بعد قرونٍ طويلة من ترسيخ الاتهام بالهرطقة بحق اللا خلقيدونيين، وإغراقهم بنعوت الأوطاخية والمونوفيزتية واليعقوبية، هناك واقع جديد يتشكّل، قادت إليه حركة التَّرْجَمَةً والبحث المتسارعة حاليًا، وظهور بعض النصوص التي لم تكن معروفة قبلًا، أو حتى محفوظة بلغات لم يتم التطرق إليها سابقا كالسريانية مثلًا.
هذا الواقع يقود إلى مأزِق خلقيدوني عميق (ما زال محصورًا على مستوى الدراسات ولم يصل للمستوى الشعبي) فالمآخذ التاريخية عديدة، وينبغي الاعتراف بها حتى يكون هناك قدر من الموضوعية، وفي المقابل لابد من إيجاد “تخريجات” وتبريرات لحفظ ماء وجه المجتمعين في خلقيدونية، والخلقيدونيين.
المؤسف أن كنيستنا خارج هذا المعترك تمامًا، لدينا أسقف أو اثنين قادرين على الانخراط الفعال من جهة العلم -باقي الأساقفة في حالة من الجهل المريع وحديثهم لا يخلو من الهرطقات- ولا أعلم ماذا يمنعهم من الإسهام الفعال في الدفاع عن إيماننا.
ليس لدينا دارسين حقيقيين، وهو أمر مفهوم، فأني لهم أن يدرسوا بعد أن شنت حروب ضارية على العلم والتعلم في الحبرية السابقة، وتم تشريد كل من تلقى تعليمًا حقيقيًا، ومع تحويل الكليات الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية من معاهد علم إلى مزارع لتفريخ الهرطقات والجهال في الحبرية السابقة نفسها.
الحال نفسه في باقي الكنائس اللا خلقيدونية، وأن كان يداعبني بعض الأمل في الكنيسة الهندية التي أهدت لنا العلامة “في سي صامويل” ولا شك أنها قادرة على الاستمرار، وبعض الأمل أيضًا في الكنيسة السريانية، لوجود مَطْرَان شاب متميز نائبًا بطريركيًا للدراسات السريانية، هو الأب “سويريوس روجيه أخرس” الذي لا ينقصه العلم ولا الشجاعة، وأرى خطوات جدية وإن احتاج الأمر إلى جهد مؤسسي كبير.
ستكون هذه السلسلة بمثابة تطبيقًا عمليًا لازمًا لما تدارسناه سويا في سلسلتي كنيستنا وتدوير الهرطقات [1] وسلسلة مفاهيم لاهوتية [2] وستنتهج قراءتنا استراتيجية تبرز وتؤطر وتعظم الاستفادة من الاعترافات الخلقيدونية الواردة بالكتابات، بحيث نعيد كتابة التاريخ المبعثر، وننهي أي شكوك اكتنفت هذه المواقف سابقًا. ثم دحض التبريرات التي سيقت لإسباغ المشروعية على المواقف محل هذه الاعترافات.
قراءتنا الأولى ستكون لمقال له أهمية استثنائية: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية؛ في طبيعتين [3]
وكنا قد فندنا سابقًا هذه الصيغة في المقال من طبيعتين vs في طبيعتين [4]، فسنقرأ معا كيف يدافع الخلقيدونيون عن هذه الصيغة.
على أن أهمية المقال تنبع من أهمية كاتب المقال، وأهمية مترجمه إلى العربية، الأول هو البروفيسور “جيورجيوس مارتيزيلوس” أستاذ العقائد بكلية اللاهوت جامعة “تسالونيكي” وهو معلم بارع ومدافع جَسور عن الخلقيدونية، أما الثاني فهو البروتوبريسفيتيروس “أثناسيوس حنين” والحديث عنه “كله” شجون، فالعالم والكاهن القبطي واسع المعرفة تم التنكيل به حتى “شلحه” من شنودة الثالث وزبانيته، الذين خاصموا العلم خصام الأعداء الألداء، ثم بعد أن انتقل الرجل كاهنًا في الكنيسة اليونانية تنكر لقبطيته وبدا وكأنه قد ارتدى قبعة بيزنطية منذ ولادته.
فإلى المقال المقبل.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
نحاول تخمين اهتماماتك… ربما يهمك أن تقرأ أيضا:
- الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [١] سنعبر -كرامًا- على المقدمة التي كتبها الأب "أثناسيوس حنين" ليوضح فيها أهمية المقال وكاتبه، دون أن يتقاعس عن "غمز" الكنيسة القبطية، ولكنها هامة وتستحق القراءة...