المقال رقم 1 من 7 في سلسلة المسيحية والعنف

تقدّم المسيحية نسخة pacifist [سنعرَّبها إلى “سلاميَّة” في هذا المقال] وليس لها أيّ نظرية للعنف.

في الوقت ذاته، كانت ، التي اقتحمتها المسيحية في الأربع قرون الأولى، كانت وارثه لنظرية من الفيلسوف [1].

بالنسبة للثقافة الرومانيّة، كان هناك ٣ أبعاد للحرب العادلة:

– الأول هو Jus Ad Bellum، أو “فقه ما قبل الحرب”،
ويعني دراسة الظروف اللي يُسمح فيها ببدء الحرب، أو تحديدًا متى تكون الحرب عادلة ومُبرَّرة.

– الثاني هو Jus In Bella، أو “فقه أثناء الحرب”،
ويعني الممارسات المسموح بها للجنود المحاربين وتندرج تحت عدالة الحرب.

– الثالث هو Jus Post Bellum، أو “فقه ما بعد الحرب”،
ويعني الممارسات المسموح بها للجيوش تجاه الشعوب والمدُن اللي هاجموها.

المسيحية ليس لها رؤية لأيّا من هؤلاء الثلاثة! والسبب الرئيسي هو أن المسيحية لم يكن محورها الاستمرار في الأرض والاستثمار في سياساتها، ولكن كان يسود على تفكير المسيحيون الأولون تصوُّر بأنّ النهاية قريبة جدًا، وأنّ سيحدث في خلال جيل بحد أقصى من وقت المسيح.

نستطيع أن نرى أصداء هذه الفكرة في الأناجيل الإزائية وكتابات بولس. في كتابات بولس التعزية المسيحية هي “الربُّ يأتي”، والتي تعبّر أن هذا الجيل نفسه ينتظر المسيح سريعًا، وفي الأناجيل الإزائية، نجد المسيح يعد الحاضرين معه أنّ منهم من يعاين مجيء ملكوت الله [2].

وكان قطاع كبير من آباء الكنيسة، ربما حتى عصر القديس ، كان يتبني طرحًا سَلاميًا يبعد تمامًا عن العنف ويتركه لسلطة الدولة، وﻻ يحاول تبريره أو التنظير له باعتباره فقهًا داخل المنظور المسيحي.

وصل الأمر أن منهم [ مثلًا] من قال بأن المسيحي ﻻ يجب أن يرد عنف السارق المسلح لئلّا في إثناء دفاعه عن نفسه يدنِّس محبته لأخيه، والذي هو السَّارق هنا.

بالطبع يبدو لنا هذا الطَّرح رهبانيًا زيادة عن اللازم، ومن المستحيل على الإنسان أن يعيش به وسط العالم لأنه سيحوّل المسيحي لمُستباح مُكبَّل بمُعتقده قبل أن يكون مكبلًا بالسلطة التي تمارس عليه.

وعلى هذا، قرر أوغسطينوس أن يُعيد صياغة نظرية العنف العادل لسد الفراغ الناتج عن غياب هذا النوع من الفقه في الفكر المسيحي.

ما فعله أوغسطينوس لم يكن شرعنه للحرب المسيحية، ولكن بالأحرى تحديد ليها.

بطريقة أخرى، في مرحلة تبنّي الإمبراطورية الرومانية للمعتقدات المسيحية، كيف يمكن للجندي المسيحي أن يدافع عن الإمبراطورية الرومانية ويتجنّد للحرب دون أن يكون مكبلًا بالضمير المسيحي والأخلاقي فيفشل في الدفاع عن بيته وأهله وبلده، ومن دون أن تحوّله الحرب إلى مسخ يستغرِق في سفك الدم.

سنعود لأوغسطينوس لاحقًا، لكن الآن دعونا ننطلق من النصّ المؤسِّس بالنسبة للمسيحي، وهو العهد الجديد.

في العهد الجديد بعض الإشارات المهمة لعلاقة المسيح بالعنف، واحده من الإشارات الملفتة للنظر، تطرَّق لها اللاهوتي بول بادهام في ورقه بحثيه بعنوان: The Contemporary Relevance of the Just War Tradition in Christianity [الأهمية المعاصرة لتقليد الحرب العادلة في المسيحية] [3].

يقول بول بادهام في هذه الورقة أن هناك ثلاثة على الأقل من أتباع المسيح توحي ألقابهم أنهم من دعاة العنف.

الأول هو سمعان الغيور، والذي هو واضح من اسمه أنّه كان من الغيورين [zealots]، والذين هم تاريخيًا جماعة يهودية تقود مقاومة مسلحة ضد .
الثاني هو يهوذا الإسخريوطي، وهنا يفكك بادهام لقب الإسخريوطي إلى “man of the sicarii” ومعنى اللقب هكذا يشير لجماعه اسمها “men of daggers” [رجال الخناجر]، وهم جماعة يهودية كانت تاريخيًا تمارس الاغتيالات السياسية.
الثالث هو ، والذي فكك بادهام لقبه “باريونا” لكلمة أكادية بمعنى “الإرهابي”.

بطبيعة الحال، هناك قراءات مُختلفة لآخر شخصين.

فهناك قراءات تنسب الإسخريوطي لمدينة “كيريوت”، وهناك من يرد الكلمة لكلمة خنجر من اللاتيني sicarius.
وأما بالنسبة لسمعان بطرس فلقب “بار يونا” يمكن أن يفكك لمقطعين، “بار” بمعنى إبن، و”يونا” اسم علم، وبالتالي يُترجم “بار يونا” إلى “إبن يونا”.

على كل الأحوال، نستطيع أن نلاحظ في الأناجيل أنّ المسيح كان ضد العنف، وتجنَّب أيّ صدام عنيف مع الرومان، بما في ذلك عندما سحب بطرس سيفه، وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، وانتهره المسيح وشفى أذن العدو المقطوعة.

عندما نقارن موقف الأناجيل الأربعة هنا، نلاحظ شيئًا هامًا:

– في إنجيل مرقس، لم يعلّق المسيح على فِعل بطرس.
– في إنجيل متى، منع بطرس وقال له أن يرد سيفه لغمده لأن من يعتدي بالسيف، فبالسيف يمت.
– في إنجيل لوقا، لم يكتف المسيح بمنع بطرس، لكن شفى العبد أيضًا.
– في إنجيل يوحنا، منع بطرس وأمره برد سيفه وتقبّل الأمر ككأس أعطاها الآب للمسيح.

بالطبع هناك الكثير ليقال من دراسة النصوص من مدخل Synoptic Problem [المشكلة الإزائية] [4]، لكن هذا سيترك لحينه.

 

مُجمل الأربع نصوص، إذا ما قمنا بتجميعهم متجاورين لنكوّن منهم قصّة واحدة، هو إن المسيح منع بطرس وشفى العبد رافضًا استخدام العُنف.

هوامش ومصادر:
  1. ماركوس توليوس سيسرو: هو شيشرون، كاتب روماني وخطيب في روما القديمة، ولد سنة 106 ق.م، صاحب إنتاج ضخم يعتبر نموذجًا مرجعيًا للتعبير اللاتيني الكلاسيكي، أثارت شخصيته الكثير من الجدل خاصة في الجانب السياسي من حياته، فهو تارة مثقف عربيد، وتارة أخرى ثري إيطالي صاعد في روما، وثالثة انتهازي متقلب و«أداة طيعة في يد الملكية» و«متملق لبومبي ثم قيصر». تميز النصف الأخير من القرن الأول الميلادي بالفوضي والحروب الأهلية وديكتاتورية جايوس ، ولكن شيشرون حارب ضده وقام بمناصرة الحكم الجمهوري التقليدي. وبعد وفاة يوليوس قيصر، أصبح شيشرون عدواً ل في الصراع على السلطة الذي أعقب ذلك، فقام شيشرون بالهجوم عليه بسلسلة من الخطب. وخلال حكم تريومفيراتوس الثاني أو -وهو التحالف السياسي الرسمي من إثر اغتيال يوليوس قيصر- أصبح شيشرون عدوًا للدولة وتم أغتياله في 7 ديسمبر 43 ق.م. [🡁]
  2. راجع مرقس ٩: ١، ومتى ١٦: ٢٨، ولوقا ٩: ٢٧. [🡁]
  3. بول بادهام: أستاذ اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة ، ترينيتي، سانت ديفيد. درس بادهام علم اللاهوت والدراسات الدينية وفلسفة الدين في جامعتي أكسفورد وكامبريدج، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة برمنجهام. [🡁]
  4. جون إدوارد، ورقة بحثية بعنوان: المشكلة الإزائية على موقع Humanities Today. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: المسيحية والعنف[الجزء التالي] 🠼 قيصر أم المسيح؟
جون إدوارد
[ + مقالات ]