- [١] القراءة التقليدية: تفكيك وبناء
- [٢] نشأة الحكم الملكي
- ☑ [٣] مملكة داود وهيكل سليمان
- [٤] مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل
- [٥] التقليدان: اليهوي والإيلوهي
- [٦] التقليد الكهنوتي: صراع موسى وهارون
- [٧] التقليد الكهنوتي: طوفان نوح
- [٨] انهيار مملكة يهوذا
- [٩] أسفار التأريخ التثنوي
- [١٠] الإصدار التثنوي الأول [Dtr1]
- [١١] الإصدار التثنوي الثاني [Dtr2]
- [١٢] المفارقة الكبرى والمحرر الأخير
عندما أصبح داود ملكًا على جميع الشعب العبري، اتخذ بعض الإجراءات لترسيخ مملكته وجعل حكمه مرغوبًا فيه في كل من الشمال والجنوب.
أوّل الأمور أنه نقل العاصمة من حبرون [عاصمة مملكة يهوذا] إلى أورشليم [1]، وأورشليم وقتها لم تكن تابعة لأي من أسباط بني إسرائيل، بل استولى عليها الملك داود وجعلها العاصمة الجديدة. وعلى هذا، وكونها غير تابعة لأي من الأسباط، فهو بذلك لم يُهن أو يُرفع من شأن سبط على حساب سبط آخر.
أصبحت أورشليم العاصمة السياسية، ولجعلها العاصمة الدينية لمملكة داود، نُقل إليها تابوت العهد الذي يحتوي لوحيّ الشريعة، واللذين يُعتقد أن زمنهما يرجع لعصر النبي موسى نفسه. ولأن أورشليم أصبحت عاصمة دينية جديدة، فهذا يعني الحاجة لرؤساء كهنة جدد. وهذا يقودنا للأمر التالي.
اختار الملك داود كاهنين، أحدهما من الشمال والآخر من الجنوب، ليكونا رؤساء كهنة في أورشليم، وذلك لتحقيق التوازن بين الجانبين وعدم إعطاء الأفضلية لأحدهما على الآخر. وكان كاهن الشمال هو أبياثار، كاهن شيلوه، الذي نجا من مذبحة الملك شاول للكهنة الداعمين لداود. أما كاهن الجنوب فهو صادوق، الذي أتى من مدينة حبرون، وكان يُعتقد أن كهنتها من نسل هارون الكاهن. وبذلك، فإن اختيار داود لهذين الكاهنين لم يكن مجرد مسألة توازنات، بل كان أيضًا لإظهار الاحترام والمكانة لعائلتين عريقتين من سبط لاوي: عائلة موسى وعائلة هارون.
كان الملك داود مزواجًا من بنات الأمم [2]، مما أدى لتحسين علاقاته بالأمم والشعوب الأخرى التي صاهرها، كما أنّ جيش الملك داود لم يعد معتمدًا بالكليّة على كتائب الأسباط، بل ضم كتائب أممية نتيجة زيجاته من هذه الأمم [3]. بناءً على هذه الأوضاع، أصبح لدى داود جيش مستقل يدين له بالولاء دون الاعتماد على كتائب الأسباط. ومع مرور الوقت ومع نجاح حكم داود، استطاع بهذا الجيش أن يغزو ويضم لمملكته أراضي جديدة مثل آدوم وموآب، وأصبحت مملكة إسرائيل الكبرى، في عصر الملك داود، تمتد من نهر العريش في مصر [ليس نهر النيل] إلى نهر الفرات.
نتيجة لتعدد زوجات داود، كان له أبناء وبنات كثيرون، وأغلبهم غير أشقاء لكونهم من نفس الأب ولكن من أمهات مختلفات. وكان أكبر أبناء داود هو “أمنون”، الذي كان من المفترض أن يكون وريث أبيه الشرعي في حكم المملكة. لكن أمنون اغتصب أخته غير الشقيقة “تامار”، وكنتيجة لذلك، انتقم لها أخوها الشقيق، أبشالوم، بقتل أمنون [4].
فيما بعد، يتمرد أبشالوم على حكم أبيه داود ويستعين بتأييد الأسباط التي قل الاعتماد عليها. ويكوّن جيشًا ويخرج لمقاتلة أبيه وجيشه الأممي في ساحة الحرب. وفي النهاية، ينتصر جيش داود ويُقتل أبشالوم.
في نهاية حكم داود، عندما صار كهلاً على فراش الموت، حدث أن تنازع اثنان من أبنائه على اعتلاء عرش المملكة، وهما: أدونيا وسليمان. كان أدونيا أكبر أبناء داود، لكن سليمان كان ابن بتشابع [بثشبع]، زوجة داود المفضلة. كان في جانب أدونيا بعض الأمراء ورؤساء الأسباط، بالإضافة إلى أبياثار، رئيس كهنة الشمال في أورشليم، الذي قد يكون من نسل موسى. أما سليمان فكان يدعمه النبي ناثان وأمه بتشابع، اللذان لهما تأثير كبير على داود وبالتالي على الجيش، بالإضافة إلى صادوق، رئيس كهنة الجنوب في أورشليم، الذي يُعتقد أنه من نسل هارون. بات النزاع بينهما يهدد بانقسام المملكة، لكن كنتيجة نهائية: أصبح سليمان في النهاية هو الملك دون حرب.
بعد موت داود واعتلاء سليمان عرش المملكة، أمر بقتل أخيه أدونيا. ونفى أبياثار الكاهن من الخدمة في أورشليم إلى مدينة عناتوت خارج العاصمة [5]. [6].
كان الملك سليمان مزواجًا أمميًا أكثر من أبيه، ففاقه شهرة في عدد الزوجات. لكن أشهر ما كُتب عن سليمان هو بناؤه المعبد الأول في أورشليم، الذي عُرف فيما بعد باسم: “معبد سليمان” [ليس “هيكل سليمان”]. لم يكتسب المعبد شهرته نتيجة ضخامته، إذ لا يدخله في النهاية سوى الكهنة، لكن ما جعله مميزًا هو المعنى الذي يمثّله: حضور الإله “يهوه” في وسط شعبه.
كان معبد سليمان ينقسم إلى قسمين: القُدس، وقُدس الأقداس [الهيكل]. وقُدس الأقداس أو هيكل معبد سليمان هو بناء مكعب متساوي الأضلاع، وقد وُضع تابوت العهد فيه تحت حراسة الشيروبيم الذهبي.
الشيروبيم [شاروبيم Cherubim] هو جمع لكلمة شيروب Cherub، وأقرب تصور للشيروب اليهودي المنحوت كتمثال ذهبي، أنه كائن أسطوري شبيه بأبي الهول في مصر، أو الكاريبو، أو اللاماسو، أو الثور المجنح في بلاد آشور وما بين النهرين.
كان هناك شيروب عن يمين التابوت وآخر عن يساره، كلاهما باسط الأجنحة فوق التابوت حيث يتلامسان. الشيروبيم، مثل أبو الهول في مصر أو الثور المجنح في بابل، لم يكن إلهًا أو نصف إله أو يرمز لإله، بل كان يُوضع لحراسة المعابد أو نحو ذلك. وفي حالة الشيروبيم الذهبي، فهما كانا يمثلان عرش الله أو حضوره في الهيكل [قدس الأقداس].
كان حكم الملك سليمان مستقرًا، لكنه كان يميّز بين الجانبين الشمالي والجنوبي من المملكة. مقاطعة سبط يهوذا [الجنوب] كان لها مكانة مميزة عن باقي مقاطعات أسباط بني إسرائيل. لم تكن الضرائب في هذا العصر مالية، بل كانت تُقدَّم كعمل مجاني للمملكة. كل مقاطعة أو سبط كان يعمل في المملكة لمدة شهر، إلا سبط يهوذا، الذي كان معفىً من الخدمة العامة. لذا تكونت نظرة سلبية تجاهه من مقاطعات الجانب الشمالي من المملكة، وأسموا الوكلاء القائمين على تنظيم هذا العمل: وكلاء تسخير
[7]. لكن هذه النظرة لم تصل حد الانفصال، وظلت المملكة متماسكة وموحدة طيلة فترة حكمه.
بعد موت الملك سليمان، أصبح ابنه رحبعام هو الملك. فذهب إلى أرض شكيم [في مقاطعة أرض منسى، في الشمال] كي يتم تتويجه. فسأله الشعب إن كان سيستمر على منهج أبيه في التمييز، أم سيخفف عنهم الأحمال التي حملها عليهم سليمان. فأجابهم أنه مستمر في نفس طريق أبيه، فثاروا عليه ورجموا “وكيل السخرة” الذي عينه، وتوجوا “يربعام بن نباط” من سبط إفرايم ملكًا عليهم.
وهنا، بحسب النظرة العبرانية للتاريخ، أصبحت هناك مملكتان:
مملكة إسرائيل في الشمال، والتي تضم أراضي ١٠ أسباط: دان، نفتالي، أشير، زبولون، ياساكر، منسّى، جاد، إفرايم، رأوبين.
ومملكة يهوذا في الجنوب، والتي تضم أراضي سبطين: يهوذا وبنيامين.
مملكة إسرائيل عاصمتها شكيم [السامرة] في أرض إفرايم، وملكها: يربعام بن ناباط.
ومملكة يهوذا عاصمتها أورشليم في أقصى شمال أرض يهوذا، وملكها: رحبعام بن سليمان.
وقت انقسام المملكة هو أواخر القرن العاشر قبل الميلاد، [تقريبًا في سنة 933 قبل الميلاد]. وبعد هذا التاريخ بقليل، يبدأ ظهور تقاطعات بين السردية الكتابية والمصادر الخارجية من الأركيولوجي. يعتقد بعض المؤرخين أن هذه كانت البداية الحقيقية للشعب العبري وأنه لم تكن هناك مملكة موحدة يومًا. ولكن ما يعنينا هو أن السردية بدأت من الأصل بمملكتين متجاورتين، وظلتا كذلك لمدة قرنين تقريبًا حتى عام 722 قبل الميلاد. فانهارت مملكة الشمال [إسرائيل] أمام المملكة الآشورية ولم يبقَ وقتها سوى المملكة الجنوبية؛ مملكة يهوذا.
المصدرين اليهوي والإيلوهي تم كتابتهما على الأرجح في الحقبة ما بين انقسام المملكتين وحتى انهيار مملكة الشمال، لكننا، حتى اﻵن، لن نستطيع توضيح ذلك مباشرة، ونحتاج حلقة إضافية لإعادة بناء السياق.
وكما قلنا مرارًا، فإن الدين لم يكن منفصلًا عن السياسة. وبما أنه كانت لدينا مملكة موحدة ثم انقسمت بحسب الفهم العبراني للأحداث، وبالرغم من أن لدينا دينًا واحدًا في مملكتي الشمال والجنوب، إلا أن التصورات الدينية ستختلف بين المملكتين لأسباب تتعلق بالخصام بينهما. وهذه التصورات المختلفة سنحتاج إلى دراستها بشكل أعمق حتى نتبين التفاصيل بين التقليدين، اليهوي والإيلوهي، وربما نتوصل إلى معرفة ما يعبر عنه كل منهما.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- لماذا ﻻ نقول بوراثة الخطية مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ (رسالة بولس إلى رومية 5: 12) واضح أن آدم هو الذي أخطأ وليس ذريته ولذلك قال الوحي ”إنسانٍ واحدٍ“ والخطية تؤدي إلى الموت لأنها انفصال عن حياة الله وقداسته ”وبالخطية الموت“. “وهكذا اجتاز الموت......