للوهلة الأولى ممكن القارئ يحس إن السؤال دا بسيط، ما إحنا عايشيين حياتنا مثلًا وعارفين إن القطة نوع والكلب نوع تاني والفار نوع تالت وهكذا، إيه الصعوبة في الموضوع؟ !
بس فكر في الموضوع شوية، إيه الخط الفاصل اللي بيتميز بيه نوع عن نوع تاني؟
يعني لو رحت جزيرة جديدة مثلًا ولقيت عليها حيوان محدش شافه قبلك، بناء على إيه هتقول إن الحيوان دا نوع جديد؟ أو نوع أنت شفته قبل كدا؟
في الواقع السؤال دا صعب ومعروف في علم الأحياء وفلسفة علم الأحياء باسم Species Problem (مشكلة النوع).
الحقيقة في كام تعريف كدا العلماء بيستعملوهم باستمرار، وهما دول اللي هنتعرف عليهم في المقال دا.
احد اكثر التعريفات المُستعملة في الوسط العلمي وفي الكُتب الدراسية هو تعريف وضعه (إرنست ماير- Ernst Mayr) معروف باسم (مفهوم الأنواع الحيوي-Biological Species concept-BSC). حيث يُعرف النوع على إنه مجموعة من الكائنات الحية التي يمتلك أفرادها الإمكانية على التهجين في الطبيعة وإنتاج نسل قابل للحياة وقادر هو بدوره على التناسل مرة أُخرى، ولا يستطيع أن يُنتج نسل قابل للحياة وقادرًا على التناسل من أفراد مجموعات مُختلفة،
يعني مثلًا:
ذكر الحصان وانثى الحصان ممكن يتزاوجوا ويخلفوا “نغل- Hinny”
وذكر الحمار وانثى الحصان ممكن يتزاوجوا ويخلفوا “بغل- Mule”
لكن النغل والبغل كلهم بيبقوا دايمًا غير قادرين على التزاوج، ميقدروش هما بدورهم يُقيموا نسل، وبالتالي بيتم اعتبار الحمار والحصان نوعين مُختلفين.
وبالتالي فبالنسبة للتعريف دا فالنوع تعريفه معتمد على القدرة على التناسل الجنسي. في الواقع التعريف دا قوي ومن أكثر التعريفات اللي بيتم استعمالها في الأبحاث العلمية، لكنه غير كافي، لإن في أنواع حية مش بتتكاثر بالجنس (تكاثر لاجنسي)، وبالتالي بيحتاج العلماء تعريفات تانية في أوقات تانية.
(مفهوم الأنواع المورفولوجي-Morphological Species Concept)، وهو يعتمد على التفرقة بين الأنواع من خلال أشكال أجسامها والسمات البنيوية.
ميزة التعريف دا إن ممكن يتم تطبيقه على كل الكائنات الحية، لكن عيبه إنه بيعتمد على معيار ذاتي وأقل موضوعية بمراحل من مفهوم الأنواع الحيوي، لإن من السهل جدًا للعلماء انهم يختلفوا على ماهية الصفات المورفولوجية اللي هتحط حد للتفرقة بين نوعين، أنهي صفة اللي هتكون كافية للتفرقة بين نوعين مُختلفين، وأنهي لأ؟
على الرغم من كدا التعريف دا مهم في تطبيقه على الكائنات اللي موصلناش منها غير الحفريات، زي في الصورة دي مثلًا:
كل كائن من الاتنين دول هو كائن من “المفصليات ثلاثية الفصوص- الترايلوبيت- Trilobite”، وهي “طائفة- class” من “مفصليات الأرجل- Arthropods” (مفصليات الأرجل هي “الشعبة- Phylum” اللي بتضم كائنات حية زي الحشرات والعنكبوتيات والقشريات الخ)، لكن الطائفة دي (الترايلوبيت) هي طائفة بحرية منقرضة، انقرضت من حوالي 360 مليون سنة، وبالتالي متقدرش تطبق عليهم مفهوم الأنواع الحيوي لإن المعلومات دي مش في ايدك، ومتقدرش تطبق عليهم مفهوم الأنواع البيئي اللي هنتكلم عنه كمان شوية، ومتقدرش تطبق عليهم مفهوم الأنواع الفيلوجيني اللي هنتكلم عنه برضو لإن موصلناش DNA، إحنا مفيش في ايدينا غير حفريات، فالطريقة الوحيدة لتصنيف الأنواع في الطائفة دي هو مفهوم الأنواع المورفولوجي، الاختلافات الموروفولجية ما بين الكائن في الصورة اللي على اليمين (Cheirurus ingricus) والكائن اللي في الصورة اللي على الشمال (Hollardops mesocristata) هي اللي من خلالها بيصنفهم العلماء كنوعين مختلفين.
لكن لازم تاخد بالك إن المفهوم دا بيتم استعماله في حالات خاصة، زي الحالة السابقة (أنواع منقرضة)، يعني على سبيل المثال بص على حاجة زي الدولفين وسمكة القرش:
التشابهات المورفولوجية بين الاتنين ممكن تكون عالية، لكن نظرًا لإن تحليل الـDNA بتاعهم ممكن، ونظرًا لإن في معلومات مورفولوجية داخل جسمهم متوفرة (Internal structure) ودي مش بتكون متوفرة في الحفريات بنسبة كبيرة) فاحنا عارفين إن اسماك القرش أقرب للسمك لإنه في الواقع سمكة، بينما الدولفين أقرب للحيتان والثدييات.
وبالتالي فمفهوم الأنواع المورفولوجي بيتم تطبيقه في حالات خاصة زي إن ميكونش في حاجة متوفرة أصلًا غير الشكل المورفولوجي، أو لو أمكن بيتم تطبيقه بالمشاركة مع مفهوم آخر.
المفهوم الثالث هو (مفهوم الأنواع البيئي-Ecological Species Concept)، وهو يعتمد على تعريفه للنوع من نمط حياة النوع البيئية، أي كيفية تفاعل أفراد النوع مع الأجزاء غير الحيّة والحيّة من مُحيطهم وبيئتهم.
على سبيل المثال من الممكن أن يختلف نوعان من شجر البلوط (السنديان) في حجمهم وقدرتهم على تحمل ظروف الجفاف، فبالتالي هيتم اعتبارهم نوعين مُختلفين بحسب التعريف دا بسبب احتلالهم لأنماط حياة بيئية مُختلفة.
التعريف دا تطيبقه مهم برضو مع الكائنات الحية اللي مش بتتكاثر بالتهجين، وفي نفس الوقت التعريف دا بيعزز دور الانتخاب الطبيعي في فكرة إن الكائنات الحية تتكيف على بيئات مختلفة.
المفهوم الاخير اللي هنتكلم عنه هو (مفهوم الانواع الفيلوجيني- مفهوم الانواع التطوري الُسلالي – Phylogenetic Species Concept – PSC)، وهو يُعرف النوع بكونه اصغر مجموعة من الأفراد التي تتميز بصفات مورفولوجية وجينية مُعينة وتتشارك سلف مُشترك مُكونين بذلك فرع واحد على شجرة الحياة.
ميزة التعريف دا إنه يصل لتعريف الأنواع بشكل إلى حد ما دقيق على المُستوى الجيني عن بقية التعريفات الأُخرى، فهو بيقدر إنه يُفرق بين نوعين اختلفوا جينيًا بما فيه الكفاية ولكن لسة مظهرتش بعض الصفات مورفولوجية لتمُيزهم، في الحالة دي بيشتغل مفهوم الأنواع الفيلوجيني بشكل افضل من مفهوم الأنواع المورفولوجي، كمان التعريف دا يُمكن تطبيقه على الكائنات الحيّة اللي مش بتتكاثر بالتهجين والجنس، وبالتالي فهو ليه نطاق عمل أوسع من نطاق مفهوم الأنواع الحيوي.
بص على الصورة دي على سبيل المثال:
دي صورة توضيحية لأنواع مختلفة من السلامندر اسمه “Ensatina Salamander”، في المثال دا هيتم اعتبار كل من A وB أنواع مختلفة نظرًا لإن أفراد B ليهم سلف مشترك محدش من A مشترك معاهم فيه، على الجانب الآخر، بالرغم من إن أفراد الجماعة الأحيائية C حصل فيها تنوع ضخم، إلا إنه هيتم اعتبارهم كلهم نوع واحد بحسب المفهوم النوعي الفيلوجيني نظرًا لإن مفيش جماعية أحيائية منهم ليها سلف مشترك مستقل عن الجماعات الباقية، جدير بالذكر إن المجموعة C بيكونوا ما يُسمى في علم الأحياء بـ”النوع الحلقي- Ring Species”، المجموعة الأحيائية دي موجودة في كاليفورنا في الـ”Central Valley”
التجمعات دي بتكون حلقة أشبه بحدوة الحصان U، حيث إن كل مجموعة بتقدر تتزاوج من أفراد المجموعة المُجاورة ليها، لحد ما نوصل لأطراف الحلقةـ وبيكون المجموعات اللي على الأطراف غير قادرين على التزاوج، في الحالة دي الـEnsantina Klauberi والـEnsantina Eschscholtzii.
في تعريفات ومفاهيم تانية تم وضعها لمُحاولة تعريف النوع، ولكن اكثر التعريفات المُستعملة هو مفهوم الأنواع الحيوي ومفهوم الأنواع الفيلوجيني لإنهم إلى حد كبير جدًا بيظهروا نتائج عملية بتساعد العُلماء في إتمام أبحاثهم.
السؤال المهم هنا بقى، هل في حاجة أصيلة في الطبيعة اسمها “نوع”؟
ولا دي مجرد تصنيفات إحنا بنعملها عشان نسهل تعاملنا مع الكائنات الحية في الطبيعة؟
اشهر 3 إجابات في فلسفة علم الأحياء هي الفلسفات الآتية:
الفلسفة الواقعية (Realism)، وهي بتعتقد إن النوع شيء موجود في الطبيعة فعلًا، إرنست ماير كان من مؤيديين الواقعية واعتبر إن النوع يُمكن تصنيفه بشكل موضوعي بالاعتماد على مفهوم الأنواع الحيوي، فكل نوع مُعتمد على الانعزال التكاثري (أي انه لا يتكاثر مع أفراد مجموعة ليست من نوعه) وبالتالي فالنوع بيتميز بشكل موضوعي، لكن زي ما وضحنا، حدود التعريف دا بتقف عند الكائنات اللي مش بتتكاثر بالجنس.
الفلسفة الإسمانية (Nominalism)، بتعتقد إن النوع ما هو إلا “اسم” أو لفظ يُطلقه الإنسان على مجموعة من الكائنات الحيّة، لكن لما بيحاول الإنسان رسم خطوط فاصلة بين الأنواع فالخطوط دي مش بتعكس أي نقطة فاصلة بين الكائنات الحيّة بشكل أساسي، وبالتالي فإن الأنواع ليست اكثر من فكرة ومسميات في عقول البشر.
الفلسفة البراجماتية أو المذهب العملي (Pragmatism)، وهي بتعتقد إنه بالرغم من إن النوع غير موجود بالمعنى الطبيعي، إلا أنه حقيقي مفهوميًا ونظريًا، وموجود للتطبيقات العملية، فعلى سبيل المثال، بغض النظر عن أي مفهوم بيستعمله الباحث، فإنه يُمكنه مُقارنة التنوع الحيوي على المُستوى المكاني والزماني طالما إن التعريف مش بيتغير خلال الدراسة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟