المقال رقم 21 من 23 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

في مطلع أغسطس وفي أول ظهور له منذ وفاة ابنه، صلى والد في المركز العام للإخوان المسلمين وخاطب المصلين قائلًا: أيها الإخوان، اليوم تحققت رسالتكم. إنه فجر جديد لكم ويوم جديد للأمة.

أوفى جمال بكل التعهدات التي قطعها على نفسه أمام ، فأفرج عن جميع المعتقلين من الإخوان، بمن فيهم قتلة ، كما أصدر أوامره باعتقال وأدخله السجن، إلى آخر ما تم الاتفاق عليه بين عبد الناصر وعبد الرحمن السندي.

ولكن ما إن صدرت تلك القرارات حتى هاج وملأ الدنيا ضجيجًا، رافضًا لقرارات الإفراج عن الإخوان بحجة أنهم إرهابيون وقتلة وسفاكو دماء، وأن ذلك ليس من الإسلام الذي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وعند ذلك، ذهب عبد الرحمن السندي إلى جمال عبد الناصر ليطالبه بالوفاء بوعده الذي كان قد قطعه على نفسه بالقبض على حسن الهضيبي إذا ما هاجم قرارات الثورة بالإفراج عن . ولكن عبد الناصر رفض.

خرج عبد الرحمن السندي من عنده غاضبًا، فقرر عبد الناصر، الذي كان وزيرًا للداخلية في ذلك الوقت، الاجتماع بقواعد الطلابية للإخوان المسلمين المناهضين للهضيبي، ليشرح لهم أسباب الخلاف بينه وبين السندي حول مسألة اعتقال الهضيبي، وأخذ يشرح كيف أن اعتقال الهضيبي الآن سوف يثير الكثير من المشاكل والمعوقات في طريق الثورة الوليدة.

قال عبد الناصر إن الثورة أعدت مشروعًا لقانون الإصلاح الزراعي تنوي إصداره خلال أيام، فإذا أصدر أمرًا باعتقال الهضيبى الآن فلربما يفقد تأييد الإخوان للثورة، وهو التأييد الذي تحتاجه الثورة لمواجهة الآثار المحتملة لصدور قانون الإصلاح الزراعي في أوساط الإقطاعيين والطبقات الغنية والرأسمالية.

وإذا فقدت الثورة تأييد الإخوان لها، فسوف ينضمون بطبيعة الحال إلى صفوف الإقطاعيين في تحالف مضاد ليس لدى الثورة الوليدة القدرة على مواجهته، ولهذا فإنه يرفض اعتقال الهضيبي وإثارة الإخوان ضده، وإن ذلك ليس أكثر من خطوة تكتيكية ولا يعني أكثر من ذلك، وأنه مضطر لتحمل الهضيبي وهجومه على الثورة لهذا السبب وحده، كما أنه لا يريد أن يفقد تأييد قواعد الإخوان للثورة بعد أن فقدت تأييد قادتها.

ولذلك، قرر عبد الناصر أنه سيؤجل قراره باعتقال الهضيبي حتى صدور قرارات الإصلاح الزراعي. فإذا عارضها الهضيبي عندئذٍ لابد من اعتقاله. وصدرت بالفعل قرارات الإصلاح الزراعي في 9 سبتمبر 1952، أي بعد قيام الثورة بشهر ونصف تقريبًا. وما كاد الهضيبي يسمع بها حتى ثار ضدها رافضًا. وأوفى ناصر بوعده واعتقل حسن الهضيبي المرشد العام للجماعة للمرة الأولى في 13 يناير 1954. لكن لم يلبث أن أفرج عنه في شهر مارس من نفس العام. وزاره عبد الناصر وكبار ضباط الثورة معتذرين.

حل الأحزاب

قرر حل الأحزاب وأصدر قانون “حل الأحزاب السياسية” في 17 يناير 1953. كان مجلس قيادة الثورة، برئاسة ، مصرًا بكامل هيئته على أن يشمل قرار حل الأحزاب جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها حزبًا سياسيًا. وكان جمال عبد الناصر هو الوحيد من بينهم جميعًا الذي رفض أن ينطبق قرار الحل على جماعة الإخوان.

قال عبد الناصر في تبريره الذي أبداه أمام المجلس في ذلك اليوم إن الإخوان المسلمين جماعة دينية تشتغل بالوعظ والإرشاد ولا ينطبق عليها وصف الحزب السياسي، فانقسم مجلس قيادة الثورة بعد تبرير ناصر إلى قسمين متساويين بين مؤيد للرأي ومعارض له.

وقدم هنا عبد الناصر برأي يحل به مشكلة التعادل في الانقسام بين أعضاء المجلس، فقال عبد الناصر: إننا عسكريون ولا بد أن نستأنس في قرارنا برأي أحد المدنيين المتصلين بالشارع السياسي المصري، فما رأيكم في السكرتير المساعد لهيئة التحرير؟ ووافق أعضاء المجلس على حضور سيد قطب اجتماع المجلس ليقول رأيه في قرار حل الإخوان المسلمين باعتبارهم حزبًا سياسيًا أم لا.

قال سيد قطب إنه ليس مع حل الإخوان المسلمين، حرصًا من الثورة على ألا تحارب في كل الجبهات في لحظة واحدة، فتخسر الكثير من أنصارها ومؤيديها في وقت هي في حاجة إليهم لتحارب بهم في الجبهات الأخرى.

إن المبررات التي تكمن وراء قرار حل الأحزاب السياسية لا تتوافر في الإخوان المسلمين، فالإخوان لم يشاركوا في السلطة قبل قيام الثورة، ولم يعرفوا بالفساد الذي عُرفت به أحزاب تلك الفترة، كما أنهم كانوا من أنصار التغيير الذي اتخذته الثورة شعارًا لها، مما يستوجب التفريق بين أنصار الثورة ومعارضيها.

(سيد قطب)

وبعد أن أعلن سيد قطب رأيه على هذا النحو في اجتماع مجلس قيادة الثورة، شكره جمال عبد الناصر، ثم سأله: هل أنت من الإخوان المسلمين؟ فنفى سيد قطب أيَّ صلةٍ له بالإخوان، بل أكَّد أنه معارضٌ لهم.

ورحبت جماعة الإخوان المسلمين بقرار حل الأحزاب بشدة، لأن هذا القرار سيجعلهم السلطة الشعبية المنفردة في الشارع. وهكذا، صدر قرار حل الأحزاب مستثنيًا الإخوان، ليتعامل ناصر معهم باعتبارهم حزب الثورة أو الغطاء الشعبي.

وبدا ذلك واضحًا أيضًا عند قرار تشكيل هيئة التحرير، حيث عرض عليهم ناصر فيما بعد الاندماج فيها بناءً على طلب ضباط الثورة. وهذه النقطة عرضها محمد نجيب باعتبارها أحد أسباب استثناء الإخوان من قرار حل الأحزاب السياسية.

ووفقًا لرواية ، فقد نوقش قرار تشكيل هيئة التحرير ودخول الإخوان فيها في اجتماع كبير جرى نهاية ديسمبر 1952 في منزل عبد القادر حلمي وحضره صلاح شادي من الإخوان، وجمال عبد الناصر و من .

وينقل شادي عن ناصر قوله في الاجتماع وأن رغبته هي أن تنصهر جماعة الإخوان داخل هيئة التحرير فلا يعود لها شكلها المعروف وإنما تذوب بقيادتها في الهيئة الجديدة كتنظيم جديد تدخله جميع الأحزاب من دون حساسيات تمنع انضمام أي منها إلى هيئة الإخوان المسلمين، وهو ما لم يرض به الإخوان وما رفضه الهضيبي وقتها خوفًا من ذوبان الجماعة داخل التكتل الجديد وانتهائهم.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 عبد الناصر مرشدا[الجزء التالي] 🠼 نهاية شهر العسل
بيشوي القمص

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎