- ١) ما قبل اﻷزمة
- ٢) نؤمن
- ٣) التاريخ بين الاسترداد والمؤامرة
- ٤) محاولات مبكرة للخروج
- ٥) البابا يوساب: من ينصفه؟
- ٦) أيقونات علمانية قبطية
- ٧) الدور العلماني بين التكامل والتقزيم
- ٨) إرهاصات بعث ملتبسة
- ٩) والعلمانيون يضرسون
- ☑ ١٠) العرب والانقطاع المعرفي الثاني
- ١١) جدداً وعتقاء
- ١٢) كتاب يصنع حراكاً
- ١٣) البنّاء الصامت
- ١٤) سنوات البعث
- ١٥) البابا شنودة: البدايات والصعود
- ١٦) البابا شنودة: اﻹكليريكية
- ١٧) البابا شنودة: الرهبنة واﻷسقف العام
- ١٨) البابا شنودة: تحولات وارتباكات
- ١٩) البابا شنودة: سنوات عاصفة
- ٢٠) البابا تواضروس: طموحات ومتاريس
- ٢١) تفعيل آليات التنوير
- ٢٢) الخروج إلى النهار
- ٢٣) خبرات غائمة
- ٢٤) خبرة معاصرة
- ٢٥) مسارات التفكك وسعي المقاربة
- ٢٦) التجسد: اللاهوت المغيّب
- ٢٧) لنعرفه
- ٢٨) لكنها تدور
- ٢٩) عندما تفقد الرهبنة أسوارها
- ٣٠) الرهبنة: مخاطر وخبرات
- ٣١) الرهبنة: سلم يوحنا الدرجي
- ٣٢) أما بعد
• أجدني بحاجة إلى التأكيد على أن سطوري لا تتناول “الإسلام” الدين، وإنما تقترب من المرحلة التاريخية التي عاشتها مصر، وتحديدًا الأقباط والكنيسة، بعد قدوم العرب في القرن السابع الميلادي. حتى لا نختطف إلى دوامات جدل لا محل لها.
وهى حاجة تولدها حالة التربص التي تسيطر على دوائر الحوار، إن وجدت، والتي صارت معها أعصاب كثيرة فوق الجلد، تحت تأثير الربط القسري بين العرب والإسلام، إلى حد اعتبار تحليل ما يرتبط بالأول تعريض بالثاني، ومع التراجع المعرفي انخفض سقف الطرح الموضوعي، وتم تقديس التاريخ، وصار الطرح العام أقصر الطرق إلى ساحات المحاكم، ليقبع صاحبه خلف الأسوار، ازدراء وإنكارًا لما هو متفق عليه في تاريخ ملتبس.
• أن مصر لها ثقافتها وحضارتها وكيانها قبل القدوم العربي، وقد تأثرت بالضرورة به، وأن صار لسانها عربيًا، ومن ثم صارت الثقافة العربية رافدًا كبيرًا في تكوينها الثقافي، والتحولات الحضارية، بفعل تلاقح الثقافات والحضارات. إلا أن الثقافة المصرية تظل متواصلة مع طبقات الثقافات التي تكونها، حتى إلى الثقافة المصرية القديمة، والثقافة اليونانية سواء بفعل انتمائها المتوسطي، أو بفعل الحقبة الرومانية، بحكم التاريخ، وقبل هذا وبعده الثقافة الأفريقية بحكم الجغرافيا. لكنها تبقى مصرية الحضارة والفكر بنكهات متعددة، تضفى عليها الكثير بفعل ثراء التنوع والتعدد المنصهر في بوتقتها.
• لكننا لا نستطيع أن نجهل أن الحاضر المعاش ولد من رحم الأمس، وأن التاريخ سلسلة ممتدة من التفاعلات المعقدة، وليست كلها “طوباوية” أو “مثالية” وليست كلها “شريرة” بطيعة الحال، بل هي في مجملها صراع قوىَ، يصبغ المنتصر الأحداث بصبغته، ويسجل مؤرخوه تاريخه كما يراه ولحسابه، لكن وثائق ومخطوطات وشهادات معاصريه، موالاة ومعارضة وحلفاء وخصوم، وآثار زمنه قد تكفل تقديم قراءات أخرى للأحداث، وبقدر التوافر على دراسة التاريخ من مصادر متعددة تكون الموضوعية في التحليل وفهم ما كان.
• بحسب عديد من الدارسين لم يأت العرب إلى مصر، فتحًا أو غزوًا، بغرض نشر الإسلام، ولم يتعاملوا مع طبيعتها وثقافتها وحالها وناسها من منطلقات دينية، ولعل هذا يفسر بقاء المصريين خارج دوائره لثلاثة قرون وربما أكثر، فقد كانت طبيعة المرحلة تدفع العرب للخروج من وادي الرمال وضيق الحياة فيه إلى رحابة البلاد التي تفيض ارضها بالخير بفعل النهر والأرض السمراء، وكانت المرويات عنها والتي يحملها التجار بعد عودتهم من رحلاتهم، تثير خيال عرب الجزيرة، فتنامى حلم إخضاعها لسيطرتهم، وكانت اللحظة مواتية، وقد أنهكتها الصراعات بين محتل عتى، وبين الجراح التي أثخنت جسدها بجروح غائرة، من جرّاءِ فرض قيادات دينية مذهبية مغايرة بقرارات امبراطورية عليها، فصار على رأسها بطريرك خلقيدوني تعقب البطريرك السكندري ونفاه، أو لعله هرب من بطشه، إلى صحارى وادي النطرون واعتقل أساقفته وعين بدلًا منهم أساقفة خلقيدونيون، ومد سلطانه على كنائس الكرازة، وجمع بين السلطتين المدنية والدينية ليصير بطريركًا وحاكمًا، والذي يعرفه التاريخ بـ “المقوقس” التي تعنى عظيم القبط، وهو البطريرك سيرس أو ساويرس.
• ما بين القرنين العاشر والحادي عشر يحدث التحول في عقيدة الأغلبية، ليصر الأقباط المسيحيون أقلية، ويصير لسانهم عربيًا، ويبقوا زمانًا غير قليل يتأرجحون بين القبطية اللغة الغابرة والعربية اللغة المفروضة، يسعون لفهمها قبل أن ينجحوا في إجادتها، ولعل من يذهب إلى الكنائس الأثرية بمصر القديمة يجد أثر ذلك على السطور العربية التي تحملها الأيقونات، وقد كتبت بذهنية قبطية، لم تكن تعرف التشكيل فصارت “الضمة” “واوًا”، و “الفتحة” “ألفًا”.
• كان من نتيجة ذلك أن صار لدينا جيلًا وربما أجيال تعاني من الانقطاع المعرفي اللاهوتي تحديدًا، تتناقل صلواتها عبر التعليم الشفاهي، ويحسب لها احتفاظها بمنظومة ليتورجيتها، مجموع الطقوس والصلوات، حتى وإن تناقلتها بغير إدراك لمضامينها، وكانت سر بقاء المسيحية في مصر.
• ويلخص الأب متى المسكين المشهد في كلمات موجزة:
“واستيقظ الأقباط وإذا بهم قد نسوا لغتهم الأصلية، فباتت كل مخطوطاتهم التي ملأت خزانات الكتب في البيوت والكنائس والأديرة ـ مئات الألوف المكتوبة باليونانية والقبطية ـ بلا قيمة ولا معنى ولا أثر، كحجر رشيد الملقى على شاطئ البحر ينتظر من يترجمه لأولادها، لذلك كانوا يُفرِّطون في بيعها لسارقي المخطوطات من الأجانب”
(الأب متى المسكين – راجع حلقة 6 “أيقونات علمانية قبطية”)
• ويثير أحد الباحثين قضية الترجمة اللاحقة وتأثرها بالمصطلحات العربية السائدة، في استخدام كلمات، تصور المترجم أنها تعطى المعنى المقصود في الأصل اليوناني، بينما أخذتنا إلى دوائر مثيرة للجدل، وتحتاج إلى بحث المتخصصين وتناولها بما تستحق من اهتمام، وقد حجبت أسم الباحث حتى لا نُختطف إلى جدل مشخصن، صار عنوان ما يدور من مواجهات الآن، يقول:
التأثير اللغوي نراه في استبدال كلمة “خدمة” بكلمة “عبادة”، وصارت الصلاة ليست خدمة الثالوث لنا، بل عبادتنا نحن للثالوث، والأخطر هو تحول كلمة “حق” في أسفار العهدين القديم والجديد إلى “بر وعدل”، ومنها دخل إلى قاموس اللاهوت النظري (العدل الإلهي)، وتظهر اختلالات الترجمة وتأثيرها اللاحق في ميمر العبد المملوك والذي كان يُقرأ يوم الجمعة العظيمة، ويحمل أخطاء لاهوتية فادحة، وقد انتبهت الكنيسة لهذا فمنعت قراءته. وينسحب الأمر إلى تسلل كلمة “القصاص” التي لم ترد في أي نص يوناني أو قبطي، وبعض الكلمات في الترجمة المتداولة للكتاب المقدس تحتاج إلى ضبط على أصولها اليونانية …
(الأب متى المسكين)
ويبدو أنه قد اقترب من أحد أهم أسباب المواجهات الحالية بين الفرقاء، فقد اعتمد فريق منهم على ما توفر لديه من ترجمات عبر لغة وسيطة عن اليونانية لم تتأثر فقط بمشكلات النقل بين اللغات ولكنها تأثرت أيضًا بذهنية المترجم وما وقر فيها من مفاهيم، باختلاف انتماءاته المذهبية والدينية أيضًا.
ومن تأثير المناخ السائد في شرقنا العربي نرصد الاهتمام باحتفالات “القيامة” أكثر من “الميلاد”، بينما الغرب يولى احتفالات “الميلاد” نصيبًا أوفر من احتفالات “القيامة”، وليس في الأمر تفضيلًا “لاهوتيًا” في الحالين، لكن الشرق يذهب للتأكيد على ألوهية المسيح في مواجهة إلحاح لا ينقطع من خارج المسيحية على إنكار هذا، وغير بعيد يتزايد عندنا التعليم بضعف الإنسان وهشاشته على حساب ثقافة الانتصار والغلبة، ومتوالية السقوط والقيام، واعتبار عكس ذلك تنويعات على الكبرياء والغرور الذي يقود للسقوط، ويتدعم هذا بمرويات فلكلورية عن قديسين لم يتيقنوا من خلاصهم حتى بعد انطلاقهم من الأرض، حتى وضعوا أقدامهم في “السماء”، كما تتحدث الحكاية عن القديس مقاريوس وحواره مع الشيطان (!!).
بينما نجد الغرب متحررًا من هذا الضغط لا يتوقف عن التغني بإنسانية الله وتجسده، مؤكدًا على مكتسبات “الإنسان” التي صارت له في “المسيح الإنسان” “الإله المتجسد”، والذي لولا تجسده وإنسانيته الكاملة لبقى الإنسان في الظلمة وتحت حكم الناموس والموت. وقد ترجمته الكنيسة في تسبحتها “هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له نسبحه ونمجده ونزيده علوًا” (ثيئوطوكية الجمعة). وينعكس هذا على تحول حدث الميلاد إلى احتفال يغطى تفاصيل يومه وحياته بشكل لافت ومثير فيما نراه من احتفالات “الكريسماس”، والتي تجاوزت كونها احتفالات دينية.
ما بين التعليم على خلفية “لاهوت الحياة” والتعليم المنطلق من “ثقافة الموت” تدور رحى المواجهات التي اندلعت بين الفرقاء مؤخرًا.
• لذلك يمكننا بعد طوافنا الممتد بحثًا عن إجابة لسؤال “الكنيسة : صراع أم مخاض ميلاد؟” أن نقول، بغير التفات إلى ضجيج مصطنع، أننا إزاء مخاض ميلاد، نسترد معه مفاهيم إيماننا وفق تسليم الإنجيل وخبرة الكنيسة، ويحتاج لكى يطلق صرخة الحياة ويعلن عن اكتمال ميلاده أن نواجه اختلالات مؤسساتنا التعليمية “الكنسية” وفق القواعد الأكاديمية اللاهوتية، والتي اشرنا إليها مرارًا في طرحنا.
استدراك
هل للمخاض مؤشرات؟
هذا ما سنتناوله لاحقًا
ويبقى بعده تناول الكنيسة والأقباط والكنيسة والسياسة
وهى موضوعات مقالات تالية.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨