المقال رقم 38 من 38 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

بعد توقيع مع إسرائيل سنة ١٩٧٩، وبدء حملة قوية من الحركة الإسلامية ضدها، احتدم الصدام. وبالرغم من أن الموقف الرسمي للجماعة كان تأييد اتفاقية ، حيث صرح عمر بأنه يؤيد مبدأ التفاوض مع إسرائيل، رغم تصريحاته السابقة المتناقضة برفضه وجود إسرائيل.

كما رفض التلمساني تأييد الائتلاف الوطني المعارض لسياسات كامب ديڤيد، منتقدًا مقاطعة القادة العرب لمصر وللسادات عقب توقيعه الاتفاقية مع إسرائيل. قائلًا: على القادة العرب تقديم بديل للسادات عن اختياره للسلمية. كانت تلك كلمات التلمساني المعلنة، بينما كان ما يحدث على أرض الواقع مغايرًا تمامًا، معتمدين على التلون والمراوغة في تصريحاتهم ومواقفهم.

وبدأت سياسة التضييق الأمني تسفر عن نفسها، فكان ذلك دليلًا على تغير الأجواء بين السادات والحركة الإسلامية. بدأت بالتضييق على معسكرات ، إلى جانب عراقيل إدارية تضعها إدارة رعاية الشباب، وتضييق من مشرفي المدن الجامعية يتمثل في التشديد المبالغ فيه في الإجراءات، ووقف كل التيسيرات التي كانت تُمنح لهم سابقًا.

وفي عام ١٩٧٩، أصبحت المواجهة سافرة، وبدأ الصدام باعتقال عشرة طلاب من الجماعة الإسلامية في اتحاد طلاب جامعة المنيا، منهم الإخوان وأبو العلا ماضي، وكان الأخير رئيسًا لاتحاد طلاب الجامعة ونائبًا لرئيس اتحاد طلاب الجمهورية. وصدرت ضد هؤلاء العشرة قرارات بالفصل والحرمان من الدراسة، وكانت هذه أول مواجهة مباشرة من النظام مع الجماعة الإسلامية في الجامعة.

وجاء الرد على صفحات ، وفي المؤتمرات، وداخل الجامعة. جرى الهجوم على السادات واتهامه بالعمالة والخيانة بعد قوله إن ٩٩% من أوراق اللعبة في يد أمريكا. وبلغ عنف الهجوم على السادات أقصاه من الشيخ أحمد في الإسكندرية، الذي انتقل إلى الهجوم على زوجته واتهامها باتهامات قاسية.

ثم كانت واقعة الصدام الشهيرة بين السادات وعمر التلمساني أهم مؤشرات على أن العلاقة بين السادات والحركة الإسلامية سارت في طريق مسدود، وأن الصدام قادم ولا يتبقى عليه إلا القليل. فقد تعمد السادات في لقائه الشهير يوم ٢١ أغسطس ١٩٧٩ الحديث إلى عمر التلمساني بأسلوب مهين على غير عادته، وزاد من الإهانة بث التلفزيون للقاء، كعادته في نقل اللقاءات الفكرية التي كان ينظمها السادات.

أحداث سبتمبر وبداية النهاية

تسارعت الأحداث في مصر، وبدا أن التوتر سيمتد وأن الصدام بين السادات والمعارضة وتيار سيمضي إلى القطيعة. وبالفعل، في يوم ٣ سبتمبر ١٩٨١، أصدر السادات أوامره باعتقال وقمع كل المعارضين لاتفاقية كامب ديڤيد من السياسيين، وتم اعتقال ما يزيد عن ١٥٣٦ من رموز المعارضة السياسية في مصر، إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة. وعقب حملة الاعتقالات، وقف السادات في مجلس الشعب وألقى بيانًا إلى الأمة يوم ٥ سبتمبر:

هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية. وقد حاولت الحكومة نصح تلك الفئة أكثر من مرة. وشهدت الآونة الأخيرة أحداثًا هددت وحدة الوطن، واستغلتها تلك الفئة، وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين، وحاولت تصعيد الأحداث. الأمر الذي استلزم إعمال المادة ٧٤ من الدستور المصري، التي تنص على أن لرئيس الجمهورية، إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويُوجه بيانًا إلى الشعب، ويجري استفتاءً على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يومًا من اتخاذها.

(محمد أنور السادات، بيان ٥ سبتمبر)

جاء في القرار حظر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، بعد فوات الأوان، والتحفظ على بعض الأشخاص المشاركين في تهديد سلامة الوطن باستغلال الأحداث الجارية، والتحفظ على أموال بعض الهيئات والمنظمات والجمعيات التي فعلت الشيء نفسه، وحل جمعيات مشهرة إذا هددت سلامة الوطن، وإلغاء التراخيص الممنوحة لبعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ على أموالها ومقارها. ونقل بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد العليا الذين قامت دلائل جدية على أنهم مارسوا نشاطًا له تأثير ضار في تكوين الرأي العام، أو تربية الشباب، أو هدد الوحدة الوطنية، أو السلام الاجتماعي، أو سلامة الوطن، ونقلهم إلى الوظائف التي يحددها الوزير. وكذا نقل بعض الصحفيين وغيرهم من العاملين في المؤسسات الصحفية القومية وبعض العاملين في اتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للثقافة الذين قامت دلائل جدية على أنهم مارسوا العمل نفسه. ولم يدرِ السادات أنه بذلك كان قد كتب شهادة وفاته بيده.

سارت أخبار غير مؤكدة صحتها أن السادات، بعدما شعر باقتراب نهايته، كان قد اتخذ قرارًا بعزل من منصب نائبه، وتعيين منصور حسن، وزير شئون الرئاسة والإعلام والثقافة، بديلًا لمبارك، تمهيدًا لخلافته في الرئاسة ليصبح أول رئيس مدني لمصر. إلا أن القدر لم يمهله، فبعد شهر من هذا الخطاب، وتحديدًا في ٦ أكتوبر ١٩٨١، قامت الجماعة الإسلامية بتنفيذ عملية اغتيال السادات في أثناء العرض العسكري فيما عرف بحادث المنصة، كمقدمة لثورة إسلامية تبدأ باستيلائهم على الحكم عقب الفوضى التي ستحدث بعد قتل السادات، ومن ثم إعلان الدولة الإسلامية. واعتقد الإسلاميون أن الشعب سيساند انقلابهم على السادات، لكن تم فرض قانون الطوارئ في البلاد. وفي ٨ أكتوبر ١٩٨١، بدأت الجماعة الإسلامية بأسيوط، بقيادة كرم زهدي أمير وجه قبلي للجماعة الإسلامية، انقلابها بمجزرة في مديرية الأمن بأسيوط.

كانت الخطة تقضي بالسيطرة على مراكز الشرطة في أسيوط، والزحف على الوجه البحري، وتثوير الجماهير وصولًا إلى القاهرة، التي سيكون مسيطرًا فيها على الإذاعة والتليفزيون والمناطق العسكرية الحساسة. حدثت مجزرة أسيوط التي أودت بحياة ١١٨ جنديًا وضابطًا، حتى تدخلت قوات الجيش لوقف المجزرة الدموية. وألقي القبض على رؤوس الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد الإسلامي، وعلى رأسهم وأيمن الظواهري، الأفاعي الذين رباهم السادات وأطعمهم بيديه فألتهموه والتهموا الوطن بأكمله. وباتت مصر في فوضى عارمة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 التنظيم الدولي
بيشوي القمص

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎