- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- تنظيم ٦٥
- إعلام المؤامرة
- السادات رئيسا
- عودة الروح
- دولة العلم والإيمان
- من الجماعة إلى الجماعة
- دماء جديدة في جسم منهك
- التنظيم الدولي
- الانقلاب على السادات
- مبارك رئيسا.. بالصدفة
- سياسات مبارك مع الإخوان
- سياسات مبارك مع المعارضة
- قضية سلسبيل
- إيد واحدة
- الوريث
- إعادة توزيع المعارضة
- حركة كفاية ٢٠٠٤
- الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٥
- الانتخابات البرلمانية ٢٠٠٥
- مبادرة الإصلاح ٢٠٠٦
- هايدلينا والسلام والميليشيات
- تعديل الدستور ٢٠٠٧
- الدويقة والمحلة وغزة ٢٠٠٨
- البرادعي وحلم التغيير ٢٠٠٩
- اللعب على الطرفين
- كلنا خالد سعبد
- جمال رئيسًا لمصر
- الانتخابات البرلمانية ٢٠١٠
- البرلمان الموازي
- عام النهاية
- الحياة السياسية والنهاية
- الإسلام السياسي والنهاية
- ثورة اللوتس
- ☑ الأربعاء ٢٦ يناير
الأربعاء صباحًا… رائحة الدُّخَان وآثار القنابل المسيلة للدموع تغطي سماء ميدان التحرير وشوارع وسط القاهرة، النوم جافى القاهرة، ولا حديث إلا عن الأسلوب العنيف الذي تم به فض الاعتصام. طالعتنا صحف المعارضة بأحداث الليلة الماضية تفصيليًا، أما جريدة الأهرام الرسمية فقد حمل المانشيت الرئيسي احتفل المواطنون ورجال الشرطة في جو من البهجة بعيد الشرطة في مختلف المحافظات، حيث تبادلوا الأزهار والشوكولاتة
، وأسفله صورة لوزير الداخلية مبتسمًا حاملًا الزهور!!! أما على الجانب الآخر فقد دعت القوى الوطنية إلى استمرار التظاهرات من نفس الأماكن مرة أخرى، والصمود حتى تحقيق المطالب وإلى إضراب عام في جميع أنحاء مصر.
منذ بداية هذا اليوم، فُرض حصار شديد من قبل قوات الأمن على معظم الميادين والشوارع الكبرى في القاهرة، وتحديدًا شوارع رمسيس والجلاء وطلعت حرب والتحرير، عقب بيان حاد من وزارة الداخلية أكدت فيه أنها لن تسمح بتنظيم مظاهرات جديدة، محذرة من أي صدام مع قوات الأمن. وفي العاشرة والنصف صباحًا تقريبًا، استطاع بعض المواطنين تجميع أنفسهم مرة أخرى والاتجاه صوب ميدان التحرير، وبلغ عددهم ما يزيد عن عشرة آلاف شخص حملوا لافتات تطالب بسقوط حسني مبارك.
في السويس، سالت دماء ثلاثة شهداء، وتظاهر أهالي الشهداء أمام المشرحة مع العشرات من المواطنين. وعندما أراد الأهالي تشييع ذويهم في موكب شعبي، فوجئوا أن الشهيد الأول قد دُفن سرًا في السادسة صباحًا بعد ضغوط مارسها الأمن على أسرته. أما الشهيد الثاني والثالث، فقد رفض الأمن تسليم جثثهم لأهاليهم أو الصلاة عليهم، فبدأ توافد الحشود أمام المشرحة أمام إصرار الأمن على رفض تسليم الجثث. فلم يجد الأمن أمامه إلا أن يستعين بالشيخ السلفي حافظ سلامة والداعية الإخواني صفوت حجازي لتهدئة الجموع الغاضبة، وبدلًا من أن ينحازا لموقف أهالي الشهداء، انحازا للسلطة وحاولا تفريق المتظاهرين باللين، ووعدوا الجموع بالصلاة على الشهداء في المدافن وليس في موكب شعبي كما يريد الناس، إلا أن الجماهير الغاضبة لفظتهم من وسطهم وأعلنوا رفضهم لوساطتهم وصمم المتظاهرون على طلبهم واحتدم الموقف.
في القاهرة، قامت قوات الأمن بمحاصرة المتظاهرين أمام نِقابة الصحفيين، ووقعت مصادمات شديدة بين الجانبين بسبب إصرار الصحفيين على كسر الحصار الأمني على مقر النِّقابة والالتحام بالمتظاهرين أمام نادي القضاة. تم إلقاء القبض على نحو 26 صحفيًا والاعتداء عليهم بالضرب بوحشية أمام مبنى النِّقابة، حتى وصل الأمر إلى الاعتداء على الصحفي الأستاذ محمد عبد القدوس، مقرر لجنة الحريات في نِقابة الصحفيين،وحُمل مرابعًة من يديه وقدميه باتجاه عربة الترحيلات. الأمر نفسه تكرر في نِقابة المحامين التي لا تبعد عن نِقابة الصحفيين كثيرًا، وحوصر المحامون ومُنعوا من الخروج، وشهدت النِّقابة الاعتداء على المحامين بقسوة من قبل قوات الأمن. في الوقت ذاته، كانت الشرطة تطارد المتظاهرين في ميدان عبد المنعم رياض لإبعادهم عن الميدان، في مشهد بات متكررًا في ميادين مختلفة لمنع أي تجمعات حاشدة، حتى وصل الأمر لإغلاق محطة السادات ومنع مترو الأنفاق من التوقف فيها.
أصبحت شوارع القاهرة يسيطر عليها الذهول والاضطراب، والكر والفر متواصل. حتى صفحات الفيسبوك أصبحت ساحة للقتال بين الشباب الثائر واللجان الإلكترونية للحزب الوطني. حتى وصل الأمر لشركات الإنترنت الأربعة الكبرى في مصر أوامر من جهات أمنية سيادية بـ”خنق” موقعي فيسبوك وتويتر بتخفيض السرعة الكلية لهما إلى 4 ميجابايت لجميع المشتركين في كل شركة، مما يعني أن تلك المواقع ستكون أبطأ من سلحفاة، لكنها غير مغلقة تمامًا، حتى يظن الجميع أن هذا البطء نتيجة التكالب على المواقع نتيجة الأحداث الدائرة، وليس بدافع من أمن الدولة. ورد بعض النشطاء الصفعة باختراق موقعي وزارة الداخلية والحزب الوطني وإيقافهم بشكل كامل لساعات قليلة. وفي تصريح للمتحدث باسم الحكومة المصرية، قال إن ما يحدث هو من تدبير جماعة الإخوان المحظورة، إلا أن الجماعة سرعان ما نفت هذا الأمر على لسان متحدثها الرسمي د. عصام العريان، وصرحت أنها لم تشارك في التظاهرات، لكن من شارك هم شباب منتمون للجماعة.
قبل غروب الشمس، تطورت الأحداث أكثر فأكثر، وسرت شائعات وترددت أنباء عن قيام شخصيات مصرية مهمة في النظام المصري والحزب الوطني الحاكم بالسفر للخارج برفقة عائلاتهم على متن رحلات خاصة، وسرعان ما نفت السلطات تلك الأخبار بالطبع، ثم سرت أنباء قوية عن مقتل أحد المعتقلين في معسكر السلام للأمن المركزي من بين المتظاهرين الذين أُلقي القبض عليهم في الليلة السابقة. هذه الأخبار أشعلت النفوس أكثر وأكثر، وكلما اشتعل الغضب أكثر، فقدت الشرطة السيطرة أكثر وأكثر، فأحرق المحتجون الغاضبون ثلاث عربات للأمن المركزي في ميدان رمسيس ليتصاعد الغضب إلى عنان السماء، أما في السويس فكان لا يزال أهالي الشهداء يتظاهرون منذ الصباح في انتظار جثث ذويهم والأمن يرفض تسليمهم، وفي السابعة مساءً حدث ما كانت تخشاه الجماهير الغاضبة، وأخرج الأمن الجثث في سيارة إسعاف من بوابة المشرحة الخلفية منطلقًا بهم بعيدًا عن أعين المتظاهرين، وكان ذلك بمثابة الشرارة الحقيقية التي قادت الأهالي إلى الانتقام بحرق نقطة شرطة “المثلث” ومبنى حي الأربعين ومقر الحزب الوطني.
في كل ذلك، لم ينطق مبارك بكلمة واحدة، وبدأت الحكومة تدرك أن ثمة شيء ما يحدث، فخرج أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء ليدلي بتصريح صحفي ليتحدى الشعب الغاضب أكثر، ويدافع عن الشرطة التي وصفها بأنها التزمت بأقصى درجات ضبط النفس
. في نفس الوقت، كان تامر أمين في برنامجه يلقي بالتهم على الثوار، متهمًا إياهم بافتعال المشاكل والتخريب وإثارة البلبلة. وأعلن د. محمد البرادعي من فيينا بالنمسا أنه سيعود إلى القاهرة للمشاركة في الاحتجاجات، داعيًا الشعب إلى التمسك بحقه في التظاهر من أجل استعادة الحرية والكرامة، كما وجه نداءً إلى مبارك كي يتقاعد وأن الوقت قد حان لتخليه عن السلطة.
في نفس اليوم وقبل إذاعة الحلقة اليومية من برنامَج “العاشرة مساءً” على قناة دريم، تحدث وائل غنيم، الذي كان لا يزال مجهولًا للجميع في ذلك الوقت، مع المذيعة منى الشاذلي على هاتفها؛ لمعرفة سابقة بينهما، وطلب منها عدم التزام الحياد في تغطيتها لأحداث اليوم في برنامجها. وتحدث معها وائل عن ضرب الشرطة للمتظاهرين والإفراط في استعمال الرَّصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، وفي المقابل وعدت منى أنها ستحاول قدر استطاعتها إيصال هذا الصوت، وطلبت من وائل أن يجري مداخلة هاتفية في أثناء برنامجها الذي يذاع على الهواء، ليتحدث معها عن حجب موقعي Twitter و Facebook، لأن النظام المصري كان ينكر حجبهما ويتعلل بأن ما حدث هو مجرد ضغط على “سيرفرات Servers” كلا الموقعين، وهي بالطبع خدعة لا تنطلي على من يمتلك أقل قدر من المعلومات التقنية، لكنها ستكون كذبة متقنة لباقي الناس.
وافق وائل دون تردد، وقبل الحلقة بقليل تحدثت منى الشاذلي مع وائل وكانت شديدة التوتر، وذكرت لوائل أنها تتعرض لضغط شديد من وزارة الداخلية من ناحية، حتى لا تذكر حقيقة ما حدث في مظاهرات اليومين الماضيين، وأن تدعي أن عدد المتظاهرين كان بضع مئات فقط، ومن ناحية أخرى تتعرض إلى ضغوط جمة من الشباب الثائر لمطالبتها بالوقوف معهم، وأنها بسبب ذلك قد تفكر في حجب برنامجها؛ لأنها تريد أن تلتزم الحيادية وتصف الواقع دون تزييف أو مبالغة، وتترك المشاهد ليكون قناعته بناءً على ما يشاهده.
في العاشرة مساءً، كانت منى قد اتخذت قرارها وبدأت برنامجها بصورة عادية، وبناءً على الاتفاق المسبق بين منى ووائل، اتصل به معدو البرنامَج على هاتفه الإماراتي بصفته المدير الإقليمي لشركة جوجل في الشرق الأوسط، وسألته منى على الهواء عن حقيقة حجب موقعي فيسبوك وتويتر، فأكد تلك المعلومة ورفض ما قاله ضيفها د. حسام بدراوي، أحد قيادات الحزب الوطني، أن ما يحدث هو مجرد ضغط على تلك المواقع في مصر، وأكد وائل أنه يستطيع الدخول على تلك المواقع باستخدام أي من برامج الـ”بروكسي Proxy”، وهي برامج تمكن مستخدمها من التحايل على حجب المواقع وفتحها بسهولة، وأن تلك المواقع صُممت لتستوعب مئات الملايين من المستخدمين على مستوى العالم، فمن غير المعقول أن تعجز عن استيعاب 4 ملايين مستخدم هم كل عدد مستخدمي الفيسبوك في مصر آنذاك.
ثم بدأ وائل ينتقد سياسة الحكومة التي لا تريد الاستماع لصوت شبابها، وحاول ذكر شهادته الشخصية لما حدث في اليوم السابق، 25 يناير، لكن منى الشاذلي قاطعته سريعًا وأنهت المكالمة. بعد انتهاء مكالمة وائل مع منى الشاذلي، وصلته رسالة بريد إلكتروني من مصطفى النجار، الناشط السياسي المعارض، وأحد القلائل الذين يعلمون شخصية مؤسس صفحة خالد سعيد الحقيقي، وطلب مصطفى من وائل أن يتحدثا عبر الشات للضرورة القصوى.
خلي بالك كويس جدًا، لأن الأمن بيدور على أدمن الصفحة. أنا اتقبض عليّ يوم ٢٥ بالليل، وأمن الدولة أخذوني في مكان ما أعرفهوش. غمّوا عينيّ وضربوني وعذبوني لساعات، وقعدوا يسألوني: مين اللي ورا الدعوة لـ٢٥ يناير؟ مين بيموّل الحركة؟ ومين أدمن صفحة خالد سعيد؟(مصطفى النجار لوائل غنيم، ٢٦ يناير ٢٠١١)
خلال القبض عليه، لم يذكر مصطفى اسم وائل غنيم، وأقنع الأمن بعدم معرفته بشخصية الأدمن، واعتقاده أنه غالبًا شخص يعيش خارج مصر، وعندما لم يجدوا فائدة مع مصطفى النجار أطلقوا سراحه، فشعر وائل بخطورة تواجده في الفندق بعد محادثته مع مصطفى النجار، فقرر أن ينتقل ليقيم في مكتب شركة صغيرة يمتلكها أحد أصدقائه في الزمالك، مزود بخط إنترنت سريع، وكان هذا هو كل ما يحتاجه وائل في هذا الوقت.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤
