المقال رقم 2 من 7 في سلسلة إطلاق سراح كلمة الله
قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة.

ماذا تعني “الرَحْمَة” في قواميس اللغة؟

الرَحْمَة هي: المغفرة، الشفقة، الرقّة، الإحسان، الخير، النعمة.
الرَحْمَة: نداء لالتماس المغفِرة والصفْح أو لاستثارة الشفقة،
وتذكر القواميس: كَانَ تَحْتَ رَحْمَتِهِ: أي تَحْتَ تَصَرُّفِهِ الكَامِلِ.
رحَمَه: رق له.
رحَمَه: غفر له.
أي إن الرَحْمَة حالة تجمع بين طرفين يترجَّى أحدهما رَحْمَة الآخر الذي في مقدرته العفو والصفح.

يحتوي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، آيات توضِّح رَحْمَة الرب للبَشَر، ومنها على سبيل المثال:

“الصَّانِعُ رَحْمَة لِمَسِيحِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ”

(مزمور 18 : 50)

“إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَة يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي”

(مزمور 23 : 6)

“كُلُّ سُبُلِ الرَّبِّ رَحْمَة وَحَقٌّ لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ”

(مزمور 25 : 10)

“وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ”

(لوقا 1 : 50)

“اللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَحْمَة، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا”

(أفسس 2 : 4)

فالرَحْمَة قصْد الله من ناحيتنا، ولا يخلو سفر من أسفار الكتاب المقدس من التأكيد على هذه المعاني التي تكشِف محبة الله لخليقته، فهو من أجل محبته الكثيرة هو غَنِي في الرَحْمَة، وبحسب التَّرْجَمَةً اليسوعية “الله الواسِع الرَحْمَة، لحبه الشديد الذي أحبنا به” وحسب التَّرْجَمَةً المشتركة “بواسِع رحمته وفائِق محبته لنا“، فالمحبة كثيرة وشديدة وفائقة، والرَحْمَة غنيَّة وواسِعة. لا نملك إلا أن نشكر من كل قلوبنا إلهنا من أجل رحمته ومحبته اللتين تتلاقيان مع الحق.

“الرَحْمَة وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا”

(مزمور 85 : 10)

“أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَحْمَة وَالْحَقِّ”

(مزمور 86: 15)

“بِالرَحْمَة وَالْحَقِّ يُسْتَرُ الإِثْمُ”

(أمثال 16 : 6)

الرَحْمَة والحب لدى الله يجعلاه طويل الروح عند المطالبة بالحق، فيستر الإثم،

“وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ، وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ”

(أفسس 2 : 5 – 6)

لا يجد الإنسان ما يقوله لله سوى إنك يا الله “محبة”

أما قِمَّة المحبة لربنا فإنه لا يتركنا وحدنا نصارِع كيفية تجاوبنا مع محبته ورحمته، وهو مستعد أن:

“يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ ويُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ”

(مزمور25: 9)

هذا طريق اختبار مُفرِح وغني ومُبَارك، وليس مجَّرد وصايا أو أوامر، إنها عِلاقة مجيدة مع الله.

التجاوب مع رَحْمَة الله

عندما بشَّر الملاك السيدة العذراء مريم هتفت في نهاية الحِوار قائلة:

“وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ”

(لوقا 1: 50)

فقد استشعرت العذراء امتداد الرَحْمَة إلى جيل الأجيال. كأن مريم العذراء لم تأخذ الوعد لها فقط بل امتدت به إلى كل الأجيال ورأت أعمال الله في طول الزمن. هكذا هي النفْس النقيِّة أمام الله التي تتطلَّع إلى الخليقة مُعلِنةً رَحْمَة الله مُبتَهجةً به.

كيفية تجاوب المؤمنين مع رَحْمَة الله:

“وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَة وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَا”

(يعقوب 3 : 17)

“قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَحْمَة “

(ميخا 6: 8)

“الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ”

(رومية 12: 8)

“طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ”

(متى 5: 7)

“تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا”

(متى 18: 33)

كثيرون لهم اختبارات يقرُّون فيها عن رَحْمَة الله التي بلا حدود، فكم من الذين شُفوا بطُرق مُعجِزية والذين اختبروا معونة من آخرين كانت يد الرب واضحة فيها تمامًا. نعم يسرد أصحاب هذه الاختبارات بإقرار وإحساس مُمتَن لرَحْمَة الله، ولكن لا يصح أن يقف الاختبار عند هذا الحد. فعندما سأل يسوع ي عمن صار “قريبًا َ لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ” قال الرجل “الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَحْمَة“. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا (لوقا 10: 37)

لعل من أنقذه الرب من الموت نتيجة تبرُّع بفصيلة دَم نادرة مثلًا، في إمكانه أن ينظم حملة لجمع هذه الفصيلة؟
لعل من أنقذه الرب من مشكلات في العمل، يمكنه أن يمد يده لغيره ممن يعانون ظروفا مماثلة؟

تأثير الرَحْمَة للراحِم

“اَلرَّجُلُ الرَّحِيمُ يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْقَاسِي يُكَدِّرُ لَحْمَهُ”

(أمثال 11: 17)

هذه الأعداد تتحقَّق حرفيًا، فالنفس تهدأ وتتطلَّع إلى أشياء طيبة تريح النفس وتطمئن القلب وتُنضِج الفكر فتحسن فعليًا إلى نفسها.

الرَحْمَة ووحْدة الجَسَد

الرَحْمَة طريق من طُرق وحدة الجسد، يتحقَق بممارسة كل أثمار الإيمان مع بعضنا البعض. فالمسيحية ليس بها (إيمان وأعمال) وإنما إيمان بالبر وبالتقديس وبالتمجيد. فهل التقديس حِمْل ثقيل؟

ينال الإنسان الحياة الجديدة بالإيمان وبالتصديق، هكذا يكون التقديس بالإيمان والتصديق. إلا أنه أحيانا يكون الموقف سلبيًا من ناحية “الأعمال” حين يكون تركيز التعليم على (الخلاص بالإيمان بدون أعمال) وأيضًا حين يُنظر إلى القيم والأخلاقيات على أنها (أنشطة دنيوية) لا تتناسب مع الإيمان، فلا يكون الكلام والتعليم عن كلا من الأعمال والأخلاقيات مُستحبَّا كموضوعات روحانية.

ممارسات وأساليب الرَحْمَة في مجتمعنا

يصف سِفر الأمثال الإنسان الصدِّيقِ قائلًا:

“الصدِّيقُ يُرَاعِي نَفْسَ بَهِيمَتِهِ، أَمَّا مَرَاحِمُ الأَشْرَارِ فَقَاسِيَةٌ”

(أمثال 12: 10)

“الصدِّيق يصون حتى حياة بهيمته، أما الشرير فقلبه لا يرحم”

(بحسب الترجمة المُشتركة)

من هو الصِدِّيق؟ هو الذي يُصَدِّق قولَه بالعمل حَسَبَ تعريف القواميس، فالـ”رَحْمَة” تشمل أيضًا الحيوان وصيانة حياته، وهو ما قد يظهر عكسه في بعض الأحيان من تهكُّم بمن يسلك هذا السلوك في مجتمعنا، فقد عاش مجتمعنا ظروفًا دفعته إلى الخشونة والاحتدام في الكلام والتعامل، ورد الفعل الذي يشوبه العنف، فكل مجتمع له ثقافة وأسلوب معين لأن الإنسان يتأثر بما حوله. نعطي أنفسنا مبرِّرات للمعاملة الخشنة لأقرب الأقارب والذين قد يكونون في أشد الاحتياج، وربما حتى في الكنيسة.

هل هذا يتطلَّب أن تدرس الكنيسة واقع مجتمعها وأن تبذل الجهد في التعرُّف على قضايا كثيرة؟

هل من الصواب أن تقتنع الكنيسة أن الحياة أصبحت معقـَّدة تتطلَّب تعاون الدين مع مختلف أنواع العلوم الاجتماعية والنفسية والعلمية للوصول لحلول أخلاقية؟

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: إطلاق سراح كلمة الله[الجزء السابق] 🠼 الشونمية: المرأة المبادِرة[الجزء التالي] 🠼 من هي المرأة الفاضلة؟
فنيس بولس
[ + مقالات ]