المقال رقم 5 من 12 في سلسلة أرثوذكسية تأله اﻹنسان
يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح هو الطريق لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس.
القديس أثناسيوس الرسولي

نجد ق. الرسولي يؤكد على تأله ناسوت المسيح، ويؤكد أيضًا على تبادل الخواص أو الصفات أو الأسماء في المسيح كالتالي:

”بل كُتِبَت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لأنه كما مات المسيح ثم رُفِعَ كإنسان، فبالمثل قيل عنه إنه أخذ كإنسان ما كان له دائمًا كإله، وذلك لكي تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإن اللوغوس لم يحط من قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالأحرى فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر“ [45]

(أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد اليين، تَرْجَمَة: د. وآخرين)

ويكرر ق. أثناسيوس نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في موضع آخر كالتالي:

”لأنه حينما صار إنسانًا، لم يكف عن أن يكون الله، ولا بسبب كونه الله يتجنب ما هو خاص بالإنسان، حاشا بل بالحري، إذ هو الله فقد أخذ الجسد لنفسه، وبوجوده في الجسد، فإنه يُؤلِّه الجسد“ [46]

(أثناسيوس (قديس)، المقالات ، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين)

ويشدد ق. أثناسيوس أيضًا على تأله ناسوت المسيح في موضع آخر قائلاً:

”وعندئذ لم يقل 'والابن‘ كما سبق وقال إنسانيًا، بل قال: 'ليس لكم أن تعرفوا‘، لأن الجسد عندئذ كان قد قام وخلع عنه الموت وتأله، ولم يعد يلق به أن يجيب حسب الجسد عندما كان منطلقًا إلى السماوات، بل أن يُعلِّم بطريقة إلهية“ [47]

(أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين)

القديس اغريغوريوس اللاهوتي

وهذا هو أيضًا ما يقوله ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي:

”الله قد خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحدًا من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يُؤلِّه، والآخر يتأله. فيا للخلط الجديد! يا للمزج العجيب! هو الذي هو، قد صار، والخالق خُلِقَ، وغير المُدرَك قد أُدرِكَ بواسطة العقل كوسيط الذي هو في المنتصف بين اللاهوت وخشونة الجسد“ [48]

(Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36.325 B-C)

ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح نفسًا وجسدًا في مواجهة الذي أنكر وجود النفس الإنسانية العاقلة في المسيح كالتالي:

”إذا كان الأقل نبلاً قد اتُخِذَ ليتقدس إذ أنه [المسيح] اتخذ جسدًا، أفلا يُتخَذ الأكثر نبلاً ليُقدَّس إذ أنه [المسيح] صار إنسانًا، إذ كان التراب [يقصد الجسد] أيها الحكماء قد خمَّر الخمير فصار عجينًا جديدًا، أفلا يُخمِّر الصورة [الروح] فترقى إلى الامتزاج بالله، بعد أن تكون قد تألهت بالألوهة؟“ [49]

(اغريغوريوس (قديس)، رسائل لاهوتية، تَرْجَمَة: الأب )

ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح في مواجهة الأفنوميين الآريوسيين منكري ألوهية المسيح، هذا الذي فتح الطريق أمام تأله أجسادنا نحن أيضًا كالتالي:

فالذي [أي الابن] هو الآن حقير في نظرك، كان قبلاً أرفع منك، الذي هو الآن إنسان، كان حينذاك غير مركَب. وما كانه بقى عليه، وما لم يكنه صار إليه [أي الناسوت]. كان في البَدْء بلا علة -وهل يكون لله علة؟- ثم وُلِدَ لعلة. وكانت العلة هي أن تخلُص، أنت المجدف عليه، ومحتقر الألوهة التي تحملت كثافتك، والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بواسطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله، وصار واحدًا، يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أُصبِحُ أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا[50]

(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري)

القديس اغريغوريوس النيسي

وهذا هو أيضًا ما يؤكد عليه ق. ا في مواجهة الهرطقة ال، حيث شدَّد على تأله ناسوت المسيح، واكتسابه خواص الألوهية بعد التجسد التدبيري لله الكلمة، وهذا بالطبع ينعكس على أجساد البشر الذين خلصهم الله الكلمة بتجسده من الخطية واللعنة والضعف، ومنحهم التأله وخواص الألوهية من الحكمة، والقداسة، والقوة، وعدم التألم كالتالي:

”إننا نضع في الاعتبار قول الرسول: إنه صار خطيةً، ولعنةً لأجلنا، وإنه قد أخذ ضعفنا عليه حسب كلام إشعياء النبي، ولم يترك الخطية، واللعنة، والضعف دون شفاء، بل قد ابتُلِع المائت من الحياة، ولقد امتزج كل شيء ضعيف ومائت في طبيعتنا مع الألوهية، وصار ما تكونه الألوهية“. [51]

(اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا الإسكندري ٢٣ ، تَرْجَمَة: )

ويكرر النيسي نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في نفس الرسالة قائلاً:

”لأنه باكورة الطبيعة البشرية التي أخذها امتزجت بالألوهية كلية القدرة والقوة […] لكن بما أن كل هذه الخواص التي نراها مصاحبةً للمائت قد تحولت إلى خواص الألوهية، فلا يمكن إدراك أي تمييز بينهما، لأن أي شيء يمكن أن يراه الإنسان في الابن هو الألوهية، والحكمة، والقوة، والقداسة، وعدم التألم“. [52]

(اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس الإسكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، تَرْجَمَة: أنطون جرجس)

القديس هيلاري أسقف بواتييه

ويؤكد ق. الملقب بأثناسيوس الغرب على تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي:

”إذ يتلخص التجسد في هذا، أن كل ما للابن -أي ناسوته ولاهوته- قد سمح له الآب أن يستمر في وحدة طبيعته، ولم يحتفظ فقط بقدرات الطبيعة الإلهية، بل وأيضًا بتلك الطبيعة نفسها. فإن الهدف المطلوب هو أن يتأله الناسوت. لكن الناسوت المُتخَذ لم يكن ممكنًا له بأية طريقة أن يبقى في وحدة الله، إلا إذا وصل إلى الوحدة مع اللاهوت“. [53]

(هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من

القديس كيرلس السكندري

كما يؤكد ق. كيرلس السكندري المُلقَّب ب على تأله ناسوت المسيح، الذي يُعد الوسيلة الوحيدة لتأله أجسادنا نحن أيضًا، حيث يقول التالي:

”تتقدم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألهت، وهذا مُبرهَن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل [الجسد] الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة مُتألهةً بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعَى أبناء الله وآلهةً. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة مُنتقِلةً من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح“. [54]

(كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د.

القديس ساويروس الأنطاكي

ويشرح ق. ساويروس الأنطاكي مثله مثل باقي الآباء السابقين عليه أن تأله ناسوت المسيح معناه لمعان جسد المسيح بالمجد الخاص بالله مُقتبسًا ومُفسِّرًا لقول ق. اغريغوريوس اللاهوتي من عظة الثيؤفانيا أو الذي اقتبسناه أعلاه، حيث يقول في رسالته الثانية إلى التالي:

”ففي العظة (Lebon p. 116) على الظهور الإلهي يقول [ق غريغوريوس] 'الله خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحدًا من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يُؤلِّه والآخر يتأله‘. لكن يُفهَم تعبير 'يتأله‘ ويُقال لأن الجسد قد لمع بالمجد الخاص بالله، كما يقول الحكيم [كيرلس] وليس لأنه تغيَّر إلى طبيعة اللاهوت“. [55]

(ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس)

ويتضح من هنا إجماع آباء شرقًا وغربًا على تأله ناسوت المسيح كوسيلة وكتهيئة لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس، بل وقد ثَبُتَ من نصوص الآباء شرقًا وغربًا أن تأله ناسوت المسيح هو عقيدة أرثوذكسية راسخة في الكنيسة الجامعة.

 


هوامش ومراجع:

[45] أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: ، 2017)، 1: 11: 42، ص 110، 111.
[46] المرجع السابق، 3: 27: 38، ص 343، 344.
[47] المرجع السابق، 3: 28: 48، ص 358.
[48] Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36.325 B-C
[49] اغريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات ، 2000)، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ص 24.
[50] اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، 29: 19، ص 100.
[51] اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس السكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، تَرْجَمَة: أنطون جرجس، (القاهرة: دورية رقم 31، 2021)، ص 52، 53.
[52] المرجع السابق، ص 54.
[53] هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، 9: 38، ص631، 632.
[54] كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، 28: 11، ص 396.
[55] ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (مصر: دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، 2015)، ص 323.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: أرثوذكسية تأله اﻹنسان[الجزء السابق] 🠼 التأله عند الآباء اللاتين[الجزء التالي] 🠼 الاتحاد بالنور الإلهي
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، لل أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد أبوليناريوس"، للقديس غريغوريوس النيسي