- ١) ما قبل اﻷزمة
- ٢) نؤمن
- ٣) التاريخ بين الاسترداد والمؤامرة
- ٤) محاولات مبكرة للخروج
- ٥) البابا يوساب: من ينصفه؟
- ٦) أيقونات علمانية قبطية
- ٧) الدور العلماني بين التكامل والتقزيم
- ٨) إرهاصات بعث ملتبسة
- ٩) والعلمانيون يضرسون
- ١٠) العرب والانقطاع المعرفي الثاني
- ١١) جدداً وعتقاء
- ١٢) كتاب يصنع حراكاً
- ١٣) البنّاء الصامت
- ١٤) سنوات البعث
- ١٥) البابا شنودة: البدايات والصعود
- ١٦) البابا شنودة: اﻹكليريكية
- ١٧) البابا شنودة: الرهبنة واﻷسقف العام
- ١٨) البابا شنودة: تحولات وارتباكات
- ١٩) البابا شنودة: سنوات عاصفة
- ٢٠) البابا تواضروس: طموحات ومتاريس
- ٢١) تفعيل آليات التنوير
- ☑ ٢٢) الخروج إلى النهار
- ٢٣) خبرات غائمة
- ٢٤) خبرة معاصرة
- ٢٥) مسارات التفكك وسعي المقاربة
- ٢٦) التجسد: اللاهوت المغيّب
- ٢٧) لنعرفه
- ٢٨) لكنها تدور
- ٢٩) عندما تفقد الرهبنة أسوارها
- ٣٠) الرهبنة: مخاطر وخبرات
- ٣١) الرهبنة: سلم يوحنا الدرجي
- ٣٢) أما بعد
التاريخ: 10 مايو 1973 م.
المناسبة: زيارة قداسة البابا شنودة الثالث للفاتيكان.
من هنا نبدأ عندما يكون الطرح متعلقًا بسعي التقارب الحثيث بين الكنائس لما للحدث من وقع تاريخي، فهي زيارة تأتى بعد قطيعة ممتدة لقرون هذا عددها، ويبادر بها شخصية لها ثقلها، وانتجت بيانًا مشتركًا مازال يبحث عمن يستوعبه ويفعّله وينطلق منه ويراكم عليه، وربما يرد من يرقصون على طبول الفُرقة والكراهية بعقل بارد وقلب منزوعة مسيحيته إلى رشدهم، ويجردهم من أسلحة الدمار التي يشهرونها في وجه كل من يسعى للبعث الآبائي، اللافت الصورة التي اعتمدتها الكنيسة لترافق البيان والتي لا تقل أهمية عنه، فهي تجمع بين البابا السكندري وبابا روما، يجلسان أمام مذبح كنيسة القديس بطرس، بروما، بملابس الكهنوت البيضاء في إشارة محملة بالدلالات، وعلى مسافة متساوية، وكراسي تعلن الندية الأخوية، يعود منها قداسة البابا شنودة الثالث ومعه بعض من رفات القديس أثناسيوس الرسولي، حامى الإيمان المسيحي، بغير منازع، والذي يمثل القاعدة اللاهوتية التي تنطلق منها الكنيستان، لاهوت التجسد، وتدبير الخلاص، وشغف قلب المسيح “أن نصير واحدًا فيه”. وقال البابا بولس السادس في هذه المناسبة:
“ما أنسب ما تعكسه ليتورجية هذا اليوم الذي نحتفل فيه بالذكرى المجيدة للقديس أثناسيوس حامي الإيمان الباسل والشجاع! إن القديس أثناسيوس هو أب ومعلم للكنيسة الجامعة ولذلك يستحق أن نشترك في تذكاره…
يعلن القديس أثناسيوس “أن كلمة الله أتى بنفسه حتى وبكونه هو صورة الآب يستطيع أن يعيد خلقة الإنسان على صورة الله.”
(البابا بولس السادس، بابا الفاتيكان)
وفي كلمة البابا شنودة الثالث في ذات المناسبة يقول:
“كما حارب القديس أثناسيوس الآريوسية، هكذا جاهد القديس كيرلس من أجل الدفاع عن الإيمان في مواجهة النسطورية، وأعلن إيمان العالم المسيحي الغربي والشرقي منه على السواء. وكما كان الأمر بالنسبة إلى أثناسيوس، فقد صار نقطة اتفاق، ليس فيما يتعلق بالإيمان فحسب، بل في طريقة التعبير المستقيمة والمحددة للإيمان التى تمثل بوضوح كلمة الحق بدقة وفاعلية.
إن اللاهوت التقليدي المشترك لأثناسيوس وكيرلس يشكل قاعدة صلبة للحوار الذي نوكله إلى عدد كبير من اللاهوتيين ليسلكوا فيه بروح محبة صادقة.”
(البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية)
وبنهاية الزيارة يصدر بياناً مشتركا تقول سطوره:
بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وشنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يقدمان الشكر لله في الروح القدس، إذ أنه بعد الحدث العظيم لعودة رفات القديس مرقس إلى مصر، قد تقدمت العلاقات بين كنيستي روما والإسكندرية، حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصي. وفى ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما يودان أن يعلنا معًا ما يلي:
لقد تقابلنا معًا تحدونا الرغبة في تعميق العلاقات بين كنيستينا، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعالة للتغلب على العقبات التي تقف عائقًا في سبيل تعاون حقيقي بيننا في خدمة ربنا يسوع المسيح الذي أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه (كورنثوس الثانية 5: 18- 20(
وطبقًا لتقاليدنا الرسولية المسلّمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما، ووفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، نعترف بإيمان واحد بالإله الواحد مثلث الأقانيم، وبلاهوت ابن الله الوحيد، الأقنوم الثاني للثالوث القدوس، كلمة الله وشعاع مجده ورسم جوهره، الذي تجسد من أجلنا، متخذًا لنفسه جسدًا حقيقيًا بروح عاقلة، وشاركنا في إنسانيتنا ولكن بغير خطيئة. ونعترف أن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح، إله كامل من حيث لاهوته، وإنسان كامل من حيث ناسوته. وفيه اتحد لاهوته بناسوته اتحادًا حقيقيًا كاملًا بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تشويش ولا تغيير ولا تقسيم ولا افتراق. فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وأنه وهو الإله الأزلي الأبدي غير المنظور صار منظورًا في الجسد، واتخذ صورة عبد. وفيه قد حفظت كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت معاً في اتحاد حقيقي وتام غير منقسم وغير مفترق.
إن الحياة الإلهية تمنح لنا وتنمو فينا وتتغذى بواسطة أسرار المسيح السبعة في كنيسته وهى: المعمودية، والميرون [التثبيت]، والإفخارستيا، والتوبة، ومسحة المرضى، والزيجة، والكهنوت.
ونحن نكرم العذراء مريم، أم النور الحقيقي، ونعترف أنها دائمة البتولية، وأنها والدة الإله، وأنها تشفع فينا وأنها بصفتها والدة الإله [ثيئوتوكوس] تفوق في كرامتها جميع الطغمات الملائكية.
وأن لنا، إلى درجة كبيرة، نفس المفهوم عن الكنيسة، المؤسسة على الرسل، والدور الهام الذي للمجامع المسكونية والمحلية. وتعبّر طقوسنا وليتورجية القداس خير تعبير عن روحانيتنا، فالقداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية وهو قمة اتحادنا وشركتنا فى المسيح في كنيسته. ونحن نحفظ الأصوام والأعياد الخاصة بإيماننا. ونكرم ذخائر القديسين ونتشفع بالملائكة والقديسين الأحياء منهم والمنتقلين. هؤلاء يؤلفون سحابة من الشهود في الكنيسة. وهم ونحن ننتظر -في رجاء- المجيء الثاني لربنا عند استعلان مجده ليدين الأحياء والأموات.
ونحن نعترف، بكل إتضاع، أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة في المسيح، بصورة أكمل، بسبب الانقسامات القائمة بينها والتي تحمل وراءها تاريخًا مثقلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام 451م، قد نشبت خلافات لاهوتية امتدت واتسعت وبرزت بسبب عوامل غير لاهوتية. وهذه الاختلافات لا يمكن تجاهلها، ولكن بالرغم من وجودها، فإننا نعيد اكتشاف أنفسنا فنجد أن لكنيستينا تراثًا مشتركًا، ونحن نسعى بعزم وثقة في الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها التي هي هبة من الرب.
ولكى نتمكن من إنجاز هذه المهمة، نشكل لجنة مشتركة من ممثلين للكنيستين، مهمتها توجيه دراسات مشتركة في ميادين: التقليد الكنسي وعلم آباء الكنيسة والليتورجيات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العلمية، حتى إنه يمكن السعي بالتعاون المشترك لحل الخلافات القائمة بين الكنيستين، بروح الاحترام المتبادل، بل ونستطيع نعلن الإنجيل معًا بطرق تتطابق مع رسالة الرب الأصيلة، ومع احتياجات عالم اليوم وتطلعاته. ونعبّر في نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأي جماعات أخرى من الدارسين ومن الرعاة، من بين الكاثوليك والأرثوذكس ممن يكرسون جهودهم لنشاط مشترك في الميادين المذكورة وما يتصل بها.
وإننا في إخلاص وإلحاح، نذكر أن المحبة الحقيقية، والمتأصلة في أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح، وفى الاحترام المتبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر، لهى عنصر جوهري في السعي نحو الشركة الكاملة.
إننا باسم هذه المحبة، نرفض كل صور الاستلال من كنيسة إلى أخرى، بمعنى أن يسعى أشخاص لإزعاج الكنيسة الأخرى، وذلك بضم أعضاء جدد إليهم من هذه الكنيسة، بناء على اتجاهات فكرية أو بوسائل تتعارض مع مقتضيات المحبة المسيحية أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنائس. ينبغي أن يوقف هذا الخطف بكل صورة أينما وجد. وعلى الكاثوليك والأرثوذكس أن يجاهدوا من أجل تعميق المحبة، وتنمية التشاور المتبادل، وتبادل الرأي والتعاون في المجالات الاجتماعية والفكرية. ويجب أن يتواضعوا أمام الرب، ويتضرعوا إليه أن يتفضل، وهو الذي بدأ هذا العمل فينا، أن يكمله.
وإذ نفرح في الرب الذي منحنا بركات هذا اللقاء، تتجه أفكارنا إلى آلاف المتألمين والمشردين من شعب فلسطين. ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية فى هذه المنطقة. وبرغبة حارة نتطلع إلى حل عادل لأزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقي قائم على العدل، خصوصًا في تلك الأراضي التي تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التي نكرمّها معًا بصفتها والدة الإله [ثيئوتوكوس]. لعل الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك سعينا.
وتتواصل اللقاءات والمحادثات المسكونية بين الكنيستين، في صعود وهبوط، يتهددها التوقف أحيانًا، وتنقطع مع ارتباكات سنوات اعتقال البابا شنودة، وحال عودته إلى كرسيه (يناير 1985) تعود مجددًا، وفى عام 1988 يوافق المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على الاتفاقية الكريستولوجية الرسمية الموقعة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويرحب بها البابا يوحنا بولس الثاني في خطاب منه إلى البابا شنودة الثالث، وتتوج بزيارة الحبر بابا الفاتيكان إلى مصر، 24 فبراير 2000، زيارة ارتجت لها مصر قاطبة، وفيها يقيم قداسًا في إستاد القاهرة يحضره نحو 23 ألف من المصريين، ويزور دير سانت كاترين بسيناء والتابع لكنيسة الروم الأرثوذكس، ويصلى هناك قداسًا، ولا تقل رسائل زيارته لمصر في أهميتها ودلالاتها وتحدياتها عن زيارة قداسة البابا شنودة لروما.
وفى سياق دعم التواصل تأتى زيارة الكاردينال كاسبر، رئيس المجلس البابوي لتعزيز الوحدة بين المسيحيين، إلى مصر بنهاية مارس 2000 وحتى 22 أبريل، ويلتقى خلالها بالبابا شنودة الثالث الذي يطلب إعادة الحوار الرسمي مع الكنيسة الكاثوليكية في إطار ارتباطنا مع كل عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية.
وعندما يأتي البابا تواضروس الثاني تشهد مصر والكنيسة لقاءً بين بابا الإسكندرية وبابا روما البابا فرانسيس الأول، في أجواء أكثر تعقيدًا في الداخل والخارج، 28 أبريل 2017، ويصدر عنهما بيانًا مشتركًا أثار الكثير من الجدل، حول القبول المتبادل بمعمودية كل من الكنيستين، الأمر الذي اضطر كنيستنا إلى إعادة صياغة البيان لتجنب تداعيات الهجوم الذي لم يكن كله بريئًا. والذي لم يقرأ أصحابه بيان مايو 93.
وهو ما سنتناوله فيما بعد بما يستحقه من تفصيل، والذي لم يكن إلا حلقة في سلسلة المواجهات بين الفرقاء.
على أن الكنيسة اجتازت العديد من تجارب التقارب أو لنقل التحالف، بدأت بمجلس الكنائس العالمي (1948)، ثم مجلس كنائس الشرق الأوسط (1974) ثم انتهت إلى مجلس كنائس مصر (2014)، فماذا فعلنا بها وماذا فعلت بنا، ولماذا لم تنجح هذه التجارب في حلحلة التباعد أو خلق تفاهمات تكسر حدة الإحتراب، وهل حلت فيها السياسة والأبعاد الاجتماعية محل التوجه اللاهوتي؟ هذا ما سنقترب منه في اللقاء القادم.
ثم في لقاء تال نعرج على تجربة المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 ـ 1965) ونطرح تساؤل تفرضه حالة الإحتراب بين الفرقاء عندنا : هل نشهد استنساخًا مصريًا له تحت لافتة “المجمع المرقسي الأول”؟
بالضرورة لدينا ما نقوله. لمن لهم آذان للسمع ويسمعون.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨