- التأله في الكتاب المقدس
- التأله عند الآباء اليونان
- التأله عند الآباء السريان
- ☑ التأله عند الآباء اللاتين
- تأله ناسوت المسيح
- الاتحاد بالنور الإلهي
- حلول الروح القدس في البشر
- الهرطقة الأفنومية والرد عليها
- التأله غاية خلق الإنسان
- التأله غاية التجسد
- التأله بالأسرار المقدسة
- التأله في الليتورجية القبطية
نستكمل بحثنا في موضوع عقيدة التأله بالنعمة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وسوف نتحدث في هذا المقال عن مفهوم التأله بالنعمة عند الآباء اللاتين في الغرب.
العلامة ترتليان الإفريقي
نبدأ من العلامة ترتليان الذي يُعد أبو اللاهوت اللاتيني، حيث يتحدث ترتليان في أكثر من موضع عن عقيدة التأله بالنعمة، ويرى أن التأله هو غاية خلق الإنسان، وإن الإنسان لو لم يسقط، كان سيؤخذ في المستقبل إلى الطبيعة الإلهية، حيث يقول التالي:
”والآن، على الرغم من أن آدم كان عرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب: 'هوذا آدم يصير كواحد منا‘ (تكوين3: 22)، أي نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل. إذًا، ما الذي يلي ذلك؟ والآن، لئلا يمد يده، ويأخذ أيضًا من شجرة الحياة، [ويأكل]، ويحيا إلى الأبد. بالتالي يُظهِر بإضافة الجزء عن الوقت الحاضر 'والآن، أنه قد خلقه للوقت، وللحاضر، ولاستمرار حياة الإنسان“. [1]
(Tertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Philip Schaff)
ويتحدث ترتليان عن أن البشر يُدعون آلهةً أيضًا، ولكنه ليس من ذواتهم، بل بالنعمة حسب استحقاق كل منا، حيث يقول التالي:
”لكنك ستقول: إنه -بهذه الطريقة- لا يوجد فينا أي شيء من الله، لكن بالحقيقة إن لنا شيئًا منه، بل وسيظل لنا، لكن هذا الشيء هو منه، وقد تسلمناه، وهو ليس من ذواتنا؛ لأننا سنكون آلهةً، إذا استحققنا أن نكون ضمن هؤلاء الذين قال لهم: 'أنا قلت: إنكم آلهة‘، و'الله في وسط الآلهة يقضي‘، ولكن هذا يتأتى من نعمته، وليس بسبب مزية فينا، لأنه هو وحده مَن يستطيع أن يصنع [منا] آلهةً“. [2]
(ترتليانوس الإفريقي، ضد هرماجانوس)
ويستخدم آية (مز82: 1، 6) أيضًا في موضع آخر مؤكدًا على عقيدة ألوهية السيد المسيح وعقيدة تأله الإنسان، لأن الكتاب المقدس دعا البشر آلهة بسبب التبني لله والإيمان، فكيف لا يكون الابن هو بالحقيقة ابن الله الوحيد بالطبيعة كالتالي:
”فلنتذكر أنت وأولئك هذا القائل: 'أنا قلت: أنكم آلهة وبنو العلي كلكم‘ (مزمور82: 6)، ومرة أخرى: 'الله قائم في مجمع الله‘ (مزمور82: 1)، وإن كانت الأسفار لم تخش أن تدعو البشر آلهةً، وهم قد صاروا أبناء الله بالإيمان، فلنتأكد إذًا، أن نفس الأسفار بكل احتراس، تمنح لقب 'الرب‘ لمَّن هو بالحقيقة ابن الله الواحد والوحيد“. [3]
(ترتليانوس الإفريقي، ضد براكسياس)
القديس هيلاري أسقف بواتييه
ننتقل إلى ق. هيلاري أسقف بواتييه والملقب بـ”أثناسيوس الغرب“، حيث يتحدث عن أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي:
”فالخطية الموجهة ضد الروح هي إنكار كمال قوة الله، ونقض للجوهر الأزلي في المسيح، الذي صار من خلاله الله في الإنسان، ليصير الإنسان إلهًا“. [4]
(Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125)
ثم يتحدث ق. هيلاري عن اقتناء البشر للروح القدس كعربون للخلود وشركة الطبيعة الإلهية مؤكدًا على ألوهية الروح القدس، حيث يقول التالي:
”لن يجرؤ الرجال فيما بعد، بقوة المنطق البشري المجرد، على أن يضيفوا الروح الإلهي بين المخلوقات، الذي نقبله كعربون الخلود وكمصدر للاشتراك مع الطبيعة الإلهية غير الآثمة“. [5]
(هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث)
وهكذا يتحدث ق. هيلاري عن أن غاية التجسد الإلهي هي تأليه الإنسان، حيث يقول التالي:
”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية يُولَد إنسانًا كي يكون إلهًا. فمن ثم إن اسمه هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (متى1: 23)، كي لا يقلل من شأن الله إلى مستوى الإنسان، بل يُرفَع من شأن الإنسان إلى الاتحاد بالله. وعندما طلب [أي المسيح] أن يتمجد، لم يكن هذا تمجيدًا لطبيعته الإلهية بأي شكل، بل للطبيعة الأقل التي اتخذها؛ فإنه يطلب هذا المجد، الذي كان له قبل تأسيس العالم“. [6]
(هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث)
أوغسطينوس أسقف هيبو
ننتقل الآن إلى أوغسطينوس الذي يُعد من أكثر الآباء اللاتين حديثًا عن تأله الإنسان بالنعمة، حيث يتحدث مثله مثل العلامة ترتليان عن أن التأله هو غاية خلق الإنسان منذ البَدْء، وأنه كان سيصير إلهًا لو لم يسقط بالتعدي والعصيان كالتالي:
”هنالك في الراحة سوف ترى أنه هو الله، طبيعة سامية ادَّعيناها لنا حينما هبطنا من أعالي عهده على صوت الشيطان الذي أغوانا قائلاً: 'تصيران كآلهة‘، لم نحفظ الأمانة لهذا الإله الذي كان قادرًا على أن يجعل منا آلهةً، لو لم نجحد نعمه، ونتخلف عن الاتحاد به“. [7]
(أغسطينوس، مدينة الله ج3)
ثم يتحدث أوغسطينوس عن أن تأله الإنسان والشركة في اللاهوت هي غاية الإخلاء والتجسد الإلهي، مستخدمًا صيغة التأله التبادلية الشهيرة، حيث يقول التالي:
”لكن المسيح، معلم التواضع، الذي جعل نفسه شريكًا لنا في سقمنا، ليجعلنا شركاء في لاهوته، ونزل من السماء ليعلمنا الطريق، ويكون هو طريقنا (يوحنا 14: 6)“. [8]
(أغسطينوس، عظات في المزامير ج2)
ثم يتعمق أوغسطينوس في شرح عقيدة التأله في موضع آخر في سياق تفسيره لآية (مزمور 81: 1) كالتالي:
”فمَّن هم؟ وأين هم الآلهة الذين إلههم هو الإله الحق؟ يجيبنا مزمور آخر: 'الله قائم في مجمع الآلهة، وهو في وسط الآلهة ليدينهم‘ (مزمور 81: 1). ما زلنا نجهل إذا كان لا يوجد في السماء آلهة أخرى، يقوم الله وسط مجمعهم ليدينهم. انظروا في المزمور نفسه، عمَّن يتكلم النبي: 'قلت أنكم آلهة، وبنو العلي كلكم، إلا أنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون‘ (مزمور 81: 6). يتضح من هذا الكلام أن الذين يدعوهم الله آلهةً، هم بشر تألهوا بنعمته، وليسوا مولودين من جوهره. وحده يبرر مَن هو البر ذاته، ولم ينل بره من آخر. كذلك، وحده يُؤلِّه مَن هو الله بذاته، ولا يشاركه إله آخر. والحال، فإن الذي يُبرِّر هو الذي يُؤلِّه، لأن الذين بررهم، يجعلهم أبناء الله. يقول الإنجيلي: 'أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناء الله‘ (يوحنا 1: 12). إن صرنا أبناء الله، صرنا آلهةً، لكن بنعمة التبني، لا بالطبيعة التي وُلِدَنا فيها. ليس لله سوى ابن أوحد هو مع أبيه إله واحد، أعني ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة الذي كان في البَدْء، كلمة الله، والكلمة التي في الله. أما الذين يصيرون آلهةً، فبنعمة الله يصيرون، ولا يُولَدون من جوهره ليكونوا مثله آلهةً“. [9]
(أغسطينوس، عظات في المزامير ج2)
ويؤكد أوغسطينوس أيضًا على عقيدة التأله بالنعمة وشركة الطبيعة الإلهية في موضع آخر قائلًا:
”جعلك الله أخًا لابنه دون أن يلدك، فتبناك، وجعلك له شريكًا في الميراث، ثم جعل المسيح شريكًا لك في الموت ليؤهلك للاشتراك معه في اللاهوت“. [10]
(أغسطينوس، خواطر فيلسوف في الحياة الروحية)
ويتحدث أوغسطينوس أيضًا عن ألوهية الروح القدس موضحًا أنه إله بالطبيعة، وعلى العكس من البشر المخلوقين الذين يُدعون آلهة أيضًا، ولكن بالنعمة وليس بالطبيعة مثل الروح القدس كالتالي:
”ولكن إن كان غير مخلوق، فمن ثم لا يكون إلهًا فقط [لأن البشر يُدعون آلهةً أيضًا]، بل هو أيضًا الله ذاته، ولذا فهو مساويًا بالكلية للآب والابن، ويكون في وحدانية الثالوث ومن نفس الطبيعة“. [11]
(أغسطينوس، الثالوث)
ويؤكد أوغسطينوس أيضًا على عقيدة التأله بالنعمة كبركة من بركات التجسُّد الإلهي، مستخدمًا صيغة التأله التبادلية الشهيرة كالتالي:
”لأنه صُلِبَ حسب صورة العبد، ولكنه رب المجد المصلوب؛ لأن الاتخاذ [التجسُّد] قد جعل الله إنسانًا واﻹنسان إلهًا“. [12]
(أغسطينوس، الثالوث)
ونستنتج من هنا أن عقيدة تأليه الإنسان هي عقيدة راسخة وثابتة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وموجودة بقوة في جميع التقاليد المسيحية المبكرة، سواء التقليد اليوناني (سواء التقليد الإسكندري، والأورشليمي، والكبادوكي)، أو السرياني، أو اللاتيني.
صدر للكاتب:
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو [٢٠٢١]
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة [٢٠٢٢]
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي [٢٠٢٣]
كتاب: الطبيعة والنعمة بين الشرق والغرب [٢٠٢٣]
كتاب: مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة [٢٠٢٤]
