المقال رقم 14 من 17 في سلسلة القديس بولس الرسول

يحتل هذا الجزء ما يربو على الخمسمائة صفحة، من القطع الكبير، ويتعرض لقضايا هي العمود الفقري للمسيحية، بدايًة من ماهية المسيح والثالوث وانتهاءً بأمور أخر الزمان، وبينهما يعرض الكاتب قضايا ومفاهيم: “الخلاص والفداء”، “الإيمان والتبرير والتقديس”، “الأسرار”، “الكنيسة”، “الحياة المسيحية والأخلاق”، كما طرحها القديس ، أو حسب وصف الكاتب “في لاهوت بولس الرسول”، وغير خاف على القارئ أن مصطلح “في لاهوت بولس” تعني “في ما استقر عند القديس بولس من مفاهيم لاهوتية.

وبطبيعة الحال لسنا بصدد تحليل وفحص هذه القضايا، بقدر عرضها في إيجاز لا يخل بما ذهب إليه الكاتب، ولا يضيف إليه ما لم يقله، وهي مهمة دقيقة وشاقة وربما مجهدة، تحاول ألا تقع في شباك الانحيازات الذاتية، أو أن تكتب وعينه على المتربصين، والفرقاء، الذين استغرقتهم صراعاتهم.

يذهب الكاتب إلى أن القديس بولس كانت مهمته الرئيسية هي البشارة بالمسيح، كتكليف مباشر من الرب يسوع المسيح:

“لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُرْسِلْنِي لأُعَمِّدَ بَلْ لأُبَشِّرَ”

(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 17:1)

ومن ثم جاءت كتابات القديس بولس ورسائله لتدعم هذه المهمة ولم يقصد منها أن تقدم منهجًا لاهوتيًا يمكن احتسابه نظرية لاهوتية، وفي هذا يقول الكاتب:

فمدخل اللاهوت عند بولس لا يتبع أي منهج بأي مستوى، بل هو المسيح والمسيح نفسه الذي يتوهج نوره في فكر بولس وروحه فيأخذه نموذجًا لكل شيء، ومن هنا يأتي لاهوت بولس الرسول. فلاهوت بولس الرسول ليس تعليم المسيح ولا تقييم المسيح ولا تقييم أعمال المسيح، بل المسيح نفسه منظورًا في حياته وأعماله. فأعظم ما عرفه بولس عن المسيح وكل ما حصل عليه من المسيح وكل ما استعلنه بالروح هو شيء واحد: أن المسيح أحبه، ثم مات من أجله “أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي”  غلاطية 20:2

(الأب ، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)

ويوجز الكاتب هذا المفهوم في قول القديس بولس: “وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ.” (1كو16:2)، الذي ترجمه في حياته “فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ” (غلاطية 20:2).

ويستطرد الكاتب مؤكدًا:

“هذا هو لاهوت بولس الرسول، وهذا هو منهجه إن صح هذا التعبير: المسيح بشخصه الحي القائم من الأموات، منظورًا في حياته السابقة على تجسده، وفي تجسده، وفي موته وقيامته وارتفاعه وجلوسه عن يمين الآب في السموات” المسيح هو الكل في الكل “وكأن لسان حال لاهوت بولس الرسول هو [أعطني المسيح] وأنا سأكون أعظم لاهوتي في العالم، والعكس يكون صحيحًا: إن كنت أعظم لاهوتي في العالم وأنا لا أحوز شخص المسيح في حياتي، فأنا لست من اللاهوت في شيء، وسأعثر في بولس وفي المسيح والله وكل الناس”.

(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)

وينتهي الكاتب إلى أن:

المدخل الوحيد للاهوت بولس الرسول “ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم” والمسيح عندما يحل في قلب إنسان أحبه وآمن به، يحل بلاهوته [لاهوت المسيح وليس لاهوت بولس الرسول]، بمعنى يحل بكل غنى مجده، يحل بوجوده السابق على التجسد، يحل بتجسده، يحل بكل تعليمه، يحل بآلامه، يحل بصليبه، يحل بموته، يحل بقيامته، يحل بارتفاعه وجلوسه عن يمينا لآب، يحل بشفاعته الدائمة لدى الآب، يحل بنعمته وروحه القدوس”.

(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)

“ولكن أول ما يعلنه المسيح لمن أحبه هو كيف مات من أجله !، لأن أعظم وأجلّ عمل قام به الآب من أجل العالم ـ وتممه المسيح ـ هو بذل ابنه لكى لا يهلك كل من يؤمن به. الفدية التي قدمها المسيح بموته هي أعظم هبة وهبها الله للإنسان، لأن بموت المسيح أنقذنا من لعنة الخطية والموت ونلنا حياة جديدة. وموت المسيح باعتباره أعظم هبة وهبها الله للإنسان، فإن هذه الهبة تحمل بالضرورة كل الهبات الأخرى والعطايا وكل شيء: “اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟” (رومية 33:8)، ويلاحظ القارئ هنا كلمة (معه)”.

(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله»)

اللافت في هذا الجزء من الكتاب أنه يعرض بتدقيق عديد من الإشكاليات اللاهوتية بداية من ماهية المسيح، والثالوث، وقضية الفداء والخلاص، المسيرة والنتائج، ويناقش الجذور اللاهوتية للأسرار عند القديس بولس، خاصة المعمودية وال والزيجة، وعندما يعرض لماهية الكنيسة يوضح المفهوم الروحي لها، ولا يغفل رؤية القديس بولس للإدارة الكنسية، وأبعاد التدبير الكنسي، ولا يحلق الكاتب في سماء التنظير بل يقتحم واقعنا فيحلل منظومة الحياة المسيحية والأخلاق برأي القديس بولس، ويناقش أخلاق المسيحي تجاه الآخرين بل ومحاور الأخلاق الشخصية للفرد المسيحي.

ويتناول الكاتب النظريات المختلفة التي تناولت “سر الفداء”، نظرية الفدية بدفع الثمن، نظرية التكفير بالإحلال (عقوبة بدل عقوبة)، نظرية استرضاء الله، ويبين ضعف هذه النظريات الثلاث، ثم يطرح ما يكشفه القديس بولس فيمَا يسمى “الفداء الشمولي”.

ويذهب بنا الكاتب الى النتائج التي ترتبت على الفداء وفي مقدمتها “المصالحة”، وإبطال عوائق المصالحة.

ويفرد الكاتب فصلًا خاصًا لأمور آخر الزمان (ال) عند القديس بولس؛ بداية من تعريفها، والموت وما بعد الموت، ومجيء المسيح والظروف الملازمة له، وظهور ضد المسيح، ثم الدهر الذي يتبع مجيء المسيح.

هو جزء يحرض على التفكير وإعمال العقل، وانتعاش الروح، ورحلتنا معه ممتدة وتعزيتنا منه ليست بقليلة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: القديس بولس الرسول[الجزء السابق] 🠼 مصادر تعاليم بولس الرسول (٢)[الجزء التالي] 🠼 حكمة تعلو فوق كل شيء
كمال زاخر
كاتب ومفكر قبطي في التيار العلماني المصري  [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: : صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨