الجِنْدَرِيَّة تتعاطى مع الناحية الاجتماعية، أي الوضع الاجتماعي والمواقع التي تُوَزَّع على المرأة والرجل ليس من ناحية الجِنس SEX، لذا فاعتماد الجنس SEX لتحديد الأدوار ينتهي إلى نتائج خاطئة نتيجة إلى ممارسات وأفكار غير صحيحة.

1- تقسيم العَمَل اعتمادًا على الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة. اختلاف الفروق البيولوجية يُعتبَر اختلافًا جذريًا عن الفروق من ناحية النوع، أي الاختلاف في الوضْع الاجتماعي والمواقِع.

-فالفروق البيولوجية لا تكفي لكي تكون مقياسًا وحيدًا لوضْع مواصفَات لكلا الجنسين، فهناك عوامِل أخرى مثل التنشئة الاجتماعية والدينية والتعليمية، وتأثير التغيَّرات الحديثة في المجتمعات المُعاصِرة.

2- العادات والتقاليد والعُرف التي تَتوقف عن أن تتغذّى بأفكار جديدة توجِّهها نحو أهداف إنسانية وعملية، وعندما يسانِدها هدف الجماعة التي تتمسك بالقديم تؤدي إلى جمود المَلَكات أو توقُّف نمو المواهب والابتكار، أو الكفْ عن التفكير والعمل.

– لا يغيب عن البال أن هناك صِلة بين العادات والتقاليد من ناحية، والدين من ناحيةٍ أخرى حيث يرتبطان معا ويُستَخدَمان أو يُستَغلان تبادليًا لتعضيد كل منهما للآخر، يتعاون على هذا نظرةٌ سلفيةٌ دينيةٌ لتشمل العملية التعليمية والسياسية والإعلامية.
فقوة العادات والتقاليد تفوق قوة الدين أحيانا كثيرة إن لم تؤثر في الدين نفسه في مجتمعات عديدة خاصة المجتمعات المُغلَقة والحضارات القديمة.

3- دور الإعلام، خاصةً بعد اتساع الميديا. ولعل العامليَن الرئيسييَن اللذين يمثِّلان خطورةً حقيقيةً على قضية الجِنْدَرِّية ويروِّج لهما الإعلام هي فكرة التَنْميط، أو توحيد الشكل لدرَجة الثبات وأيضا فكرة الخصوصية. والتنميط هو “تقديم صورة متَضمِّنة أفكارًا للفرد أو مجموعة من البَشَر وتتكرَّر هذه الصورة بإلحاح حتى تصبح لصيقة بهم حتى وإن كانت لا تمثل الواقع.

ربما أن النَمَط الموحَّد مُريِح، أو لأنه يحمي مجتمعًا لا يقوى على التفاعُل مع المُتغيِّرات بما يحتاج إليه هذا التفاعُل من قُدرَةٍ ورغبةٍ في التغيير. كما أن النَمَط كأداة إعلامية لتقديم الأفكار يسهل تركيبه، وفي نفس الوقت يسهل تلقِّيه بل وتمسُّك المتلقِّي به.

أما الخصوصية فتلعب على وَتَر الغزْو الثقافي أحيانًا، وعلى المشاعِر الدينية أحيانًا أخرى، والارتباط بالعادات والتقاليد من جهة ثالثة. وبالطبع فإن المرأة هي القَاسِم المُشتَرك الأعظم الذي يتحمَّل تثبيت كوادِر التنميط وأبعاد الخصوصية.
وللأسف كثيرًا ماتظهر المرأة في الإعلام في صورة الرَّذِيلة ومسئوليتها عن انحرافات داخل المجتمع ولا يثمـِّن فيها سوى الجوانب التي يمكن أن تعكس استكانتها وضعفها.

4- قضية التعليم والعمل، وهما بمثابة الدّاء والدواء في نفس الوقت، فهي داء عندما يرى البعض أن مُنتَهى آمال المرأة أن تنال حقَّها من التعليم مثلها مثل الرجل، وأن التعليم سِلاح يحمي مستقبل المرأة من الناحية المادية، وأن تولِّى مناصِب ما زالت مقصورة على الرجال هو الهدف من عملها فإذا هي حصلت على هذه (الحقوق) فإنها سوف تُحرِز نصرًا كبيرًا. ويغيب هنا أن التعليم والعمل ترتبط بهما وتَنتُج عنهما علاقات ودلالات ومعانٍ وخبرات لا غنىً عنها لنضج الفرد والمجتمع. وهما أي التعليم والعمل دواءٌ لتصحيح تلك المفاهيم.

5- مفهوم ال، فهي في المقام الأول ثقافة يتمسَّك بها المجتمع قبل أن تكون وسيلةً لتعاطي السياسة، كما أنها ليست تنظيمات تنشأ على يد نصوص أو قوانين، وإنما تنشأ في مجتمع يؤمن بها، وتأتي القوانين كمقرِّرة ومنظِّمة لحالةٍ قائمةٍ تمتد من جيل إلى جيل، فمكوِّنات الديمقراطية تشمل حرية التعبير عن الرأي والعقيدة والفِكْر وتداوُل السُّلطة والمُشاركة في صُنْع القرار، وأيضا حق المساءلة.

يقدم المؤتمر الدولي للأسرة والسكان والتنمية 1994 المُنعقِد في القاهرة مثالا لهذا حين اعتبرت الجماعات المُغلَقة أن “تمكين المرأة” -وهو أحد توصيات ذلك المؤتمر-مقصود به تغليب المرأة على الرجل وتسيُّدها عليه مما يخالِف الشَّرع والتقاليد.

6- فَهْم كلام فيما يختص بقضية المرأة؛ تحديد لُب وجوهر السِياق الذي تكلَّم فيه الرُسُل عامةً يكون أكثر جدوى حيث التوتُّر بين جِدَّة النفحة الإلهية من جهة، وعتَاقة الأطُر الحضارية التي تحرَّك الرسول بولس (وبقية الرُسُل) ونشأ وعاش في ظلِّها من جهة أخرى. (مثل رؤية الحضارة اليهودية إلى المرأة كقاصر، و”أنثوية” الحضارة الرومانية وصِلتها بالخلاعة البالِغة لدى المرأة).

وكما قال :

“إن الأنبياء والرُسُل يتكلمون لغةً عصرٍهم، ويسكبون الوحي الإلهي في قَالَب الصِّيغ الحضارية التي ينتمون إليها، ولهذا فكلامهم ليس كلاماً إلهيًا مَحضًا مُطلقًا، ولا تعبيرًا حضاريًا بحتًا وإنما الاثنين معًا في تداخُل حي. ويأتي التمسُّك بحرفية كلام الرُسُل فيخلِط الجِّدة بالعَتَاقة، أي النفحة الإلهية بالقوالِب الحَضَارية التي قيَّدتها في نفس الوقت، فيتحقَّق قول يسوع المسيح “القديم يبلى والجديد لا يوافقه”.

(كوستي بندلي)

لقد كان انتشار الفِكْر الغنوصي كمثال على عَتَاقة الأطر الحضارية أثرًا حيث انتشرت ال في وقت كتابة الرسول بولس إلى تيموثاوس الذي كان يخدُم في أفسس بما هي عليه من تأثُّر بأفكار ومعتقدات. ويشرح طقسٌ يسمَّى “طقْس الهيروس گاموس ويعني الزواج المقدس”. وفحواه أن الاتحاد الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة هو الفِعْل الذي اختبر الذَّكَر والأنثى من خلاله الله. ويجعل كل منهما كاملا روحيًا ويتوصَّلان في النهاية إلى تحقيق الغنوصية، أي المعرفة الإلهية. وبما أن الجنس يؤدي إلى وِلادة حياة جديدة، المُعجِزة النهائية، وأن المُعجِزات لا يصنعها غير الآلهة، وبالتالي فإن قُدْرة المرأة على إنتاج الحياة من رَحِمها يجعلها مقدَّسةً، إلهةً”.

وبهذا فلا خَلْق ولا اعتراف بالسقوط، ولا حاجة إلى الخلاص بالإيمان المسيحي ولا إلى التعليم الروحي، فالعرفانية تحل محل كل هذه الأمور. وهذا مَثَلٌ لإيضاح غموُض ما جاء في الرسالة الثانية الى تيموثاوس 2: 11-15 والذي يُعتَبر النص الوحيد في العهد الجديد الذي حَمَل معانٍ كهذه.

أما الوجه الإلهي لكلام الرسول بولس والذي حَدث بفِعل جِدَّة الإنجيل، فقد قَلَب مضمون المفاهيم الحضارية التي حَافَظ عليها الرسول رأسًا على عَقب، وكما يقول كوستي بندلي:

“إن دور الكنيسة الآن تفعيل الخميرة الإنجيلية في التاريخ البشري، وهي حَرَكة لا تزال محدودة في إنجازاتها فيما يتعلَّق بقضية الجِنْدَر”.

(كوستي بندلي)

6- القانون بين المَنْح والمَنْع ومدى وقوفه في صفْ المرأة.

أ. قانون الأحوال الشخصية في مصر الذي يجري تعديله هذه الآونة، لا يلْقى ارتياحًا من عدة نواحٍ، مثل حرمان المرأة من حق تزويج نفسها أيًا كان عمرها أو موقعها الاجتماعي، بل وحق الولي في ها في أي مرحلة يمُر بها الزواج، وأيضًا أحوال الحضانة والاعتراف للأم بممارسة الأمور القانونية الواجِبة لتربية القاصِر، فالأم ليس لها حق قيِد مولودها. وأما قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين فمازال يتعثَّر بين الطوائف من ناحية، وتحريكه من جهة السلطات من ناحية أخرى.

ب. المنْع من السَّفْر.
تُمنَح المرأة الموافَقة على السَّفر بأذْن رجل، وأحياناً بموافَقة شُرْطة الآداب. تتأسَّس هذه النظْرَة لجَسَد المرأة باعتباره عَورةً وخطرًا كبيرًا على الشَرف، فيجب أن يكون تحت الرقابة، وهو ما يُعتبر خلطًا بين الجنس والجِنْدَرِيَّة وبالتالي الجور على الحقوق.

ج. الطاعة أو الولاية على المرأة
المرأة (الزوجة) في هذه الحالات ليست شخصًا حرًا ومواطنًا له حقوق ثابتة، فكل ما يمكن أن تتمتع به من حرية أو حقوق مشروط بإرادة الرجل –الزوج الذي يمنح أو يمنع “حتى لو كانت تقصد بسفرها أداء فريضة الحج”.

أما قانون العقوبات المصري فنصوصه على سبيل المِثال تفرِّق بامتياز في عقوبة ارتكاب الزنا فقد نص في مادته رقم 276 على أن عقوبة جريمة الزنا الحبس 6 شهور للزوج وسنتين للزوجة.

إن إلغاء المساواة القانونية بين الزوجين (وإن لم يكن منْع المرأة من اللجوء للقضاء الذي تُغلقه العادات والتقاليد بمساندة الفكر الديني المُتزَمِّت في وجه المرأة وتمنعها منه أصلا) له تأثيره السلبي على الأسرة كمؤسسة تربوية والتي هي المدرسة الوحيدة للمشَاعِر الأخلاقية الأصيلة، ولذلك فالتعامُل داخل الأسرة على أساس تفوُّق جنس له نتائج بالِغة الضَّرر، فالادعاء اليومي بالتفوُّق يحط من قيمة الزوجات وله نتائج بالِغة الضَّرر على الأطفال، فطالما أن هناك موجودَين بشريَين أحدهما مُقتنِع بقدراته وسيادته على الطَرَف الآخر، وأن جو المنزل الذي يتلقَّى فيه جميع أعضائه التربية الأخلاقية المبكرِّة يقوم على أساس غير عادل في توزيع الحقوق والسلطات، فإن التقدُّم الأخلاقي للمجتمع مشكوك فيه.

8- ثقافة احترام القانون
كل من الفِقه الإسلامي واللاهوت المسيحي ينادي بأن المرأة تحتَل مَكانة متفوِّقة، فإذا اصطدم بتدهور أوضاع المرأة واقعيًا فالنصوص جَاهِزة لكي تُؤخذ حرفيًا دون الالتفات إلى خلفية وظروف هذه النصوص فيلجأ كلاهما إلى “الأوامر الإلهية” وكلاهما قادِر على تحويل القيود التي تُفرَض على المرأة إلى امتيازات، وهنا يتعطَّل كلا من النص القانوني والدور المؤسسي الذي يُفترض أنه يساند القوانين.

الواقع أن “احترام القانون” قيمة يتوقَّف عليها سلام وسلامة المجتمع إلى حد كبير، فالمجتمعات التي تُرسِي احترام القانون يؤمن فيها الفرد العادي بأن المعايير القانونية جزء جوهري من نظام العدالة أو أنها النواة التي من خلالها يمكن تحقيق العدالة، ويؤمن بأن مثل هذه القوانين ترفع نوعية الحياة بالنسبة للفرد وللمجتمع على السواء.

ولهذا فإن تغيير نصوص في القانون لن يلقى تفعيلا إن لم يسبقه ويواكبه ويلحَقه مَنْظوُمة قِيم تُراعي المتغيِّرات، فالمناداة بالمبادئ والقوانين لابد أن يرى تحقيقًا على أرض الواقِع فقد يكفُل القانون للمرأة حقوقًا لكن القِيَم السائِدة تقف عائقًا.

كمثال الموافقة على تعيين المرأة في وظيفة مأذون عام 2008 ولكن فِعليًا لم تمارس المهنةـ أو تمارسها على استحياء واضِح بتأثير الموروث. كما صدَرَ قرَار السنودس برسِامة المرأة شيخًا عام 2007 بعد جهد جهيد، أما المُوافَقة على رسامة المرأة قسًا فقد اُرتُئي أن الحل هو أن تظَل الرِسامة موقوفة.

9- بداية الاهتمام بقضية المرأة، فالاهتمام بعدم المساواة النوعية بدأ منذ أواخر القرن الثامن عشر، وهذا تاريخ قصير نسبيًا. والمقصود أنها ليست قضية ميؤوس من تحقيق نتائج إيجابية بخصوصها، فجان جاك على سبيل المِثال وهو من روَّاد التنوير في القرن 17 يرى أن المرأة المِثَالية أبعد ما تكون عن الشخص المُستقِل ذاتيًا، أو حتى الشخص المتميِّز. بل إن تفكير المرأة، أو استخدامها لعقْلها في أي غَرَض آخر غير الأغراض التي حدَّدها بالجنس ودورها المنزلي ليس فقط غير مطلوب، وإنما هو بَغيِض.

وفي المنطقة العربية بدأ الاهتمام بالقضية بظهور كِتابَات رِفاَعة الطهطاوي وقاسِم أمين في النصف الثاني من القرن 19، وفي الغرب بدأها جون ستيوارت مِلْ في نفس الحِقبة.
وهو قام بتوصيف القضية وتبيان آثارها الجانبيِّة السِّيئة، وأيضا وصَّف علاج المشكلة وما يترتب على العلاج من آثار إيجابية

وبعد…

يتضح من كل ما سبق أن الإطار الذي تتحرَّك فيه هذه القضية يشمل المجتمع ككل بوجه عام. فالقضية تخص المجتمع لا المرأة وحدها، وأطرافها ليس هما الرجل والمرأة. إذ يتورَّط المجتمع كله في هذه الأزمة بأعماره المختلفة ومؤسِّساته المتنوِّعة (تعليمية-دينية-سياسية- مدنية. الخ) حيث يُسهِم هذا التمييز في نشأة النظام الهيراركي أو الأبوي أو التصَاعُدي أو الذُكورِي أو الهَرِمي، أو يكرِّسه إن كان قائمًا بالفعل، فالأمر يتحوَّل إلى (نِظام) وليس مجرَّد تمييز بين رجل وامرأة. وتتحوَّل الهيراركية إلى ثقافة سائِدة، تقترب أو تبتعِد عن العدالة والإنصاف بقدر ما تكون صادِقة وحيادية وبقَدْر ما تكون متنبِّهة للسِياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني ونوعية عاداتها وقيِمها.

أما المؤسسة الدينة في مصر( إسلامية ومسيحية) فهي من المصادر الرئيسية التي يعول عليها لإحداث التطور المنشود لأننا من المجتمعات التي تتأثر بالتوجهات الدينية إلى حد كبير.

هذا عن الجِنْدَرِّية، أما عن حقوق الإنسان فعلى العامِلين في هذا المجال استيعاب القضية بحسَب سِياقها حتى تنجح مساعيهم، وإن كان هناك تساؤلات الآن حول تقييم عَمَل تلك المؤسسات فمن المهم أخذها في الاعتبار.
–  أما الملْحوُظة الأخيرة والمُهِمَّة فهي أن القضية ليست قضية مُزَاحَمة جِنْس لآخر، فالمرأة ليست ضِدًا وليست مُنافِسًا (فهو وهي) معًا يعني (إنسانًا)
– الذي لا يكْمُل إلا (بهو وهي)
– والذي لا يرْتَفِع إلا (بهو وهي)
– والذي لا يَسْعَد إلا (بهو وهي)


مراجع

1-كريج س. كينر ” الخلفية الحضارية للكتاب المقدس” الجزء الثاني، (القاهرة: دار الثقافة، 2004).
2-كوستي بندلي، المرأة موقعها ومرتجاها، (القاهرة: دار العالم العربي للطباعة، 1994).
3-مارلين سميث، ترجمة إدوارد وديع عبد المسيح، النوع أم المواهب(القاهرة: دارا لثقافة، 2000 ). 4-، المرأة حقوقها وواجباتها في الحياة الاجتماعية والدينية في الكنيسة الأولى( برية شيهيت: دير القديس أنبا مقار، 1982) .
5-د. منى فياض، أقنعة الثقافة العربية، ( القاهرة: دار الثقافة، 2006).

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

فنيس بولس
[ + مقالات ]