المقال رقم 17 من 19 في سلسلة تاريخ الإخوان والسلطة

كان الإخوان يعتبرون امتداد لحكم إن لم يكن أكثر عنفًا منه، ومن ثم قرر الإخوان الفدائيون كما يصفهم الرجل القوي في التنظيم اغتيال إبراهيم باشا، فاستأجرت المجموعة المناط لها بتنفيذ العملية شقة على الطريق بمصر القديمة تشرف تمامًا على الطريق الذي يمر به موكب إبراهيم عبد الهادي من منزله في المعادي إلى رئاسة الوزارة بلاظوغلى ذهابًا وإيابًا، وعرضت فكرة قتل إبراهيم عبد الهادي وحده دون المساس بموكبه، لذا استقر التفكير على أن يقود الأخ مصطفى كمال عربة تنطلق مندفعة من شارع بحوار الشقة المستأجرة، حيث تكون مجهزة بعبوات ناسفة يتحقق بها نسف عربة إبراهيم عبد الهادي والعربة التي يقودها مصطفي كمال. ولكن يبدو أن الأخ مصطفى كمال خشي أن يكون هذا القتل انتحارًا، أو أن يشترك في معركة سافرة مع حراس الموكب فتراجع عن التنفيذ.

ثم تقرر تنفيذ الأمر بإلقاء القنابل على الموكب، وبالفعل قامت المجموعة بالتنفيذ في 5 مايو 1949، إلا أنه بعد إلقاء القنابل تبين أن إبراهيم عبد الهادي لم يعد بموكبه في هذا اليوم، ولكن الذي عاد كان حامد جودة رئيس مجلس النواب، ولم يُصب بسوء لأنه استلقى في دواسة العربة، ونجا بسيارته التي أسرع قائدها بالفرار، ولكن جرح الكثير من المارة، وقتل سائق عربة كاروا كانت بحوار الموكب، وفر الذين اشتركوا في الحادث بعد أن ألقوا بأسلحتهم، ولم يتمكن مصطفي كمال عبد المجيد من إلقاء سلاحه وقبض عليه ومعه مدفعه، وكان ذلك بداية الخيط الذي أوصل إلى القبض على جميع المشتركين في الحادث، ولم يدخل عبد الهادي وزارة الداخلية سوى ثلاث مرات خلال السبعة شهور التي عاشتها وزارتها، منها المرة التي تعرض فيها للاغتيال، وبعد القبض على منفذي العملية بدأت محاكمتهم التي استمرت حتي قيام انقلاب يوليو 52، التي اعتبر بعدها أن المتهمين أبطال تحرير، وصدر عنهم جميعًا عفوًا شاملًا بقرار من بقيادة .

الجماعة… قرار حظرها حاضر عند كل صاحب سلطة من دون أن يسلم خاطره من أغراء استخدامها.

حل عام 1950، وبعد عداوة طالت سنوات بين الجماعة وحزب الوفد، بدأ هذا المشهد في التغير مع حلول الانتخابات النيابية عام 1950، فتم عقد صفقة إخوانية وفدية بين الإخوان و باشا شخصيًا، يقوم بمقتضاها بتأييد حزب الوفد في الانتخابات، مقابل الإفراج عن الإخوان المحتجزين في السجون، وفي يوم 3 يناير 1950 أجريت الانتخابات البرلمانية في مصر، وهي آخر انتخابات برلمانية أجريت في عهد فاروق، ونجح فيها حزب الوفد نجاحًا ساحقًا، بعد أن حصل على 87% من عدد المقاعد التي جرت الانتخابات عليها بدعم الإخوان المسلمين، وهكذا عاد النحاس رئيسًا للوزراء في 12 يناير 1950 وأوفى بوعده للإخوان، وبدأت المفاوضات للإفراج عن المعتقلين من الجماعة وإعادة ممتلكاتهم، وبالفعل خرج معظمهم طبقًا للاتفاق، لكن وزير الداخلية وضع 3 شروط لإعادة الشرعية للجماعة وهي:

1- ألا يتم استئناف النشاط الرسمي للجماعة إلا بعد رفع الإعلان بالأحكام العرفية.
2- يمكن استئناف النشاط القديم بصورة رسمية لكن تحت اسم جديد.
3- لا يستخدم الاسم القديم إلا بعد الأحكام العرفية وعودة الجماعة نهائيًا إلى الشرعية.

وقد اضطر أحد أشهر قيادات الإخوان تحت إلحاح الرغبة في إعادة نشاط الجماعة إلى قبول العرض الوفدي تحت أي شروط، وقد ذهب مصطفى مؤمن في ذلك إلى اقتراح اسم جديد للجماعة هو النهضة الإسلامية، ولكن باقي زعماء الجماعة و بوجه خاص رفضوا الاقتراحيين بتغيير اسم الجماعة أو تأجيل نشاطها، وانتهى الأمر بفصل مصطفى مؤمن من الجماعة.

في أول مايو 1950 تم رفع الأحكام العرفية واجتمع مكتب الإرشاد بقادة الإخوان، وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين تنعم بالوجود الشرعي مرة أخرى، وارتفعت راية الجماعة مرة أخرى في جميع أنحاء البلاد، ولكن قوات الأمن مزقت الرايات والشعارات المرتبطة بالجماعة، واحتلت المركز العام وأصر الإخوان على موقفهم.

وأصبح الخلاف علنيًا بين الحكومة والجماعة بسبب ما أعلنه وزير الداخلية عن عزمه شراء مبنى المركز العام للجماعة لتحويله إلى نقطة شرطة، فحاول فؤاد سراج الدين التخفيف من حدة الأزمة بين الوفد والجماعة، وأعطى وعدًا للجماعة في حديث له في صحيفة الأهرام يوم 26 أكتوبر عام 1950 قائلًا؛ سيباشر الإخوان نشاطهم، وانتهى العام الأول لوزارة الوفد، فأعلن فؤاد سراج الدين؛ إن الحكومة تفكر في استبدال قرار حل الإخوان بقانون جديد للجمعيات، وبالفعل أعد مشروع القانون مستهدفًا الجمعيات التي تسعى لتحقيق أغراض اجتماعية أو دينية أو علمية أو أدبية إذا زاد عدد أفرادها عن 20 باستثناء جمعيات النشاط المدرسي، ولا يجوز للجمعيات أن يكون لها تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، وأُلزمت الجمعيات بتسجيل معلومات تفصيلية عن كل عضو وإيداع صورة فوتوغرافية لكل عضو لدى السلطات المختصة.

لكن تبين للإخوان المسلمين أن المشروع موجه ضدهم بالذات لتقنيين نشاطهم، وهو الأمر الذي يرفضونه رفضًا تامًا ويمنع حركتهم ويفرض عليهم رقابة بوليسية، رغم أن فؤاد سراج الدين قال؛ إن المشروع لا يعنى جمعية بذاتها، وإنما ينطبق على الجمعيات المختلفة، وتم تقديم مشروع القانون يوم 16 أبريل 1951 إلى البرلمان، وخلال مناقشة القانون أمر صلاح عشماوي الأعضاء بالخروج في مظاهرة ضخمة أمام مبنى البرلمان، فتم تأجيل مناقشة المشروع إلى جلسة يوم 18 أبريل 1951، وتم التصديق عليه، وأعلنت الجماعة على رؤوس الأشهاد أنها لن تسجل نفسها طبقًا للقانون، وأكدت الجماعة تصميمها على المطالبة باستعادة مقارها التي يحتلها البوليس وعياداتها الطبية وأموالها المصادرة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

‎ ‎ جزء من سلسلة: ‎ ‎ تاريخ الإخوان والسلطة[الجزء السابق] 🠼 نسف محكمة الاستئناف[الجزء التالي] 🠼 الهضيبي مرشدا
بيشوي القمص

صدر للكاتب:
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ ٢٠١٧
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [قيصر جديد] ٢٠١٨
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [صراع العروش] ٢٠٢٢
كتاب: ﻻ أحد يتعلّم من التاريخ [العملية ظافر] ٢٠٢٤

‎ ‎ نحاول تخمين اهتمامك… ربما يهمك أن تقرأ أيضًا: ‎ ‎