المقال رقم 5 من 6 في سلسلة أسطورة القرعة الهيكلية
بت متيقنا أنني افتقد للكثير من مهارات الكتابة وأدواتها، فما يبدو لي من رد صديقي بيشوي القمص علي مقالي الأخير، أن المقال قد حوى خللا جسيما في قدرتي وأن كل مقاصدي قد غارت سحيقا، فأتي رده علي ما لم اقصده نهائيا، وما لم يخطر ببالي وقت الكتابة. وإن كان الحال هكذا مع كاتب متمرس بحجم صديقي، فما بال القارئ العادي! سيكون هذا المقال محاولة لإجلاء ما قد اعتراه الغموض في مقاصدي، ولنعد إلي مقال صديقي الأخير:

يقول الصديق :

أوّد أن أوضّح هنا أن شخص د. “عبد الملك” ليس محل النقاش، وأنا شخصياً لا أتفق مع د. “عبد الملك”، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، في العديد من المواقف السياسية والكنسية، لكن هذا لا يمنع، بل ومن المنطقي، أن أستخدم مذكرات د. “عبد الملك” التي تخدم الفكرة التي حاولت أثباتها في مقالي، حتى لو اختلفت معه في نواحي أخرى كثيرة، ولو أتيحت لي دراسات أو مقالات مشابهة تخدم الفكرة التي أحاول إثباتها، لكنت استخدمتها على الفور.

وأتفق تمام الاتفاق أن مصداقية د. “عبد الملك” لم تكن أبدا محلا للنقاش، و لكن هل يستقيم أن يكون د. “عبد الملك” هو المصدر الوحيد الذي اعتمد عليه الكاتب لسوق أسانيده في مسألة ظنية محفوفة بالخطورة مثل انحياز القائمقام للأنبا تواضروس؟

يقر كاتبنا بعدم وجود دراسات أو مقالات مشابهة تخدم إثبات الطعن ويقول: “ولو أتيحت لي دراسات أو مقالات مشابهة تخدم الفكرة التي أحاول إثباتها، لكنت استخدمتها على الفور”، وهنا أيضا أنا اتفق تماما، بل وأجده واجبا، فأني له أن يجد مصدرا آخر.

لا نستطيع قبول مصدر وحيد لهذا الاتهام الضميري، حتي وإن تغاضينا عن معاناته من الـ”conflict of interest”، ببساطة لأننا لا نرى السياق الكامل الذي قيلت فيه الجملة المحورية: “وأهل إسكندرية رأيهم إيه في اللي عندنا”، فإن كنا قد استبعدنا سبق التخطيط لهذا الأمر بشهادة د. “عبد الملك” نفسه، فلابد أن الجملة قد تولدت من النقاش الذي لم نراه واضحا في بضع وخمسين مقالا، يكتبها شخص منفرد وظاهر الانتقائية، إذن الاحتمالات كثيرة و مفتوحة لما قصده نيافة اليوس، لا يمكن الجزم بصحة أيهن.

تحت عنوان “الاعتراضات القانونية”، يقارن صديقي “بيشوي” بين انتخابات ٥٩ والانتخابات الأخيرة، والواقع أن البون شاسع:

تبرير تجاوز وتغاضي القائمقام عن الشرط الأهم في المرشح، وهو ألا يكون أسقفاً، هو تبرير غير مقبول، هل تلك الظروف والمؤامرات التي أحيكت بعد نياحة ال تفوق مثيلتها التي كانت وقت نياحة ال الثاني، ووجود ما عرف بمراكز القوى داخل متمثلين في الحاشية البطريركية وسكرتير البطريرك الراحل “ملك”، ورغبته في تولي بطريرك ضعيف لا يستطيع عزله من منصبه، وتفشي السيمونية والفساد وسطوة رجال الحرس القديم التابعين للبطريرك الراحل الأنبا يوساب الضعيف؟

فبعد نياحة البابا يوساب، كانت الكنيسة مثخنة بجراح عميقة، وعزي السبب إلى تعاقب ثلاثة من مطارنة الإيبارشيات علي ، ولم يكن أحدا من الأساقفة يرغب في تكرار التجربة المريرة، بالإضافة إلى زهدهم الشخصي وهم آخر عهدنا بهذه النوعية المباركة من الأساقفة (إلا من رحم بنا).

أما عن الحديث عن نفوذ للسيد “ملك”، الذي انقطعت صلته بالمكتب البابوي بمجرد نفي البابا يوساب إلى الدير، وتولي اللجنة الثلاثية لإدارة الشئون الكنسية، أو غيره، فهو حديث استغربه بشدة، باختصار لأن السيد “ملك” لم يكن يملك ترشيح نفسه أو غيره للبابوية.

أما الحال بعد نياحة البابا شنودة، فسأكتفي بتكرار الجملة التي ذكرتها سابقا : نيافة القائمقام تعامل مع: 1) لائحة تجيز ترشح الأساقفة، 2) وتم رفض تغييرها في أثناء حبرية البابا شنودة، 3) ولا يمكن تغييرها في أثناء خلو الكرسي، 4) ومع أساقفة اعدوا انفسهم فعليا للخلافة.

و ربما لا يعلم صديقي بيشوي، أن هناك محاولات قد جرت لمنع ترشح الأساقفة وديا، قادها نيافة مطران “لوس أنجلوس” مع عدد أخر من الأساقفة، أسفرت عن تراشقا كبيرا، و تجييشا واسعا لكهنة إيبارشيات بعينها.

مرة أخرى، عدم القانونية هو أن تعطل -بفرض الاستطاعة- لائحة قانونية قائمة ومطبقة سلفا وأتت بالبابا شنودة الثالث نفسه، ونيافة القائمقام قد أدار عملية محفوفة المخاطر في ظل لائحة معيبة، وكانت النتائج باهرة، ولا أري داعيا لإضافة المزيد.

تحت عنوان “الاعتراضات الانحيازية”، يفند صديقي الموقف الذي أوردته سابقا من تماثل دفع الأنبا أنطونيوس باسم الراهب مينا البراموسي، بإبداء الأنبا باخوميوس رغبته في ترشح الأنبا تواضروس (الأنبا تواضروس حصل علي تزكيات عديدة للترشح من أساقفة آخرين)

يستعرض م. “رجائي” واقعة مقاربة تاريخياً (وبرأيي لا تصل لحد التماثل)، عندما زج القائمقام، باسم الراهب مينا البراموسي في قائمة الترشيحات النهائية للانتخابات الباباوية وكانت تخلو من اسمه، تلك الانتخابات التي أسفرت عن فوزه ليصبح ال، ولم يتهم أحد وقتها نيافة القائمقام بالانحياز.

موافقة الأنبا القائمقام على إدراج الراهب مينا البراموسي كانت تحت ضغط شيوخ الكنيسة وكبار السن، الذين اعترضوا على صغر سن المرشحين الثلاثة الشباب، فأصروا على إدراج مينا البراموسي بوصفه المعلم والقائد الروحي لهؤلاء الشباب، وليس لرغبة شخصية من القائمقام الأنبا أثناسيوس، ولم يُعرف وجود أي دالة مميزة تجمع بين الأنبا أثناسيوس والراهب مينا المتوحد قبل الانتخابات، وبذلك ينتفي أي أتهام بالانحياز، ويفسر لماذا لما يتهمه أحد وقتها بتلك التهمة.

ولكنه يستخدم معلومات غير صحيحة تاريخيا للتفنيد. يقول أن الدفع بمينا البراموسي كان ضغطا من شيوخ الأساقفة، لمواجهة ترشح الرهبان الشبان: ، أنطونيوس السرياني، ومتي المسكين، بصفته معلمهم ومرشدهم، ويغيب عن صديقي أن هذه الأسماء لم تكن مطروحة أصلا في هذه الانتخابات لعدم انطباق اللائحة عليهم، وأن الخمسة المرشحين كانوا شيوخا وهم: القمامصة: دميان، تيموثاوس، وأنجيليوس المحرقيين، مينا الأنطوني، ومينا البراموسي. أما الأنبا أثناسيوس القائمقام فقد كانت تربطه معرفة وثيقة بالقمص مينا البراموسي وتقديرا كبيرا له.

عموما ما قصدته في مقالي السابق، أن كلا الـ”قائمقام”ـين قد امتلكا رؤية ثاقبة وشفافية ملائمة (ولن أقول إلهاما سماويا أو إرشادا روحيا، فقط احتراما لقارئ قد يرى أن تدخل الرب غير وارد، حتي لو كانت الأشياء تعمل معا للخير) وقد أسفرت عن اختيار الأفضل للكنيسة.

أسطورة القرعة الهيكلية <br />(٥) إعادة السعي 1تحت عنوان “الاعتراضات الشخصية”، يقول صديقي أن قرار الانسحاب كان جماعيا شمل مؤسسة الأزهر، وكل القوي المدنية وكل الكنائس، وعلى ما أعتقد فهو هنا يخلط بين الجمعية التأسيسية الأولي، التي ولدت ميتة، وصدر حكم من الدستورية العليا بحلها، وكان انسحاب الأزهر لضعف التمثيل وتخصيص مقعد وحيد له، يخلط بين هذه التأسيسية وبين الانسحاب من الجمعية التأسيسية الثانية، والذي كان قرارا منفردا للكنيسة المصرية.

وهو أيضا يرى أن القرار كان قرار الأنبا باخوميوس القائمقام، وليس قرار ال، وأود هنا أن اهمس في أذنه مذكرا أن قداسة البابا كان يمارس عمله منذ لحظة إعلان نتيجة القرعة في ٤ نوفمبر، وأن لقداسته تصريحات إعلاميه، سبقت الانسحاب، يعلن فيها أنه لن يقبل دستورا يفرق بين المصريين، أو يحد من حرياتهم (كما يمكن أن يُقرأ هنا)

أما عن رفض حضور احتفالية تسليم مسودة الدستور لرئيس الجمهورية، فأرى أيضا أنه كان موقفا فريدا للكنيسة، ولم نسمع وقتها أن أيا من القوي قد شاركت الكنيسة فيه، وهو مما لا شك فيه سعد واحدا من أقوي المواقف في تاريخ الكنيسة المصرية والكرسي البابوي، وبزعمي لا يماثله إلا دعم ال للثورات المصرية، حتي توجت بثورة عام ١٩١٩. وأعتقد صادقا إياك القول، بأن التاريخ سيقف بكل إجلال واعتبار لهذا الموقف، والذي كان الإرهاص الأهم للتخلص من الحكم الثيوقراطي.

في الخاتمة، تقاطعنا في حوارنا في هذه السلسلة حول الكثير من الأوضاع الكنسية التي تحتاج إلي نقاشا قبطيا واسعا، وهي ملفات مفتوحة ونازفة، لعل منها:

– لائحة انتخاب البطريرك (هل من تعديل جديد؟)
– الأسقف العام (هل لا يزال ضروريا؟)
– تعهدات الأسقف (الصيغة الحالية، هل هي كافية؟)
(هل تجاوز الزمن صيغته؟ وما البديل؟)

ولربما يتبني كتاب الموقع هذه الملفات في قادم الأيام.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: أسطورة القرعة الهيكلية[الجزء السابق] 🠼 أسطورة القرعة الهيكلية <br />(٤) سعياً للإصلاح[الجزء التالي] 🠼 أسطورة القرعة الهيكلية <br />(٦) قصاصات غير صالحة للنشر
رجائي شنودة
[ + مقالات ]