- مشاهدات إكليروسية [١]
- مشاهدات إكليروسية [٢]
- مشاهدات إكليروسية [٣]
- مشاهدات إكليروسية [٤]
- مشاهدات إكليروسية [٥]
- [٦] الطريق إلى الزعامة
- ☑ [٧] إعادة تشكيل المنظومة
- [۸] شظايا السياسة وصراعاتها
- [۹] زحف الرهبنة
- [١٠] اختلالات الأديرة
- [١١] من أنت أبي الأسقف؟
- [١٢] إعادة تركيب قطع البازل
- [١٣] تحالفات ومصادمات
- [١٤] نقطة في آخر السطر
نجاوب شوية أسئلة
جملة يفتتح بها الرجل القادم إلى الكرسي البابوي (48 عامًا) اجتماعه الأسبوعي، فيما كانت جملة ربنا موجود
هي الجملة التي اختتم بها مقاله الافتتاحي والوداعي في مجلة الكرازة، وهو بعد أسقف مبعد من البابا البطريرك السابق، البابا كيرلس السادس، قاصدًا قلايته، سجلتها لنا مجلة الكرازة ـ اكتوبر 1967 في نهاية افتتاحية العدد التي تناولت الأزمة التي انتهت بالإبعاد فيقول:
لقد اضطررت يا إخوتي القراء أن أكلمكم بصراحة بعد صمت طويل، حتى تتدبروا الأمر معنا في مصير كليتكم الإكليريكية… أما أنتم يا إخوتي الإكليريكيين، فإن كان بسببي قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد أن أبتعد لكى تهدأ الأمور، أنا مستعد أن أرجع إلى الدير، إلى مغارتي المحبوبة في الجبل، أقضي بقية أيام غربتي هناك، وأريح واستريح “ويكفى اليوم شره”… أما الإكليريكية فهي كأيّ عمل من أعمال الله ـ لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات، وكأيّ عمل من أعمال الله لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات(الأنبا شنودة، إفتتاحيّة مجلة الكرازة لعدد أكتوبر ١٩٦٧)
ثم ترد عبارة ربنا موجود
في برواز كبير، عقب هذه الكلمات وقبل توقيع الكاتب: شنودة أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية
.
تتوقف المجلة عن الصدور بعد المصادمة التي حدثت بين البابا كيرلس واسقف التعليم والتي اقتضت عودة الأسقف إلى الدير، ثم يعاد لمهام عمله ولم تعد المجلة، ثم تعاود الظهور بنفس الشكل والحجم، مع تتويج البابا شنودة، في عددين، الأول يضم شهور يناير وفبراير ومارس1972، وهو عدد احتفالي خصص لسرد مسيرة انتخاب البابا الجديد واختياره بالقرعة الهيكلية، بعد انتخابات جرت بين المرشحين، ثم “تتويجه” بحسب وصف المجلة كبابا، وتنتهى المجلة بمتابعة رسامة أسقفين للغربية والبحيرة، وقد حفل العدد بنحو 180 صورة تسجل رحلة رسامة البابا واستقبالاته ونشاطاته، والعدد الثاني يضم شهور يونيو ويوليو وأغسطس، ثم تتحول المجلة في بقية زمن البابا شنودة إلى شكلها المتداول اليوم.
وبين جملتي نجاوب شوية أسئلة
وربنا موجود
نضع أيدينا على مفاتيح تواصله مع القاعدة العريضة من مريديه ومحبيه، والآخذة في الاتساع خاصة مع وهج منصب البابوية، إضافة إلى تنامى استهداف الأقباط من قبل الجماعات المتطرفة ومغازلة القيادة السياسية لتلك الجماعات ودعمها وقتها، ليصير البابا البطريرك ملاذًا وحصنًا يحتمى فيه “الشعب القبطي”، كانت “الإجابة على شوية أسئلة” فقرة تسبق في توقيتها وأهميتها الكلمة الرئيسية ـ العظة، وكانت محل متابعة من الجهات والأجهزة الأمنية والسياسية في الدولة للوقوف على توجهات وتوجيهات القيادة الكنسية، أو الرسائل التي تحملها الإجابات سواء للحضور أو المتابعين والمحللين. وربما تفسر لنا عبر قراءة وتحليل مضمون الأسئلة والإجابات، وربما المحاضرة والكلمة الرئيسية، لماذا تصاعدت المواجهة بين الدولة والكنيسة، السادات والبابا، حتى انتهت إلى صدام سبتمبر 1981، وفيه أُبعد البابا مجددًا إلى الدير بأوامر أمنية رئاسية. وربما نكتشف أننا إزاء رجل سياسة يملك أدواته في ثياب بطريرك.
كان الهدف واضحًا منذ ترشحه الأول بعد أقل من عامين في الرهبنة، إعادة هيكلة المشهد القبطي والكنسي، ولم يبارحه في مشواره حتى نجح في تبوأ موقع البابوية، فشرع في ترجمته على الأرض، بل أظنه مهد له فور التحاقه بالدير، ويحكى أقرانه كيف كان يجول بينهم محفزًا لهم على الالتحاق بالرهبنة، وبعضهم كان مازال بالجامعة فتركها وترهب، بعد أن يضعه أمام مفاضلة العالم والأبدية، وكيف ترك التلاميذ كل شيء وتبعوا الرب يسوع، والذي يكرر الدعوة للرفقاء، مجددًا، من خلاله، ونجح أيما نجاح. في تكوين الخميرة التي تخمر العجين كله. برؤيته وطموحاته.
الحياة الديرية وقتها كانت رتيبة، فالأديرة كانت شبه منعزلة ويومها يتوزع بين قوانين [التزامات] الراهب اليومية من عبادات يتخللها بعض الأعمال اليدوية [عمل اليدين] والقراءة ونسخ المخطوطات، وكان التحاق باكورة الشباب الجامعي نقطة تحول إيجابية انعكست على أنماط الحياة اليومية، لكنها لم تمنع إصابة الراهب بلحظات من الضجر الروحي والنفسى، وهى حالة يعرفها المختبرين منهم، وكان علاجها أن ينصح الراهب بالخروج خارج أسوار الدير يهيم على وجهه حتى يفرغ تلك الطاقة السلبية ثم يعود أدراجه لقلايته، ويواصل حياته ويومه، شيء من هذا أصاب الأب متى المسكين، فاتخذ قراره بأن يترك ديره قاصدًا العودة إلى دير أنبا صموئيل المهجور بصحراء مغاغة، فالتف حوله نفر من رهبان الدير الشباب المتتلمذين عليه وقرروا الخروج معه، ولم تجد معهم نصائح أبيهم. كانوا نحو إثني عشر راهبًا وكان من بينهم الراهب أنطونيوس السرياني الأكثر حماسًا، تصادف في لحظة خروجهم قدوم الأنبا ثيئوفيلس رئيس الدير قادمًا من مقر الدير بالقاهرة [العزباوية] الذي استفسر عن تجمعهم ووجهتهم، وحاول إقناعهم بالعدول عن قرارهم، لكنهم رفضوا، وانبرى الراهب الشاب أنطونيوس بالرد، بحسب ما سجلته سطور كتاب السيرة التفصيلية للأب متى المسكين الذي أصدره الدير بعد رحيله، قال للأب الأسقف: “الرهبنة التي تعلمناها: أب روحي مرشد مع رهبان يسيرون في طريق الخلاص“، “نحن رهبان نسير وراء أبينا الروحي… الرهبنة ليست أسوارًا ولا حدائق ولا أكلًا وشربًا… إننا نسير وراء الأب الذى يقودنا ويرشدنا“. فأسقط في يد الأسقف وتركهم لما أرادوا.
في دير الأنبا صموئيل تفاصيل تشير إلى حقيقة التربيطات والتحالفات وما شهدته أروقته من زيارات مكوكية متلاحقه من خارج المجموعة التي قصدته انتهت بقرار مفاجئ للراهب أنطونيوس بترك المجموعة وعودته لدير السريان بحسب نصيحة صديقين أحدهما راهب والأخر مدني علماني وثلاثتهم كانت تجمعهم اللجنة العليا لمدارس الأحد … بعد أن أدرك أن ذلك افضل جدًا ويدعم الاقتراب من سعيه الأثير. اللافت أن الهدف تحقق فيما انهارت صداقتهم فيما بعد.
أشرنا قبلًا إلى الحالة التي تشكلت بعد دخول الرفاق الثلاثة سلك الرهبنة، إذ شهدت الأديرة إقبالًا متصاعدًا غير مسبوق من خريجي الجامعات ربما تأسيًا بهم، وربما للانتباه لواحد من حلول مواجهة البطالة، ومع كل صعود للرفاق الثلاثة يتزايد طالبو الرهبنة.
ما أن تولى البابا الجديد قداسة الأنبا شنودة الثالث بدأ في تفعيل قناعاته، في عدة محاور بالتوازي، بداية من تقسيم الإيبارشيات الكبيرة وقد ساعده في ذلك رحيل المطارنة الشيوخ تباعًا، لتتغير موازين القوى داخل مجمع الأساقفة، وقد بدأ برفاق المسيرة، وكان وفيًا لكل من أسدى له فضلًا وهو راهب أو وهو اسقف تعليم، فرده فيمن يراه من الممكن أن يتبوأ موقع الأسقفية من أبناء أو أقارب أصحاب الفضل، لتشهد الأديرة نسق الرهبنة الترانزيت، وفيها يتم قبول الشخص الذي يود البابا رسامته، ليمكث راهبًا لمدة قد لا تتجاوز العام، ثم بخرج من الدير إلى حفل الرسامة الأسقفية، لاستيفاء الشروط المستقرة فيمن يود رسامته. فضلًا عن التوسع في رسامة الأساقفة العموم ـ أساقفة دون إيبارشيات ـ والمتابع لتاريخ البطاركة يرصد أن كل بطريرك جديد يحرص على رسامة أساقفة جدد يكون بهم كتلة تصويتية داخل المجمع تدعمه في تمرير قراراته في مواجهة الحرس القديم. وقيل في تفسير ذلك أن رعية قليلة تعنى رعاية أفضل، فيما كان هناك من يرى أنه تفتيت يربك الخدمة، ويمثل عبئًا على الرعية في تغطية مطالب واحتياجات الأسقف الجديد خاصة خارج العاصمة.
في البدايات حرص البابا الجديد على التوسع في رسامة الكهنة من خريجي الجامعات، واستدعائهم من وظائفهم المدنية لضمان مستوى جيد وواعي عند الكهنة الجدد، ولم ينتبه لما يحدثه هذا من تفريغ سوق العمل من الوجود المؤثر لكوادر الأقباط، فضلًا عن أن التعليم المدني وحده لا يقدم لنا كاهنًا معد لخدمته، والقول في بعض الحالات بأنه حاصل على دراسات إكليريكية ـ القسم المسائي ـ لا يلتفت إلى تراجع مستوى الدراسة في هذه الأقسام، والتي لم يكن غرضها إعداد كهنة بل تثقيف شباب الخدام، وانتهى الأمر إلى موات القسم الإكليريكي النهاري وارتباكه، وهو ما سنعرض له لاحقًا.
وفى تطور لافت بدأ التوسع في رسامة الأساقفة العموم، بغير أن يحدد لهم في منطوق الرسامة مهام محددة كما كان الحال مع نظرائهم في حبرية البابا الراحل أنبا كيرلس، أو في حالة اسقف الشباب في بدايات رسامات البابا الجديد ـ وقتها ـ أنبا شنودة.
نرصد في القاهرة -مقر كرسي البابا- ظاهرة تعيين أساقفة عموميين لمهمة الإشراف على قطاع جغرافي يضم عددًا من الكنائس، مثل مجموعة كنائس المعادي، شرق السكة الحديد، وسط المدينة، عين شمس وضواحيها، وهى بالأساس تجربة مهمة تأتى في سياق دفع وتفعيل الخدمة بهذه المناطق، لكنها تجربة تحتاج إلى تقييم وإعادة قراءة في ضوء الممارسة العملية ـ فهي بشكل ما تعنى تبعية القطاع لأسقفين ـ قداسة البابا اسقف المدينة والأسقف المعين للإشراف على القطاع وإدارته.
فضلًا عن تهميش دور كهنة الكنيسة المحليين وهو ما نشهده من الضغط الشعبي على الأسقف العام المعنى، طلبًا لحل مشاكل شعب القطاع والذين يتجهون إليه مباشرة في تجاوز لكهنتهم. وأدى هذا أيضًا إلى اختفاء رتبة “الإيغومانوس” ـ القمص ـ في غالبية تلك الكنائس فأخل بالترتيب التدبيري بحسب خبرة الآباء، ونتج عنه تساوى كل كهنة الكنيسة في الصلاحيات مما أدى إلى بروز العديد من الخلافات وربما المصادمات.
ويبقى الأسقف العام هنا معرضًا للنقل أو إحالته للدير، لأسباب متعددة، لأنه يتولى عملًا معاونًا لأسقف المدينة بغير أن يكون له سند قانوني يستمده من رسامته على المكان ويضمن له الاستقرار والاستمرار، أو ربما لاحتمالات الوقيعة بينه وبين أسقف المدينة على خلفية القبول الشعبي الذي يمكن أن يحققه الأسقف العام وما يولده من مقارنات قد يراها اسقف المدينة انتقاصًا من هيبته، وهو وضع يحتاج إلى دراسة قانونية كنسية، وينبه إلى أهمية إعادة الاعتبار لرتبة الإيغومانوس، والتي هي وفق التجارب المعاشة في زمن أسبق الأفضل رعويًا وتدبيريًا، وينطبق هذا أيضا على دراسة إحياء رتبة الـ “خورى إيبسكوبوس” [مساعد الأسقف]، والتي تم تجربتها على استحياء في إيبارشية بني سويف وإيبارشية القليوبية، ولم يكتب للتجربتين الاستمرار أو التكرار لأسباب مختلفة وغير معلنة، رغم أنهما وفرا حلًا قانونيًا بحسب الآباء، ولست بحاجة إلى التأكيد على احترامي وتقديري للآباء الأساقفة العموم الموكل إليهم هذه المهام، فالطرح ينصب على التجربة لا على الأشخاص.
ومازال المشاهدات تتوالى عسانا نضع ايدينا على اختلالات اللحظة المعيشة توطئة لتصويبها.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨