
- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- تنظيم ٦٥
- إعلام المؤامرة
- السادات رئيسا
- عودة الروح
- دولة العلم والإيمان
- من الجماعة إلى الجماعة
- دماء جديدة في جسم منهك
- ☑ التنظيم الدولي
بعد خروج الإخوان من السجون على يد السادات، وبعد العمل لعقد كامل من الزمن في بناء تنظيم هرمي محلي خارج سيطرة الدولة، كان لابد من تنظيم آخر دولي خارج حدود الدولة هذه المرة. فإن تعرضت الجماعة لهزة عنيفة مرتقبة، كما حدث في الماضي، فإن التنظيم الدولي سيظل قائماً لا يتأثر، باعتبار أن هذا التنظيم المحكم هو الضمانة الحقيقية والوحيدة لاستمرار الجماعة.
بدأ التنظيم العالمي يتشكل في نهاية السبعينيات، وقاد عملية التأسيس عدد من الرعيل الأول من قادة الجماعة في مصر، تسيطر عليهم فكرة استعادة الخلافة الإسلامية، أمثال مصطفى مشهور، وكمال السنانيري، وأحمد حسنين، ونفيس حمدي، الذين خرجوا جميعًا من السجون الناصرية مع تولي السادات الحكم.
وفي الأول من سبتمبر، وقبل أيام من قرارات 5 سبتمبر الشهيرة التي اعتقل بموجبها السادات مئات المعارضين من مختلف القوى السياسية، كان مصطفى مشهور يستقل أول طائرة متجهة إلى الكويت لينجو بنفسه من حملات الاعتقال التي طالت الكثيرين. وظل يتنقل ما يقرب من عام كامل بين الكويت وألمانيا حتى أعلن في 29 يوليو 1982 تأسيس التنظيم الدولي للإخوان، وأعلن عن لائحته الرسمية التي عُرفت بالنظام العام للإخوان المسلمين.
تأسيس القاعدة
في نهاية عام 1979، اجتاحت الجيوش السوفييتية أراضي أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية في كابول. فنظم الإخوان عددًا من الفعاليات الشعبية، منها مؤتمرات في الأزهر الشريف، دعوا فيها الشباب للتطوع من أجل الجهاد. وشارك في هذه الحملة عدد من العلماء والشيوخ، في مقدمتهم عمر التلمساني ومحمد الغزالي وأحمد المحلاوي وحافظ سلامة.
وكان للإخوان دور عظيم في تشكيل ظاهرة الأفغان العرب
، التي كانت النواة الأساسية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة بعد عام 1982. حيث جرى اتفاق بين الهارب آنذاك مهدي عاكف والأمريكان، على أن يقوم الإخوان بمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ أهدافها في أفغانستان، والمتمثلة في إخراج السوفييت، في مقابل تسهيل أمريكا لإنشاء مراكز للجماعة في أوروبا، لكن ليس تحت مسمى الإخوان.
وبالرغم من إدانة الإخوان للعمليات التي قام بها العائدون من أفغانستان، إلا أنه من المعروف أن تلك الإدانة لم تكن إلا تغطية لدورهم المشبوه في تأسيس تلك الظاهرة. فيقول عبد الله عزام، عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، والأب الروحي والمؤسس الفعلي لتنظيم القاعدة، في مذكراته، إن كمال السنانيري، أحد قادة النظام الخاص التابع للإخوان، قد اجتمع به ليخبره بتعليمات الجماعة التي تقتضي الذهاب إلى أفغانستان وتكوين وحدات انتشار سريعة مسلحة. ويضيف أنه بناءً على ذلك، ذهب إلى أفغانستان، وأسس مكتب خدمات المجاهدين، الذي كان النواة الأساسية لتنظيم القاعدة فيما بعد. وهناك شهادة أخرى لفقيه تنظيم القاعدة المعروف بأبي المصعب السوري، يؤكد فيها أنه قد قدم إلى مصر بصحبة مجموعة من إخوان سوريا، حيث قام إخوان مصر بتدريبهم على حرب العصابات بإحدى المناطق بجبل المقطم، وذلك قبل اغتيال السادات بثلاثة أشهر.
لم يبدأ الجهاد في أفغانستان إلا في البيت الأبيض، وبالتحديد في ذلك الاجتماع الذي انعقد الساعة السادسة والنصف صباح يوم السابع والعشرين من ديسمبر عام 1979، والذي أسفر عن توقيع الرئيس كارتر لتوجيه رئاسي يقضي بأن يتوجه مستشاره للأمن القومي “زبجنيو بريجينسكي” إلى الشرق الأوسط: القاهرة، ثم الرياض، ثم إسلام آباد. هذه هي العواصم الثلاث التي استقر عليها الخيار والقرار لتخوض الحرب في أفغانستان بالنيابة عن واشنطن. وهكذا سافر بريجينسكي إلى القاهرة في الثالث من يناير عام 1980 ليبدأ أولى خطوات مشروعه للجهاد الإسلامي في أفغانستان. وفي القاهرة، التقى بريجينسكي بالرئيس السادات لمدة ثلاث ساعات ونصف، وكانت مهمة بريجينسكي في القاهرة محددة وشديدة الوضوح: أن يكسب السادات في صف عملية أفغانستان، وأن يجعله أحد أفراد الفريق.
كانت القاهرة خطوة أساسية وضرورية للفريق الأمريكي لأكثر من سبب. فالقاهرة كانت تتمتع بوضع شديد الخصوصية لدى قادة المجاهدين الأفغان، باعتبار معظمهم قد درسوا فيها، وهي أحد المصادر المهمة للسلاح السوفييتي الذي كان من الواجب توفيره للمجاهدين الأفغان. ثم إن اقتناع القاهرة بالمشروع الأمريكي ومشاركتها سيؤدي إلى زيادة عدد المتطوعين المصريين للقتال في أفغانستان، فضلًا عن أن انضمامها للمشروع الأمريكي سيساعد بريجينسكي في مهمته وخطوته التالية لإقناع السعودية بالمشاركة في تمويل هذا الجهاد.
ولم يجد بريجينسكي صعوبة تذكر في إقناع السادات بانضمامه للفريق، ولم تمض أسابيع قليلة على زيارة بريجينسكي للقاهرة إلا وكان السادات قد التزم بوعده بشحن السلاح السوفييتي من مصر إلى باكستان. وبدأت طائرات الشحن الأمريكية تنقل هذا السلاح من قاعدتي قنا وأسوان إلى إسلام آباد، حيث يُجري تسليمه فيما بعد للمجاهدين الأفغان. ولم يدخر السادات وقتًا أو جهدًا، وشرع على الفور في العمل على خلق المناخ الملائم لفكرة الجهاد في أفغانستان. وعقب أربع وعشرين ساعة فقط من زيارة بريجينسكي، كان السادات يتحدث للصحفيين عقب صلاة الجمعة، ويقول إن العالم الإسلامي يجب ألا يكتفي بإدانة الغزو السوفييتي بالبيانات وحسب، بل يجب أن تكون هناك إجراءات فعلية، وعلى الدول الإسلامية والزعماء المسلمين الذين لزموا الصمت أن يقولوا كلمتهم الآن.
ودعا السادات علنًا في مصر إلى ضرورة مساعدة المجاهدين الأفغان، ولم ينس التأكيد على أن جميع المصريين قد صلوا صلاة الغائب على أرواح أشقائهم الأفغان الذين سحقتهم الدبابات السوفيتية. وبعد يومين فقط، كانت مصر تدعو لعقد مؤتمر قمة إسلامي لبحث الغزو السوفييتي لأفغانستان. كما اتخذ المكتب السياسي للحزب الوطني عدة قرارات لمواجهة الغزو السوفييتي، تمثلت في قطع جميع العلاقات مع عدن ودمشق لتأييدهما الغزو، وخفض التمثيل الدبلوماسي مع موسكو، ودراسة اقتراح لإقامة جامعة للشعوب العربية والإسلامية، وتقديم تسهيلات التدريب العسكري للأفغان.
ثم كان أسبوع التضامن مع الشعب الأفغاني، والذي افتتحه كمال الدين حسن علي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وألقى في الافتتاح كلمة للرئيس السادات. وعقب افتتاح أسبوع التضامن، انعقدت جلسة خاصة للجمعية التأسيسية لجامعة الشعوب العربية والإسلامية لبحث مشروعات قرارات خاصة بنضال الشعب الأفغاني، تتضمن اقتراحًا بخصم 2% من رواتب ومعاشات جميع موظفي الدولة، وفرض ضريبة جهاد لصالح أفغانستان، ودعوة الجمعيات الخيرية إلى جمع تبرعات لصالح الشعب الأفغاني، وفتح المساجد لتلقي تبرعات المواطنين، وتخصيص صندوق في مكتب أفغانستان بالأمانة العامة لجامعة الشعوب لجمع التبرعات الشعبية غير الحكومية، والذي وضع فيه السادات مليون جنيه كنواة ليمارس المكتب أعماله.
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك استنكار وأكثر من بيان صادر عن الأزهر ومجلس الشعب والصحافة والإعلام، وأصبحت أفغانستان وقضيتها وجهادها ملء السمع والبصر في طول مصر وعرضها. ولم ينته عام 1980 إلا وكان قادة الجهاد الأفغاني أحمد جيلاني وصبغة الله مجددي وكثيرون غيرهما في القاهرة ليشاركوا في المؤتمر الموسع الذي عقدته جامعة الشعوب وبدأ في العشرين من ديسمبر عام 1980. وبعد أربع أيام، كان ثلاثة من قادة الجهاد الأفغاني يوجهون رسالة للشعب الأفغاني عبر راديو القاهرة. وفتحت لهم وسائل الإعلام والتلفزة فأثروا في الشباب الذي أراد أن يلبّي الدعوة.
والتقى السادات شخصيًا بقادة الجهاد الأفغاني، واستقبلهم في منزله، وأدى معهم صلاة الجمعة بمسجد قرية ميت أبو الكوم، وأكد لهم أن مصر ستقف بجانب الكفاح الأفغاني بكل ما في الإسلام من قوة، حيث مساعدة أفغانستان باتت واجبًا على كل مسلم. وفتح لهم حسابات في البنك. وتطور الأمر وتبدل الحديث من دعم معنوي وجمع تبرعات لصالح أفغانستان إلى دعم عسكري، فزار قادة الجهاد الأفغاني مصانع الهيئة العربية للتصنيع، التي أهدتهم مجموعة من الصواريخ والقنابل المضادة للدبابات، في نفس الوقت الذي قدمت فيه المملكة العربية السعودية تسهيلات لتسفير الشباب المجاهد وقطع تذاكر السفر لهم، ومنح المجاهدين الأموال اللازمة لهم.
إلى جانب ذلك، التقى السادات مع عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين، وأسفر هذا الاجتماع عن اتفاق يقضي بسفر الإخوان إلى أفغانستان للمشاركة في دعم الجهاد الأفغاني، وأن تقتصر مشاركتهم على الأمور الإغاثية والإنسانية فقط، وألا يشارك الإخوان المسلمون هناك في أعمال القتال أو حتى التدريب على المهام القتالية. وكان اتفاقًا مثمرًا للطرفين، فالسادات من ناحيته أراد استغلال الثقة التي يحظى بها الإخوان بين أوساط الطبقات الشعبية لتجييش مشاعر الناس، والإخوان من ناحيتهم وجدوا في الأمر فرصة لتوسيع نشاطهم وصقل شباب الجماعة وكوادرها.
ولم يكن السادات ليقبل أو يرحب بفكرة تطوع هؤلاء والتعاون معهم وتدريبهم وهم الذين ناصبوه العداء، وهو ما جعله سابقًا يرفض قيام الإخوان المسلمين بأي نشاط عسكري في أفغانستان، ولكنه عاد ووافق بعد أن قدمت له وكالة المخابرات المركزية برنامجًا خاصًا لحمايته وضمان أمنه الشخصي، كمقابل لخدماته ومشاركته في المشروع الأمريكي للجهاد في أفغانستان.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤