
- كيف نشأت الجماعة؟
- ما بين العنف والنفاق
- الإخوان والعمل السياسي
- نشأة النظام الخاص
- المواجهة الأولى
- الإخوان المسلمين والبرلمان
- الإخوان وحكومة النقراشي
- الإخوان وحكومة صدقي
- انشقاق البنا والسكري
- الإخوان والدم
- قتل الخازندار
- الإخوان والحرب
- حل الجماعة
- ما بعد حل الجماعة
- أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض
- نسف محكمة الاستئناف
- حادث حامد جودة
- الهضيبي مرشدا
- الإخوان وعبد الناصر
- عبد الناصر مرشدا
- اعتقال الهضيبي
- نهاية شهر العسل
- التنظيم السري من جديد
- الحل الثاني للجماعة
- قطب وناصر
- أزمة مارس ١٩٥٤
- حادثة المنشية
- محكمة الشعب
- عزل نجيب
- ☑ تنظيم ٦٥
دخل سيد قطب السجن بعد حادثة المنشية. وكانت هناك تعليمات من جمال عبد الناصر شخصيًا بمعاملته معاملة حسنة، حتى إنه تمكن من مواصلة قراءاته وكتاباته، فكتب معظم مؤلفاته خلال الفترة التي أمضاها في السجن، وسُمح له بطبع كتبه وتداولها. فخرج كتابه في ظلال القرآن
في أكثر من طبعة جديدة.
وبدأ عبد الناصر في الإفراج عن الإخوان بعدما انكسرت شوكتهم، أو هكذا ظن. وما بين عامي 1960 و1964، كان كل المحكوم عليهم من الإخوان في قضية المنشية قد أفرج عنهم، بمن فيهم الهضيبي، إلا خمسة لم يُفرج عنهم حتى تولي السادات الحكم عام 1970، منهم محمد مهدي عاكف وعلي عبد الفتاح نويتو.
في مايو عام 1964، قرر عبد الناصر الإفراج عن سيد قطب بعفو صحي. وفور خروجه من السجن، استقبله عبد الناصر في بيته وقال له: إن الجماعة الماركسية افتكروا أن الميثاق فتح لهم الطريق لمركسة الثورة، وأنت أعلم بأن الثورة ليست ماركسية ولن تكون. وأنا أريدك أن تكتب عن الإسلام في مواجهة الماركسية لإيقاف هذا المد الماركسي عند حده
. وهنا سأله سيد قطب: وهل سيتركني زبانيتك لأكتب ما أراه؟
فقال له عبد الناصر: اكتب ولا شأن لك بهم، ولا شأن لهم بك
.
وبالفعل، خرج سيد قطب من مقابلته لعبد الناصر ليبدأ التحرك والكتابة والقول بحرية ضمنها له عبد الناصر شخصيًا. فبدأ في التجول بقرى مصر ومدنها ليقابل كل من يعرفه ومن لا يعرفه من أعضاء الإخوان المسلمين القدامى، ليتحدث مع الناس حول ضرورة إعادة تجميع الإخوان المسلمين ليكتب أخطر كتبه على الإطلاق معالم في الطريق
، الذي يُعتبر مانيفستو الفكر المتطرف. وقد جاءت كتابات سيد قطب في هذه الفترة لتدعو إلى المفاصلة مع المجتمع وتكفيره. وطُبع كتاب معالم في الطريق
أكثر من طبعة جديدة، كانت تنفد كل منها بعد ساعات من إصدارها.
إن هناك حزبًا واحدًا لله لا يتعدد، وأحزابًا أخرى كلها للشيطان والطاغوت. وإن هناك نظامًا واحدًا هو النظام الإسلامي، وما عداه من النظم فهو جاهلية. وإن هناك دارًا واحدة هي دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، فتهيمن عليها شريعة الله، وتقام فيها حدوده، ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضًا. وما عداها فهو دار حرب، علاقة المسلم بها؛ إما القتال، وإما المهادنة على عهد أمان، ولكنها ليست دار إسلام، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين. فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله، فتقوم الروابط بينه وبين سكانه على أساس الارتباط في الله، ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته التي تجعله عضوًا في الأمة المسلمة في دار الإسلام.(سيد قطب، معالم في الطريق)
في تلك الفترة، كتب سيف اليزل خليفة، رئيس المباحث العامة، تقريرًا عن الكتاب يصفه فيه بالخطورة على المجتمع. ورفع التقرير إلى جمال عبد الناصر يطلب فيه من رجال المباحث منع الكتاب من الطبع والتداول لخطورته. لكن عبد الناصر رفض منع الكتاب أو التعرض له، لأنه كان قد قطع عهدًا لسيد قطب بألا يسمح لأحد بالتعرض لكتاباته وأن يتركه حرًا يكتب ما يشاء. ورغم الكتب الكثيرة التي وضعها سيد قطب قبل الثورة وبعدها، إلا أنه لم يغنم من ورائها ماديًا ما غنمه من كتاب معالم في الطريق
. فغير مسكنه من شقة متواضعة إلى ڤيلا فاخرة في حلوان.
من ناحية أخرى، لم يشأ سيد قطب أن يضع نفسه في مواجهة عبد الناصر، بل وضع نفسه في مواجهة المجتمع كله. فلم يجد أمامه وسيلة ينتقم بها من هذا المجتمع الذي رآه يسير وراء عبد الناصر غير اتهامه بالجاهلية ورميه بالكفر، داعيًا أتباعه إلى تجنب هذا المجتمع ومخاصمته والهجرة منه. كل هذا كتبه سيد قطب في عهد عبد الناصر، الذي راح يغمض عينيه ويصم أذنيه ويكف يديه عن تلك الكتابات التحريضية بدون سبب واضح.
الذين ينادون بالوطنية! فهل الوطن إلا حفنة من تراب عفن؟ والذين ينادون بالقومية ورابطة الدم! وهل رابطة الدم إلا قطرات من دم أعفن؟ إنما هي وحدة الدين وأخوة توحد كل المسلمين، وتجعلهم كالجسد الواحد، لا يحدهم حد، ولا يعوقهم مانع عن إخوانهم.(سيد قطب إبراهيم حسن الشاذلي)
التنظيم ٦٥
بينما كان عبد الناصر في زيارة إلى موسكو، وصلته معلومات من رئيس جهاز المخابرات بأن الإخوان المسلمين بدأوا في التحرك والخروج من أوكارهم في وثبة جديدة على الثورة. فطلب عبد الناصر من شمس الدين بدران، الذي كان يصحبه في زيارة موسكو، أن يتصل بمخابرات الجيش ويأمرها بالبحث عن حقيقة الأمر، فقد فشلت المباحث العامة ومباحث أمن الدولة في الوصول إلى أي شيء غير عادي في حركة الإخوان على الساحة في الأيام الأخيرة، كما قال له وزير الداخلية قبل سفره إلى موسكو.
لم تكد تمر ساعات على ذلك حتى تمكنت المخابرات الحربية فعلًا من اكتشاف معسكر إخواني للتدريب بمنطقة رأس البر، وعدد كبير من الخلايا في تنظيم إخواني مسلح بقيادة سيد قطب، يوسف هواش، عبد الفتاح إسماعيل، أحمد عبد المجيد عبد السميع، وعلي عبدة عشماوي. وكان هذا التنظيم يخطط لنسف عدد من الجسور والكباري والمنشآت في مصر، بل وخطط الإخوان للتخلص من عبد الناصر في ثلاث محاولات، أولها كانت تجنيد أحد عناصر شرطة رئاسة الجمهورية واسمه إسماعيل الفيومي، وكان يجيد الإطلاق الذاتي للنيران ويمكنه إصابة الهدف من بعيد أو على عينه عصابة سوداء، ووصلت معلومات عنه لأمن الدولة دون معرفة اسمه، وأنه ينتظر عبد الناصر في مطار القاهرة فور وصوله من موسكو.
كان الموقف صعبًا وخطيرًا، كما يروي اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة السابق، في كتابه الإخوان وأنا
. ففي تلك اللحظة، كانت طائرة الرئيس عبد الناصر في الجو، ولم يكونوا يعرفون اسم القناص ولا مكانه. إلى أن هداهم التفكير إلى مراجعة كشوف الرماية لعناصر الحرس الجمهوري، فاكتشفوا اسمه. وانطلقوا في سباق مع الزمن يبحثون عنه في كل مكان، حتى عثروا عليه مُعدًا سلاحه في موقع مستتر بالقرب من مكان هبوط طائرة الرئيس. وبعد 30 دقيقة فقط، هبط عبد الناصر ونجا من الاغتيال بمعجزة.
المحاولة الثانية هي تفجير القطار الذي يقل عبد الناصر من القاهرة إلى الإسكندرية. واستخدموا لأول مرة شحنات يتم تفجيرها عن بعد باستخدام أجهزة اللاسلكي على بعد أكثر من كيلومتر، وتم ضبط المتفجرات والأجهزة والجناة قبل شروعهم في التنفيذ.
المحاولة الثالثة كانت اغتيال ناصر أثناء مرور موكبه من المعمورة، حيث كان يتجه إلى رأس التين بالمكان المخصص للاحتفال بمناسبة خروج الملك من مصر يوم 26 يوليو. وُضعت مجموعة الاغتيال الأولى في محل أندريا أمام سرايا المنتزة، وكان الاغتيال سيتم في اللحظة التي يسير فيها موكب الرئيس بهدوء، فيمكن اصطياده بالبنادق والمدافع الآلية. وُضعت مجموعة الاغتيال الثانية في محل بترو في سيدي بشر، لكونها منطقة ضيقة ومزدحمة، وتعتبر عنق زجاجة ونموذجية لاصطياد الهدف والاندماج في الجماهير المزدحمة، لكنهم أيضًا ضُبطوا قبل ساعة الصفر.
تولت أجهزة المخابرات الحربية أمر القبض والتحقيق في قضية التنظيم ٦٥. وأعلن عبد الناصر من نادي الطلبة المصريين الدارسين بموسكو قرار حل الإخوان المسلمين، وإعادة اعتقال من سبق اعتقاله منهم، وعلى رأسهم سيد قطب. وقُدم أعضاء التنظيم إلى المحاكمات التي قضت بإعدام سبعة منهم بالفعل.
لكن الرئيس العراقي عبد السلام عارف توسط لسيد قطب لدى عبد الناصر ليفرج عنه على أن يخرج من السجن ليسافر إلى بغداد، وأن يكتب التماسًا إلى عبد الناصر يرجوه الإفراج عنه. فأرسل عبد الناصر إلى سيد قطب رسولًا يخبره في السجن بتوسط الرئيس العراقي، بعد الاتفاق مع هذا الرسول على ألا يُسمح لسيد قطب بأن يفهم أنه موفد إليه بأمر عبد الناصر حتى لا يركب رأسه.
كان عبد الناصر يفهم جيدًا نفسية سيد قطب وتركيبته النرجسية، لكن قطب رفض أن يلتمس العفو من عبد الناصر كتابةً. كان تقدير سيد قطب للأمر في ذلك الوقت أن كتابة الالتماس إلى عبد الناصر سوف تنزل من قدره وتحط من شأنه في نظر أتباعه ومريديه، وبذلك سوف يخسر كثيرًا، بينما لن يخسر شيئًا إن لم يكتبه، لأنه بتدخل عبد السلام عارف قد ضمن البقاء على حياته، خصوصًا أنه فهم من تلك الوساطة أنه مشمول بحماية عبد السلام عارف، ولابد أن عبد الناصر لن يستطيع أن ينفذ فيه حكم الإعدام حرصًا منه على العلاقة الوطيدة التي تربطه بعارف، فليحيا إذن حرًا كريمًا دون كبوة الالتماس لعبد الناصر التي تحط من كرامته، وتشْعِره بالضعف أمام خصمه اللدود.
وحين سمع عبد الناصر بأن قطب رفض كتابة الالتماس بتخفيف الحكم عنه، اعتبر ذلك محاولة للّي الذراع، فقرر تنفيذ الحكم فيه.
وبالفعل، نُفذ الحكم في ثلاثة من المتهمين في 29 أغسطس 1966، وهم سيد قطب، وعبد الفتاح إسماعيل، ومحمد يوسف هواش. وخُفف الحكم على الأربعة الآخرين لصغر سنهم. وحُكم على حسن الهضيبي، المرشد العام للإخوان، بالسجن ثلاث سنوات. أما القناص إسماعيل الفيومي فقد توفي في السجن في أثناء محاكمته.
صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤