المقال رقم 33 من 33 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

الجماعة… قرار حظرها حاضر عند كل صاحب سلطة من دون أن يسلم خاطره من أغراء أستخدامها.

(السفير البريطاني )

مع تولي السادات، الذي لم يكن يمتلك أي شعبية حقيقية في الشارع، مقاليد الحكم في مصر، كان في حاجة إلى تأييد شعبي في مواجهة طوفان شخصية كاريزمية مثل . وفي مواجهة أنصار عبد الناصر، كان السادات بلا رجال، فلم يجد بدًا من أن يصنع مؤيدين له بنفسه. ولم يجد أمامه سوى ، الذين عانوا كثيرًا في عهد عبد الناصر، ليسبغ عليهم رحمته ويخرجهم من المعتقلات، فيصيروا له عونًا ودعمًا وقتما يحتاج إليهم، ويكونوا رجاله ضد رجال عبد الناصر، وضد يين والين الذين يعارضون نظامه وينكرون شرعيته.

طلب السادات ملفات الإخوان المسلمين، وقرر الإفراج عنهم في صفقة سياسية مربحة للطرفين. فقد رأى البعض أن السادات أراد أن يبدأ صفحة جديدة مع كل القوى السياسية لتجفيف منابع الحقد في النفوس، والبعض رأى أنه أراد استقطاب عناصر التيار الديني لمناصرته في حربه ضد الشيوعيين والناصريين ومراكز القوى، خصوصًا أن المستشار ، المرشد الثاني للجماعة، ادعى تخليه عن العنف، وألف كتابًا في أثناء وجوده في السجن سماه دعاة لا قضاة ردًا على كتاب معالم في الطريق، ادعى فيه محاولة لجم أفكار سيد قطب ومنعها من اكتساح أفكار الجماعة، لتأكيد فكرة التخلي عن العنف والتمسك بالدعوة فقط.

كان الإخوان حينئذ لا يتجاسرون على توجيه أي نقد “للشهيد” سيد قطب، كما يحلو لهم أن يلقبونه، ويقفون بكل حماس خلف إعادة طبع كتبه التكفيرية. ولذلك يبدو أن كتاب دعاة لا قضاة كان مجرد خدعة من حسن الهضيبى، فقد أكدت ، رائدة الأخوات المسلمات حينئذ، في مذكراتها أيام من حياتي، أن فضيلة المرشد قرأ كتاب معالم في الطريق وهو في السجن مرتين وأجاز طبعه، وقال: إن الكتاب جعل من سيد قطب أمل الدعوة. وأيا كان الدافع، فقد أفرج السادات عن قادتهم أولًا، وأحالهم إلى العمل العلني معتقدًا أنهم سيدينون له بالولاء.

في صيف عام ١٩٧١، وفي استراحة الرئاسة بجناكليس بالإسكندرية، وبترتيب من ال بن عبد العزيز آل سعود، التقى السادات بزعماء الإخوان في الخارج، ومن بينهم (زوج ابنة ورئيس المنظمة الإسلامية في جنيف التي كانت ترعاها السعودية)، وعمر (المرشد الثالث للجماعة). وقد حضر هذا اللقاء (مؤسس المقاولون العرب)، ويوسف مكاوي، و.

في هذا اللقاء، قال لهم السادات إنه يواجه نفس المشاكل التي قاسوها، ويشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد و، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلني في مصر. وأوكل السادات لكل من محمود معوض جامع ومحمد عثمان إسماعيل مهمة إنشاء تيار إسلامي في الجامعة تحت مسمى شباب الإسلام لذلك الغرض، الذي تحول لاحقًا إلى . وشدد السادات على فتح كل الإشارات الخضراء للإسلاميين بكل تسمياتهم في الجامعات المصرية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين. وقد كان له كل ما أراد.

عقب اعتصام “الكعكعة الحجرية” في عام ١٩٧٢، استشعر السادات خطر اليسار عليه، فأطلق يد الإخوان أكثر فأكثر لضرب القوى اليسارية، من ناصريين وشيوعيين خاصة في الجامعات والمصانع، مقابل حصولهم على المزيد من الحرية وإعادة إصدار مجلة الدعوة، وعودة رموزهم بثرواتهم الطائلة، وفتح باب العمل لهم في الجامعات المصرية، وأعاد المفصولين منهم إلى أعمالهم، وفتح باب الدعوة لهم بشرط ألا يقوموا بعمل عدائي ضده. وعندما أعاد الرئيس الإخوان للحياة في السبعينيات، لم يكن التنظيم مقبولًا من الشعب ولا من القوى السياسية، ولكن عبر السنين تمت عملية تبييض وجه لسياسيات الإخوان، اشترك فيها الكثيرون.

في عام ١٩٧٣، أصبح المحامي محمد عثمان إسماعيل محافظًا لأسيوط. بعدما أصرّ على النوم في حديقة قصر السادات بالجيزة ليحرسه ويفديه من رجال عبد الناصر في بداية عصر السادات، ولأن السادات رجل أصيل، فقد قرّر أن يردّ الجميل لمحمد عثمان وكلفه بالقيام بمهمة خطيرة محددة، وكان من نتائجها المباشرة اغتيال السادات.

حذرنا السادات من أن محمد عثمان إسماعيل كان من الإخوان، وله صلات وطيدة بقياداتها مثل المرحوم محمد ، وعمر التلمساني، و وغيرهم. فقد كان محمد عثمان إسماعيل عضوًا قياديًا نشطًا في شعبة الإخوان في أسيوط، ولكن السادات تجاهل كل ذلك وعينه محافظًا لأسيوط، وجدّد له ثلاث فترات متتالية، وعينه برتبة وزير رغم أن المحافظين وقتها كانوا برتبة نائب وزير. وقبل ذلك كان قد عينه أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي.

عُقِد اجتماع في مقر الاتحاد الاشتراكي، حضره السيد محمد إبراهيم دكروري والسيد محمد عثمان إسماعيل، واتُّخذ فيه القرار السياسي بدعم نشاط الجماعات الدينية ماديًا ومعنويًا. واستُخدِمت أموال الاتحاد الاشتراكي في طبع المنشورات، وتأجير السيارات، وعقد المؤتمرات، وشراء المطاوي والجنازير.

(، وكيل مباحث أمن الدولة، الإخوان وأنا)

وتؤكد مجلة نيوزويك (Newsweek) كلام اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة، في عددها بتاريخ 26 أكتوبر 1981، حيث ذكرت أن محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل كان يوزع الأسلحة على جماعة الإخوان المسلمين، ومارست هذه الجماعات كل أنواع البلطجة على شعب أسيوط، وتوحشت هذه الجماعات بعد ذلك، وكونت تنظيمات إرهابية دولية.

وليس غريبًا أن يكون معظم رؤوس التنظيمات الإرهابية، والمتهمون بقتل السادات، وأبطال العديد من الأعمال الإرهابية، من خريجي جامعة أسيوط، أمثال عصام دربالة، وناجح إبراهيم، وكرم محمد زهدي، وعاصم عبد الماجد، وفؤاد محمود حفني، ومحمد ياسين همام، وحمدي عبد الرحمن، وأسامة إبراهيم حافظ، وأحمد حسن دياب.

كنا نعرض التجاوزات التي تحدث أولًا بأول على الرئيس السادات، ومنها شكاوى الإخوة المسيحيين في أسيوط من تصرفات الجماعات الدينية والإخوان المسلمين. وحذرنا من تنامي بذور الفتنة الطائفية، والتي بدأت باعتداءات فردية على الكنائس ووصلت ذروتها بحوادث الزاوية الحمراء.

(فؤاد علام، الإخوان وأنا)

في حين اعترف محمد عثمان إسماعيل صراحةً في مجلة ، في رده على فؤاد علام قائلًا:

فبادئ ذي بدء، إنني شكّلت في الجامعات باتفاق مع الرئيس الراحل السادات.

(محمد عثمان إسماعيل، مجلة روز اليوسف)

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 السادات رئيسا
بيشوي القمص

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎