- مشاهدات إكليروسية [١]
- مشاهدات إكليروسية [٢]
- مشاهدات إكليروسية [٣]
- مشاهدات إكليروسية [٤]
- مشاهدات إكليروسية [٥]
- [٦] الطريق إلى الزعامة
- [٧] إعادة تشكيل المنظومة
- [۸] شظايا السياسة وصراعاتها
- [۹] زحف الرهبنة
- [١٠] اختلالات الأديرة
- [١١] من أنت أبي الأسقف؟
- [١٢] إعادة تركيب قطع البازل
- [١٣] تحالفات ومصادمات
- ☑ [١٤] نقطة في آخر السطر
استأذن القديس بولس الرسول مرتين، الأولى في استعارة وصفه لحاله في تجواله بين مدن آسيا الصغرى، وقد نال منه التعبلأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ الرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ. (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 7: 5)، والثانية في تعديل الوصف والقيد بلغة إخوتنا المحامين لتناسب حالنا اليوم وما يتهددنا في كنيستنا "من داخل خصومات ومن خارج مخاوف".
فقد كثرت أحاديثنا الجانبية عما يتداول بين الفرقاء من حكايات التربص والتحفز بين أجنحة مجمع الأساقفة، وتكتل نفر منهم لتعويق مهام البابا البطريرك الذي جاء خلفًا للبابا الراحل الأنبا شنودة، بالرغم مما يصدر عنهم من بيانات تؤكد على ترابطهم ووحدتهم، وصورهم الموسمية في مناسبات انعقاد مجمعهم الدورية أو الطارئة وقد حرصوا على تصدير ملامح الوفاق، وبعضها مصنوع بعناية.
التنافر هنا له ما يبرره، فلم يجمعهم سوى ارتياح من اختارهم لهم، بمعاييره وتقديره الشخصي، دون محددات موضوعية وقواعد مسبقة عامة ومجردة، فضلًا عن عدم تأهيلهم المسبق لمهام الأسقفية وضوابطها، استنادًا إلى فرضية معرفتهم لها، وهي فرضية غير دقيقة، لأسباب عدّة عرضنا لها في سياق ما سبق من مقالات، وأهمها قصر مدة الرهبنة، واختفاء التلمذة داخل الدير، واعتبار أن السمات الشخصية وربما حسن السيرة وحدهم كافيين للاختيار، في عالم أكثر تعقيدًا، وفي مواجهة موجات عاتية من الحروب الفكرية والذهنية والمادية أيضًا، بينما تُخضع كنائس أرثوذكسية من العائلتين، وأيضًا الكنيسة الكاثوليكية، الرهبان لسلسلة من الدراسات النظامية تمتد لنحو عشر سنوات سواء في معاهدها أو من خلال بروتوكولات مع الجامعات المدنية (فيما يتعلق بعلوم الإدارة والعلوم الإنسانية)، أو مع الكليات اللاهوتية الموثوق بها والمشهود لها.
قد اعتدت في القضايا التي أتناولها، أن أعرض الإشكاليات التي تعترضها أو تعوقها ثم اتبعها بما أظنه مخارج وحلول قابلة للتنفيذ، بغير وصاية على القائمين عليها، باعتبارهم أصحاب القرار ومن يديهم يُطلب بيان التعاطي معها وفق القواعد والمحددات التي أقرتها الكنيسة في قوانينها.
ربما حان الآن وقت الخروج من مأزِق شخصنة أزمة الكنيسة المعيشة، واختزالها في شخص أو أشخاص بعينهم، وعلينا أن نبحث في الأسباب الموضوعية لها وتفكيكها بهدوء وأمانة. ودليلي على هذا أن أقطاب شباب أربعينيات القرن العشرين الذين دانت لهم السلطة في الكنيسة وفي مقابلهم نظرائهم المناوئين لرؤاهم ومدرستهم، كلاهم غادروا الحياة ومع ذلك بقيت الأزمة وبقي الصراع وبقيت المصادمات، وما زالت السفينة تقاوم الغرق، وما زلنا نواجه “من داخل خصومات ومن خارج مخاوف”!!
الأقطاب رحلوا وبقي ما زرعوه، ليس في دائرة الأفكار وحسب بل في دوائر الصدام الذي تصاعد ليصنع جدارًا سميكًا من الكراهيَة. وقد عرضنا قبلًا للمناخات والطموحات التي شكلت أقطاب المواجهة ومدخلات تكوينهم الذهني والفكري التي انتهت إلى ما صاروا عليه. وهو صدام صار خبز يومنا نصحو عليه ونبيت به.
نحن ككنيسة معاصرة نملك ما لم يتوفر لطيف كبير من أقطاب الصراع، ربما بفعل الثورة الرقمية، وتطور حركة التَّرْجَمَةً، بفضل مؤسسات أكاديمية كرست جهدها في مثابرة لوصل ما انقطع ونقلت لنا المخطوطات الأساسية التي تحمل فكر الكنيسة الجامعة ورؤيتها في القضايا الإيمانية الأساسية، ودقائق وعيها اللاهوتي والكتابي والآبائي.
وتأسيسًا على ذلك تأتي مسئولية الكنيسة المؤسسة، بالعمل على إنشاء آلية تضم كل ما تم تحقيقه وتعريبه وترجمته من كتابات الآباء في القرون الميلادية الخمسة الأولى ـ على غرار تجرِبة معهد الدراسات القبطية التي قام بها مجموعة من الأساتذة الجامعيين في حبرية البابا يوساب الثاني ـ وتكليف مجموعة من الباحثين والخبراء اللاهوتيين، من أبنائها، لوضع دستور محدّث ومنضبط للإيمان القبطي الأرثوذكسي، يضع نقطة في نهاية سطر الارتباك والخلاف تهيئة لبدء صفحة سلامية بناءة.
وما زالت المشاهدات ممتدة فيما نراه تفكيكًا للإشكاليات المتراكمة.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨