المقال رقم 14 من 23 في سلسلة دفتر تبرعات

مسك أبونا حنانيا، سكرتير الأسقف، الأجندة في يده، وفتحها أمام الأسقف في تردد وهو يقول:
في طلب مُقدم من بعض الآباء لزيادة المرتبات الشهرية، لمواجهة الغلاء والأزمات الاقتصادية المتتالية.

مسك الأسقف الأجندة و قرأ في صمت، ثم نظر للكهنة الجلوس أمامه، ثم عاد لينظر في الأجندة مرة ثانية والجميع يترقب في صمت وسكون، ليقطع هذا الصمت صوت الأسقف وهو يضرب للمرة الخامسة على مكتبه ويقول:
طلب مرفوض.

رفع أبونا إبراهيم يده طالبًا الإذن بالكلام، وقد كان أبونا إبراهيم في أواخر الأربعينيات طويل القامة نحيف الجسم لحيته سوداء وهو من المقربين للأسقف، فأذن الله الأسقف بالكلام، فقام ووقف وأعطى جانبه للأسقف بحيث لا يعطي ظهره للأسقف ويكون الكلام موجه للآباء وللأسقف في نفس الوقت:
– حقيقي يا أبهات، أنا متعجب جدًا من الآباء اللي طالبين زيادة في المرتبات، يعني أنا مثلا يا سيدنا المرتب بتاعي شهريًا بيزيد ويفيض ومش ببقى عارف أعمل بيه إيه، أنا أصلا مش بصرف منه حاجة من خير ومحبة شعبنا، أدخل السوبر ماركت وأملأ العربية بقالة ومشتريات وابننا يرفض ياخد ثمن الحساب، أبعت للجزار أو الفرارجي اطلب ٢ كيلو، الاقيه باعت أربعة أو خمسة كيلو وما يرضاش ياخد الحساب، ونفس الكلام في الخضروات والفاكهة، ده أنا حتى لما عربيتي تعطل أوديها لواحد من أولادي يصلحهالي ويجيب قطع الغيار كمان على حسابه، ولما ببقى في الكنيسة بلاقي أولادي في الخدمة بيعزموني على الفطار و الغداء و العشاء كمان، ده أنا حتى لما بخرج مع مجموعة من الأسر أو الشباب مبدفعش ولا مليم و هما بيقوموا بالواجب، دكاترة وأدوية وهدوم وحتى دروس العيال كله ببلاش ومحدش بياخد مني ولا مليم، وبيكونوا فرحانين وربنا بيعوض تعب محبتهم بالخير.

– بس ده اسمه إستنطاع، ومش كلنا بنعمل كده!

نظر الجميع لمصدر الصوت ليجدوا أبونا يوناثان صاحبه، كان أبونا يوناثان طوال الوقت يقول للآباء الجالسين بجواره أن يلتزموا الصمت، ومش لازم يعقبوا على أي حاجة حتى لو معجبتهمش علشان كده كان أكتر الآباء مفاجأة هم الجالسين بجواره.

وقف أبونا يوناثان وكان جالسًا في النصف الأخير من الكنيسة ولكن صوته رج المكان وهو يقول :
– أنا كأب مش المفروض استغل أبوتي ولا كهنوتي عشان أكل قوت ولادي، الراجل اللي واقف في السوبر ماركت وبتاع اللحمة وبتاع الفراخ والميكانيكي مش فاتحين سبيل، كل واحد فيهم وراه بيت ووراه عيال وأسرة فاتحين بوقهم وبيصرف عليهم، أنا شخصيًا لو دخلت محل لازم أحاسب وأدي الصبيان اللي شغالين في المحل بقشيش حلو كمان، عشان لما أخرج ما يتقالش عليا كلمة من ورا ضهري، ولا يتهان كهنوت المسيح بسببي، بالعكس يُمتدح كهنوت المسيح ولا يُعثر أحد، اللي عنده محبة للعطاء وللكنيسة يروح يحط في صناديق الكنيسة، كفاية إهانة واستهانة بكهنوت المسيح، ليه واحد من دول يروح يشتكي لعياله ولا لمراته ولا حتى لأصحابه يقول أبونا بتاع الكنيسة اللي معاه العربية الفلانية ولا ساكن في الشقة الفلانية ولا بيعلم عياله في المدرسة أو الكلية الفلانية استخسر يحاسب على كيلو لبن و علبة جبنة، أنا شخصيًا لما حد بيسألني ليه يا أبونا بطلت تيجي تشتري من عندي بقوله علشان بتتعبني وبتخليني أناهد معاك في الحساب، بقيت أدور على الغريب أشتري منه علشان محدش يقول عليا نص كلمة.

أبونا إبراهيم شعر بنوع من الإهانة فرفع الكتاب المقدس قائلًا: كاهن المذبح من المذبح يأكل.

فرد عليه أبونا يوناثان : أمين، كاهن المذبح من المذبح يأكل، لكن ده مش معناه إنه ياكل المذبح كله، ليه نسمح إن الشعب يتمازح حوالين الكهنوت ويقول سنة في الفراجية ولا سنتين في السعودية، ليه ميبقاش فيه نظام مالي محترم يكفل عيشة كريمة لكل كاهن ويبقى واضح للكل ومنخجلش منه، حتى لو الشعب عرفوا فمحدش ساعتها يحاسب أبونا راكب ايه ولا ساكن فين، بعض الشباب بيتقول علينا لأنه فاكر إننا بنجيب ده من التبرعات ومش فاهم إننا مش كلنا كده، ومش فاهم إن معظمنا بيصرف على الخدمات من جيبه الخاص، بس طول ما مفيش شفافية عمرهم ما هيصدقوا.
ليه أحط نفسي تحت حرج إن واحد وهو بيتبرع للكنيسة واديله إيصال يقوللي و ديه نسبتك يا أبونا، أي نوع من المهانة ديه اللي انتم ممكن تكونا موافقين عليها، أنا عارف إن معظمنا مش موافق ولا مبسوط بالوضع ده: أنا برد أقوله خد فلوسك يا ابني و حطها في صناديق الكنيسة، إحنا خدام المسيح مش سيلز علشان يبقى لينا بونص على نسبة التبرعات،
أنا عارف إني هألام على كلامي، بس احذروا من عثرة المال في الكنايس، اعملوا منظومة مالية تكفل للكاهن ولأسرته حياة كريمة وخلوا تبرعات الناس وعطاياهم ونذورهم في صناديق الكنيسة أو مع مجلس الكنيسة، رجعوا للأسرار تاني هيبتها وامنعوا أي أب ياخد نظير تحت أي مسمى وبأي شكل،
الأكاليل تبقى ببلاش بدون رسوم، الجنازات وفتح الكنايس يبقى ببلاش وبدون رسوم ميبقاش موت وخراب ديار، المعموديات، صلوات تبريك المنازل، صلوات الحميم، وغيره و غيره، الناس النهاردة بقت تخاف من افتقاد الكاهن عشان مش عارفين المفروض يدوله كام وهو نازل، بعض المعلمين والأراخنة بقوا فاكرين نفسهم عشان بيدوا عطايا للكنيسة فاكرين إنهم بقوا شارين الكنيسة، إحنا اللي عملنا في نفسنا كده، فين إحنا من التلاميذ اللي قالوا ليس لنا مال ولا فضة ولكن الذي إيانا نعطيك، مكنش معاهم غير اسم يسوع وقوة عمل الروح القدس.

– هاه خلصت ولا لسه؟!

نظر الجميع للأب الأسقف الذي قال هذه الجملة بتهكم وتوقعوا أن يحدث ما حدث منذ قليل مع أبونا يما ولكن الأسقف أردف قائلًا:
– أقعد يا أبونا،
ومسك الأجندة اللي قدامه وهو يكمل:
عاوز حد من الآباء الأفاضل اللي طالبين زيادة دول، يقولولي، إيه الزيادة المناسبة اللي تناسب الجميع؟!!

نظر الجميع في عيون بعض و لم ينبث أحدهم ببنت شفة فاستدرك الأسقف قائلًا:
أقولكم أنا، مفيش رقم مناسب للجميع، لو عملنا منظومة ماليه اللي قدسك بتطالب بيها ديه معظمكم هتقوموا بمظاهرات، مش هتعجبكم، لما أقول أوكل كل النواحي المالية لمجالس الكنايس انتم هترجعوا تشتكوا و تقولوا إنهم قافلين عليكم ومش عارفين تصرفوا حتى على الخدمة،
إحنا إيبارشية فقيرة، معندناش موارد، أنا مش عاوز الموضوع ده يتفتح تاني ولا حتى حد فيكم يتكلم فيه بينه وبين نفسه، ولما حد يحب تاني يتكلم يبقى يستأذن وأنا اسمح له أو مسمحلوش، يبقى الحال على ماهو عليه، وبخصوص باقي القرارات بأكد، ممنوع الرحلات، ممنوع الاجتماعات المشتركة، ممنوع خروج الكاهن خارج الإيبارشية بدون إذن، ممنوع عمل أي عظات أو كلمات روحية على مواقع السوشيال ميديا، ممنوع أخد أي أب كاهن لأي قرارات دون الرجوع إلى، التزام كل كنيسة بمربعها السكني في الخدمة سواء الافتقاد أو أو خدمة أخوة الرب.

رفع أبونا بطرس يده طالبا الإذن بالكلام، فنظر له الأسقف بصرامة:
لأ، خلصنا كلام، وخلصنا الاجتماع وبعد كده مفيش حد هيتكلم تاني غير اللي أقوله أنا يتكلم.

يتبع ..

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: دفتر تبرعات[الجزء السابق] 🠼 [١٣] أبونا زوسيما[الجزء التالي] 🠼 [١٥] أبونا يوناثان (٢)
مايكل جميل
[ + مقالات ]