك، فتوجه الحارس ليمسك به، في حين أظهر الأخ رفعت لىٌ [ذراع] التفجير، فعاد إلى الدوسيه وأمسكه بيديه، ومنع اقتراب أي شخص منه، حتي تم التفجير في أثناء إمساكه به.(صلاح شادي، رئيس قسم الوحدات، الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد)
وأصيب منفذ العملية إصابات بالغة، وقد استخدم الإخوان هذا السلوك الانتحاري في تبرئة منفذ العملية:
أحضرنا له بعض الأخوة المحامين الذين دفعوا بأن قدراته النفسية والعقلية لا تضعانه في مستوى المسؤولية الجنائية التي تمكن النيابة من تقديمه للمحاكمة. وتوجه الأخ رفعت للإقامة بمستشفى الأمراض العقلية بالقاهرة بالعباسية؛ فترة اختبار، انتهت بكتابة تقرير طبي من مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية إلى المحكمة بالإسماعيلية بعدم مسؤوليته الجنائية عن هذا الحادث.(صلاح شادي، رئيس قسم الوحدات، الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد)
إن السندي بث الفزع في قلوب المحتلين بتوقيت ليلة عيد الميلاد واختيار النادي البريطاني الذي كان مكتظًا بالجنود الإنجليز وضباطهم.(عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين)
ويتناسى التلمساني أنه لم يقتل بريطاني واحد في تلك الليلة وكل القتلى ثلاثة أبرياء من المصريين الذين لا ذنب لهم!
حادثة الجبل
في 19 يناير سنة 1948م، ضُبط خمسة عشر شخصًا من جماعة الإخوان المسلمين، بمنطقة جبل المقطم، يتدربون على استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل، وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع، ضبط معهم 165 قنبلة وغيرها من أدوات التدمير والقتل.(عن التحقيقات الرسمية التي ذُكرت في مذكرة حلّ جماعة الإخوان)
هؤلاء الخمسة عشرة الذين ضُبطوا، بعضهم من الإخوان ومعظمهم لا صلة له بالإخوان أصلًا، ولقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع لإنقاذ فلسطين حينما أبطأت الحكومة في إعداد المتطوعين وحشد الجماهير، وقد قبلت الحكومة منهم هذا التبرير وأفرجت عنهم النيابة في الحال، فما وجه إدانة الإخوان في عمل هؤلاء الأفراد؟ خصوصًا وقد لوحظ أنه نص في قرار النيابة بأن الحفظ لنبل المقصد وشرف الغاية.
ويأتي عام 1987م ليروي أحمد عادل كمال عضو الجهاز السري لجماعة الإخوان المسلمين في كتابه “النقط فوق الحروف” قصة حادثة الجبل بالتفصيل، وكيف كان يتم تدريب أعضاء التنظيم السري قائلًا:
كُلفنا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم يصلح للتدريب على استخدام الأسلحة والمفرقعات، فكان جبل المقطم، فهو لا يحتاج إلي إجازات أو سفر، والمطلوب أن يكون المكان موغلًا في الجبل ميسور الوصول إليه بالسيارة، وأن يكون صالحًا كميدان ضرب نار، وأن يكون مستورًا عن العين، وأن يكون به ما يصلح أبراج مراقبة للحراسة، وبدأ التدريب في ذلك الموقع بمعدل مجموعتين في اليوم الواحد، مجموعة تذهب مع الفجر حتى العصر وأخرى تذهب مع العصر وتعود مع الفجر، وكان الذهاب والعودة يتم بسيارة ستيشن واجن، وكان الترتيب ألا ترى مجموعة الأخرى، وأن يكون هناك بصفة دائمة في مكان مرتفع من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، هذا الحارس كان في استطاعته أن يري أي سيارة قادمة بسرعة قبل أن تصل بثلث ساعة على الأقل، وكانت هناك حفر معدة ليوضع بها كل السلاح والذخيرة ويردم عليها لدى أول إشارة، وبذلك تبقى المجموعة في حالة معسكر وليس معها ممنوعات قانونية، واستمر ذهاب المجموعات وعودتها بمعدل مرتين كل يوم ولمدة طويلة حتى صنعت السيارة مدقًا واضحًا مميزًا في الجبل… وحتى لفت منظر الحجارة في محاجر الجبل بأول الطريق الانتباه إليها، وبلغ الخبر إلى البوليس ونحن لا نشعر، وكان مسؤول التدريب يدرب مجموعة هناك، ومن تكرار التدريب في أمن وسلام فقد تغاضى عن حذره فتجاوز عن وضع الحارس مكانه، ولم يشعر والمجموعة معه إلا بقمم الجبل حوله قد ظهرت من فوقها قوات البوليس شاهرة سلاحها وتطالبهم بالتسليم وهم منهمكون في تدريبهم، كان ذلك يوم 19 يناير 1948م ونشرت الصحف الخبر.(أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف)
وقال زعيم المجموعة سيد فايز وكان اسمه جديدًا تمامًا على البوليس برغم أنه كان رئيس التنظيم السري المؤقت بدلًا عن عبد الرحمن السندي المقبوض عليه؛ إن السلاح يجري تجميعه من أجل فلسطين
، وأن الشباب يتدرب من أجل فلسطين
، وأكد “أنهم اشتروا السلاح من العرب (البدو) من أجل العرب (الفلسطينيين)
، وتحت ضغوط ووساطات من الجماعة أفرج عن سيد فايز وزملائه.
هذه الحالة كان هناك إعداد لمواجهتها، أجاب إخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين، وهي إجابة كان متفقًا عليها، وفي نفس الوقت كانت هناك استمارات بأسمائهم تحرر في مركز التطوع لقضية فلسطين، كما تم اتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا، وشرحنا له الوضع على حقيقته، وكان متجاوبًا معنا تمامًا، فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين وأن السلاح سلاح الهيئة، وبذلك أُفرج عن الإخوان وسلم السلاح إلى الهيئة العربية العليا، ثم أخذ أمين الحسيني السلاح وسلمه مرة أخرى للجماعة.(أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف)
وهكذا شارك إخوان مصر بقيادة البنا، وإخوان فلسطين بقيادة مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، في خداع السلطات المصرية التي أفرجت عن الشباب لنبل المقصد وشرف الغاية، ولم يكتف البنا بذلك ولكنه راح يسجلها نقطة لصالح جماعته ببجاحة يحسد عليها.
ومع ذلك فقد كان للحادث أثر بعيد، ذلك أنه عُثر مع المسؤول عن المجموعة على كشف، اشتهر فيما بعد بأنه كشف الجبل، يحوي مئة اسم من أسماء إخوان النظام الخاص وأرقامهم السرية مرتبين في مجموعات، هي المجموعات التي كان مزمعًا تدريبها تباعًا من منطقة جنوب القاهرة، ولم يعلم أحد من المسؤولين عن النظام في حينها شيئًا عن كشف الجبل ولم يذكره المسؤول، لكن ذلك الكشف ظهر بعد ذلك في القضايا وكان من قرائن الاتهام القوية، فضلًا عن أنه فضح الأسماء التي احتواها.(أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف)
أما عن الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين في ذلك الوقت، فيعرف عنه موالاته للألمان، وسبق للزعيم النازي أودلف هتلر استقباله لدعم وجود النازية في الشرق الأوسط، ويذكر أنه درس في الجامع الأزهر ولكنه أخفق في إكمال دراسته، ثم عمل مترجمًا لوكالة رويترز للأخبار في القدس، وتعرض للاعتقال عام 1920م، ولكن البريطانيين أطلقوا سراحه ثم قاموا بترقيته وتعيينه مفتيًا للقدس رغم أنه لا يتمتع بمؤهلات علمية بل أن البريطانيين قاموا بتزوير الانتخابات بقصد تعيينه مفتيًا عام 1921م، ولكنه أقيل من هذا المنصب عام 1937م بعد اكتشاف علاقته بالنازية الألمانية، ولكن البريطانيين سرعان ما قاموا إثر الإقالة بإنشاء المجلس الإسلامي الأعلى عام 1938م وعينوه رئيسًا عليه، وكان المجلس مسؤولًا عن الأوقاف الإسلامية.
وسبق للحسيني إقامة مؤتمر إسلامي في القدس عام 1931م بدعم مباشر من جماعة الإخوان، ثم سافر إلى عدة بلدان لجمع المال وحشد الدعم، وقبل ذلك كان مسؤولًا في برلين عن النشرات الألمانية الدعائية المؤيدة لهم في منطقة الشرق الأوسط، كما ساهم في تأسيس شبكة من الجواسيس، كان أغلبهم من البوسنيين المسلمين، ولكنه غادر ألمانيا بعد انهزامها في الحرب، وذهب إلى فرنسا، لكن البريطانيين قرروا استغلال نفوذه ودعايته السياسية بدلًا من اعتقاله، فارسلوه إلى مصر عام 1946م في ضيافة الملك فاروق.
ومن المهام التي أوكلتها الاستخبارات البريطانية للحسيني الإشراف على محطة الشرق الأدنى الإذاعية، وقد انبهر البريطانيون بكفاءة الحسيني في حشد عواطف الناس، وفي العام نفسه قام الحسيني وحسن البنا بتشكيل قوات شبه عسكرية تحت مسمى المنقذين
، بلغ تعدادها نحو 10 آلاف فرد مسلح، وفي عام 1947م عاد الحسيني إلى غزة ليعلن قيام الدولة الفلسطينية وينصّب نفسه رئيسًا لها، لكن الحسيني لم يهنأ كثيرًا بذلك التنصيب بعد هزيمة الجيوش العربية 1948م أمام إسرائيل.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤