المقال رقم 23 من 23 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

بعد إقالة أعضاء الجهاز السري التابعين لجماعة الإخوان المسلمين الموالين ل، بادر حسن إسماعيل الهضيبي بتأسيس جهازه السري الخاص، مُسندًا مهمة إدارته إلى يوسف عز الدين محمد طلعت. وفي حين ركز طلعت على تجنيد الأفراد الموالين للهضيبي، تساهل في معايير السرية الحيوية في مثل هذه المنظمات. وقد أثار هذا النهج مخاوف بأن الهضيبي يهدف إلى إنشاء قوة شبه عسكرية [ميلشيا] لحمايته واستهداف خصومه، بدلًا من خدمة أهداف الجماعة كما كان مقصودًا عندما أسس الجهاز السري في السابق.

كان التنظيم السري الجديد الذي عمل الهضيبي على تشكيله أداة للصدام لا للدعوة. والغريب أن الهضيبي لجأ لتشكيل الجهاز السري، وهو الذي كان في حربه ضد عبد الرحمن السندي لا يجد ما يبرر به طلبه لحل الجهاز السري  سوى شعار “لا سرية في الإسلام”. كانت مشكلة الهضيبي ليست مع فكرة النظام الخاص، وإنما مع مجموعة النظام الخاص في ذلك الوقت، وعلى رأسهم عبد الرحمن السندي. لذلك قرر إلغاء النظام الخاص للتخلص من قيادة الجهاز وأشخاص بعينهم، وليس للتخلص من الجهاز نفسه الذي أصبح ولاؤه للسندي وليس للجماعة أو مرشدها.

اتخذ الهضيبى قراره بفصل مجموعة النظام الخاص، بدعوى أنهم أصبحوا أوراقًا مكشوفة ومحروقة، لأنهم سبق القبض عليهم. ولكن مع توالي الأحداث وتشابكها، استحال على الهضيبى أن يضمن سرية تشكيل هذا الجهاز الجديد، إذ كانت ظروفًا متسارعة لا يمكن معها العناية بالتربية الفردية للأعضاء كما كان يحدث في أيام حسن البنا، وإنما كانت العناية فقط في التحقق من الولاء لحسن الهضيبى.

وقد ساعدت تلك الظروف على تسرب عدد غير قليل من أعضاء الجهاز القديم إلى تشكيلات الجهاز الجديد، بما في ذلك نفسه رئيس الجهاز، الذي كان عضوًا بارزًا في الجهاز القديم برئاسة عبد الرحمن السندي. وقد شرع يوسف طلعت مستفيدًا من خبرته السابقة في تشكيل الخلايا بالقرى والمدن والمحافظات، ومنها خلية إمبابة برئاسة المحامي هنداوي سيد أحمد دوير. لعبت هذه الخلية دورًا محوريًا في الصراع بين الرئيس جمال وجماعة الإخوان المسلمين حينما وصل الصدام بينهما إلى قمته الدراماتيكية.

مقتل سيد فايز

كان المهندس ال عبد المطلب عضوًا نشطًا في النظام الخاص، ومباركًا لفصل السندي، بالرغم من أنه كان في السابق نائبًا له. وتولى قيادة التنظيم وقتما كان السندي مسجونًا، لكنه وقد أصبح الآن ذراع الهضيبي في تفكيك الجهاز السري، لذلك، فقد آثر التنظيم القديم التخلص منه.

بعد ظهر الخميس 20 من نوفمبر 1953، وصل صندوق (طرد) إلى منزل السيد فايز في حي العباسية كهدية من الحلوى بمناسبة المولد النبوي. كان صندوق الهدية يحتوي على شحنة من الديناميت سُلمت لشقيقته سيدة فايز، وطُلب منها ألا يُفتح إلا بمعرفة شقيقها. وعندما عاد السيد فايز إلى منزله، قصت عليه أخته ما حدث، فأخذ الصندوق وفتحه، فانفجر فيه وقتله وقتل معه شقيقه الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وجرح باقي من في البيت وجُرحت منهم أخته. كما أن حائط الحجرة سقط على طفل كان يسير بالشارع فمات في الحال.

وفي اليوم التالي شُيعت جنازة السيد فايز، وكان على رأس المشيعين المرشد الذي بدا التأثر والحزن الشديدان عليه، وكانت الجنازة مشحونة بعواطف الإخوان الثائرة في حزن وغضب وغموض. وقد وصف أحد الإخوان أن الجنازة كانت تعبيرًا حارًا للولاء للأستاذ المرشد العام.

ردد بعض المنتمين إلى الجهاز القديم الأقاويل بأن الحادث مُدبر من جمال عبد الناصر، بالرغم أنه لا يوجد أي عداء أو أي علاقة في الأصل بين عبد الناصر وسيد فايز. وعللوا ذلك بأن من المستحيل أن يقوم بهذا العمل الإجرامي أحد من الإخوان في قلبه ذرة من الإيمان مهما حدث بين الإخوان من خلاف، فإن ما حدث لا يمكن أن يصل إلى حد إراقة الدماء.

لكن في كتابه الشهير .. أحداث صنعت التاريخ، اتهم ، عضو التنظيم الخاص، عبد الرحمن على فراج السندي بالقيام بتلك الفعلة، بقوله:

أنه [يقصد عبد الرحمن السندي] تخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله.

وقد ثبت ثبوتًا قاطعًا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة كانت بتدبير هذا الرئيس [يقصد عبد الرحمن السندي]، وقد قامت مجموعة من كبار المسؤولين في هذا النظام بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني. ولكن الذي يلفت النظر أن الحكومة حين باشرت التحقيق في هذه الجريمة البشعة باشرته بتثاقل مريب، وبدا كأنما باشرته لمجرد سد خانة حتى لا يقول الناس: لماذا لم تقم الحكومة بالتحقيق؟! وقد أقفل المحضر دون توجيه اتهام لأحد.

(محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 نهاية شهر العسل
بيشوي القمص

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎