المقال رقم 5 من 5 في سلسلة قراءات سكندرية لكتابات خلقيدونية

قبل أن ندلف إلى تفنيد الادعاء بالأصل الكيرلسي لصيغة خلقيدونية، وهو القسم الثاني من قراءتنا للمقال [1]، نستعرض الفقرة الأخيرة في هذا الجزء، نعلق عليها ونرى كيف ستكون مدخلًا ممتازًا للقسم الثاني:

لهذا السبب يظهر الفارق الكبير بخصوص القضية التي نتناقشها أي قضية صيغة الذيوفيزيتية، نقول يوجد فارق جذري وهوة عميقة بين و. بالنسبة لنسطور “المسيح الواحد والابن الواحد” الذي يتحدث عنه ليس هو ابن الله وكلمته كما يراه باسيليوس، ولكنه الشخص الاعتباري – الأخلاقي والذي نتج من اتحاد الطبيعتين. ومن ناحية أخرى فان التعبيرات “المسيح” و”الابن” عند نسطور لا يدلّون بشكل قاطع على ابن وكلمة الله، ولكن يدل أيضا على طبيعيته والتي هي رسائل الطبيعتين.

العكس عند باسيليوس، “المسيح الواحد” يعرف من خلال الطبيعتين، أي يعترف به ويتم التعرف عليه “في طبيعتين” كما يظهر من اعتراف إيمانه وكما قال في خلقيدونية فإنّ المسيح الأحد “هو ابن الله الوحيد وكلمته” بشكل قاطع، الأمر الذي لا يمكن أن يقبله نسطور انطلاقًا من تعاليمه وقناعاته.

(ال، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين”)

لدي اندهاش قديم -متجدد- كلما قرأت -أو سمعت- للاهوتيين الخلقيدونيين، هل عجزت عقولهم عن استيعاب أصل الخلاف!! أم أن حفظ ماء الوجه هو أكثر أهمية من الحق والحقيقة!!

أفهم أنهم لقرون طويلة قد رضعوا لبن أكاذيب المؤامرة التي تمت في خلقيدونية، وتنفسوا هواءها، ولكن ماذا عن “الآن” لقد اكتملت قطع البازل لتشكل لنا تكوينا بوضوح الشمس.

الكاتب، وبعد أن نسفنا في المقال السابق فكرة اختلافهم عن “نسطوريوس” الذي زعموا أنّه نادى بالانفصال بين الطبيعتين، الأمر الذي لم يحدث على الإطلاق، يطرح نقطة جديدة هنا هي الزعم باختلاف “مسيح خلقيدونية” عن “مسيح نسطوريوس”.

يقول كاتبنا أن مسيح نسطوريوس هو الشخص الاعتباري والذي نتج عن اتحاد الطبيعتين [الحامل للطبيعتين]، ويزعم أن هذا ليس مسيح ، وليس مسيح خلقيدونية، ولكنه لم يميز لنا أدنى اختلاف نستطيع معه أن نميز بين المفهومين، لأنه ببساطة شديدة وبمنطقية مطلقة، طالما ذكرنا “طبيعتين” فمن يمثلهما (=المسيح) هو بالضرورة الحامل لهما معا، قالها نسطوريوس أو الصيفقلي أم تجنبا ذكرها، فالأمر واقع والمنطق يقولها.

وحتي ندلل على واقعية الأمر ومنطقيته، سنورد نصوصًا ساقها بروفيسور خلقيدوني أخر هو د. جوهان كارميرس، أستاذ اللاهوت بجامعة أثينا، من محاضرة ألقاها في اللقاء التشاوري غير الرسمي بين الخلقيدونية ونظيرتها غير الخلقيدونية [2].

إنّ القديس كيرلس، وفقًا لقول ، يفهم بعبارة “متجسدة” طبيعة الجسد، وبعبارة “طبيعة واحدة” أقنوم الكلمة الواحد، أي ألوهيته، إذن هما طبيعتان.

ويضع كيرلس على نحو توكيدي “الطبيعة الواحدة” شخص الله الكلمة المتجسد في مقابل الطبيعتين التي تعني الشخصين عند نسطوريوس، ولكنه فهم الشخص الواحد أنّه حامل الطبيعتين كلتيهما.

(كتاب أيفرق أم يجمع، ص ٥٣)

وفي فقرة أخرى من المحاضرة: [3]

حارب كيرلس التجزئة النسطورية للابن إلى ابنين، فعبّر عن الإيمان الأرثوذكسي بالابن الواحد المتجسد، ولذلك اعترف بأن الكلمة الذي من الآب اتحد بالجسد أقنوميًا، وهكذا هناك [مسيح] واحد مع جسده الخاص، أي هناك إله وإنسان معًا، فهو [المسيح] حامل الطبيعتين كلتيهما.

(كتاب مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص ٥٩)

إنّه نفس الخطاب النسطوري المراوغ هو هو، لا يتحرك عنه قيد أنملة، يتحدث عن الكلمة الذي من الآب، ثم يقفز إلى “المسيح” الذي نعرف نسطوريًا أنّه الكيان الحامل للطبيعتين والقابع في مستوي وجودي آخر خارج الطبيعتين، وها هو الرجل الشارح لخطاب خلقيدونية يستخدم المنطق ذاته بكل وضوح، والأدهى، أنّه ينسبه لكيرلس!!!

فهل هذا هو مسيح ؟؟

فندت في مواقع عدّة سابقة أنّ هذا هو مسيح نسطوريوس والأنطاكيين، والذي لا يمت بصلة لمسيح كيرلس والسكندريين، ولكنني ههنا سأستعين  بلاهوتي أخر من نفس المعسكر الخلقيدوني هو Hans Van Loon [هانز فان لون] والذي كانت هذه المحاضرة تحديدًا محلًا لأحد تعليقاته في كتابه The Dyophises Christology of Cyril of Alexandria، حيث يقول: [4]

على الأقل في كتابات كيرلس ما قبل عام ٤۲٩، لا يوجد أدني إشارة لما أوردة “كارميرس” في هذه المحاضرة.

(The Dyophises Christology of Cyril of Alexandria, Page 198)

وحيث أننا هبطنا الآن في الساحة الرحبة التي لكيرلس، نستكمل في المقال القادم القسم الثاني من القراءة، والخاص بنفي زعم الكيرلسية عن صيغة خلقيدونية.

هوامش ومصادر:
  1. الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين” [🡁]
  2. راجع كتاب: مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص 53. [🡁]
  3. راجع كتاب: مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص 59. [🡁]
  4. The Dyophises Christology of Cyril of Alexandria, Page 198 [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: قراءات سكندرية لكتابات خلقيدونية[الجزء السابق] 🠼 الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٣]
رجائي شنودة
[ + مقالات ]