- ١) ما قبل اﻷزمة
- ٢) نؤمن
- ٣) التاريخ بين الاسترداد والمؤامرة
- ٤) محاولات مبكرة للخروج
- ٥) البابا يوساب: من ينصفه؟
- ٦) أيقونات علمانية قبطية
- ☑ ٧) الدور العلماني بين التكامل والتقزيم
- ٨) إرهاصات بعث ملتبسة
- ٩) والعلمانيون يضرسون
- ١٠) العرب والانقطاع المعرفي الثاني
- ١١) جدداً وعتقاء
- ١٢) كتاب يصنع حراكاً
- ١٣) البنّاء الصامت
- ١٤) سنوات البعث
- ١٥) البابا شنودة: البدايات والصعود
- ١٦) البابا شنودة: اﻹكليريكية
- ١٧) البابا شنودة: الرهبنة واﻷسقف العام
- ١٨) البابا شنودة: تحولات وارتباكات
- ١٩) البابا شنودة: سنوات عاصفة
- ٢٠) البابا تواضروس: طموحات ومتاريس
- ٢١) تفعيل آليات التنوير
- ٢٢) الخروج إلى النهار
- ٢٣) خبرات غائمة
- ٢٤) خبرة معاصرة
- ٢٥) مسارات التفكك وسعي المقاربة
- ٢٦) التجسد: اللاهوت المغيّب
- ٢٧) لنعرفه
- ٢٨) لكنها تدور
- ٢٩) عندما تفقد الرهبنة أسوارها
- ٣٠) الرهبنة: مخاطر وخبرات
- ٣١) الرهبنة: سلم يوحنا الدرجي
- ٣٢) أما بعد
كانت العقود الستة الأولى للقرن العشرين عقود المد للعمل الأهلي، داخل الكنيسة وخارجها، وكان العمل الأهلي فيها إحدى ركائز دعم السلام الاجتماعي بعيدًا عن المؤسسات الحكومية والدينية الرسمية، وكانت آليات العمل الأهلي عبر خدماتها الاجتماعية تحقق أكثر من هدف؛ تعمق انتماء الفرد الوطني، وتربى داخله قيمة الإيثار والعطاء بغير مقابل أو مغنم، وتعظم قيمة العمل الجماعي واستثمار التعدد والتنوع وتحويلهما إلى قيمة مضافة لمنظومة قيم المجتمع الإيجابية، وفى جانب منها تنظم التنافسية بغير صراع، وترفع عن كاهل الدولة جزء من أعبائها فيما يتعلق بتوفير جانب من الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية والتنموية.
وفى الغالب كانت تقدم خدماتها لمن يحتاجها، ولمن يطلبها، دون تمييز مؤَسس على العِرق أو الدين أو الطبقة أو أيًا من الانتماءات الضيقة، فكانت حائط صد في مواجهة التيارات والجماعات التي تسعى لأن ينفذ إلى الجماعة المصرية سموم التعصب العرقى أو الديني أو الطبقي، ونموذج ناهنا منظومة المدارس والمستشفيات والأندية والمنتديات الثقافية التي أقامتها كثير من هذه الجمعيات، وكانت أبوابها مشرعة لكل المصريين.
وكانت الجمعيات القبطية في دوائر التعليم والصحة في مقدمة هذه النوعية، ومنها على سبيل المثال جمعية الإيمان القبطية بشبرا (1900)، والتي أنشأت سلسلة مدارس الإيمان لكل مراحل التعليم قبل الجامعي، ومستشفى الإيمان، وجمعية التوفيق القبطية (1819)، والتي أقامت أيضا سلسلة من المدارس ومستشفى كبرى واستقدمت مطبعة لنشر الكتب والمطبوعات، فضلًا عن خدماتها للمجتمع. وغيرهما العديد من الجمعيات، جمعية أصدقاء الكتاب المقدس (1908) جمعية المساعي الخيرية (1881)، جمعية النشأة القبطية (1896)، جمعية جامعة المحبة (1920)، جمعية ثمرة التوفيق القبطية (1908)، جمعية الإخلاص القبطية بالإسكندرية (1909).
ولم تكن الجمعيات القبطية وحدها منفردة في هذا الأمر، دورًا وانحسارًا، فقد شهدت تلك السنوات في توقيتات متزامنة جمعيات إسلامية سارت على نفس الدرب، وسبقتهما الإرساليات الأجنبية، على اختلاف منابتها، الكاثوليكية والبروتستانتية، وخلَّفت على أرض مصر العديد من المستشفيات والمدارس والمنشآت الاجتماعية المنضبطة والواعية.
لكننا اقتصرنا الحديث هنا على الجمعيات القبطية الأرثوذكسية لارتباطها بالإشكالية المطروحة، إذ نكتشف معها الدور الفاعل للمدنيين الأقباط (العلمانيين) في تشكيل المجتمع العام والقبطي وفى بناء الذهنية القبطية تحديدًا، مشاركة مع الكنيسة -الإكليروس- كل في دوائره.
وقد التقيا معًا في دائرة التعليم الكنسي واللاهوتي، في إعادة إحياء المدرسة الإكليريكية (1875) التي أسندت إدارتها إلى القمص فليثاؤس عوض، ثم افتتاح ثان بقواعد أكثر انفتاحًا (1893) يديرها الأستاذ يوسف منقريوس أفندي، وخلفه في إدارتها الأستاذ حبيب جرجس (1918)، لتشهد نقلة نوعية وانطلاقة مؤثرة، وكان البابا كيرلس الخامس الداعم الأول للتأسيس الأول والثاني واختيار من يتولى قيادتها في المرات الثلاث.
ويرحل حبيب جرجس (1951) فيُسند البابا يوساب الثاني إدارتها للقمص إبراهيم عطية، ويأتي البابا كيرلس السادس فيرسم لها اسقفًا، الأنبا شنودة اسقف التعليم والكلية الإكليريكية (1962).
ومرة أخرى يتعاون الطرفان -العلمانيون والإكليروس- في دائرة التعليم، بتأسيس وافتتاح معهد الدراسات القبطية (1954)، وكان صاحب الدعوة لإقامة المعهد الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية آنذاك، والذي قدم مذكرة للمجلس الملي بهذا فوافق عليها وقرر إقامة المعهد، الذي افتتحه البابا يوساب الثاني، كما اشرنا إلى ذلك قبلًا.
واعتمدته وزارة التربية والتعليم وجاء في قرار الاعتماد ”أن فكرة إنشائه تقوم على خدمة التاريخ الوطني في العصر المسيحي من أجل سد النقص الموجود في هذا النوع من الدراسات وتوجيه البحوث على أساس قومى سليم”
وتجربة معهد الدراسات القبطية -تأسيسًا وعملًا وانهيارًا- تعد نموذجًا عمليًا لمأساة التعليم الكنسي، فقد بدأ كأقوى ما تكون البداية، إذ اسند في إدارته وعمله إلى قامات علمية متخصصة، مؤهلة أكاديميًا لهذا العمل، وكانوا في مجملهم من أساتذة الجامعات المصرية والدولية، فضلًا عن كونهم من القامات القبطية ذات الصلة الوثيقة بكنيستهم، فقد تشكل أول مجلس إدارة من:
- أ.د. عزيز سوريال عطية، رئيس قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية، وأستاذ كرسي العصور الوسطى (مديرًا)،
المستشار السابق بمكتبة الكونجرس الأمريكي، والأستاذ السابق بجامعات بون بألمانيا وليفربول ولندن، والأستاذ الزائر بجامعات شيكاجو وكاليفورنيا واستانفورد وبرنستون وجون هوبكنز، بأمريكا وعضو أكاديمية العصور الوسطى الأمريكية، والعضو المراسل للجنة الدولية لتحرير تاريخ الإنسانية باليونسكو، وزميل الجمعية الملكية للتاريخ بإنجلترا. - ـأ.د. سامي جبرة، مدير معهد الآثار المصرية
- ـأ.د. مراد كامل، أستاذ اللغات السامية بجامعة القاهرة، ومدير مدرسة الألسن
- ـالأستاذ يسى عبد المسيح، مدير المتحف القبطي
- أ.د. جرجس متى، رئيس قسم الآثار، وأستاذ اللغات المصرية القديمة بجامعة القاهرة، ورئيس جمعية الآثار القبطية.
- عضو يمثل مجلس إدارة كلية مار مرقس القبطية (الإكليريكية)
- عضو من كنيسة أثيوبيا يختاره إمبراطور الحبشة.
- ثلاث أعضاء من المجلس الملي من بينهم وكيل المجلس.
وانضم للتدريس بالمعهد قامات علمية رفيعة:
- د. زاهر رياض، مدير معهد الدراسات الأفريقية.
- د. جورجي صبحي، رئيس قسم الباطنة بكلية طب القصر العيني، وأحد علماء اللغات المصرية القديمة.
- الفنان العالم حبيب جورجي، المتخصص في فن الأيقونة القبطية.
- الأستاذ راغب مفتاح، العالم الموسيقى القبطي.
- الأستاذة إيريس حبيب المصري، المؤرخة، وصاحبة موسوعة: قصة الكنيسة القبطية.
- الدكتور المستشار وليم سليمان قلادة، الفقيه القانوني، ووكيل مجلس الدولة.
- الدكتور سليمان نسيم، أستاذ التربية (رئيس قسم التربية بجامعة حلوان فيما بعد)
وضم المعهد الأقسام المتخصصة:
- الآثار واللغة القبطية
- تاريخ الكنيسة القبطية
- الدراسات الأفريقية (الأثيوبية)
- القانون الكنسي
- اللاهوت
- المجتمع القبطي
- الألحان والموسيقى القبطية
- الفنون القبطية
- التصوير (والميكروفيلم)
- الدراسات العربية المسيحية
وكان وراء تأسيس وتجاح هذا الصرح العالم البابا يوساب الثاني، خريج جامعة أثينا اللاهوتية، ورغم مؤهلاته العلمية وإجادته اللغة اليونانية لم يفرض نفسه على إدارة المعهد ولا على هيئة التدريس، فقد كان يدرك أهمية أن يكون “المعلم في التعليم والكاهن في خدمته”.
اللافت هو تحمس أراخنة الأقباط لدعم المعهد فقام العديد منهم بإنشاء مكتبة خاصة بالمعهد، وتأسيسها وتأثيثها (ويصا واصف وجليلة صبري ونجيب إسكندر)، وأمدوها ومعهم العديد من المفكرين والعلماء، بالعشرات من الكتب والمراجع النادرة من مكتباتهم الخاصة، وأبرزهم:
- مكتبة الأستاذ كامل ميخائيل عبد السيد المتميزة (4000 كتاب).
- مكتبة الأستاذ حبيب حنين المصري القانونية والبحثية.
- مكتبة المؤرخ كامل صالح نخلة.
- مكتبة الأستاذ ميخائيل صليب.
- مكتبة الأستاذ ويصا واصف.
- مكتبة الأستاذ صبحي جورجي.
- مكتبة الأستاذ الدكتور جرجس متى، رئيس قسم الآثارـ كلية الآداب، جامعة القاهرة,
ليصبح لدى المعهد واحدة من أهم وأكبر المكتبات المتخصصة العلمية واللاهوتية والأدبية والتراثية. وينضم للمعهد العديد من العلماء الأجانب، عبر آلية “الزمالة” مع الجامعات الدولية، ويسعى لتقنين وضعه العلمي في المجلس الأعلى للجامعات المصرية، وهو مؤهل لذلك بأقسامه وكوادره العلمية، والتي حرص على دعمها الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمي ومعهد الدراسات القبطية حتى رحيله.
ولا يمكن أن نتناول التعليم في الكنيسة دون أن نشير إلى دور الأنبا غريغوريوس الذي كان نصيبه “جزاء سنمار” ممن دعمهم ودفع بهم إلى ما صارو إليه، فهو:
- وهيب عطا الله الذي تخرج في الإكليريكية، وكان احد التلاميذ الخلصاء للأستاذ حبيب جرجس، رائد نهضة التعليم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد خلفه في رئاسة اللجنة العليا لمدارس الأحد، وكان لديه رؤية علمية لتطوير الإكليريكية، من خلال دعمها بكوادر علمية أكاديمية متخصصة، فبدأ بنفسه إذ التحق بكلية الآداب قسم فلسفة ليتخرج فيها 1944، ثم يحصل على ماجستير في الآثار واللغات القديمة من معهد الآثار 1952، لتوفده الكنيسة بأمر من البابا يوساب الثاني في بعثة دراسية لانجلترا للحصول على الدكتوراه 1955.
- وهو الذي أسس القسم المسائي في الإكليريكية عام 1946 ليتيح الفرصة لخريجي الجامعات في الدراسة بها، فيوفر للكنيسة كوادر من الخدام المثقفين، وانخرط كثيرون منهم في خدمة الكهنوت.
- مدرس فأستاذ للعلوم اللاهوتية والفلسفة بالكلية الإكليريكية (1944) ثم وكيلًا للكلية (1951).
- أستاذ ورئيس قسم اللاهوت بمعهد الدراسات القبطية 1955م.
- مدير معهد الدراسات القبطية بالقاهرة.
- أسقف الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي في عام 1967م.
وقد تدرج في الرتب الكهنوتية:
- أناغنوستيس (1939)
- إيبودياكون ودياكون وأرشيدياكون (1959)
- ترهب بالدير المحرق (1962)
- رسم قسًا ثم قمصًا بالدير المحرق (1963)
- رسم أسقفًا للدراسات العليا اللاهوتية، والثقافة القبطية والبحث العلمي بيد قداسة البابا كيرلس السادس في 10 / 5 / 1967
- كانت الكنيسة تتأهب لنقلة نوعية وخطوة واسعة في مسار استرداد تواصلها مع كنيسة الآباء على قواعد علمية موضوعية، لكنها تصطدم بواقع يجرها إلى دوامات بلا قاع.
وشيئًا فشيئًا تتجمع الخيوط التي تفسر لنا ما يحدث الآن بين الفرقاء.
ومازال الطرح قائمًا
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨