المقال رقم 36 من 36 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

في عام 1974، قرر الإفراج عن باقي الإخوان المسجونين من قضايا تنظيم 1965، أو حتى من بقايا حادثة المنشية 1954، بعفو صحي. وحدث أول اتصال مباشر بين شباب والإخوان، بعد خروجهم من السجون، مع كمال السنانيري، القيادي الإخواني، وبين من الجماعة الإسلامية. فقد أرسل السنانيري ذات يوم إلى أبو الفتوح يبلغه بطلبه للقاء، وحدد محل أحذية في شارع قصر العيني، مالكه من الإخوان، مكانًا للقاء حرصًا على السرية، وتم اللقاء الأول بالفعل.

ثم كان اللقاء الثاني ببيت السنانيري، ثم تبعه لقاء آخر بالحاج عباس ، القيادي البارز بالإسكندرية. ثم لقاء آخر مع عمر ، ثم توالت لقاءات أبو الفتوح مع قيادات الإخوان التاريخية، وظلت تلك اللقاءات مستمرة حتى أصبح أبو الفتوح، عمليًا، جزءًا من حركة الجماعة في نهاية عام 1974 ومطلع عام 1975، حتى أقنعوه أخيرًا بالانضمام إلى الجماعة وإعطائهم البيعة.

استمر التواصل واللقاء بين قادة الجماعة الإسلامية وقادة الإخوان، واتفقوا على أن يكون كمال السنانيري حلقة الوصل بينهم وشباب الجماعة الإسلامية. وتم الاتفاق على إبقاء هذا الاتصال والتعاون، ثم الانضمام سرًا، وعدم إعلانه. وكان الاتصال مقصورًا على قيادات الإخوان وقيادات الجماعة الإسلامية فقط. ففي القاهرة كان الاتصال مع عبد المنعم أبو الفتوح و، وفي الإسكندرية مع إبراهيم الزعفراني، وفي الوجه القبلي مع محيي الدين عيسى.

والسبب في هذه السرية هو أن قادة الإخوان، وخاصة عمر التلمساني، كانوا يخشون من تغيير مناخ الحرية الذي أعطاه السادات لشباب الجماعة الإسلامية، إذا علم بأن هذا الكيان الضخم الهائل من شباب الجماعة قد أصبح تحت قيادة الإخوان، وهو ما قد يعجل بالبطش بالجميع.

إنّ بداية الانخراط الفعلي لكوادر الجماعة الإسلامية والمجاميع داخل الأطر التنظيمية للإخوان كان في نهاية عام ١٩٧٩، لكن الرؤوس والقيادات قد انضمت بالفعل منذ نهاية عام ١٩٧٤. لكن الأمر ظل سريًا خشية الصدام مع النظام الذي فتح الطريق بالفعل أمام قادة الإخوان للعمل، لكنه ليس على استعداد لاكتشاف أن الجماعة الإسلامية المنتشرة في جامعات أنحاء مصر، التي كان السادات قد أعطاها حرية الحركة بصورة متوارية أيضًا، بدون أي اتفاقيات، قد أصبحت أعضاء في جماعة الإخوان.

(عبد المنعم أبو الفتوح، شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر)

تدريجيًا، بدأت العلاقة تترسخ بين الجماعة والإخوان، وتخرج من السر إلى العلن. وبدءًا من عام 1980، بدأت ثقافة الإخوان تسود بين صفوف الشباب، وبدأت التيارات الأخرى تضعف. ومنذ لحظة التفاوض الأولى التي جرت لاستقطاب هؤلاء الطلاب، وعلى رأسهم و وعبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم، جرى التفاوض على طبيعة السلفية الإخوانية. فشباب الجماعة يتهمون الإخوان بالتفريط والتساهل الديني، وإهمال أمور العقيدة، لاسيما في مسائل الهدى الظاهر كإطلاق اللحية والموقف من الفنون والآداب.

وقد دفع ذلك كبار الإخوان إلى مجاراة الشباب المندفع نحو السلفية، وتسليمهم، واضطرت قيادات الإخوان إلى إطلاق اللحية والالتزام بكل السنن الظاهرة، حين علموا أن أمر اللحية والالتزام بالهدى الظاهر سيريح شباب الجماعة الإسلامية، وعلى رأسهم ، مرشد الجماعة لاحقًا، وعباس السيسي وغيرهم. وهكذا سلم شباب الجماعة الإسلامية تنظيمهم الوليد للإخوان الذين صاروا قيادة عليه.

لقد كان الإخوان بيتًا ملأ شباب الجماعة الإسلامية فراغه، وضخوا فيه دماءهم، ونصبوا قادة الإخوان عليه مجددًا. لقد ارتضينا أن نبايع الإخوان وأن نكون تابعين لقادتهم، وارتضينا أن يكونوا قادتنا فوق رؤوسنا.

(عبد المنعم أبو الفتوح، شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر)

ومن وقتها أصبح تنظيم الجماعة الإسلامية في كل محافظات مصر هو تنظيم . وبنهاية السبعينيات، صارت الجماعة التنظيم الديني الأقوى في مصر، بعد أن نجحت في ضم معظم التيارات الوليدة الفتية، وأهمها تنظيم الجماعة الإسلامية، ذلك التنظيم الطلابي الذي استطاع بسهولة وسرعة السيطرة على معظم جامعات مصر في وقتٍ بالغٍ بقيادة أبي الفتوح. فأصبح أبو الفتوح وزملاؤه عصام العريان وحلمي الجزار وغيرهم قادة في التنظيم الحالي.

وبدءًا من تلك الفترة، سيجسد هؤلاء القادة، من جماعة الإخوان المسلمين، أصل الحركة الطلابية التي قادت قطاع العمل العام في جماعة الإخوان بدايةً من نهاية السبعينيات. وقد زاد من أهميتهم في الجسم الإخواني، وسهّل انضمامهم إليه، أنهم كانوا قد انفتحوا مبكرًا على انتخابات الاتحادات الطلابية، وسيطروا عليها في الجامعات، وتفاعلوا مع الحساسيات الثقافية الموجودة في الحركة الطلابية آنذاك.

كان السادات غافلًا عن صفقة التحام الجماعة الإسلامية الشابة بجماعة الإخوان العجوز، التي تحاول استعادة شبابها مرة أخرى. كان خطأ السادات الكبير أنه ترك نجوم الإخوان يحكمون السيطرة على عقول الشباب، فتسللوا إلى الجامعات، واحتلوا وسائل الإعلام، واخترقوا الداخلية. حتى جمعت صداقة بين عمر التلمساني ووزير الداخلية ، الذي كان يتمادى في الهجوم على الدولة، بينما يتظاهر برفض العنف.

وفي عام 1976، نزل عدد من الدعاة والأساتذة انتخابات مجلس الشعب. وكان منهم في القاهرة الشيخ ، وفي الإسكندرية الأستاذ عادل عيد. وذلك تحت مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية. وكانت الدعاية كلها تركز على أن تطبيق الشريعة هو بداية كل إصلاح، وأنه سيعيد وجه مصر المسلمة. ورفعت الجماعة الإسلامية وقتها لافتات تقول: “إلى الله يا مصر  – معًا من أجل الشريعةمعًا ضد الإلحاد والإباحيةلا شرقية ولا غربية، إسلامية قرآنية. كما رفع المرشحون آيات قرآنية مثل إن الحكم إلا لله ووأن احكم بينهم بما أنزل الله، وسط سماحٍ وترحيبٍ وتأييدٍ من السادات ونظامه.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 من الجماعة إلى الجماعة
بيشوي القمص

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎