
- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- تنظيم ٦٥
- إعلام المؤامرة
- السادات رئيسا
- عودة الروح
- ☑ دولة العلم والإيمان
فترة السادات لم تكن فقط مرحلة انفتاح اقتصادي، بل كانت مرحلة انفتاح ديني مهمة بالنسبة لتلك الجماعات الأصولية. فقد حاول السادات استثمار المكون الديني الذي توسع بعد هزيمة يونيو 1967، فرأى فيها فرصة جيدة لتجاوز حالة الهزيمة. وهكذا لقب السادات نفسه الرئيس المؤمن
، وأقحم اسم محمد قبل اسمه، وأصبح الداعم الأول للجماعات الأصولية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين. وأطلق على مصر لقب دولة العلم والإيمان
، واشتهرت لقاءاته الدورية مع القوى الدينية والأزهرية والسياسية التي كانت تُعرض على التلفزيون، ومن ضمنهم الإخوان.
كما أن المجال الديني المجتمعي كان قد انفتح على المد السلفي الوهابي في الأزهر نفسه وفي الجامعات، وخرج الإخوان من السجون برعاية السادات، وبدأ موسم الهجرة الثاني إلى الخارج لآلاف منهم ممن فقدوا مستقبلهم الوظيفي بفعل الاعتقال، وشكلت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، الوجهة الأكثر تفضيلًا، خصوصًا أن ذويهم الذين استطاعوا الهروب من عبد الناصر في السابق قد اتجهوا للخليج وأقاموا علاقات جيدة هناك مع الأسر الحاكمة، وتعزز موقع الإخوان في السعودية بفعل مشاركتهم في قلب مشروع الحداثة الذي بدأه الملك فيصل منذ أواخر الستينات، بحيث تمدد الوجود الإخواني في معظم الجامعات السعودية التي تأسست غالبيتها في هذه الفترة، وكانت بحاجة إلى استكمال هياكلها الإدارية والأكاديمية.
امتدت مشاركة الإخوان إلى الأنشطة الاقتصادية، التي استوعبت عددًا منهم، أبرزهم مصطفى لقمة ومصطفى مؤمن وغيرهما من الإخوان الذين أسسوا عددًا من الشركات العاملة في قطاع البناء والتشييد، بحكم التوسع العمراني الذي ساعدت عليه الطفرة البترولية وارتفاع أسعار النفط الهائل بعد حرب أكتوبر.
كذلك استوعبت أنشطة المصارف والبنوك الإسلامية قطاعًا كبيرًا من كوادر الإخوان في مجال المحاسبة والتجارة، إلى جانب عدد من المؤسسات الإسلامية الرسمية وشبه الرسمية، وأهمها الندوة العالمية للشباب الإسلامي
التي تأسست بمزاج سلفي إخواني. ويُذكر أن محمد مهدي عاكف، المرشد السابع للجماعة، قد عمل بها، وكذلك جمعة أمين، عضو مكتب الإرشاد وقتئذ، وصبري عرفة الكومي، مسئول قسم التربية السابق وعضو مكتب الإرشاد السابق.
وشهدت تلك الفترة سفر عدد من أقطاب ورموز الإخوان المصريين إلى السعودية، مثل توفيق الشاوي، وكمال الهلباوي، وعلي جريشة، وعبد المنعم تعيلب، وعبد الستار فتح الله سعيد، وأحمد العسال، بالإضافة إلى الشيخ محمد الغزالي، والشيخ سيد سابق، وغيرهم. وبدأ المشهد الديني في مصر يميل إلى سلفية السلوك، فقد عمل عدد كبير من المصريين في السعودية والخليج عمومًا، فتأثروا بنمط الحياة هناك، ونقلوا إلى مصر الكثير من مظاهره. فظهرت الجماعة الإسلامية
في الجامعات المصرية بدعم الهيئات الدينية السعودية الرسمية وغير الرسمية، مثل هيئة كبار العلماء
وغيرها، وتمثل ذلك في رحلات الحج والعمرة المجانية والمخفضة شبه المجانية، إلى جانب الكتب السلفية التي تُهدى ولا تُباع.
في ذلك الوقت، كانت مصر تزخر بعدد كبير من الدعاة الجدد، أمثال عبد الحليم محمود، والشعراوي، والغزالي، والمحلاوي، وحافظ سلامة، وكشك، الذين ملؤوا الساحة المصرية. في مثل هذا المناخ، لم يكن حضور الإخوان وتواجدُهم ممكنًا وسط هذا الزخم القوي، وكان الجسم الإخواني المنهك بحاجة إلى ضخ دماء جديدة. لذا، كانت الفرصة مواتية للعودة إلى الساحة فقط من خلال شباب الجماعة الإسلامية، الذين سيُشكّلون طريقًا مضمونًا وفعالًا للعودة بقوة، لما لهم من سيطرة على جامعات مصر.
تنظيم الفنية العسكرية
قبل تولي السادات الحكم بعامين، وتحديدًا عام ١٩٦٨، كون فلول الإخوان الهاربون والمعتقلون، تنظيمًا سريًا بقيادة الإخواني العراقي: صالح سرية، بهدف قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة. وظل هذا التنظيم قائمًا حتى انضم إليه كوادر الإخوان الذين خرجوا من السجون. وفي عام ١٩٧٤، قرر هذا التنظيم التوجه للاستيلاء على الحكم بالقوة لإقامة الدولة الإسلامية.
كانت البداية بكتابة صالح سرية مذكرة من خمسين صفحة للمرشد حسن الهضيبي، عرض فيها خطته لتجديد فكر الإخوان، ليصبح الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خيارًا أساسيًا. وذكر صالح لرجاله موافقة المرشد على مضمونها [1].
كانت خطة صالح سرية تعتمد على الاستيلاء على الكلية الفنية العسكرية بمهاجمة حرس بوابة الكلية في صمت، لإدخال عدد كبير من الشباب إلى الكلية، ثم الاستيلاء على الأسلحة والسيارات والمدرعات من الكلية الفنية العسكرية بمساعدة إخوانهم الطلبة داخل الكلية، مستغلين صلاحياتهم كقادة مناوبين أثناء الليل، ثم التوجه بما حصلوا عليه إلى مقر الاتحاد الاشتراكي لمهاجمة السادات وأركان حكمه في أثناء اجتماعهم.
أعاد صالح سرية بيان انقلاب بخطّ يده، ودعا فيه إلى قيام نظام جديد في مصر يقضي على الفساد ويدعم الإيمان والأخلاق والفضيلة ويضمن الحريات. وتمّ تذييل البيان بتوقيع د. صالح سرية رئيس الجمهورية. ومع بداية التحرك، تسلّل اثنان من التنظيم، توجّه أحدهما إلى وزارة الداخلية والثاني إلى رئاسة الجمهورية، وقاما بالإبلاغ عن الخطة. وبعد مرور وقت طويل من عدم التصديق والتحقيق معهما، توجّهت قوة صغيرة من الأمن المركزي إلى الكلية الفنية العسكرية لتتدبر الأمر.
في فجر يوم الخميس ١٨ أبريل ١٩٧٤، وبينما كان يعدّ لاجتماع يضم أركان النظام المصري، وعلى رأسهم أنور السادات، في قاعة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي على شاطئ النيل صباحًا لمناقشة خطة العمل التنفيذية لورقة أكتوبر، كان هناك تحرّك يبدأ في مكان آخر. بدأت معركة شرسة على أبواب الكلية الفنية العسكرية بين تنظيم صالح سرية وقوات عسكرية من حراسة الكلية، وسقط ستة من المهاجمين وسبعة من حرس الكلية. على الجانب الآخر من سور الكلية، وفي الداخل، كانت هناك مجموعة أخرى من طلبة الكلية تحاول الاستيلاء على مخزن سلاح لواء الحراسة، لكنهم فشلوا أمام دفاع سرية الحراسة، فتوجهوا إلى كابينة الإنارة وعمدوا إلى قطع الكهرباء، لتدور معركة داخل الكلية تنتهي سريعًا مخلفة وراءها أحد عشر قتيلًا وسبعة وعشرين مصابًا.
أُجهِض الهجوم في بدايته، وقُبِض على قياداته وعلى رأسهم الفلسطيني صالح سرية، وأُجريت لهم محاكمة سريعة. وكان الاتفاق بين صالح سرية والإخوان المسلمين، كما يروي طلال الأنصاري المتهم الثالث في قضية الفنية العسكرية، أن ينكر المتهمون كل ما نُسِب إليهم، وأن يخفوا تمامًا أي علاقة لهم بجماعة الإخوان المسلمين، على أن تقوم الجماعة بحملة قانونية وإعلامية كبرى للدفاع عنهم.
كما كان من ضمن المتهمين في القضية اثنان من الجماعة الإسلامية وهما مصطفى يسري وأسامة خليفة، طالبان بكلية الطب. فوكل اتحاد الطلاب المحامي الأستاذ الدكتور عبد الله رشوان للدفاع عنهما، وقبض أتعابه من ميزانية الجامعة للدفاع عن القتلة. وقد حُكم عليهما في القضية بالسجن، وصدر الحكم بإعدام صالح سرية، وكارم الأناضولي، وطلال الأنصاري. ثم قرر السادات تخفيف الحكم الصادر على الأخير بالإعدام إلى المؤبد، نتيجة وساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري. وبأحكام بالسجن على عشرات منهم، طويت صفحة من تاريخ أول تنظيم إسلامي جهادي انقلابي في مصر.
إعادة بناء التنظيم
بعد خروج الجماعة من السجون في أوائل السبعينيات، ترسخت لدى الإخوان قناعة بأن التجربة الحزبية الرسمية وممارسة السياسة من خلال القنوات الرسمية غير مناسبة لهم، لعدم ثقتهم في الأنظمة الحاكمة بعد ميراث من الصدام مع الحكومات والأنظمة المختلفة. ولم يكن واردًا أن يعيد إليهم السادات الشرعية القانونية رغم وضعية السماح وشرعية العمل الفعلي التي أعطاها لقيادات الجماعة؛ فنظام السادات أعطى للإخوان رسالة واضحة تستثنيهم من فرصة الحصول على الشرعية القانونية.
فاتح عمر التلمساني السادات بشأن إعادة شكل ووضع الجماعة القانوني، فأجاب السادات بسخرية: تقدم بطلب للشؤون الاجتماعية
. ومن ثم بدأ إخوان السبعينيات في بناء تنظيم هرمي محلي خارج سيطرة الدولة ورقابة الأجهزة الأمنية. وفي تلك الفترة، بدت الجماعة كعجوز كهل تحاول أن تتصنّع وتصبغ وجهها المجعد بالمساحيق.
لم يكن الإخوان إلا بقايا تنظيم مهلهل يحاول أن يلملم أطرافه الممزقة جراء ضربات عبد الناصر القوية ضدهم في الستينات. فأَتى عمر التلمساني، المرشد الثالث للجماعة، آخذًا على عاتقه مهمة إعادة البناء. فكانت فترة التلمساني بمثابة التأسيس الثاني للجماعة، وساعده الزخم القوي في مرحلة السبعينات والتعددية التي شهدتها الساحة الدينية، فاستغلتها الجماعة أفضل استغلالٍ لاحتواء كل التيارات الأصولية ناحيتها.
واستطاعت الحركة الإخوانية أن تتمدد في المساحات التي انسحبت منها الدولة في السبعينيات، ثم كانت حالة الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات مما فتح المجال أمام نمو الاستثمارات الإخوانية في مجالات اجتماعية وخدمية، نجحت أوائل الثمانينيات بشكل لافت، فأزدهر الإسلام السياسي في السبعينيات بشكل غير مسبوق.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤