- كتاب “بولس الرسول” للأب متى المسكين
- اقتراب محفوف بالتربص
- فك رموز العهد القديم
- تشكيل شاول لقبوله الإيمان
- شاول الفريسي وحال الكنيسة
- شاول يضطهد الكنيسة
- حادث دمشق
- مسيحية بولس الرسول (١)
- مسيحية بولس الرسول (٢)
- صفات القديس بولس
- الفكر اللاهوتي للقديس بولس
- مصادر تعاليم بولس الرسول (١)
- مصادر تعاليم بولس الرسول (٢)
- لاهوت بولس الرسول: تمهيد ومدخل
- حكمة تعلو فوق كل شيء
- ☑ سبق وجود المسيح
- ربوبيّة المسيح
“يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد”، “الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة”، في كلمات موجزة يصف القديس بولس ماهية المسيح ووجوده الأزلي الأبدي، ويضعنا أمام حتمية تجسد الابن في تحقيق المصالحة بين الله والإنسان، في التوقيت الذي يراه الله مناسبًا “ملء الزمان”، وفي هذا يقول الكاتب:
“إن بولس الرسول يوضح علاقة المسيح بالله وعلاقته بالخليقة بآن واحد” فهو من جانب “صورة الله غير المنظور”، وفي ذات الوقت هو “بكر كل خليقة”، “صورة يمكن فيها ومنها رؤية الله غير المنظور، كلمة مسموعة ومفهومة تُظهر ما خَفِى في فكر الله”، “فإحدى خصائص المسيح أنه الشخص الواقف بين الله الآب الذي لا يُرى وبين الإنسان الذي لا يفهم ولا يعي إلا ما يَرَى، فوجه المسيح المتجه إلى الآب إلهي محض، ووجهه الذي يتراءى لذوي العيون المفتوحة [الله ظهر في الجسد]، هو بالنسبة لله حسب مداركنا ابن حقيقي في ذات الله المنزهة عن الولودة، وبالنسبة لنا ابن حقيقي يفوق معنى الولادة ويتعدى ضعفها وموتها. فهو بالرؤية المتسعة بِكرُ الله لأنه الابن الوحيد الذي يتكلم باسمه، وبالرؤية المتميزة بكر الخلائق طُرَا، لأنه يمثل الخلائق ويتكلم باسمها”.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
لكن الكاتب ينبهنا إلى أن تعبير بكر كل خليقة:
لا يحمل على وجه الإطلاق معنى بكر بين الخلائق، بل بتحديد المعنى تمامًا: بِكرُ، أي قبل أو على، كل الخلائق؛ الذي يحمل المعنى في الحال أنه ليس معدودًا بين الخلائق بل متقدمًا ومترأسًا، وأنه يحمل وجودًا فائقًا وسابقًا على كل الخلائق، لأنه إذا كان قول بولس أنه بكر كل خليقة يحمل معنى أنه من الخليقة بالتبعية، فماذا يكون لو لم تكن الخليقة؟ هل كان يفقد ابن الله وجوده؟ بولس يحذر من ذلك فيكمل بقوله مباشرة “الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل (1كو16:1و17). وهذه كلها تستعلن وجوده السابق على كل الوجود.
فالآن إذا كان وجوده فائقًا وحرًا من كل خليقة وسابقًا عليها وعلة وجودها، وهذه حقيقة أكدها بولس الرسول قائلًا “الكل به قد خلق” (كو16:1)، فماذا يكون معنى “بكر كل خليقة”؟ إلا أنه يعني كونه المثل والمتقدم على كل ولكل الخلائق لدى الله، يحمل كيانها فى ذهنه وفى قلبه لأنها أخذته من يديه، وهو الذي صنعها ولا يزال متكفلًا بها ويحمل همها وعجزها إن عجزت ككل مخلوق، وكل خليقة أثبتت عجزها وقصورها عن بلوغ الكمال على طول المدى، إن كانت الملائكة، وإن كانت البشرية، لأن هذا هو الفارق بين الخالق والمخلوق.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ويواصل الكاتب تناول “بكر كل خليقة” في فكر القديس بولس الرسول:
الخليقة تئن إلى الآن وتتمخض منتظرة كمال عمل المسيح لكمال فداء الإنسان وتصحيح موقفه النهائي أمام الله، باعتبار الإنسان المسؤول عن سقوطها بسقوطه، فيتصحح موقفها بتصحيح موقفه بالتالي وتتخلص من عجزها: لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله إذ أُخضعت الخليقة للبُطْل، ليس طوعًا، بل من أجل الذي أخضعها “الإنسان” على الرجاء. لأن الخليقة نفسها أيضًا ستُعتَق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن، وليس هذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا. (رو19:8ـ23)
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
ويوجز الكاتب ما حدث:
وهذا واضح من قول بولس الرسول بعد ذلك عن كيف أن الله أرسل ابنه متجسدًا وهو في ملء لاهوته، ليصالح به الكل لنفسه عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته، سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات. (كو20:1)
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
وينتهي الكاتب إلى حقيقة دامغة أنه “حق للمسيح سواء في وجوده السابق لتجسده أو بعد تجسده أن يدعى:
• أولًا: بكر الله، هو كما هو، لأنه الابن الوحيد لا عن ولودة بل عن كيان ذاتي متأصل في كيان ذات الله، كآي وابن معًا لا ينقسمان ولا ينفصلان.
• ثانيًا: بكر كل خليقة، لا عن ولودة بل ككيان يحمل في ذاته كل كيان الخليقة بكل صورها.
ويستطرد الكاتب في تتبع استخدام هذا المصطلح عند القديس بولس، حتى بالنسبة للأموات فهو بكرًا كأول من قام من الأموات، وهو هنا رب القيامة وقوتها ورب الحياة، فحسب قول المسيح نفسه “أنا هو القيامة والحياة” (يو25:11)، وكل قيامة حدثت وتحدث وستحدث هي مستمدة من قيامته.
دعنا عزيزي القارئ نقرأ معًا النتيجة التي وضع الكاتب يده عليها:
“حين يقول القديس بولس: “لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.” فالمعنى أنه بالتجسد والفداء وباشتراكنا في موته وقيامته أراد الله أن يعطينا صورة ابنه في كل شيء، إن في الموت أو القيامة أو حتى المجد، ليكون هو الأخ الأول كرأس البشرية الجديدة المُفتدية، وهو الذي يقودها نحو الآب في موكب نصرته لتشاركه ميراث بنوته لله. ولكن حتى وبعد ذلك، فنحن لا نُحسب أبدًا على مستواه في البنوة، بل مجرد متبنَين. فنحن وإن بلغنا صورة ابنه وصرنا بالتالي إخوة له، فليس معنى ذلك أننا لما حملنا صورته صار هو أخًا لنا على مستوانا، بل هو إخلاء وتنازل نزل به ليرفعنا إليه، فحتى وإن صار مثلنا في كل شيء إلا أنه يظل كما هو صورة الله، ربًا تسجد له كل ركبة مما في السماء وعلى الأرض”.
(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)
يبقى لنا حسب الكاتب التعرف على ربوبية وألوهية المسيح عند القديس بولس وهو ما سنستعرضه في مقالات مقبلة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨