
- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- تنظيم ٦٥
- إعلام المؤامرة
- ☑ السادات رئيسا
جاء السادات للحكم خلفًا لعبد الناصر عندما لم يجد هذا الأخير أحدًا ينافسه على المنصب. ففي إطار خطة ناصر للانفراد بالسلطة، لم يكن هو نفسه يدرك أنه يخلي الساحة للسادات من بعده.
بعدما استتبّت مقاليد الحكم في يد عبد الناصر، راح يضع خطة دقيقة شديدة الإتقان للخلاص من رفقاء الثورة. فبدأ بالكباشي عبد المنعم أمين، وأسند إليه مهمة السفر إلى الخارج للعمل سفيرًا لمصر في بلچيكا. وحين اعترض على ذلك، هدده ناصر بالنفي الإجباري، فرضخ الرجل بعد أن شاعت أنباء عديدة حول نفوذ زوجته، التي زعم البعض أنها كانت تجلس في نادي الجزيرة بين سيدات المجتمع، وتقول بثقة إن الجيش في قبضتها اليمنى والشرطة في قبضتها اليسرى.
ثم تصادم ناصر مع اليوزباشي يوسف صديق منصور، وواصل الضغط عليه حتى اعتقله نحو ثلاث سنوات. وحين ساءت حالته الصحية بعد إصابته بنزيف حاد في الرئة، أفرج عنه وأرغمه على الرحيل إلى سويسرا منفيًا. ولكن استبد الشوق بيوسف، وأرقه الحنين إلى مصر، فعاد سرًا إلى البلاد وقضى ردحًا من الزمان في قريته بصعيد مصر حتى انكشف أمره. فأعاد عبد الناصر اعتقاله مرة أخرى، ثم أفرج عنه ووضعه تحت الوصاية والتحفظ رهين بيته.
أما خالد محيي الدين، أشهر مؤيدي محمد نجيب، فقد ساءت علاقته بجمال عبد الناصر، وتدهورت حتى نفاه جمال عبد الناصر إلى سويسرا. غادر خالد البلاد وقضى في سويسرا سنوات عديدة. وحين اشتاق لرؤية والدته، أرسل إلى جمال عبد الناصر يطلب منه العودة لرؤيتها، على أن يغادر البلاد مرة أخرى دون اعتراض. ووافق جمال على طلبه، فعاد خالد لأحضان أمه، ثم عاد منفيًا إلى سويسرا. وبعد سنوات قضاها في چنيڤ، أرسل ثانية إلى ناصر يترجاه العودة، بعد أن أوجعته الغربة وأرقه الحنين للوطن، مع عدم الانخراط في أي أعمال سياسية. فوافق ناصر، وعاد خالد ليعمل صحفيًا في أخبار اليوم.
وبدأ ناصر بضرب جمال سالم، وجرده من سلطاته، وتحفظ عليه رهين البيت. ثم اتجه على الفور إلى صلاح سالم الذي كان عائدًا لتوه من الخرطوم. زعم ناصر فشل صلاح في مهمته بتوحيد السودان. وروى البعض أن ناصر أَلبَ القبائل السودانية ضد صلاح سالم، فطردوه ليتسنى لناصر اتخاذ قرار يتناسب مع فشل المهمة. أدرك صلاح سالم أنه أمام مخطط للتخلص منه، فذهب إلى مجلس قيادة الثورة، وصرخ في وجه جمال عبد الناصر وزكريا محيي الدين، مؤكدًا معرفته بما فعلاه ضده في السودان لإفشال مهمته والتخلص منه. وطالب صلاح سالم بمحاكمته محاكمة علنية لإظهار الحقائق، وهدد جمال عبد الناصر بإبراز دوره الخفي في ضرب الوحدة مع السودان وطعنه في الظهر للانفراد بالسلطة. لم يُعلق جمال، لكنه دعا مجلس قيادة الثورة إلى اجتماع عاجل طارئ دون إخبار صلاح سالم. وقرر المجلس إنهاء خدمة صلاح سالم وإيداعه رهن التحفظ لما بدر منه في الاجتماع السابق، وفشله في مهمته بالسودان، والجنون الذي استولى عليه. وهكذا لحق صلاح سالم بشقيقه جمال، بعد أن كانا ملء السمع والبصر في جميع الصحف.
لم يكتفِ جمال عبد الناصر بالتخلص من الإخوان سالم، فقد كان يخشى دائمًا قوة علاقات عبد اللطيف البغدادي، وراح يُكيل له الاتهامات، زاعمًا أن والد عبد اللطيف وأشقّاءه يستغلون نفوذه ويفرضون سيطرتهم على أبناء قريتهم. فأمر عبد الناصر بالتحفظ على والد عبد اللطيف البغدادي، واعتقال أشقائه وأزواج شقيقاته، ومنع أهالي القرية من التردد على بيت والده. وحين اعترض البغدادي على تلك الإجراءات التعسفية، أمر عبد الناصر بوضعه هو الآخر رهن التحفظ. وابتعد عبد اللطيف البغدادي عن دائرة العمل السياسي، وتلاشى دوره واختفى نجمه أمام شمس ناصر الحارقة.
أما كمال الدين حسين صديق عبد اللطيف البغدادي، فقد ساءه ما تعرض له زميله البغدادي. ورغم توليه مناصب عدّة، فإنه جاهر علنًا أمام جمال عبد الناصر باعتراضه على ما فعله البغدادي وأسرته. وسرعان ما واجه كمال الدين حسين نفس الإجراءات، فجرِد من جميع مناصبه، وأودِع ڤيلا بضاحية الهرم تحت حراسة مشددة. وكانت معه زوجته وأولاده الذين افترشوا أرض الڤيلا الخاوية للنوم. وتدهورت حالة زوجته الصحية أمام هذا الظلم وهذه الإجراءات القمعية، فتعرضت لنكسة صحية شديدة الخطر. وحين استدعى حرس الڤيلا الطبيب المعالج، كانت قد انقطعت أنفاسها الأخيرة. وكان عبد الناصر قاسيًا حين أمر بدفن زوجته دون أن يمشي في جنازتها عقابًا له على اعتراضه على ما فعله بالبغدادي. وهكذا انكمش وانزوى دور كمال الدين حسين.
التفت جمال عبد الناصر حوله فرأى زكريا محيي الدين، الذي كان يتصف بالمكر والدهاء ويتحلى بالصمت الطويل، فأسنَد إليه وظائف لا ترقى إلى مستواه العملي بعيدًا عن النفوذ، بعد أن جرده من منصب مدير المخابرات العامة. وهكذا عاش زكريا بعيدًا عن الأنظار، وهو الضابط الوحيد في الضباط الأحرار الذي لم يتحدث إطلاقًا عما تعرّض له على يد عبد الناصر، بل الوحيد الذي رفض كتابة مذكراته. واتجه بعد ذلك إلى تجارة المواشي في قريته ومسقط رأسه، كفر شكر، إحدى قرى ريف القليوبية.
وعاد ناصر ببصره مرةً ذات اليمين وأخرى ذات الشمال، فلم يجد أمامه سوى حسين الشافعي وعبد الحكيم عامر وأنور السادات. أما حسين الشافعي فقد كان زاهدًا متصوفًا عابدًا ناسكًا، راضيًا بما وصل إليه، رافضًا الجهر بطموحه أو البوح بما تكنه نفسه أمام جمال عبد الناصر. حيث كان قد استوعب الدرس الذي عاشه مع زملائه الضباط، فرضي أن يعيش في الظل، مكتفيًا بمنصبه الشرفي كنائب للرئيس، بدون أية صلاحيات حقيقية. وهكذا ارتاح له ناصر، وأسند إليه مهام الاحتفالات مع وزارة الأوقاف والأزهر والطرق الصوفية بالمناسبات الدينية، على أن يبتعد تمامًا عن دائرة العمل السياسي.
أما عبد الحكيم عامر، فاستعصى على ناصر التخلص منه. فقد نجح عامر في بسط نفوذه وشعبيته بين صفوف الجيش والشعب، وأحاط نفسه بجوقة من رجاله الذين اتصفوا بالدموية والوحشية، مثل شمس بدران وزير الحربية، وصلاح نصر مدير المخابرات العامة، وعباس رضوان وزير الداخلية العنيف، وعلي شفيق مدير مكتب شمس بدران، والسفاح حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وغيرهم. أما ناصر فكان ينتهز الفرصة بين الحين والآخر للانقضاض على عصابة المشير للتخلص منهم، وكان يعرف أن شوكتهم في داخل ثكنات الجيش قوية وصلبة لا تقوى عليها رياحه مهما بلغت درجة قوتها. حتى جاءت هزيمة يونيو 1967 فرصة سانحة لناصر للتخلص من عامر، وعزله من قيادة الجيش. كان المشير عامر قد علم أن ناصر ينوي القضاء عليه والتخلص منه، وهنا قام بتحصين بيته في الجيزة وتدشينه بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة. فأسنَد ناصر مهمة اختراق بيت المشير للواء عبد المنعم رياض واللواء محمد فوزي، وقاد الرجلان قوة عسكرية كاسحة اقتحمت بيت المشير الذي تحول إلى ثكنة عسكرية، وتبادل الطرفان النيران حتى استسلم عبد الحكيم. وقام عبد المنعم رياض ومحمد فوزي باقتياده في سيارة عسكرية أمام زوجته وأولاده، واتجهوا به ناحية الهرم، حتى انتحر أو قتل، كما تتناقل الروايات، بالسم المدسوس في عصير الجوافة.
السادات نائبًا
أما السادات، فقد كان يجيد اللعب على كافة الحبال بذكاء وخبث الفلاح المصري الأصيل. فأوهم جمال عبد الناصر أنه ينتظر الموت بين لحظة وأخرى، حيث ادعى إصابته بأزمة قلبية، وقد أوصى جمال عبد الناصر برعاية أولاده من بعده. ثم راح يؤلف كتابًا مليئًا بالنفاق والكذب، عنوانه: يا ولدي هذا عمك جمال
. وزاد السادات في العزف على أوتار النفاق حتى إنه سمى ابنه على اسم جمال عبد الناصر، ليُوهم جمال عبد الناصر بأنه من عشاقه ومحبيه ومريديه. وابتلَع ناصر طعم السادات الماكر ولم يتعرض له، بعد أن اطمأن قلبه لسلامة تصرفاته وتلاشي خطره.
وكان السادات، فيما مضى وعند بداية نشوب الثورة، يعلن صراحةً في اجتماعات مجلس قيادة الثورة تأييده وولاءه التام لجمال عبد الناصر. حتى قال هو نفسه في كتابه البحث عن الذات
إنه قام بتوثيق توكيل وأعطاه لعبد الناصر، للتصويت لصالح جمال حال غيابه عن أي اجتماع طارئ، أو إذا كان خارج البلاد في مهمة عمل رسمية أو طريح الفراش. ولم يكن غريبًا أن يطلق أعضاء مجلس قيادة الثورة على السادات لقب مستر نعم
، أي الرجل الذي لا يقول لا
لجمال عبد الناصر أبدًا. وعُرف أيضًا أن السادات كان ينادي جمال عبد الناصر علنًا أمام الجميع بلقب المعلم
، وكان يحدثه تليفونيًا كل صباح قائلًا له صباح الخير يا معلم
. أضف إلى ذلك أحاديث الزهد والتصوف التي كان يرددها أنور السادات كثيرًا أمام ناصر، فضلًا عن دعوات العشاء الذي كانت تعده زوجته چيهان السادات بنفسها كل ليلة للزعيم في بيتها تقديرًا له واحتفالًا بقدومه السعيد إلى بيتهم. وهكذا، بعث السادات الطمأنينة في قلب ناصر حتى اتخذه جمال نائبًا له.
وذكر أنيس منصور في أحد مؤلفاته أنه قال ذات مرة للرئيس أنور السادات إنه مندهش من علاقته بالرئيس جمال عبد الناصر، ويستغرب بقاءه بجواره طوال فترة حكمه دون أن يتعرض لما تعرض له زملاؤه من أعضاء مجلس قيادة الثورة. واستطرد أنيس منصور قائلًا للسادات: إن لديّ تفسيرًا لهذا يا ريس
. فنظر إليه السادات باهتمام شديد لسماع هذا التفسير، فأردف أنيس قائلًا: إن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا أشبه بمسامير لها رؤوس، فكان سهلًا على جمال عبد الناصر خلعها، إلا أنك يا سيادة الرئيس كنت تبدو أمام عبد الناصر مسمارًا بلا رأس، فكان عسيرًا عليه أن يخلعك كما خلعهم، أليس كذلك؟
. فضحك الرئيس السادات ملء فمه، ويبدو أنه لم يفهم المعنى، وقال: والله يا أنيس أنت أسوأ من العقاد
. والحقيقة أن تفسير أنيس منصور كان دقيقًا، فلقد عاش السادات طيلة فترة حكم ناصر مسمارًا بلا رأس، فعاش واستقر حتى عينه نائبًا يدين له بالطاعة ويشهد أمامه بالولاء. وبعد موت عبد الناصر، كان السادات هو الوريث الشرعي لحكم مصر بصفته نائب الرئيس الراحل.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤