المقال رقم 41 من 42 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

في نهاية الثمانينات، تعالت الاتهامات ضد زكي بدر، وزير الداخلية الأسبق، بعد سلسلة من فضائح التعذيب المنظم والممنهج داخل السجون والأقسام المصرية. فتقدم أربعة من نواب حزب الوفد بطلب استجواب للوزير، حول بعض التجاوزات بحق المعارضين السياسيين والتعرض لحياتهم الخاصة، وفي مقدمتهم ، زعيم حزب الوفد الجديد.

بالفعل، خضع الوزير الذي تمتع بحماية رئيس مجلس الشعب آنذاك، ، للاستجواب في جلسة 20 فبراير 1989. لم ينفِ الوزير تهمة التجسس على حياة المواطنين، ولم يبررها بأي اعتبارات من المصلحة العليا، بل ردّ على الاستجواب. وبدلًا من أن يرد على الانتهاكات الموجهة إلى وزارته، بدأ يتلو ما قال إنه تفريغ لمقطع من مكالمة هاتفية جرت بين الصحفي في الوفد آنذاك، أيمن نور، والصحفي مصطفى بكري، تتضمن كلامًا يمس رموزًا في حزب الوفد، من بينهم رئيسه شخصيًا.

ثم تفرغ لمهاجمة زعيم الوفد قائلًا: سيبني أقول على فؤاد سراج الدين… خليني أقول لك على فؤاد سراج الديــــــــــــــــن، أقول لك إسماعيل واد طري وفيه شوية نسونة، [يقصد النائب المعارض إسماعيل شكري]. فقام النائب الوفدي علي سلامة واتجه إلى المنصة محاولًا لفت انتباه رئيس المجلس المتغافل عن تلك الإهانات والتجاوزات، ومعترضًا على بث أسرار الناس. فما كان من الوزير إلا أن استهزأ به قائلًا: اقعد يا علي، كأنه يخاطب طفلًا، وسط سلبية غير عادية من رئيس المجلس وهياج المجلس كله الرافض لهذا التجاوز.

أكمل الوزير حديثه، متصنعًا التأثر الذي حاول رسمه على وجهه، وهو يقول بسخرية: أيها الأخوات والأخوة… باقي الحديث خطير… يمس أعراض ويمسّ رئيس الحزب [يقصد فؤاد سراج الدين] شخصيًا وأسرته، ونكتفي بهذا القدر. فتقدم أحد النواب إلى المنصة التي يتحدث منها الوزير محاولًا منعه من الاستمرار، فقام وزير الداخلية بلطمه على وجهه في سابقة لم تحدث من قبل، وهاجت القاعة وماجت. فما كان من رئيس المجلس، د. رفعت المحجوب، إلا أن طرد النائب الذي اعتدى عليه وزير الداخلية، قائلًا: يخرج بره… يخرج بره… هذا العضو يخرج خارج المجلس… أخرجوا هذا العضو خارج المجلس فورًا….

في نفس الوقت الذي يصر فيه زكي بدر على استكمال هجومه على النواب، ومن خلفه رفعت المحجوب يعضده قائلًا: أكمل يا سيادة الوزير… أكمل… سيكمل… سيستمر الوزير… السيد الوزير يكمل حديثه، فإذا بالوزير يكمل حديثه ويعتدي لفظيًا على النائب الوفدي طلعت رسلان تحديدًا قائلًا: اقعد يا خول يا ابن الشرموطة. هنا قفز النائب الوفدي طلعت رسلان من مقعده نحو المنصة التي يعتليها زكي بدر، وأمسك بكتفه الأيسر قائلًا له: كفاية كده، اخرس يا كلب. وجذب زكي بدر من كتفه، فما كان من الأخير إلا أن لطمه على وجهه، وأقدم على خلع حذائه لضربه. وإذا برئيس المجلس د. رفعت المحجوب يقرر طرد رسلان من الجلسة وتحويله للجنة القيم، ويصر على إكمال الجلسة، وإحباط المخطط المزعوم لإفساد الجلسة حسب زعمه، وقال: ما كنا لن نستمع إليه، سنستمع إليه… ما كنا نطالب بعدم الاستماع إليه، ستستمعون إليه كاملًا… وعلى نفسها جنت براقش… أكمل يا سيادة الوزير. فيثور المجلس كله ويبدأ في الصياح.

يستجيب رفعت المحجوب رئيس المجلس تحت الضغط، ويستجدى الوزير أن يتوقف عن إكمال انتهاكاته قائلًا: سيادة الوزير… لي رجاء أن نتوقف عند هذا القدر ويُوضع في المضبطة… رجائي الشخصي…. إلا أن زكي بدر تجاهل استجداء رئيس المجلس وأكمل: وفؤاد سراج الدين وعائلته… وليلى المغازي [مديرة منزله] والباقي كله…. فيصيح أحد النواب اعتراضًا على انتهاك الأعراض بتلك الصورة الفجة تحت قبة المجلس الذي ما عاد موقرًا، فينهره وزير الداخلية قائلًا: اقعد يلعن أبوك ابن كلب… اقعد يا وسخ… يا ابن الشرموطة… اقعد… خليني أوريكو بيوتكم إيه… يا شراميط… اقعدوا….

السيد الدكتور رئيس المجلس… السيدات والسادة الأعضاء… أقول أمام هذا المجلس الموقر… إن كل المحاولات التي تتجه إلى الشرطة… عقيمة وفاشلة… فلن ترتعش أيدينا، ولن تتخاذل قراراتنا… وطالما نلتزم بالقانون، فقوتنا حق وسلطتنا عدل، وإجراءاتنا هي ألزم الضرورات للحفاظ على جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية وسلامنا الاجتماعي… أقولها في ختام كلمتي… طالما بقي فينا قلب يخفق وعرق ينبض، فلن يشيع الخوف بدلًا من الأمن، ولن تنتشر الفوضى عوضًا عن الاستقرار، ولن تقوم النفعية والانتهازية مكان الشرعية والنظام… عاشت مصر… عاشت مصر… عاشت مصر… وعاش الرئيس محمد … ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته… يلعن أبوكو خولات ولاد كلب.

(زكي بدر، وزير الداخلية، في جلسة استجوابه بمجلس الشعب)

ثم يكمل د. رفعت المحجوب رئيس المجلس: جاءني اقتراح موقع عليه من 57 عضوًا بالآتي: قفل باب المناقشة، والانتقال إلى جدول الأعمال، وتأكيد الثقة بالسياسة الأمنية التي تنتهجها الحكومة، وتأكيد الثقة بوزير الداخلية وجهاز الشرطة الذي يقوم بتنفيذ هذه السياسة… الموافق يتفضل برفع يده. موافقة. رفعت الجلسة.

الإخوان والأقباط

على الجانب الآخر، لم يسلم الأقباط من محاولات التحالف الإخوانية لتحقيق أهدافهم السياسية، على الرغم من الاختلاف الكامل والتام في الأيديولوجيات والفكر والمنهج والمبادئ العامة لكل من الطرفين. والشاهد على ذلك محاولتان للحوار، حسبما نشرت جريدة الأهالي ما نصه:

إن بعض محاولات التحالف بين الإخوان وبعض الأقباط بصفتهم الشخصية، وليس كممثلين للأقباط، الأولى كانت في عام ١٩٩١ واستمرت لمدة ثلاث أشهر، وكانت المقابلات تتم كل يوم ثلاثاء.

كان يمثل الجانب القبطي د. [الكاتب السياسي وأستاذ الهندسة الإنشائية بكلية الهندسة]، وأمين فخري عبد النور [القيادي الوفدي]، والمستشار ، وأنطون سيدهم [مؤسس ]، وفيليب جلاب [رئيس تحرير جريدة الأهالي السابق]، وماجد عطية [الصحفي والمحرر الاقتصادي]. وكان يمثل الإخوان [المرشد العام]، و [نائب المرشد]، و [المفكر الإسلامي]، وسيف الإسلام ، وصلاح عبد المقصود [الذي صار لاحقًا وزيرًا للإعلام في عهد ].

وقد انسحب المرحوم أنطون سيدهم بعد الجلسة الأولى نافرًا من لغة الحوار المشبعة بالمصطلحات الإسلامية، وانسحب المرحوم فيليب جلاب بعد الجلسة الثانية قائلاً: إنّ الحوار مع الإخوان مثل الحرث في البحر. وبعد ثلاثة أشهر، لم يصل المجتمعون إلى نقطة اتفاق واحدة.

(جريدة الأهالي)

كانت المحاولة الثانية عام ٢٠٠٧، بين يوسف سيدهم وأمين فهيم وبعض قيادات الإخوان، وبترتيب من محمد عبد القدوس. وانتهت بدون نتائج أيضًا. وكانت أقرب إلى حوار شخصي مع المهندس يوسف سيدهم، أرادوا منه استخدام جريدة وطني لتقديم صورة مختلفة عنهم للأقباط.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 سياسات مبارك مع الإخوان[الجزء التالي] 🠼 قضية سلسبيل
بيشوي القمص
[ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎