المقال رقم 55 من 55 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة
«( تاريخ الإخوان والسلطةwp-content/uploads/2024/09/تاريخ-الإخوان-والسلطة.webp

في وقت متأخر من ليلة 6 يونيو، اعتدى مخبرَا شرطة هما محمود صلاح وعوض إسماعيل على الشاب الإسكندري خالد سعيد بالضرب عند دخوله مقهى إنترنت بالقرب من منزله، بسبب مقطع فيديو نشره خالد سعيد على الإنترنت سابقًا، يفضح فيه فساد ضباط قسم الشرطة القريب. هاجمه الشرطيان، وأمسك به أحدهما وقيد حركته من الخلف والآخر من الأمام، وعندما حاول خالد تخليص نفسه منهما، ضرباه بعنف وحطما رأسه برُفٍّ رخامي في المقهى، وحينها حضر صاحب المقهى وطالبهما بالتوقف والخروج فورًا. أخذ الشرطيان خالدًا معهما إلى مدخل عمارة مجاورة للمقهى حيث تناوبا عليه بالضرب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة أمام العديد من شهود العيان في منطقة سيدي جابر.

كان الدكتور أول من نشر صور وجه خالد سعيد وفكّه المهشّم جرّاء التعذيب بعد وفاته على صفحته على فيسبوك يوم 8 يونيو، وعن طريقه تناقلها الجميع، وأثار مقتل خالد سعيد موجة غضب شعبية في مصر وردود أفعال من منظمات حقوقية عالمية، تلتها سلسلة احتجاجات سلمية في الشارع في الإسكندرية والقاهرة، نظّمها نشطاء حقوق الإنسان الذين اتهموا الشرطة المصرية باستمرار ممارسة التعذيب في ظل حالة الطوارئ، ووصف حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، خالد سعيد بأنه “شهيد قانون الطوارئ”، مبيّنًا أن حالة الطوارئ المفروضة في مصر منذ عام 1981 تعطي أفراد الأمن الحق بالتصرف كما يشاؤون مع من يُشتبه بهم.

أتى مقتل خالد سعيد حلقةً في سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان على يد الشرطة في مصر، ووثَّقت المنظمات الحقوقية المصرية والعالمية تصاعد وتيرتها في السنوات الأخيرة السابقة كردِّ فعلٍ للدولة الأمنية على زيادة القلق الشعبي، وازدياد وتيرة الاحتجاجات الشعبية على الظروف المعيشية والسياسية، وتنامي انخراط قطاعات واسعة من الشباب في العمل السياسي والحراك الاجتماعي والصحافة الشبابية التي ترصد إخفاقات المسؤولين وفساد الحكومة وانتهاكات حقوق الإنسان، لكنَّ هذا العنف غير الي لم يوقف المحتجين الشباب، فاتخذوا من مقتل خالد سعيد نفسه رمزًا للاحتجاج والصمود الذي امتد من يوم 9 يونيو ليبلغ الذروة يوم الجمعة 25 يونيو، حيث تصاعدت الدعوات لمظاهرات بالإسكندرية ووقفات احتجاجية في العاصمة نفسها.

وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا للرد على الاتهامات الموجهة لضباط ومخبري قسم سيدي جابر في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بناءً على التقرير الملفق الذي كتبه د. السباعي أحمد السباعي، كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعي في مصر. كان د. السباعي قد شارك في اللجنة الثلاثية المشكلة من مصلحة الطب الشرعي لتشريح جثة خالد سعيد، وتنصلت وزارة الداخلية في بيانها من المسؤولية عن وفاة المواطن خالد سعيد صبحي، واتهمت النشطاء الحقوقيين والمعارضة بالترويج من خلال وسائل إعلامية، والادعاء بأن رجال شرطة سريين قد اعتدوا عليه وتسببوا في وفاته على نحو مخالف للحقائق.

أكدت الداخلية أن المحضر الذي حرره ضابط الشرطة الموجود بالقسم، وحمل رقم 7438 إداري سيدي جابر، أنه في أثناء تفقد عريف الشرطة محمود صلاح وزميله عوض إسماعيل الحالة الأمنية في المنطقة، شاهدهما الضحية في أثناء جلوسه في مقهى إنترنت، وما إن رآهما حتى أسرع بالهروب من مكانه، وأثناء ذلك ابتلع كيسًا بلاستيكيًا ملفوفًا. وتابع البيان: إن وفاة خالد سعيد جاءت بعد تعاطيه لفافة مخدرة، أكد ذلك خمسة شهود، منهم صديقه الذي كان يرافقه، المواطن محمد رضوان عبد الحميد، ورجل الإسعاف الذي حاول إسعافه قبل نقله من الطريق العام بسيارة الإسعاف إلى المستشفى. كما أكدت تحقيقات النيابة في الواقعة، على نحو قاطع، توافقها مع نتيجة التقرير المبدئي للطب الشرعي، الذي تضمن أن الوفاة نتيجة إسفكسيا الخنق، نتيجة انسداد القصبة الهوائية باللفافة التي حاول ابتلاعها. وأضاف البيان: أن المذكور كان مطلوبًا لتنفيذ حكمين بالحبس صادرين في قضيتي سرقة، والأخرى حيازة سلاح أبيض، وأنه سبق ضبطه في أربع قضايا سرقة وحيازة سلاح، كما أنه مطلوب في القضية رقم 333 لسنة 2008 بتهمة الهروب من الخدمة العسكرية، فضلًا عما تضمنته أقوال والدته في التحقيقات من أنه معتاد على تعاطي المواد المخدرة. وأضاف البيان: أن تلك الادعاءات المغرضة قد تغافلت عن عمد جميع الحقائق، وتمادت في الترويج للكذب والتضليل في محاولة للإساءة لجهاز وطني يضطلع بمهامه رجال الشرطة بكل مثابرة ودأب، التزامًا بواجبهم بالإسهام في تنفيذ القانون وحماية المصالح العامة والخاصة.

جاء البيان مستفزًا للجماهير الغاضبة، وبدلًا من أن يمتص الغضب الشعبي ضاعفه مئات المرات. لاحقًا، وبعد ثورة 25 يناير، وفي 4 مايو 2011، أصدر رئيس الوزراء المصري د. عصام شرف قرارًا بإقالة الدكتور السباعي بعد ضغوط شعبية بسبب تلفيقه تقارير قتلى ثورة 25 يناير، ومن قبلها تقرير وفاة الشاب خالد سعيد، الذي كان أحد أبرز أسباب اندلاع الثورة المصرية. وكشف الإعلامي يسري فوده في حلقتي 26 و 27 أبريل 2011 على فضائية ON tv اعتراف السباعي بأنه كان يعمل بأوامر من جهاز أمن الدولة. وكان فريد حشيش، المحقق بمصلحة الطب الشرعي، قد كشف عن أن السباعي كثيرًا ما كان يتدخل في عمل الأطباء الشرعيين الذين يعملون تحت رئاسته بهدف التغيير في التقارير الخاصة بالصفة التشريحية أو الخاصة بعمليات التزييف والتزوير.

لاقى البيان الصادر من الداخلية انتقادات كثيرة، نظرًا لعدم صدور تقرير الطب الشرعي النهائي لحظة صدوره. كما أنه خالف روايات شهود العيان المتفقة على قيام المخبرين بالاعتداء على خالد إلى أن فارق الحياة على أثر إصاباته من شدة التعذيب. إضافة إلى هذا، فالبيان احتوى على اتهامات لخالد بأنه متهرب من الخدمة العسكرية، وهو ما يخالف مستندات أظهرها ذوو خالد تؤكد أداءه الخدمة العسكرية، ومنها جواز السفر الخاص به، الذي يستحيل استخراجه إن كان صاحبه متهربًا من الخدمة العسكرية. وكذلك أوراق التجنيد الخاصة به تشير إلى أنه أتم فترة تجنيده كجندي بمديرية أمن الإسكندرية، وكذلك أوراق تأسيسه شركة استيراد وتصدير باسمه وملف ضريبي وبطاقة استيرادية باسمه أيضًا. ونفت والدته تعاطي ابنها أي نوع من أنواع المخدرات، مستغلين قبول معظم المصريين لفكرة أن تعذيب البلطجية والمجرمين هو أمر مبرر.

المشاركة في المظاهرات تتضمن جملة من المفاسد لا تكاد تنفك عنها، منها الهتافات الباطلة مثل “الحرية” و”الة”، ومنها احتمال سفك الدماء وجرح المتظاهرين أو الشرطة، ومنها الاختلاط بين الرجال والنساء. [1]

(، أنا السلفي، يونيو ٢٠١٠)

في نفس الوقت، كانت أبواق مبارك تتباری في الدفاع عن الداخلية، فأطلق الإعلاميان خيري رمضان وتامر أمين لقب “شهيد البانجو” على خالد سعيد، كمحاولة للنيل من سمعته وإظهاره على أنه من محترفي الإجرام، وأطلقت عليه الحكومية نفس اللقب.

كرد فعل على الأحداث، ظهرت صفحة على موقع فيسبوك سُمّيت أنا اسمي خالد محمد سعيد أنشأها مجموعة من النشطاء الشباب، لكن خطابها كان تصادميًا. فقام “وائل غنيم”، مدير التسويق في شركة جوجل Google، في 10 يونيو 2010 بتأسيس صفحة مماثلة أطلق عليها كلنا خالد سعيد على موقع فيسبوك، رافضًا الإفصاح عن شخصيته كمدير للصفحة خشية الملاحقة الأمنية حتى مع كونه يعيش خارج مصر. وبعد دقيقتين من إنشاء الصفحة اشترك بها 300 مشترك، وتجاوزت الصفحة حاجز الـ 3000 عضو خلال أقل من ساعة واحدة، وفي أول يوم بلغت 36000 مشترك، و 184000 خلال 10 أيام من نشر خبر مقتل خالد سعيد، وهي أعداد ضخمة مقارنة بذلك الوقت، مما يدل على حالة الغضب الشعبي الذي تصاعد عبر موقع الفيسبوك.

وشهدت تعليقات الأعضاء حالة من الغليان والاعتراض، وأعتبر النشطاء مقتل خالد دليل إدانة جديد ضد تمديد قانون الطوارئ الذي سمح للمخبرين بهذا التعامل السادي. وبعد أيام قليلة من إنشاء وائل غنيم للصفحة، دعا أحد أصدقائه الإلكترونيين، الذين وثق بهم وقتها، وهو عبد الرحمن منصور للتطوع كمشرف ثانٍ لها. كان عبد الرحمن قد اشترك مع وائل قبل ذلك في إدارة صفحة على فيسبوك لدعم د. ، وقامت صفحة كلنا خالد سعيد بتدشين فكرة الوقفات الصامتة الاعتراضية في كل محافظات مصر بناءً على مقترح أرسله أحد مشتركي الصفحة ويدعى محمد عيسى، بدون نشر اسم صاحب الفكرة حرصًا على سلامته الشخصية.

الفكرة من الوقفة الصامتة هي التجمع الصامت وارتداء السواد حزنًا على حال مصر وعلى مقتل خالد سعيد على كورنيش النيل في كل محافظات مصر في نفس الوقت وقراءة المصحف أو الإنجيل وعدم رفع أي شعارات سياسية من أي نوع لضمان عدم الاحتكاك مع الأمن، فلاقَت الفكرة رواجًا كبيرًا خصوصًا بين الشباب غير المُسيّس، فمن ناحية هو لا يقوم بأي عمل مخالف يمكن أن تعترض عليه الشرطة، فارتداء السواد ليس بجريمة على أي حال، بالتالي لا يتعرض المشارك لأي نوع من المخاطر، وكونه يحمل مصحفًا أو إنجيلًا إنما يكسب صاحبه نوعًا من الحصانة والثقة، كان الهدف فقط هو تشجيع الشباب على النزول إلى الشارع رويدًا رويدًا لكسر حاجز الخوف من الأمن، فانتشرت الفكرة كالنار في الهشيم.

جاءت الوقفة الأولى يوم 18 يونيو، والثانية يوم 25 يونيو على كورنيش الإسكندرية، التي شارك فيها د. البرادعي شخصيًا مع د. أيمن نور، والإعلامية بثينة كامل، والفنان خالد أبو النجا، والوقفة الثالثة في 9 يوليو. حتى أن أربعة شباب مصريين قد وقفوا متشحين بالسواد على كورنيش الخليج العربي بدولة قطر لدعم القضية، وصنعت الوقفة الضجة المطلوبة في الإعلام. فوجود صف واحد من الشباب المتشحين بالسواد يصل طوله إلى أكثر من 4 كيلومترات ليس بالشيء الذي يمكن أن يستهين به الإعلام، ولا النظام أيضًا. وتكررت الوقفات مرات متتالية، وفي سبتمبر 2010 وصل عدد المنضمين للصفحة إلى أكثر من ربع مليون عضو في أقل من ثلاثة شهور، وتقرر إنشاء صفحة أخرى تحمل نفس العنوان باللغة الإنجليزية لحشد الدعم للقضية من مختلف الناس حول العالم.

‎ ‎ هوامش ومصادر: ‎ ‎
  1. ياسر برهامي: ما حكم المشاركة في المظاهرات؟ وما حكم المظاهرات بصفه عامة؟ موقع أنا السلفي بتاريخ 8 يونيو 2010. [🡁]

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي 0 حسب تقييمات 0 من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 اللعب على الطرفين
بيشوي القمص
[ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎