- كتاب “بولس الرسول” للأب متى المسكين
- اقتراب محفوف بالتربص
- فك رموز العهد القديم
- تشكيل شاول لقبوله الإيمان
- شاول الفريسي وحال الكنيسة
- شاول يضطهد الكنيسة
- حادث دمشق
- مسيحية بولس الرسول (١)
- مسيحية بولس الرسول (٢)
- صفات القديس بولس
- ☑ الفكر اللاهوتي للقديس بولس
- مصادر تعاليم بولس الرسول (١)
- مصادر تعاليم بولس الرسول (٢)
- لاهوت بولس الرسول: تمهيد ومدخل
- حكمة تعلو فوق كل شيء
- سبق وجود المسيح
- ربوبيّة المسيح
هذا الفصل يصح تسميته "إعداد الخادم حسب بولس الرسول"، والخادم هنا عنوان يندرج تحته كل من يُختار لخدمة الكلمة وخدمة النفوس وخدمة القرية والمدينة، ومن ثم فهو الأسقف وما يتبعه من درجات ورتب الإكليروس، وهو أيضًا مختلف الخدام من المدنيين، بل أظنه خارطة طريق للمعاهد الإكليريكية الساعية لضبط بوصلة الخدمة الليتورجية وخدمة الكلمة وبناء كنيسة مقدسة جامعة رسولية.
لم يكن القديس بولس منغلقًا على الثقافة الدينية، بل كان مشتبكًا مع العديد من الدوائر المعرفية والثقافية والعملية في زمنه، ويورد الكاتب العديد من المصطلحات والتوصيفات المتداولة في الحياة اليومية وفي العديد من المجالات الحياتية، وقد استخدمها ووظفها ق. بولس في إيصال المعنى الذي يريد إيصاله للمتلقي في رسائله، الأمر الذي يكشف عن موسوعية فكر وثقافة الرسول بولس، وقد طوعها لخدمة الكلمة، في تصالح واضح مع الثقافة العامة والحياة.
فاستعار مفردات ميادين السباق، وقوانينها، وأدوات الحرب وأسلحته، وكذلك لغة المحاكم والقضايا، “فالتبرير” بمعنى حكم البراءة، في مقابل “الدينونة” وهي “حكم إدانة”، والأكثر إثارة ما أورده الكاتب “كما نسمع من بولس الرسول عن اصطلاحات التمثيل والمسرح وجمهور النظارة:
فإنني أرى أن الله أبرزنا [قدمنا للعرض] نحن الرسل آخِرين [مشهد أخير]، كأننا محكوم علينا بالموت لأننا صرنا منظرًا [تياترو] للعالم للملائكة والناس 1كو9:4.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ويستكمل الكاتب اقتباسات القديس بولس من شئون العمارة وتفاصيلها:
“كبناء حكيم [باشمهندس] قد وضعتُ أساسًا وآخر يبنى عليه. ولكن فلينظر كل واحد كيف يبنى عليه ـ 1كو10:3“، وكذلك من أرباب الحرف “أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوان ـ رو21:9”
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
مع أن بولس الرسول نفسه هو صاحب حرفة صناعة الخيام. ويوالي الكاتب رصد اصطلاحات ق. بولس من شئون التجارة، عربون الروح وعربون ميراثنا، ولغة البحارة والأسفار بالبحار:
“الذي هو [المسيح] لنا كمرساة [هلب] للنفس، مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجاب عبرانيين 19:6”
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ويهتم الكاتب بـ:
“الاصطلاحات الأكثر استخدامًا، التي أدخلها بولس الرسول في لغته وكانت محببة إليه هي اصطلاحات القضاء والمحاماة، وكذلك الحرب والتسلح والتمرين، وفي العالم القديم ـ الذي عاش فيه بولس الرسول ـ لم نسمع منه على يد أي مؤرخ شيئًا عن بولس قط. لأن بولس كان في الحقيقة هو “الإنسان الجديد” وسط هذا “العالم القديم”. فعاش بولس ومات ولم يستشعره مؤرخ أو فيلسوف، وهذا لا يحسب حجة ضد بولس، بل يحسب حجة ضد الأرستقراطية الميتة التي كان يعيشها عالم بولس”.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ليست المصطلحات فقط هي التي ميزت كتابات القديس بولس، لكن الباحث يكتشف استخدامه وسائل التعليم بالتشبيه والتمثيل؛ وهو ما تتبعه الكاتب، في مشاهد عديدة حملتها رسائل ق. بولس؛ مثل حبة الحنطة وكيف تقع وتموت أولًا ثم يتغير شكلها إلى جسم آخر حي ينمو ويثمر، ويطبق ذلك على حقيقة الموت بجسد أرضي ثم القيامة بجسد آخر روحي… كذلك قدم مثل الجندي في الحرب الذي يتحتم على من يجنده أن يكسيه ويطعمه ثم يطبق هذا المثل على وضعه الروحي هو، كرسول مجند للمسيح. ولكن لحساب من يعظهم ويعلمهم، وينبههم أن يوفروا له المعيشة وتكاليفها، ويدعم كلامه بأسانيد من الناموس والتوراة. وهو هنا يضع قدميه والكنيسة معه على أرض الواقع، فلا تستغرقه عوالم غيبية، وهو ما أكده حين أعلن أن حاجاته وحاجات من يعاونوه تكفل هو بها من عمله.
ويوظف القديس بولس المنطق في طرح إيمانه ورؤيته، حين يتعرض للقضايا اللاهوتية المحورية في الإيمان المسيحي، عبر مقاربات ومقارنات لا تنقطع بين قضيتي السقوط والخلاص، وبين فعل آدم الأول وبين فعل المسيح آدم الثاني، وحتمية التجسد الإلهي، فالطبيعة التي أدخلت اللعنة، يلزم حسب العدل أن تكون هي التي تُدخِل البر. ويعلق الكاتب:
“هذا منطق عدالة الله، وفي نفس الوقت هو منطق المناسبة لدى فكر الإنسان. ثم عاد بولس الرسول ليقارن بين سبب الخطية وعنصرها الأساسي وهو عِصْيَان آدم، في مقابل سبب البر وعنصره الأساسي وهو طاعة المسيح لله، لتوازن عِصْيَان آدم. ولكن كم تكون حد المعادلة من طرف المسيح الإنسان بسبب لاهوته أقوى مئات وملايين المرات بلا عدد بالنسبة لحد المعادلة من طرف آدم؟”
“لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ ـ الترابي ـ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا (مع الفارق الهائل) بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ ـ السماوي الإلهي ـ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ. أَبْرَارًا. !!” (رومية19:5).
“فمهما ازدادت الخطية فى العالم بالإنسان الأرضي، فالنعمة بالإنسان السماوي [المسيح] كفيلة باجتثاثها اجتثاثًا، لأنها أقوى بما لا يُقاس، على أساس أن عامل الخطية ضعف إنساني، أما النعمة فعاملها قوة إلهية”.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
تحت عنوان “المنهج التأملي الحر عند بولس الرسول” يقول الكاتب:
“الحوار في المنهج التعليمي عند الفريسيين أصيل، لإذكاء الفكر لقبول الحقيقة، ولكن مثل هذا المنهج يحتاج لمؤهلات ليكون المُحاور مقتدرًا، أهمها أن يتوفر له طول النَفَس وهدوء الأعصاب مع شيء من الدهاء، وهذه كانت تُعوِز بولس الرسول، فهو عاطفي، تأثُّري، مندفع، غيور. كذلك فإن المنهج الجدلي يحتاج إلى خطة ذات هدف محدد يسير نحوها المُتحاور دون أن يتوه في الطريق، وبولس الرسول عكس ذلك، فهو بعد أن يبدأ الشوط ويحدد الموضوع الذي سيقتحمه، وإذ ننتظر منه السير في الاتجاه الذي حدده، نجده يعرِّج في الطريق على موضوع آخر، أو يشغله حماسه بخصوص الفضائل أو السلوك فيستغرق فيه، وقلما يعود إلى ما بدأ به الحديث.
وهو في رده على المهاجمين والمتلصصين على تعليمه وحريته فى المسيح لا يحاجج، ولكنه يهاجم، ويفضح النيات الداخلية:
“يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا، حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ الْغَضَبُ إِلَى النِّهَايَةِ.” (1تس16:2).
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ويتتبع الكاتب منهج القديس بولس في الدفاع المتدفق والمتلاحق “المستند على النعمة التي تضئ ذهنه”، “فهو لم ينقل عن أحد قبله”، وينتهى الكاتب إلى أن المساهمة اللاهوتية المتسعة والمتفرعة والمتعددة المواضيع التي قدمها بولس الرسول للمسيحية تقف على قاعدة عريضة، مستكملة بالبرهان واليقين، أتته في مناسبات كثيرة كدفعات إلهامية استوعبها من الله والمسيح مباشرة.”
ويصف الكاتب لاهوت بولس الرسول بأنه:
“ليس لاهوتًا نظريًا بل هو لاهوت إلهامي مسنود بالنعمة، وعمقه لا يأتي عن عمق تفكير وتحليل بل عن استعلان تلو استعلان، والنعمة أمنته ضد مواطن الزلل ومواطئ الانحدار، فجاء لاهوتًا صافيًا صفاء السماء التى منها انحدر”.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ثم يتعرض الكاتب إلى “المصادر التي يستند إليها بولس الرسول في تعليمه”، وهو ما سنعرضه في المقال المقبل.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- صفات القديس بولس يفتتح الكاتب اقترابه من صفات القديس بولس بتقرير أن الصفة الأبرز عنده هي “صفة التغيير والقدرة على تخطى الماضي للإمساك بالأفضل”، وهي تضفي على صاحبها قدرة على التطور وعدم الالتفات للصراعات الصغيرة والذاتية، التي تستهلك جهد وذهن المرء، وتشتتهما بغير طائل، لذا كانت عينا القديس بولس وعقله وقلبه يبحثون عن إدراك ماهية الرب يسوع واستعلانه......