المقال رقم 32 من 32 في سلسلة الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟

بعد ماراثون قطع مسافات ممتدة تجاوزت القرن من الزمان، اخترق شوارع الكنيسة والوطن معًا، مازال السؤال قائمًا: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ والإجابة القاطعة عليه يحددها مدى امتلاكنا لقدرة مواجهة واقع ملتبس ومرتبك، لم تعد الإرادات المنفردة صاحبة القرار، ولم تعد العلاجات الجزئية كافية، فالعالم يتغير من حولنا، والتواصل الكوني صار واقعًا عبر تداعيات وتقنيات الثورة الرقمية، الأمر الذي انعكس على الكيانات التقليدية الراسخة، أبرزهم، ومن ثم لم تعد المفاتيح القديمة عندهما قادرة على فتح الأبواب الجديدة التي يتحصن وراءها الأجيال الجديدة.

قد تكون نقطة الانطلاق في محاولات الإجابة، هو تبنى توجه العصف الذهني، والخروج من قولبة التناول والتخلص من توهمات ترسخت في مراحل التوجه الأحادي عبر أزمنة متعددة، كانت محكومة بالتخوف من جانب والتربص في الجانب المقابل. ونحن -في الكنيسة- نملك قواعد مؤسِسة احتفظ لنا بها مخزوننا الثقافي التدبيري واللاهوتي، وعلى قمته تأتى الا، التي تحمل خبرات الكنيسة بتعدد أجيالها، فقط نطلق سراح البحث والتحقيق العلمي الأكاديمي بغية تنقية التراث من مدخلات اقتحمته في مراحل التراجع والانقطاع المعرفي، والتي أشرنا إليها مرارًا في طرحنا هذا.

ولما كانت الأرثوذكسية كنيسة مجمعية فمسئولية ضبط المسار تقع بالدرجة الأولى على ، ولما كانت الكنيسة بالتوازي هي كنيسة الشعب، قوام الجسد الواحد بحسب الإنجيل والآباء والواقع، فيكون مشاركة الشعب في القرار ورسم رؤى المستقبل أمر لازم، وقد كانت تجربة واحدة من تجارب تفعيل هذه المشاركة لكنها لم تحقق هدفها، ربما لظروف النشأة، والمصادمات المتتالية بينه وبين مجمع الأساقفة، لكن هذا لا يمنع طرح بدائل معاصرة تحقق التكامل بين مكونات الجسد الواحد، كأن يضاف إلى لجان المجمع “لجنة الأراخنة”، ويتم تشكيلها من ممثلين لكافة الإيبارشيات من المتقدمين في القامة والنعمة من رعيتها، ويدرس ضوابطها ومهامها بشكل موضوعي ومحددات حمايتها من الشخصنة، وكيفية تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة، وتتجدد عضويتها بشكل دوري.

وقد نكون بحاجة إلى تنظيم ملتقى فكري بحثى يمتد لمدة عام على الأقل، يشارك فيه الباحثين، وعلمانيين، تحت مظلة كنسية رسمية، برؤاهم في الإشكاليات الكنسية المعاصرة ينتهى إلى توصيات واقعية تلتزم بالرؤية الإنجيلية الكتابية والقواعد الإيمانية الآبائية وتتوافق مع معطيات العصر ومتطلباته وأدواته لتحقيق رسالة الكنيسة.

ويأتي في صدارة مهام هذا الملتقى ما سبق وأشرنا إليه في هذا الطرح وأعيد التذكير به مجددًا؛ وضع دستور كنسي يحدد ويقنن ويوثق :

  • الإطار العقائدي للكنيسة ومصادره المعتمدة لديها.
  • أبعاد وفلسفة الطقوس الكنسية وتحقيقها وضبطها على المصادر الآبائية السليمة وبما يحقق هدفها في زمن مختلف.
  • توثيق القوانين الكنسية التي تقبلها الكنيسة.
  • تقنين وتوثيق العلاقات البينية داخل الكنيسة.
  • تقنين العلاقات (الكنسية ـ الكنسية) بين الكنيسة القبطية والكنائس والمذاهب المسيحية الأخرى.
  • تحديد مسارات العلاقات مع الأديان الأخرى ومع المجتمع العام.

يبقى أن الإجابة على سؤالنا الأثير: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟ تستوجب إعادة هيكلة وضبط منظومات:

  • التعليم الكنسي
  • الإدارة الكنسية
  • الرهبنة القبطية

والتي بدونها سنظل ندور في دائرة مفرغة، تستغرقنا الحلول المُرحّلة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد؟[الجزء السابق] 🠼 ٣١) الرهبنة: سلم يوحنا الدرجي
كمال زاخر
كاتب ومفكر قبطي في التيار العلماني المصري  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨