المقال رقم 7 من 9 في سلسلة التطور: أزمة اﻻعتقاد والعلم

الاجابة المختصرة على السؤال دا هو: “لأ“.
لكن عشان نفهم سوء التفاهم دا بيجي للناس منين هنحتاج نتكلم عن حركتين موجودين في المجتمع الأمريكي واللي منهم بتنتشر الجملة دي للناس اللي متعرفش حاجة عن التطور.

الحركة الأولى معروفة باسم الخلقية-Creationism
الجماعة الخلقيين هما ناس ببساطة بتفسر الكتاب المقدس بحرفية تامة، بمعنى انهم مش بيرفضوا التطور بس، لكن غالبًا بيبقوا رافضين برضو حاجة زي نظرية الانفجار العظيم-Big Bang Theory، بيبقوا مقتنعين إن الطوفان حصل بالفعل على مستوى عالمي، وإن الأرض والكون كله عمرهم 6000 سنة (أو 7000 أو 10000 سنة بالكتير) وإنه اتخلق بالحرف في 6 أيام بالظبط، كل الحفريات اللي زي الديناصورات أو الحيوانات المنقرضة دي بالنسبالهم انقرضت في وقت الطوفان أو ما شابه.

طبعًا الجماعة دول بيتعاملوا باعتبارهم مادة خام للسخرية والـMemes مش اكتر، زيهم زي بتوع “الأرض مُسطحة”، لكن للأسف غير المُتعلمين من المُتدينين الأصوليين العرب بيتأثروا بيهم.

الحركة التانية معروفة باسم التصميم الذكي-Intelligent Design.
الحركة دي تعتبر وليدة لحركة ، لكنهم بيحاولوا يكونوا “علميين” شوية، فبيقبلوا مثلًا إن عمر الكون والأرض بنفس الأعمار اللي بيذكرها العلم، وبيقبلوا إن الطوفان مثلًا كان طوفان مكاني مش عالمي، والحاجة اللي ناس كتير بقى بتسيء فهمها عن الحركة دي إنهم بيرفضوا التطور بينما هما في الواقع بيقبلوه وبيقبلوا ترابط كل الحياة مع البعض من خلال سلف مشترك بما فيهم الإنسان، من اشهر المؤيدين للحركة دي عالم كيمياء حيوية اسمه مايكل بيهي- Michael Behe.

طيب أمال إيه مشكلة الحركة دي؟
مشكلة الحركة دي إنها مازالت حركة غير علمية anti-Scientific، الفكرة اللي بتنادي بيها الحركة دي هو إن ايوه التطور موجود وبيحصل بين الأنواع، لكنهم مُقتنعين إن نظرية التطور اللي معانا النهاردة متقدرش تفسر كل التعقيدات الموجودة في الطبيعة وان لازم مُصمم ذكي يتدخل من وقت للتاني عشان يعمل التعقيدات اللي بنشوفها في الطبيعة.
هما هنا مش بيحددوا مين هو المُصمم الذكي، دا عشان بيحاولوا يخلوا الحركة تبقى علمية مش حركة دينية، لكن الإشكالية إنها بتقع في نفس مشاكل الخلقية، وهي إنها مش قادرة تعمل أي تنبؤات قابلة للاختبار بالمنهجية العلمية، وبالتالي فهي مش علم.

حاجة تانية بتعملها حركة التصميم الذكي هو إنهم بيتكلموا مثلًا عن تركيبات مُعقدة في الكائنات الحية ويدّعوا إن نظرية التطور متقدرش تفسرها وبيسموا التعقيدات دي بالتعقيدات الغير قابلة للاختزال-Irreducible Complexity
أحد أشهر الأمثلة للتعقيدات الغير قابلة للاختزال هي العين (على اعتبار إن نصف عين متشوفش، هو يا إما عين كاملة يا إما مفيش)، إلا إن مع تطور البحث العلمي بتظهر أبحاث بتحل كيفية تطور الأعضاء الغير قابلة للاختزال من وجهة نظرهم، ولحد دلوقتي كل الأمثلة اللي جابها الجماعة بتوع التصميم الذكي تم طرح أمثلة لكيفية تطورها بآليات التطور المعروفة.

أشهر معهد للجماعة بتوع التصميم الذكي هو معهد اسمه معهد ديسكفري-Discovery Institute، وكان من أشهر الحاجات اللي عملها المعهد دا عشان يقنع غير المُتعلمين إن العلماء بيرفضوا التطور هو انه جمع شوية علماء كلهم بيتفقوا على الـstatement الآتية:

We are skeptical of claims for the ability of random and natural selection to account for the complexity of life. Careful examination of the evidence for Darwinian theory should be encouraged.

نحن متشككون من الادعاءات القائلة بقابلية الطفرات العشوائية و على تفسير تعقيدات الحياة. يجب تشجيع الفحص الدقيق للأدلة على النظرية الية

المشكلة في الورقة دي حاجتين:
أولًا إن الورقة دي من ساعة ما طلعت في 2001 لحد النهاردة ممضاش عليها غير 1000 عالم معظمهم من مجالات ملهاش أي علاقة بعلم الأحياء (كلها مجالات زي الفيزياء أو الرياضيات أو الهندسة أو الكمبيوتر ساينس وهكذا).
المشكلة التانية إنها بتستعمل مصطلحات غير دقيقة، لإن زي ما وضحنا قبل كدا إن نظرية التطور بالشكل اللي بتُدرس بيه النهاردة مُختلفة عن الداروينية- Darwinism اللي بتفسر التطور فقط من خلال الطفرات والانتخاب الطبيعي، لو تلاحظ فالـstatement بتاعتهم مش جايبة غير سيرة الداروينية بالشكل اللي نادى بيه داروين، ودا في حد ذاته سوء تقديم للنظرية.

المُشكلة مع الجماعة دي في أمريكا إنهم كانوا بيحاولوا يدرسوا التصميم الذكي في المدارس الحكومية على اعتبار إنها نظرية علمية منافسة لنظرية التطور، وفي سنة 2004 حصل إن بعض المُدرسين حاولوا يدرسوا التصميم الذكي في الفصول في المدرسة، لكن الأهالي رفعوا قضية للمحكمة الفيدرالية في أمريكا وحصلت مُحاكمة اتعرفت باسم Kitzmiller v. Dover Area School District (قضية كيتسميلر ضد مدارس منطقة دوفر) (*) وكان من أشهر اللي دافعوا عن التصميم الذكي في المحاكمة دي هو مايكل بيهي، وكان من أشهر اللي وقفوا ضده هو كينيث ميلر-Kenneth Miller،

اللي حصل في المحكمة إن الجماعة بتوع التصميم كانوا بيحاولوا يقولوا إن التصميم الذكي هو نظرية علمية، لكن القضية في النهاية انتصرت لصالح التطور لإن التصميم الذكي مش نظرية علمية، لكنه وجهة نظر دينية بتحاول تقدم نفسها باعتبارها علم لكنها في الواقع مبتخضعش لمعايير العلم، وكان من هنا إن التصميم الذكي أتمنع تدريسه في المدارس الحكومية الأمريكية، ومن هنا مفيش عالم بيتعامل مع التصميم الذكي بشكل جاد.

النهاردة بيتم اعتبار التصميم الذكي علم زائف- زيه زي الخلقية وفرضية الأرض المُسطحة والتنجيم، وبالتالي أي حد بيدخل يدرس حاجة زي دي في فصل علوم غالبًا بيترفد لإنه ميفرقش حاجة عن مدرس الرياضيات اللي دخل يقول للعيال إن 1+1=4 أو مُدرس الفيزياء اللي بيدخل يقول للعيال إن الشمس بتلف حوالين الأرض.

لكن دا مش معناه إن التطور هو بالضرورة ضد وجود الله أو حتّى ضد الدين، في الواقع، كينيث ميلر اللي دافع عن التطور ضد التصميم الذكي هو عالم كاثوليكي، وهو بيميل لتبني فكرة الـTheistic أو ممكن نترجمها “التطور الإلهي”.

التطور الإلهي دا مش نظرية علمية، ولا هي ضد العلم، هي وجهة نظر فلسفية-دينية. ببساطة بتنادي بإن نظرية التطور زي ما العلماء فاهمينها النهاردة هي نظرية علمية قوية ومقبولة لكنها ببساطة مش بتتعارض مع الله أو الدين، بظبط زي ما نظرية الجاذبية مش بتتعارض مع الله أو الدين. أنت لما بتيجي تحل معادلات نظرية الجاذبية مش بتحط “الله” في المُعادلة ولا بتقول إن الله هو اللي بيزق الكواكب حوالين الشمس! لكن إن ببساطة دي نظرية علمية قادرة تفسر الظواهر دي بشكل طبيعي بدون اللجوء لقوى خارقة للطبيعة، الله مش دوره في المعادلة ولا في انه يزُق الكوكب، لكن دوره ورا النظام ككل وهو أبعد بكتير من الـscope of science.

دي فكرة التطور الإلهي، وبالتالي فهو مش نظرية علمية، والمُتبنيين ليه مش بيقولوا إنه نظرية علمية، لكن إنه وجهة نظر أو Thesis (أطروحة) عن علاقة العلم بالدين، ودا التصور اللي بتتبناه النهاردة و ال ومعظم الكنائس الية. الأطروحة دي مش علمية، وبالتالي قبولها أو رفضها ولا هو علمي ولا هو ضد-علمي.

 


(*) في فيلم وثائقي اتعمل على المحاكمة المذكورة  اسمه “Judgement Day: Intelligent Design on Trial” لو حد حابب يتعرف اكتر على تفاصيل المحاكمة ممكن يتفرج عليه.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: التطور: أزمة اﻻعتقاد والعلم[الجزء السابق] 🠼 إزاي بيعرفوا عمر الحفريات؟[الجزء التالي] 🠼 هل التطور بيفسر أصل الحياة؟
مايكل لويس
[ + مقالات ]