- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- تنظيم ٦٥
- إعلام المؤامرة
- السادات رئيسا
- عودة الروح
- دولة العلم والإيمان
- من الجماعة إلى الجماعة
- دماء جديدة في جسم منهك
- التنظيم الدولي
- الانقلاب على السادات
- مبارك رئيسا.. بالصدفة
- سياسات مبارك مع الإخوان
- سياسات مبارك مع المعارضة
- قضية سلسبيل
- إيد واحدة
- الوريث
- إعادة توزيع المعارضة
- حركة كفاية
- الانتخابات الرئاسية ٢٠٠٥
- الانتخابات البرلمانية ٢٠٠٥
- مبادرة الإصلاح ٢٠٠٦
- ☑ هايدلينا والسلام والميليشيات
قضية هيديلينا كان بطلها شركة هيديلينا لتوريد المستلزمات الطبية المملوكة للدكتور هاني سرور، نائب مجلس الشعب عن الحزب الوطني الحاكم عن دائرة الظاهر، والمسماة على اسم ابنته هايدي. واتُهمت الشركة بالدخول في مناقصة بغير وجه حق لتوريد أكياس دم لوزارة الصحة المصرية، ورُسيت المناقصة على الشركة، إلى أن اكتُشف أن أكياس الدم الموردة ملوثة ومعيبة وغير مطابقة للمواصفات المحلية والعالمية.
بناءً على بلاغ من مباحث الأموال العامة، والمتضمن بلاغ بعض موظفي وزارة الصحة عن ارتكاب مخالفات في توريد أكياس الدم من شركة هايدلينا إلى إدارة شؤون الدم ومشتقاته بوزارة الصحة، قامت النيابة العامة المصرية، بعد توافر عناصر الجدية في التحريات، باتخاذ الإجراءات القانونية. لم تبدأ النيابة أي إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى إلا بعد الحصول على إذن من مجلس الشعب ليشمل الأدلة وقائع الاتهام ضد عضو مجلس الشعب هاني سرور، وذلك مراعاةً لأحكام القانون والدستور. وأكدت النيابة العامة أن شركة هايدلينا تقدمت دون وجه حق بعرض في المناقصة الطبية مع الوزارة، مع أن الشركة ليس لها سابقة في توريد صنف أكياس الدم ومستلزماتها لوزارة الصحة، وهو الشرط الحاسم بقواعد الدخول في المناقصة.
ساعد الشركة في الالتفاف حول ذلك الشرط، المتهمين: الأول؛ حلمي صلاح الدين، والثاني؛ محمد وجدان، وهما موظفان عموميان تخليا عن التجرد والنزاهة اللذين من المفترض أن يتحليا بهما في عملهما العام. وتمت إحالة المتهمين إلى المحاكمة بعد أن كشفت تحقيقات النيابة عن وجود ميكروبات وفطر وعفن داكن داخل أكياس الدم، وانبعاث رائحة من بعضها؛ مما يؤدي إلى تسمم دم المريض وقد يؤدي إلى الوفاة. وأشارت النيابة العامة المصرية إلى أن اللجان الفنية المختصة أعدت تقريرًا كشفت فيه عن وجود عيوب فنية في الأكياس الموردة، مما يؤدي إلى تعرض المتبرعين للإغماء لزيادة معدل تدفق الدم عن المعدل الطبيعي، وحدوث تجلطات بالدم، وتعرض أكياس الدم للانفجار أثناء فصل مكونات الدم.
جاء في قرار الإحالة أن المتهمين حلمي صلاح ومحمد وجدان، بصفتهما موظفين عموميين بوزارة الصحة، حصلا على منفعة وحاولا الحصول على ربح لغيرهما بدون وجه حق من عمل من أعمال وظيفتهما في الفترة من 3 سبتمبر 2005 حتى 27 أغسطس 2006. ومكنا المتهمين هاني ممدوح سرور وشقيقته نيڤان من الحصول على منفعة بدون وجه حق، عن طريق قيام المتهمين الأولين بإتمام إجراءات ترسية مناقصة توريد قرب الدم لوزارة الصحة، التي أجريت في 3 سبتمبر 2005، على شركة هايدلينا بزعم مطابقتها للمواصفات على خلاف الحقيقة. وحجبا الشكاوى الواردة بكتاب المركز القومي لنقل الدم والمقدمة من مديري بنكي الدم بمستشفى فاقوس ومنشية البكري حول ما بقرب الدم موضوع المناقصة من عيوب، تمثلت في زيادة درجة استطالة المادة المصنع منها قرب الدم، مما يؤدي إلى تعرض المتبرعين للإغماء لزيادة معدل تدفق الدم، وتؤدي إلى حدوث تجلطات.
وسارت القضية من محكمة إلى محكمة، ومن جلسة إلى جلسة. وفي 15 أبريل 2008، صدر الحكم في القضية من محكمة جنايات القاهرة ببراءة جميع المتهمين، وأُغلقت القضية.
العبارة السلام 98
في الساعات الأخيرة من يوم 2 فبراير، اشتعل حريق طفيف بالعبارة السلام 98 في عرض البحر، وهي في طريقها من ميناء ضباء السعودي إلى ميناء سفاجا المصري. لم يلبث أن امتد الحريق إلى باقي العبارة في دقائق قليلة، وسرعان ما بدأت العبارة في الغرق مع بداية يوم الثالث من فبراير. غرقت العبارة السلام 98 المملوكة لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل ونجله عمرو على بعد 75 ميلاً من شاطئ الغردقة على ساحل البحر الأحمر، وعلى متنها 1415 راكبًا وبحارًا و220 سيارة.
1415 مصريًا ظلوا يصارعون الموت في مياه البحر لمدة خمس ساعات كاملة، ولم تتدخل وحدات الإنقاذ لانتشالهم إلا بعد مرور 17 ساعة من غرق العبارة بعد أن صاروا جثثًا هامدة. بينما أكد العديد من الركاب أن القبطان كان أول من غادر العبارة وأنهم شاهدوه يغادر العبارة على متن قارب صغير مع بعض معاونيه. وقد هرب وترك سفينته والركاب مستخدمًا قاربًا صغيرًا يسع ثلاثين شخصًا لوحده. في نفس الوقت الذي كان فيه الرئيس المصري يجلس في ستاد القاهرة ليستمتع بمباراة مصر والكونغو، ويهلل مع كل هدف يحرزه الفريق المصري في مرمى خصمه ويلتقط الصور التذكارية مع اللاعبين.
كارثة العبارة لم تبدأ يوم غرقها، وإنما بدأت يوم أن سمحت إدارة الموانئ المصرية بدخول سفن متهالكة لا يوجد عليها أي تفتيش يذكر من هيئة السلامة البحرية، اللهم إلا التفتيش الصوري المعتاد في إطار منظومة الفساد والفوضى.
عدد ركاب العبارة المُعلن عنه رسميًا هو 1600 راكب. غرق منهم 1415 راكبًا وبحار، حسبما أشارت المصادر الرسمية للدولة. بينما العدد الحقيقي للغرقى لا يعلمه إلا الله. ذلك لأن شركة السلام، مالكة العبارة الغارقة، كانت تقوم بعمل مميز ومتكرر قبيل انطلاق أي عبارة مملوكة لها. فكانت تسمح لأي راكب بركوب العبارة قبل انطلاقها بساعتين من الزمن مقابل 100 ريال سعودي (ما يقرب من 200 جنيه مصري في ذلك الوقت)، مثلما تفعل الميكروباصات في مصر.
بعد غرق العبارة، كان المشهد أكثر مأساوية وسوداوية. فقد عانى أهالي ضحايا العبارة الأمرين في ظل تعتيم وغياب تام للمعلومات عن مصير الضحايا، بل إن مجرد طلب المعلومة كان يُترجم إلى إهانات وأذى بدني بمعرفة قوات الأمن المصرية. حتى في محاكمة المسؤولين لعبت الشرطة المصرية أقذر أدوارها التراجيدية على الإطلاق، فتواجدت الشرطة لتحمي محاميي ممدوح إسماعيل، مالك العبارة الهارب، واعتدت على أهالي الضحايا المكلومين بمناسبة وبدون مناسبة. أما حجم معاناة أسر الضحايا من هيئة موانئ البحر الأحمر ووزارة النقل وشركة السلام، فقد وصل إلى حد غير مسبوق، مما أدى إلى حدوث اعتداءات بين أسر الضحايا وقوات الأمن المصرية، وصلت إلى حد إلقاء الحجارة من أهالي الضحايا، في حين أن الشرطة المصرية قامت بإطلاق الخرطوش والغازات المسيلة للدموع عليهم، مما ضاعف من حنق الشارع على مبارك ونظامه أكثر فأكثر.
في كتابه الثورة التائهة
، يروي عبد العظيم حماد شهادة خطيرة من النائب حمدي الطحان عن لقاءات لجنة تقصي الحقائق بمسؤولي القوات المسلحة خلال إعدادها للتقرير الذي كان الرأي العام ينتظره بشغف. جرى اللقاء الأول يوم 16 فبراير 2006، وضم حمدي الطحان، ومحمد أبو العينين، وأمين راضي كممثلين للجنة. أما ممثلو القوات المسلحة الذين حضروا اللقاء، فكانوا كلا من اللواء مصطفى السيد، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة وقتها ومحافظ أسوان بعد الثورة، واللواء مختار السعيد، رئيس مركز البحث والإنقاذ بالقوات المسلحة آنذاك، واللواء ممدوح شاهين، رئيس فرع المؤسسات الدستورية والسياسية بالأمانة العامة لوزارة الدفاع وقتها، وشخص غير محدد الهوية يرتدي الملابس المدنية.
كانت البداية ساخنة جدًا، على عكس ما توقع الجميع. يروي الطحان أن اللواء السعيد قال إن الحادث وقع في منطقة لا تشكل جزءًا من منطقة البحث والإنقاذ الواقعة في دائرة اختصاص القوات المسلحة. فرد عليه الطحان بشكل قانوني قائلًا له إن مصر وقّعت على اتفاقيتين دوليتين تلزمانها بألا يكون البحث ضمن حدود المياه الإقليمية فقط. وعندما أسقط في يد اللواء السعيد من الناحية القانونية، إذا به يرد على الطحان بحجة أخرى، وهي أن الإدارة تتلقى مئات الإشارات المستغيثة للبحث والإنقاذ، ولا يمكن تلبيتها جميعًا. وقال بالعامية بسخرية واضحة: هو كل ما تيجي إشارة نطلع؟
فرد الطحان: يا سيادة اللواء، أنت ضابط.. فهل ما تقوله معقول؟
فرد بعدوانية واضحة: يعني إيه ضابط؟
فقال الطحان: بلاش ضابط، أنتم جيش.
فقال السعيد بدرجة عدوانية أعلى: عرّفني يعني إيه جيش؟
فقال الطحان، متمالكًا أعصابه: إن البلد تنفق على الجيش لغرض واحد هو الدفاع عن أمنها وأرواح أبنائها، وإذا لم يقم الجيش بهذا الواجب، فلا داعي إذن لوجوده.
ليحتدم الموقف، ويتدخل اللواء مصطفى السيد مقترحًا استراحة قصيرة لشرب القهوة.
بعد الاستراحة، استُدعي وفد اللجنة للقاء المشير طنطاوي في مكتبه. بعد ربع ساعة، دخل عليهم مشدودًا ومتجهّمًا، مما أوحى بأنه كان يتابع اللقاء من مكتبه بطريقة ما. فاجأ الجميع به يبادر الطحان بقوله: القوات المسلحة لا تُسأل ولا يُحقق معها؛ فهي فوق المساءلة وفوق التحقيق، وتحمي الشرعية، ولا يُؤتى بسيرتها حتى في مجلس الشعب
. جاء ذلك ردًا على ما قاله الطحان في مجلس الشعب من أن القوات المسلحة لم يكن لها أثر في اليوم التالي لوقوع الحادث. توقع المشير أن يسكت الطحان بعد كلامه، لكن فوجئ به يرد عليه بهدوء شديد قائلًا إنه لم يكن يوجه اتهامات، بل كان يسأل عن وقائع محددة حول تأخر القوات المسلحة في تلبية نداءات الاستغاثة. فرد المشير قائلًا: إن أحدًا لم يبلغ القوات المسلحة
. لكن رده كان مرتبكًا هذه المرة، مما جعل الطحان يدرك حينها أن المشير ليس بالحزم والصرامة اللذين حاول أن يبدو عليهما.
إدراك الطحّان جعله، فيما يبدو، لا يكتفي بما قاله المشير، بل يستغل فرصة مواجهته به ليثير نقطة أخرى في غاية الأهمية والأسى، وهي أن حادث غرق العبّارة وقع يوم الجمعة. ومع ذلك، فحتى صباح الأربعاء، لم يكلف أحد خاطره بإرسال سيارات ثلاجة لنقل جثث الضحايا، مما دفع الطحّان إلى الاتصال بزكريا عزمي، رئيس ديوان حسني مبارك، ليحث الجهات المسؤولة على إرسال عشر سيارات نقل مُبرّدة لنقل جثامين الضحايا إلى ذويهم لدفنها، بدلًا من تركها مُرصّصة في العراء، مما يفوق طاقة الاحتمال البشري، وبما يضاعف آلام الأسر والأقارب. وأنه بادر إلى الاتصال بمحافظ البحر الأحمر مطالبًا إياه بالطلب نفسه، لكن المحافظ تعلّل بأن محافظته لا تملك هذا النوع من السيارات، فقال له: استأجرها يا أخي!
، ولكن لا رئيس الديوان ولا المحافظ فعلا شيئًا.
سأل الطحان المشير: أين كانت إذن القوات المسلحة، وأنا أعلم أن لديها عددًا كبيرًا من هذه السيارات؟
وهنا، مرة أخرى، قال المشير: لم يعطنا أحد خبرًا، ولم يطلب منا أحد شيئًا
. والغريب أنه، بدلًا من أن يستغل المشير هذه الفرصة لبحث كيفية تفادي التقصير الذي حدث، قرر أن يلجأ إلى الطريق الأسهل من وجهة نظره، وهو البحث عن وجود دوافع خفية لدى الطحان تجعله يثير كل هذه الأسئلة. فإذا به يغير مجرى الحديث ويسأل الطحان: لماذا تتخذ موقفًا عدائيًا من القوات المسلحة؟
وكان من السهل على الطحان دحض هذه التهمة، لأنه خدم ضابطًا احتياطيًا، وكان من خريجي دفعة 1968 من كلية ضباط الاحتياط. ليستعيد الطحان الزمام قائلًا: كل ما نطلبه هو تقرير رسمي منكم يثبت هذه الحقائق، حتى نحاسب المقصرين الذين لم يبلغوكم
.
فيما بعد، أرسلت القوات المسلحة التقرير بالفعل، ولكنه كان مغلوطًا ومضللًا. ومع ذلك، كان بالغ الأهمية والفائدة، لأنه ادعى أن مركز البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة لم يتلقَ أية إشارات حول الحادث، لا هو ولا أية جهة تابعة للقوات المسلحة، وهو ما ثبت أنه كله مخالف للحقيقة. فقد تلقى هذا المركز وحده خمس إشارات، لأن نظام الإنذار المطبق به يعمل أوتوماتيكيًا. والأدهى أن جهاز الاستقبال في المركز أُغلق بفعل فاعل بعد الإشارة الخامسة. أما المحزن فهو أن القوات المسلحة لديها مركز آخر، تكلف إنشاؤه بمعونة أمريكية 100 مليون دولار، تحت مسمى جهاز مراقبة الشواطئ والسفن
، لخدمة الملاحة العالمية بين البحرين المتوسط والأحمر، التي تحمل كل عام حوالي 17 ألف سفينة. كان هذا المركز قد تسلم قبل حادث العبارة سبعة لنشات إنقاذ سريعة ذاتية الاعتدال، أي أنها تعود إلى وضعها الصحيح ذاتيًا إذا تعرضت لأي حادث يجعلها تنقلب في أثناء إبحارها. ولكن هذه اللنشات، مثلها مثل غيرها من معدات الإنقاذ الجوي والبحري، ظلت واقفة في أماكنها، بينما كان المصريون الفقراء يصارعون الأمواج طوال يومين كاملين حتى لقوا وجه ربهم ليشكو إليه ظلم حكامهم وقادتهم العسكريين.
وبمجرد الخروج من مبنى وزارة الدفاع، تطوع رجل الأعمال محمد أبو العينين بتصريح لم يستأذن فيه الطحان، بصفته رئيس اللجنة، كما سبق الاتفاق بينهما، حيث قال بأن محطة الاستغاثة الدولية التابعة لهيئة اللويدز
في الجزائر لم تبعث إلى مصر بإشارة الاستغاثة، وأن مصر سوف تحاسب الجزائر على هذا التقصير. وعلى الفور، بعث السفير الجزائري في القاهرة إلى جميع الجهات المعنية بخطاب رسمي موثق يفيد تلقي سفارته عدد 16 استغاثة من الجزائر، وأن جميع هذه الإشارات قد أُرسلت إلى الجهات المصرية المعنية. وبهذه الرسالة، يبلغ عدد الإشارات المرسلة من السفارة الجزائرية بالقاهرة 17 إشارة.
تقول الروايات الرائجة إن القواعد التي وضعها مبارك استلهامًا من القذافي لتأمين النظام من الانقلابات العسكرية كانت هي السبب في عدم قيام القوات المسلحة بدورها في إنقاذ ركاب العبارة. وقد ألمح إلى هذه القواعد الدكتور مصطفى الفقي في برنامجه التلفزيوني ‘سنوات الفرص الضائعة' قائلًا؛ إن سلاح الجيش المصري في مكان وذخيرته في مكان آخر والوقود في مكان ثالث، ولا بد من قرار من القائد العام شخصيًا للجمع بين الثلاثة للقيام بأي مهمة. ولما كان حادث العبارة قد وقع بعد منتصف الليل، فلم يجرؤ أحد على إيقاظ القائد العام وقائده الأعلى.(عبد العظيم حماد، الثورة التائهة)
تم تداول القضية على مدى 21 جلسة طوال عامين، استمعت خلالها المحكمة لمسؤولين هندسيين وبرلمانيين وقيادات في هيئة موانئ البحر الأحمر وهيئة النقل البحري. وصدر الحكم في قضية العبارة يوم الأحد 27 يوليو 2008 في جلسة استغرقت 15 دقيقة فقط ببراءة جميع المتهمين، وعلى رأسهم ممدوح إسماعيل، مالك العبارة، ونجله عمرو الهارب بلندن، وثلاثة آخرون هم ممدوح عبد القادر عرابي، ونبيل السيد شلبي، ومحمد عماد الدين، بالإضافة إلى أربعة آخرين انقضت الدعوى عنهم بوفاتهم. في المقابل، عاقبت المحكمة صلاح جمعة، ربان الباخرة سانت كاترين، بالسجن لمدة ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ ودفع غرامة بقيمة عشرة آلاف جنيه مصري بتهمة عدم مساعدة السلام 98.
ميليشيات شباب الاخوان
في ظهر يوم 10 ديسمبر 2006، احتشد المئات من شباب الإخوان أمام مبنى رئاسة جامعة الأزهر. قدم طلاب من الاتحاد الحر لجامعة الأزهر عرضًا في الفنون القتالية بأزياء شبه عسكرية، وهم يضعون الأقنعة السوداء على وجوههم أمام مكتب الدكتور أحمد الطيب، رئيس الجامعة. جاء ذلك على خلفية احتجاجهم على فصل خمسة من طلاب الاتحاد لمدة شهر، ورفضهم للتدابير التي اتخذتها إدارة الجامعة ضد طلاب الاتحاد الحر. هذا الاتحاد الذي شكله طلبة الإخوان في مواجهة الاتحادات الطلابية التي اعتبروها صنيعة أجهزة الأمن وإدارة الجامعات.
أرتدى نحو 50 طالبًا زيًا أسود، ووضعوا أقنعة على رؤوسهم مكتوبًا عليها صامدون
، وأجروا استعراضًا لمهاراتهم في لعبتي الكونغ فو والكاراتيه. بينما تابعت قوات الأمن العرض الذي اصطف فيه الطلاب في طوابير منظمة تشبه طوابير الميليشيات، وبدأ الطلاب اعتصامًا مفتوحًا في المدينة الجامعية شارك فيه نحو 3 آلاف طالب. وفي جامعة أسيوط، احتشد أكثر من 250 طالبًا من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أمام المبنى الإداري للجامعة في نفس التوقيت، احتجاجًا على فصل عدد من زملائهم واستبعاد العشرات منهم من الاتحادات الطلابية، وإحالة عدد آخر إلى مجالس تأديب. وأحالت جامعة أسيوط 24 طالبًا من المنتمين إلى الإخوان لمجالس تأديب بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة والمشاركة في المظاهرات والاتحاد الطلابي الحر.
في خطوة أولى، وبعد الحادث بيومين، وعقب نشر صور تلك الميليشيات في إحدى الصحف اليومية الخاصة، صرح عبد المنعم أبو الفتوح، عضو مكتب الإرشاد، أنهم ليسوا من الإخوان
. بينما ذهب حمدي حسن، المتحدث الرسمي باسم الجماعة في ذلك الوقت، إلى القول بأنهم قد يكونون مدسوسين على الجماعة
. في حين، قال رشاد البيومي، مسؤول الطلاب بمكتب الإرشاد، إنه لا يعتقد أن يكون لطلاب الإخوان أي علاقة بالأمر، وأن ثمة تحقيقًا داخليًا سيُجرى للتأكد من الموضوع
. وعندما انكشف للإخوان عدم جدوى مثل هذه التصريحات، سارع المرشد العام نفسه، مهدي عاكف، بالتبرير قائلًا: نعم، هم شباب الإخوان، لكنهم كانوا يقدمون عرضًا تمثيليًا للتسرية والترفيه عن زملائهم المصريين، ولم يُخبرونا بذلك، والأمر في النهاية لعب عيال
.
الجدير بالذكر أن بعض المحسوبين على التيار الليبرالي من السياسيين، أمثال الدكتور عمار علي حسن والدكتور وحيد عبد المجيد، أصروا على إطلاق وصف عرض رياضي
على ما حدث خلال فيلم تسجيلي عن الإخوان المسلمين على قناة الجزيرة. بينما أصر الدكتور عمرو حمزاوي على وصف الحادث بوصفه الحقيقي: ميليشيات الأزهر
وليس عرضًا رياضيًا على الإطلاق. ثم كان المشهد الثالث: بيان الاعتذار الذي قدمه طلاب الإخوان، كاشفًا للكذب البين للتصريحات السابقة جميعها:
نجد لزامًا علينا أن نعتذر لزملائنا وأساتذتنا، وها نحن أمام أمر محمود في تاريخ الإخوان [يقصد الاعتذار]، وما أقدمنا على ذلك [يقصد الاستعراض القتالي] إلا بعد أن سُدت في وجوهنا الأبواب وفصل زملاؤنا.(بيان إعتذار طلبة الإخوان المسلمين)
ببساطة، يؤكد بيان الاعتذار على أن العرض كان يحمل رسالة، ويُراد به أن يوصل معنى التهديد والوعيد والردع لفصل زملائهم.
في تصريح أخير حول واقعة الميليشيات، قال مهدي عاكف في حوار مع جريدة الدستور في 18 ديسمبر 2006: أن هذا العرض سبق تكراره في مناسبات عديدة وفي أماكن مختلفة في السنوات الأخيرة
، وتعجب عاكف مما صاحب عرض الأزهر الأخير من ضجة وانتقادات في حين أنه لم يحدث بالمثل مع عروض سابقة
على حد تعبيره، ويرى في ذلك نزعًا من “التربص” بالإخوان. وفي 14 ديسمبر 2006، قُبض مرة أخرى على خيرت الشاطر وحسن مالك ومحمد علي بشر، ومعهم 37 من أهم قيادات الإخوان في القضية رقم 963 لسنة 2006، بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة ومحاولة اختراق الأزهر على خلفية العرض العسكري الذي أداه طلاب الإخوان في جامعة الأزهر. وعُرض الشاطر على القضاء المدني الذي برأه 3 مرات، فأمر حسني مبارك بإحالتهم لمحاكمة عسكرية سرية واستثنائية تمامًا في 5 فبراير 2007، ومُنِع فيها التصوير وكافة وسائل الإعلام.
في 15 أبريل 2008، أصدر القاضي اللواء عبد الفتاح عبد الله حكمه بالسجن على 25 متهمًا، وبالبراءة على 15 متهمًا. وقد حُكم على خيرت الشاطر وحسن مالك بالسجن 7 سنوات، وعلى يوسف ندا، المفوض السابق للعلاقات الدولية في جماعة الإخوان المسلمين، بالسجن 10 سنوات. والمثير للسخرية أن اثنين من القضاة العسكريين الثلاثة الذين حكموا على يوسف ندا غيابياً في عام 2005، كانا عضوين في المجلس العسكري الذي حكم مصر بعد تنحي مبارك، الذي تعاون مع جماعة الإخوان المسلمين تعاونًا تامًا حتى انتهى الأمر بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر. وقد وقع على الحكم آنذاك اللواء حسن الرويني، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤