- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- تنظيم ٦٥
- إعلام المؤامرة
- السادات رئيسا
- عودة الروح
- دولة العلم والإيمان
- من الجماعة إلى الجماعة
- دماء جديدة في جسم منهك
- التنظيم الدولي
- الانقلاب على السادات
- مبارك رئيسا.. بالصدفة
- سياسات مبارك مع الإخوان
- سياسات مبارك مع المعارضة
- قضية سلسبيل
- إيد واحدة
- الوريث
- ☑ إعادة توزيع المعارضة
- حركة كفاية
- الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٥
في الساعة الثانية من صباح يوم 20 فبراير 2002، اندلعت النيران في إحدى عربات القطار رقم 832 المتجه من القاهرة إلى أسوان، عقب مغادرة القطار مدينة العياط عند قرية ميت القائد، نتيجة انفجار موقد بوتاجاز بدائي الصنع في تلك العربة. ونتيجة لسرعة الهواء واندفاع القطار، امتدت النيران بسرعة إلى باقي العربات المكدسة بالركاب المسافرين لقضاء عطلة عيد الأضحى في مراكزهم وقراهم في صعيد مصر، ودون وسيلة واحدة للاتصال بسائق القطار لتنبيهه حتى يوقف القطار المشتعل، فقام بعض الركاب بكسر النوافذ الزجاجية وألقوا بأنفسهم خارج القطار. وعندما انتبه قائد القطار إلى وجود الحريق، قام بفصل العربات السبع الأمامية عن العربات المحترقة، وأخطر الجهات المعنية بالحادث، ثم واصل رحلته خشية توقفه وحدوث كارثة جديدة، بعد أن أودت النيران بحياة ركاب عربات كاملة.
أودى الحادث بحياة 350 مواطنًا مصريًا، أغلبهم لقوا مصرعهم متفحمين. أما الباقون، فكانوا ما بين غريق في ترعة الإبراهيمية أو مدهوس بعجلات القطار أثناء محاولتهم الهرب من جحيم النيران. وأدت الكارثة إلى استقالة وزير النقل المصري، إبراهيم الدميري. وفي يوم الأربعاء 29 مايو 2002، وقف د. محمد مرسي، نائب مجلس الشعب الإخواني، ليطلق صرخة باسم المصريين جميعًا تحت قبة مجلس الشعب، مطالبًا بمحاكمة رئيس الوزراء وجميع المسؤولين عن سقوط عشرات الضحايا في قطار العياط المحترق والقصاص منهم، وبتقييم حقيقي للحادث الذي يدل على الإهمال الجسيم، متسائلًا: كيف نترك ما حدث ليمر هكذا؟ يجب محاسبة الجميع على هذه المهزلة
. وتمكن نائب الإخوان من انتزاع تأييد جميع نواب البرلمان لاستجواب الوزير المسؤول حول حادث قطار العياط. وعندما تدخل كمال الشاذلي، زعيم الأغلبية، بالقول إنه يجب التعلم من الأخطاء والاستمرار في العمل
، رد عليه مرسي بجرأة وحسم قائلًا: نتعلم منها ونحاسب المخطئ
.
لم يكن سيادة النائب يتصور وقتها أنه بعد مرور عشر سنوات بالضبط على تلك الحادثة، ستحدث مأساة مشابهة يذهب ضحيتها خمسون من أطفال إحدى قرى الصعيد، نتيجة اصطدام القطار بأتوبيسهم المدرسي، في الوقت الذي سيكون فيه سيادته رئيسًا للجمهورية، وسيتسابق هو ومؤيدوه وجماعته في التملص من المسؤولية وإلقائها على الغير وعلى النظام السابق، ولن يعترف بأي مسؤولية ولو حتى أدبية عن الكارثة.
غير لائق اجتماعيًا
في نفس العام، 2002، تخرج الشاب عبد الحميد شتا من كلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. كان عبد الحميد شتا شابًا بسيطًا من إحدى الأسر البسيطة من قرية ميت الفرماوي، مركز ميت غمر، محافظة المنصورة. والده يعمل مزارعًا ولا يملك من حطام الدنيا شيئًا سوى تعليم ابنه الذي كان نابغًا في دراسته. بدأ شتا في تحضير رسالة الماجستير عن “إصلاح المحكمة الدستورية في مصر”، وبات يحلم بالمستقبل الباهر الذي ينتظره عقب الالتحاق بالسلك الدبلوماسي. وبالفعل، تقدم الشاب إلى اختبارات جهاز التمثيل التجاري للحصول على وظيفة ملحق تجاري، واجتاز جميع الاختبارات الشفوية والتحريرية بنجاح. وكان ترتيبه المبدئي في تلك الاختبارات الأول على 43 شابًا وصلوا إلى التصفيات النهائية. وذهب لمقر وزارة الخارجية ليعرف نتيجته، لكنه لم يحصل على الوظيفة، حيث كتب أمام اسمه غير لائق اجتماعيًا
.
كان عدد الناجحين للوظيفة 42 من أصل 43. وعبد الحميد شتا هو الوحيد الذي أخفق، لأن والده فلاح. وعندما تأكد “شتا” من استبعاده، وقرأ أسماء زملائه الـ 42 فيما عدا اسمه، أظلمت الدنيا في وجهه، ولم يستطع تحمل الصدمة. وأجرى مكالمة أخيرة مع زوجة أخيه، أوصى خلالها الأسرة على شقيقه الأصغر الذي يدرس الطب. ثم أغلق هاتفه المحمول، واتجه مباشرة إلى كوبري أكتوبر العابر لنهر النيل، وألقى بنفسه وسط ذهول المارة، واختفت جثته تحت مياه النيل، كأنها تتوارى عن أعين الناس والحياة، إلى أن ظهرت في اليوم التالي عند القناطر الخيرية، على بعد حوالي عشرين كيلومتر شمال القاهرة.
بين مبارك والتيار الإسلامي
في نفس الوقت الذي كانت تتوحد فيه جميع أطياف الحركة الوطنية ضد نظام مبارك، كان التيار السلفي يسخر من المعارضة والمظاهرات ويغض نظره عن مساوئ النظام. في فيديو قديم له بتاريخ 26 فبراير 2003، تحدث الداعية السلفي محمد حسان مهاجمًا مظاهرات المعارضة ضد مبارك ووصفها بأنها مجرد نعير وخلاص
.
المظاهرات لم ولن تكون على الإطلاق منهجًا من مناهج التغيير. فاكرين القصة اللي بقولها دايمًا، قولتها في خطبة العيد، بتاعت جحا؟ فاكرينها؟ فاكرينها؟ ولا متعرفوش جحا؟ راجل صانع ساقية على النهر، وعمالة شغالة ٢٤ ساعة، تاخد المياه من النهر وترجعها للنهر، فالناس قالوا له: يا جحا أنت بتعمل إيه يا راجل؟ مش تخليك عاقل؟ بتعمل إيه يا عم؟ الساقية على النهر، تاخد المياه من النهر، وترد نفس المياه لنفس النهر، وشغالة كده؟ إيه اللي حصل؟ قال يكفيني نعيرها… أهي الأمة عمالة تنعر وخلاص، مش كده الواقع؟ ومانشيتات وبتاع، يعني حاجة يعني بكل أسف متغيرش حاجة، ممكن الناس تفضل ماشية في المظاهرة خمس ساعات أقسم بالله ومتصليش الظهر.(الشيخ محمد حسّان، فبراير 2003)
ثم تغيرت نبرة صوته وتحولت إلى العنف والعصبية، وقال صائحًا: طيب بالله عليك الراجل عايز ربنا يغير وهو ما أداش فرض، ما أداش فرض
.
في نفس العام وبعدها بشهور قليلة، وفي أثناء الحرب الأمريكية على العراق، كانت السفن الحربية الأمريكية تمر من قناة السويس لضرب العراق. فقام المحامي المعارض زياد العليمي ومعه عدد من المحامين الشباب برفع قضية على الحكومة لإجبارها على منع استخدام القناة في أغراض حربية، وإجبار هيئة قناة السويس على منع السفن الحربية الأمريكية من المرور. وشاركوا في مظاهرات منددة بالغزو يومي 20 و21 مارس 2003، فكانت النتيجة أن تم اعتقالهم بواسطة الأمن المصري وتعذيبهم في سجون حبيب العادلي. وأصيب زياد العليمي بكسر مضاعف جراء التعذيب، وأصيب آخر بنزيف في قاع العين. في نفس الوقت، كان صفوت الشريف وعصام العريان يقومان بتنظيم يوم من أيام المحبة مع مبارك، حيث عقد الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين وبشكل علني مؤتمرهم المشترك في ستاد القاهرة، لدعم الدور المصري فيما يتعلق بحفظ الأمن في المنطقة. وتفاخر الإخوان أمام الحزب الوطني بأن الجمهور كان في معظمه إخوانيًا، وخطبت قيادات الوطني والإخوان بينما كانت جماهير الفريقين تهلل وتكبر.
الاختفاء القسري للمعارضين
يعتبر شارع القصر العيني واحدًا من أكثر شوارع العاصمة المصرية القاهرة ازدحامًا، وهو ما يعني أن رحلة المرور عبره قد تستغرق في بعض الأحيان بضع ساعات. لكن رحلة عودة الصحفي والكاتب المصري رضا هلال إلى منزله في شارع القصر العيني لم تكتمل منذ سنوات. فبعد أن غادر رضا هلال، الكاتب المعارض ونائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام، مكتبه في مبنى الصحيفة يوم الاثنين 11 أغسطس 2003 متوجهًا إلى منزله، لم يصل إليه أبدًا، واختفى في ظروف غامضة دون أن يترك خلفه أي أثر.
أثار اختفاء رضا هلال الكثير من التكهنات. فالبعض أشار إلى أن هلال قد ذهب ضحية لبطش النظام، فهناك من يربط بين اختفاء هلال وبين معارضته لإرهاصات مشروع توريث الحكم، خصوصًا أن هلال قد اختفى بنفس الأسلوب الذي اختفى به المعارض الليبي منصور رشيد الكيخيا
في القاهرة عام 1993 دون أن يترك خلفه أي أثر، وعُثر على جثته لاحقًا في ثلاجة بفيلا تابعة لنظام القذافي في طرابلس في أكتوبر 2011 بعد سقوط نظام القذافي، بينما يشير البعض الآخر بأصابع الاتهام إلى التيار الإسلامي المسلح.
ويُحتمل فعلًا أن يكون رضا هلال قد أمسى مجرد رقم في قائمة ضحايا التيار الإسلامي، مثله مثل فرج فودة. وهو الزعم الذي أذكاه رسالة التهديد التي تلقاها المفكر العلماني د. سيد القمني من جماعة الجهاد، التي توعدت فيها الجماعة القمني بنفس مصير رضا هلال. وحتى بعد ثورة 25 يناير، لا يزال اختفاؤه يثير الجدل والنقاش، حيث أعلن شقيقه مؤخرًا أنه تلقى معلومات تفيد بأن رضا لا يزال على قيد الحياة في أحد السجون المصرية. لكن ما حدث في العام التالي للصحفي عبد الحليم قنديل أكد أن اختفاء رضا هلال لابد أن يكون لنظام مبارك يدٌ فيه.
الحياة السياسية
كان النظام مستمرًا في ممارساته المستفزة التي تهيئ المناخ للوريث. حيث كلف مبارك وزير الاتصالات في الحكومة السابقة، د. أحمد نظيف، بتشكيل الوزارة الجديدة في 9 يوليو 2004، ولتي سُميت وقتها بـ”وزارة رجال الأعمال”، لأن معظم أعضاء الوزارة الجدد كانوا من رجال الأعمال من النخبة الجديدة، أصدقاء الوريث وأتباعه، أو كما أُطلق عليهم “الحرس الجديد”، ليكتمل الإعلان الرسمي عن زواج السلطة بالمال في مصر. أما ذوو الحظوة منهم فقد اختيروا ليكونوا وزراء في الحكومة الذكية، بالتالي تنتج تشريعات تدافع عن مصالح رجال الأعمال لا عن مصالح الشعب.
ويمثل جمال مبارك داخل البرلمان شخص أحمد عز ليدير العمل البرلماني، ويستحوذ على نفس الدور الذي كان يقوم به كمال الشاذلي في الماضي. فمن المشاهد المعتادة المتكررة داخل جلسات مجلس الشعب أن يكتب أحمد عز أوامره في موضوع ما على ورقة صغيرة تمر على جميع الأعضاء، وتلك الورقة كفيلة وقادرة على تغيير مسار الجلسات والمناقشات والقرارات داخل البرلمان ليلتزم بها الجميع، بدءًا من فتحي سرور رئيس البرلمان وأحمد نظيف رئيس الوزراء، قبل أن يلتزم بها نواب الحزب الوطني أنفسهم. فأصبحت تلك المجموعة الملقبة بالحرس الجديد داخل الحزب الوطني تتحكم في المشهد السياسي والبرلماني والاقتصادي. وكان يخرج علينا نظيف كل عام ليتحدث عن نسبة نمو تصل إلى 9%، بينما كان المصريون يزدادون فقرًا وبؤسًا. وهذا التناقض مؤداه أن تلك النسبة من النمو كانت تذهب إلى جيوب القلة المحتكرة دون عدالة توزيع.
بعد التغيير الوزاري المصري وتولي نظيف الوزارة، انطلق د. عبد الحليم قنديل، الطبيب والكاتب المعارض، في كتابة سلسلة من المقالات النارية على جريدة العربي الناصري
تهاجم مبارك ووريثه. وجاء الرد سريعًا جدًا؛ ففي فجر الثلاثاء 2 نوفمبر 2004، اختطف أربعة ملثمون عبد الحليم قنديل من أمام منزله. عصب الخاطفون الأربعة عينيه، وكمموا فمه، وزجوا به داخل سيارة وقيدوه. ثم انطلقوا به إلى صحراء المقطم، حيث انهالوا عليه بالضرب، متعمدين إصابته في عينيه اللتين يعاني من مشاكل قديمة بهما، وهم يكررون له عبارة واحدة: “هذا لكي لا تتطاول على الكبار”.
وحين أنهوا مهمة الحوار الفكري على طريقة الحكومة، حطموا نظارته، وعروه تمامًا، وأخذوا ملابسه وتركوه بمفرده هناك. ووجد عبد الحليم قنديل نفسه وحده في الصحراء عاريًا بدون نظارة، فسار على غير هدى إلى أن عثر على معسكر من معسكرات الجيش، فألبسوه أفرولًا، وأوصلوه إلى العمار، إلى أن عاد إلى بيته في الحادية عشرة صباحًا. كان قنديل أكثر حظًا كونه استطاع العودة حيًا، بينما رضا هلال لا يزال مفقودًا حتى يومنا هذا.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤